måndag 30 januari 2012

هل يتعارض قانون الثرموديناميك الثاني مع نظرية التطور؟


يكتب احد الزملاء قائلا:
يخرج علينا البعض بالادعاء ان قانون الثرموديناميك الثاني يتعارض مع نظرية التطور.. غير اننا نعلم ان الكون يملك الاف من عمليات التحول الى التعقيد، وبالتالي، يفترض ان يرفض الاعتراف بحدوثها ايضا وعدم الاكتفاء برفض الاعتراف بحدوث التطور، بحجة القانون الثاني للديناميكية الحرارية. بمعنى اخر هل يعني حدوث التعقيد، انتهاك للقانون الثاني، ام ان فهمنا لكلا الطرفين هو الذي يحتاج الى إعادة دراسة؟


يقول القانون الثاني للديناميكا الحرارية:
1-من المستحيل أن تنتقل كمية من الحرارة من جسم عند درجة حرارة منخفضة إلى جسم عند درجة حرارة مرتفعة إلا ببذل شغل من الخارج.
2- يتزايد أنتروبية أي نظام معزول مع الوقت، ويميل لكي يصل إلى نهاية عظمى سواء في النظام المعزول أو في الكون (على اساس ان الكون ككل يفترض انه نظام معزول).
3-من المستحيل تحويل الطاقة الحرارية بأكملها إلى شغل بوساطة عملية دورية.
 

 
زيادة التعقيد ما بين الأنثروبي وشياطين ماكسويل
في بداية القرن التاسع عشر قام سادي كارنو "Sadi Carnot" بصياغة المبدأ الثاني للثرموديناميك والذي يؤكد على تزايد الانثروبي "Entropy" في أي نظام مغلق، أو - بكلمات أقل تعقيداً – زيادة الفوضى والاضطراب في أي نظام معقد وبالتالي يحدث تلف محتوم وتتلاشى البنية المعقدة تماماً بمرور الوقت وينفرط عقدها. ويبدو أن التطور يتعارض تماماً مع هذا، فالتطور يجعل الكائنات تزداد تعقيداً بمرور الوقت وليس العكس؟! والأمر لا يقتصر على التطور فقط بل أن نمو جنين أو طفل يشمل زيادة تعقيد جسمه، وبالمثل تكون كوكب أو نجم هو أيضاً زيادة في التعقيد!! باختصار نحن نعرف العديد من المجموعات المادية المركبة القادرة على تعقيد نفسها بنفسها وهي تفعل ذلك بالفعل إذا ما ساعدتها الظروف فأين يكمن الخلل وما سبب هذا التناقض الظاهري؟!

على صعيد آخر هناك تجربة شهيرة تثبت خطأ مبدأ "كارنو"، وهي تعرف باسم مفارقة شياطين ماكسويل(2) والفكرة باختصار هي أن نملأ غرفة محكمة الإغلاق بغاز، ونفصلها إلى حجرتين أصغر (أ) و(ب) بواسطة حاجز مثقوب بثقب صغير، في البداية الضغط سيكون متساوي في الحجرتين وكما نعلم فالغاز ما هو إلا مجموعة من الجزيئات تتحرك باستمرار، وهذه الحركة قد تجعل الجزيئات تنتقل من القسم (أ) إلى القسم (ب) وبالعكس، والمنتظر أن تتساوى الجزيئات التي تتحرك في الاتجاه أ ب مع تلك التي تتحرك في الاتجاه ب أ وبالتالي يظل الضغط متساوي في القسمين (أ، ب) والنظام بأكمله يكون في حاله توازن. ولكن دعونا نتخيل أن شيطان يحرس الثقب، وعندما يرى جزيئة ستمر من (أ) إلى (ب) فإنه يسمح بذلك ولكنه لا يسمح بحدوث العكس، أي يمنع مرور الجزيئات من (ب) إلى (أ) عن طريق غلق الثقب أمامها. من الواضح أن هذه العملية على المدى الطويل ستؤدي لانتقال الغاز بأكمله إلى القسم (ب) وسيصبح القسم (أ) فارغ، أي ستنتهي حالة التوازن البدائية ويزيد الضغط في قسم على حساب الآخر، فكيف حدث هذا بالرغم من تناقضه مع مبدأ كارنو؟!

في الواقع لا توجد مفارقة بالمرة ولا يوجد تناقض، لأن عمل الشيطان يلغي الفرضية الأساسية التي يقوم عليها برهان زيادة الانثروبي، فالمبدأ الثاني للثرموديناميك ينطبق على بنيات معزولة بالفرض، وللأسف لم يتم دائماً توضيح هذه النقطة بشكل كاف، والتي بدونها لن يعود لمبدأ كارنو أي سند. أي أن السؤال الأول الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا قبل الشروع في حل أي من المفارقات السابقة هو: هل البنية التي ندرسها معزولة؟ الإجابة في المعتاد لا بالتأكيد، فالبنية الوحيدة المعزولة فعلاً هي الكون نفسه، لكن المجوعة الشمسية والأرض والكواكب والنجوم التي تنشأ والكائنات الحية التي تتطور والطفل الصغير الذي ينمو .... الخ كل هذه المجموعات غير معزولة بالمرة بل هي مجموعات مخترقة تتلقى واردات من الخارج تساعدها في زيادة تعقيدها على حساب مصادر أخرى. فلا التطور يتعارض مع المبدأ الثاني للثرموديناميك ولا شياطين ماكسويل تلغي المبدأ الثاني.

المثال الخاص بشياطين ماكسويل يمكنه أن يقدم لنا نموذج جيد لفهم التطور. فالطفرات تحدث بصورة عشوائية (تماماً مثل حركة الجزيئات في الغرفتين) والانتخاب الطبيعي يلعب دور شيطان ماكسويل فهو يسمح للطفرات المفيدة فقط بالمرور إلى الأجيال التالية ويستبعد الطفرات الضارة وبالتالي يسمح بزيادة التعقيد باستمرار. ولكن هل يجب أن يكون "الشيطان" واعي لما يفعله؟! بكلمات أخرى هل يجب أن يكون هناك عقل مفكر حتى يزداد التعقيد في منظومة ما؟ دعوني أقص عليكم هذه القصة فهي تحمل بين طياتها إجابة هذا السؤال.

في أحد الضواحي الريفية القريبة من دنفر (تقع في ولاية كولورادو في الولايات المتحدة) عام 1951، جاءت بلاغات غريبة من المزارعين(3) ، فالبعض لاحظ ظهور أمراض غير مفهومة لحيوانات المزرعة والبعض عانى من وفاة بعض حيواناته وطيوره الداجنة. أيضاً جاءت بلاغات عديدة عن اصفرار أوراق النباتات وفشل بعض المحاصيل في أكمال دورة حياتها بصورة طبيعية، كما أبيدت بعض المحاصيل عن أخرها، وجاءت أيضاً بلاغات عن إصابة بعض المزارعين بأمراض غير مفهومة. الأمر كان كارثة بحق، كان هناك وباء في المنطقة، لكنه وباء من نوع عجيب أصاب جميع الأحياء من نبات وطيور وحيوانات وبشر!! المهم، وبدون الاستطراد كثيراً، بدأت الجهات الفيدرالية في الولاية بالتعاون مع عدة شركات وعدة ولايات أخرى في بحث الأمر، وأتضح أن سبب كل هذا هو تلوث المياه بمادة4-dichlorophenoxy acetic acid تعرف اختصاراً باسم 2-4-D، الشكل التالي يوضح البنية الجزيئية لها C8H6Cl2O3، وهكذا أصبح الأمر مفهوم، فمادة مثل هذه بالكميات التي وجدت بها في المياه كافية لتفسير سبب هذه الكوارث، ولكن، تُرى من الذي قام بتصنيع هذه المادة بهذه الكميات المهولة وقام بتلويث المياه بها؟ وكيف وصل لهذه التكنولوجيا التصنيعية التي كانت جديدة في هذا الوقت؟ وما هو هدفه من إيذاء الناس وتدمير المحاصيل وتسميم الحيوانات والطيور بهذه الطريقة المرعبة؟!

2,4-dichlorophenoxy acetic acid


قبل أن أجيب عن التساؤلات السابقة، أودّ ذكر بعض المعلومات عن مادة الـ 2,4-d. هذه المادة تعتبر من الأوكسينات (auxin) (الأوكسينات هي منظمات نمو أو هرمونات نباتيه ينتجها النبات لتقوم بتنظيم معدل نموه)، ولم يبدأ تصنيعها إلا في عام 1941. كان هناك رغبة مُلحة للحصول على أوكسين نباتي فالاستخدامات التجارية له ستكون كثيرة للغاية، ولكن كانت المشكلة أن النبات ينتج هذه المواد بكميات قليلة جداً بالإضافة لأنها مواد غير ثابتة بالمرة وتتحل بسرعة واستخلاصها من النبات عملية شاقة للغاية وهي وأن كانت مفيدة في نطاق الأبحاث العلمية إلا أنها ستكون غير مجدية بالمرة للاستخدام التجاري، وبالتالي فقد حاول الكيميائيون تصنيعه بدلاً من استخلاصه من النباتات، ولم تكلل هذه المحاولات بالنجاح إلا في أربعينات القرن الماضي عندما تم تصنيع الـ 2,4-D لأول مرة وبتكلفة منخفضة نسبياً (مقارناً بالعائد الناتج من استخدامها). وبالفعل أصبح لها تطبيقات تجارية وعلمية عديدة، فهي تستخدم لتنظيم نمو النباتات حسب الرغبة والتحكم في مواعد الأثمار كما يمكن استخدامها بتركيزات عالية نسبياً لجعل النبات ينمو بمعدل سريع جداُ يؤدي لتدميره – وبالتالي تستخدم كمبيد للأعشاب الضارة – أيضاً أصبحت هذه المادة جزء رئيسي من كيماويات جميع معامل زراعة الأنسجة في أنحاء العالم(4)، باختصار إنتاج هذه المادة صناعياً كان إنجاز بشري رائع فتح أبواب عديدة لإنجازات ضخمة للغاية على الصعيد العلمي والتجاري.

والآن نعود لهذا اللعين الذي قام بإنتاج هذه المادة ونحن في أشد درجات الدهشة. لو كان باع هذه المادة لحصل على ثروة طائلة وأفاد نفسه وأفاد البشر، بدلاً من إلقائها هكذا ليضيع ثروة من بين يديه ويدمر صحة البشر والحيوانات ويتلف الكثير من النباتات!!

في الواقع يا أعزائي من فعل هذه الفعلة لم يكن "يعي" أنه بفعلته هذه يؤذي الناس ولم يهدف إطلاقاً لإيذاء أحد بل أكثر من هذا، من قام بهذه الفعلة لم يكن يدرك ما يفعله على الإطلاق، باختصار شديد من قام بتركيب هذه المادة المعقدة هو أحد شياطين ماكسويل

بعد دراسات طويلة ودقيقة اتضحت تفاصيل القصة كاملة، ففي عام 1943 كانت ترسانة السلاح الكيماوي للجيش في روكي ماونتن (القريبة من دنفر) تقوم بتصنيع بعض المواد الحربية، ثم بعد 8 سنوات قامت بتأجير الموقع لإحدى شركات البترول الخاصة التي كانت تخطط لتصنيع بعض المبيدات الحشرية، بعد هذا بقليل جاءت البلاغات الغامضة. ولكن الجيش لم يكن ينتج مادة الـ 2,4-D وشركة المبيدات الحشرية لم تكن تنتجها أيضاً (في الواقع شركة المبيدات الحشرية لم تكن قد قامت بتغيير خطوط الإنتاج أو بفعل أي شيء بعد، فقط هي استلمت الموقع ثم بدأت البلاغات تأتي). الذي حدث كان كالتالي، أحواض النفايات الخاصة بالجيش التي كانت تستقبل المواد الكيمائية الفائضة من عمليات التصنيع الحربية، من كلوريدات وأملاح حامض الفوسفونيك وفلوريدات وزرنيخ وخلافة، لم تتحمل التفاعلات التي تحدث بين هذه الكيماويات فبدأت جدرانها بالتآكل مما سمح لهذه الكيماويات بالرشح إلى الخارج لتختلط بالمياه الجوفية وتحملها إلى مناطق أخرى وتحت تأثير الهواء والشمس بدأت الكيماويات تتفاعل لتنتج مركبات أخرى على أسطح الصخور وتبدأ في دورة أخرى من التفاعلات، وفي خلال ما يقرب من 8 سنوات تم تصنيع مادة الـ 2,4-d بكميات خرافية بطريقة تلقائية وبدون أدنى تدخل واعي. وانتقلت المادة مع المياه الجوفية إلى القرية المنكوبة لتسبب مأساة. مجموعة من العناصر البسيطة كلور Cl ، أكسجين O، ... الخ، بالإضافة لضوء الشمس والهواء والماء أدت لإنتاج مراكب على درجة عالية من التعقيد. هذا أحد الأمثلة على تكون تعقيد تلقائي بدون أدنى تدخل "واعي" أو موجه.

måndag 16 januari 2012

من الله الى الكمبيوتر

من الله الى الكمبيوتر

اينشتاين كان يشعر بعدم الارتياح لكون العالم يعطي الامكانية لوصفه بالمعادلات الرياضية. غير ان الفيلسوف Nick Boström يجد ان ذلك يدلل على ان الكون جرى صنعه من قبل كمبيوتر يستخدم برنامج قائم على الرياضيات والمعادلات البسيطة. فهل العالم الفيزيائي نتيجة لطبيعته ام بسبب خالق إله ام مُبرمج؟






القول ان الكون نتاج computer simulation (محاكاة بالكمبيوتر) سيرفضه غالبية العلماء ويعتبروه هراء. غير انه يوجد بضعة علماء يعتقدون بجدية ان العالم وهم كمبيوتري. ويدعون انه عثروا على مؤشرات تدلل ان العالم الفيزيائي انتاج كمبيوتر

لربما نتذكر الفيلم The matrix, والحلقة الثانية منه والتي تسمى Matrix Reloaded, وتدور عن ان البشر يعيشون في virtual universe, (عالم افتراضي) جرى انتاجه بالمحاكاة الكمبيوترية. فكرة الفيلم تعبر عنها الفكرة الفلسفية في السؤال التالي:
هل تعيش في عالم حقيقي ام اصطناعي؟
الفكرة ليست بالجديدة، إذ منذ عصر الفلاسفة الاغريق كانت البشرية تتسائل فيما إذا كان العالم حقيقي ام وهم خلقه خيالنا. في الهندوسية والفلسفة الشرقية يأخذ الامر ابعادا اكبر إذ يسعى الانسان للاتحاد مع الفكرة الاصلية التي يكون الانسان جزء منها.

غالبية الناس يحاولون التخلص من مثل هذه الافكار غير انه يوجد باحثين يعملون بكل جدية على التحقق من هذه الفكرة. الفرضية الاستفزازية التي يضعونها تقول ان العالم بأسره عبارة عن برنامج يتحكم فيه كمبيوتر هائل.

البراهين على هذه الفرضية توجد في كل شئ حولنا. العالم الفيزيائي يمكن وصفه بإستخدام ارقام صغيرة ومعادلات بسيطة، وهذا بالذات الذي يجعله عالم ظاهري، يتطابق مع عوالم المحاكاة الكمبيوترية.

نلاحظ مثلا ان جميع المكونات البيلوجية والكيمائية المعقدة تقوم على اقل من مئة عنصر اساسي، وجميعها تتكون من بنية الالكترون والبروتون والنيترون. وهذه المكونات الثلاثة يمسكهم اربعة قوى وفقط الجاذبية الارضية نشعر بها مباشرة. وخلف هذا الكون المعقد يوجد موديل بسيط. وحسب اينشتاين فإن اكبر العقد ان الكون يسمح لنا بوصفه بمعادلات رياضية.

الفيلسوف نيك بوستروم، الذي يدافع عن فكرة ان العالم عبارة عن مجرد محاكاة كمبيوترية، عدا عن إمكانية وصف العالم بالمعادلات، يحتج بالمنطق الفلسفي. ينطلق من الافتراض ان الكمبوتر سيصل يوما ما الى مستوى يستطيع فيه محاكاة الوعي الانساني المعقد كاملا. عند الوصول الى هذا المستوى سيكون من السهل تركيب البرنامج في بيئة طبيعية تسمح له بالتطور. بذلك يكون تم خلق عالم اصطناعي. وهو يقدم ثلاثة إمكانيات لاستمرار هذا التطور.

الامكانية الاولى ان البشرية ستنقرض قبل ان نتمكن من الوصول الى هذه المحاكاة. عندها لامشكلة، إذ ذلك يعني ان الكون حقيقة.
الامكانية الثانية اننا نتمكن من تطوير هذا التكنيك ولكن نمنع استخدامه بسبب الاخطار الاخلاقية المحتملة والغير ممكن التنبوء بها. ولكن منذ متى كان الانسان يمتنع عن استخدام تكنيك جديد لاسباب اخلاقية؟
الامكانية الثالثة ةالاخيرة والاكثر احتمالا، حسب بوستروم، ان نتمكن من تطويرها ونستخدمها. وإذا تحقق ذلك فإن العوالم الافتراضية ستتزايد بسرعة. الكثير من البشر، على الاغلب، ستصبح آلهة تملك عالمها الخاص لايخاصمها فيه إله اخر حتى لايفسد ولكون لايستحق الخصام، فالعوالم الافتراضية يمكن خلقها بلا نهاية. ولكن عندما تصبح العوالم الافتراضية اكثر من العوالم الفعلية فذلك سيعني ان عالمنا، على الاغلب، افتراضي بدوره.

بصريا يبدو الكون ثابت ومادي ولكن ذلك ليس برهان على انه ليس افتراضي. هذه الثقة والقناعة القوية يمكن ان تكون ناتجة عن اننا ملتصقين بمنطق اللوغاريتم الذي يشكل ذاتنا ويجعلنا واحد مع العالم الافتراضي. فكر مثلا كيف ستقوم شخصية من شخصيات اللعبة الكمبيوترية بالتعايش مع عالمها إذا استوعبت ذلك على انه الحقيقة الفيزيائية. للاسف لانستطيع تجربة النظرية او الكشف عن الوجود للكمبيوتر الذي يديرها. هذا النوع من المعلومات لن يكون موجود في عالمنا الافتراضي. وشخصيات اللعبة الكمبيوترية، مهما اكتسبت من وعي، ايضا غير قادرة على إكتشاف ان عالمها افتراضي، اصطناعي، لان المعلومات ليست مخزنة في البرنامج .

ولكن، في هذه الحالة، من المحتمل اننا نستطيع الحصول على عينات من البراهين الضعيفة ولكن المميزة لمثل هذا الوضع. غالبية الكمبيوترات تملك في طياتها خطأ ما كما ان المُبرمِجين لايستطيعون الوقوف متفرجين بدون التتدخل في شؤون برامجهم وقتا طويلا. هذا النوع من المؤثرات سيسبب انقطاع غير منطقي ، غير لوغارتمي، في سلسلة مجرى الحوادث. بمعنى اخر ستظهر في عالمنا ظواهر غير طبيعية تتناقض وقوانين الطبيعة السارية والفعالة.

إذا وثقنا هذا النوع من الظواهر ووصلنا الى مرحلة الاعتراف بعدم وجود تفسير لها، سيعني ذلك ان الاعجازات الدينية والقدرة على التنبوء او النبوءات clairvoyance وعمليا كل شئ لاتفسير منطقي له، سيكون مؤشر على اعطال في الكمبيوتر استدعت تغيير في المكثفات او الذاكرة او تتدخلات المُبرمج لتطوير البرنامج او دفعه في اتجاه معين. إذا كان السبب الاخير هو الصحيح يجب علينا ان نتساءل ماهو الهدف من ذلك؟ هل ذلك مجرد لعبة من اجل المتعة وتضيع الوقت، عندها سيكون علينا اتباع الحذر والحذاقة والحرفية التي تمنع اخراجنا من اللعبة بسرعة. اما إذا كان ذلك برنامج لتجربة عوامل الصدامات والاوبئة فعلينا ان نكون هادئين ومتعقلين ونكتشف الوسائل التي تحييد نشوء هذه العوامل.


مُبرمج أم إله؟

وكما هو العادة تملك النظرية العديد من النقد والناقدين. يقول بعض النقاد ان الانسان على الدوام كان يفسر العالم من منظور سقفه المعرفي الثقافي. الانسان المبكر، مثلا، اخترع الله على صورته وصورة عالمه وزاد له بالقدرة ليكون قادر على الاجابة على كل الاسئلة، في حين ان الانسان اليوم، في عصر المعلومات، يحشر الكمبيوتر، الذي يشكل ثقافته الجديدة، ليصبح جزء من كل شئ، بمافيه جزء من صورة الله القديمة. وهذا الامر لايفسر لنا نشوء الكون نفسه بقدر مايخبرنا عن طبيعة تفكير الانسان في فهم العالم.

غير ان هذه النظرية يمكن ان تصبح مثيرة للاهتمام فعلا عندما يتمكن الانسان من الوصول الى برنامج قادر على محاكاة وعي الانسان.
طريف سردست

måndag 9 januari 2012

حقيقة الحضارة الاسلامية، للشيخ ناصر بن حمد الفهد


  بسم الله الرحمن الرحيم

تنبيه

هذه المذكرة جواب عمَّن جعل حضارة الإسلام هي النبوغ في علوم الفلاسفة والملاحدة وجعلها هي تشييد المباني وزخرفة المساجد ، وجعل علماء الإسلام هم الملاحدة كابن سينا والفارابي ونحوهم ، أسأل الله تعالى أن ينفعهم بها وصلى الله على محمد .



بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فإن الفتن في هذه الأزمان قد تتابعت كقطع الليل ، وأحييت معالم الدَّهْمَاء ، وأثير نقع الفتن واستوري زناد الهَزَاهِز :

إذا لهب من جانب باخ شره       ذكا لهب من جانب فتضرما


ولكن مستثار الفتنة وعرصة غيِّها هو فيما حازه الكفار من زخارف الدنيا التي فَتَحها الله عليهم ، فإنها قد بلبلت كثيراً من المسلمين ، فمنهم من انسلخ عن دينه والعياذ بالله ؟ ومنهم من بقي حائراً ، ومنهم من ثبت على دينه على دَخَنٍ ، ومنهم من لم يرفع بهذه الفتنة رأساً ولم يلق لها بالاً وثبت على دينه ثبات الجبال الرواسي .
والمقصود هنا فريق من المسلمين ثبتوا على دينهم ، ولكنَّ نقعاً من هذه الفتنة أصابهم ، وذلك أنهم حاولوا إبراز محاسن الإسلام للكافرين ، وأن المسلمين كانوا في حضارة وعلم من جنس حضارتهم وعلومهم ، فهؤلاء صحت ألفاظهم وأخطأت معانيهم ، فالإسلام هو دين الحق والعلم والحضارة ، ولكنها حضارة غيرُ الحضارة وعلمٌ غير العلم :

سارت مشرقة وسرت مغرباً      شتان بين مشرقٍ ومغرب


فحضارتهم دنيوية زائلة ، وحضارة المسلمين دينية نبوية باقية ، وعلومهم دنيوية دنيه ، وعلوم المسلمين شرعية ربانية :

سلفيةٌ سنيةٌ نبويةٌ      ليسوا أولي شطحٍ ولا هذيانِ


وقد كتبت هذا البحث ونقلت فيه كلام الأئمة الأعلام حول هذا الموضوع ، وقسَّمته إلى أربع فصول :
فالفصل الأول : عن الحضارة الإسلامية وعلاقتها بالعلم الشرعي .
والفصل الثاني : عن العلوم الدنيوية التي قيل إن المسلمين برعوا فيها وحكمها شرعاً .
والفصل الثالث : عن العلماء المسلمين الذين قيل إنهم برعوا في هذه العلوم وحكمهم شرعاً .

والفصل الرابع : عن الشبهات التي قد ترد حول هذا الموضوع وردها .
هذا وما كان في هذا البحث من صواب فمن الله والحمد لله على ذلك ، وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان وأستغفر الله .
وأخيراً ، أسأل الله تعالى أن يجعل هذا البحث خالصاً لوجهه الكريم ، وأن ينفع به من قرأه . وصلى الله على محمد .



الفصل الأول : الحضارة الإسلامية والعلم الشرعي

إن الحضارة الإٍسلامية الصحيحة هي التي وجدت في القرون المفضلة ، في وقت الصحابة والتابعين ، وأئمة الدين ، فريق الهدى ، وأشياع الحق ، وكتائب الله في أرضه ، الذين بلغوا من الدين والعلم والقوة غاية ليس وراءها مطلع لناظر ، ولا زيادة لمستزيد ، ففتحوا البلدان ، وشيدوا الأركان ، ودانت لهم الأمم ، وتداعت لهم الشعوب :


ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا     وإن نحن أومأنا إلى الناس وقّفوا


هم الذين قال فيهم الرسول r : ( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )[1] ، أولئك هم ( أبر الأمة قلوباً ، وأعمقها علوماً ، وأقلها تكلفاً ، وأقومها هدياً ، وأحسنها حالاً )[2]


وهم النجوم لكل عبدٍ سائرٍ     يبغي الإله وجنة الحيوانِ

وسواهم والله قطّاع الطـ     ـريق أئمةٌ تدعو إلى النيرانِ


فَمن كان مفاخراً فليفاخِرْ بهم ، ومن كان مكاثراً فليكاثرْ بهم ، فدينهم هو الدين ، وعلمهم هو العلم . مكّن الله لهم في الأرض ففتحوا الدنيا وحكموا العالم في مدةٍ لا يبلغ فيها الرضيع أن يفطم .

قال الذهبي رحمه الله تعالى : ( واستولى المسلمون في ثلاثة أعوام على كرسي مملكة كسرى وعلى كرسي مملكة قيصر ، وعلى أمَّي بلادهما ، وغنم المسلمون غنائم لم يسمع بمثلها قط من الذهب والحرير والرقيق فسبحان الله العظيم الفتاح )[3] اهـ .

وقبل انتهاء جيل الصحابة رضوان الله عليهم كانوا قد فتحوا من الأندلس غرباً إلى الصين شرقاً ، وذلك قضل الله يؤتيه من يشاء .

ثم إن المسلمين لم يزلْ أمرهم في إدبار بعد القرون المفضلة وقوتهم في ضعف ، حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه اليوم من البعد عن الدين والتعلق بأذيال الكافرين .

لذلك فاعلم أن الدين ما انتهجه السلف ، والعلم ما طلبوه ، وما سوى ذلك فلا خير فيه .
---------------------------------------

1. رواه الشيخان عن عران بن حصين y .

2. رواه سعيد بن منصور عن ابن مسعود t .

3. تاريخ الإسلام صـ 159 .


وفي هذه الأزمنة التي أتت بكل عجيب ظهر قوم بهرتهم زخارف بني الأصفر وبلبلت أفكارهم وفهومهم ، فشعروا لبعدهم عن الحق بنقص إزاء ما يرونه ، فهبوا إلى التاريخ يقلبون أوراقه لعلهم يجدون فيه ملجأً أو مغاراتٍ أو مدَّخلاً يسترون فيه هذا النقص ، فطووا ذكر القرون المفضلة لأنهم يعلمون أنه ليس فيها لشفرتهم محزّا ، ولا لبغيتهم طائلاً ، وأمعنوا النظر في دويلات البدع والضلالة فأخرجوا منها زبالات التاريخ وحثالات المسلمين ممن تفلسف وتزندق وألحد في دين الله ، فلمَّعوا وجوههم الكاحلة ، ونفضوا عنها الدَرَن والنتن ، وهيهات هيهات ( هل يصلح العطّار ما أصلح الدهرُ ؟ ) ، فبارزوا بهم الكفار ، فكانوا بحقٍ كعبدٍ صرغه أَمَةٌ ، وكالمستجير من الرمضاء بالنار :

طلبت بك التكثيرَ فازددتُ تلةً     وقد يخسر الإنسانُ في طلبِ الربحِ

فهرفوا بما لم يعرفوا ، فما كلامهم إلا خطل ، وما حديثهم إلا هَذَر ، وقديماً قيل : ( مَنْ أكثرَ أهجَرَ ) .

فالإسلام لم ينضب معينه من أفذاذ الرجال ، ولا من الأئمة الأعلام حتى يكون بحاجةٍ إلى كلّ موقوذة ومترديةٍ ونطيحةٍ ينازل بهم المسلمون والكافرين ، ولكن النكتة في ذلك أن هؤلاء القوم إنما أرادوا مبارزة بني الأصفر بعلومٍ من جنس علومهم ، وهذه العلوم لم يبرع فيها من المسلمين إلا الملاحدة ، وغفلوا أو تغافلوا عن قوله تعالى : {كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا} (20) سورة الإسراء ، وهذا من عطائه سبحانه ، والدنيا يعطيها الله لمن يحب ويكره ، ولكن الدين لا يعطيه الله إلا لمن يحب ، وإلا فهذه العلوم لا تدل على حق ولا تمنع من باطل بدليل أنك لو جمعت ما عند ملاحدة اليونان والمسلمين من هذه العلوم ثم قارنتها بما عند الكافرين اليوم لما بلغت عشر معشارها .

والنقص إنما يشعر به من ابتعد عن جادة الدين ، وإلا فمن سلكَ الجَدَد أَمِنَ العثار .

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ( المجموع 11 / 4 ) :

وإذا كان خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد ، فكل من كان إلى ذلك أقرب وهو به أشبه ، كان إلى الكمال أقرب ، وهو به أحق ، ومن كان عن ذلك أبعد وشبهه أضعف ، كان عن الكمال أبعد وبالباطل أحق ، والكامل هو من كان لله أطوع وعلى ما يصيبه أصبر فكلما كان اتْبع لما يأمر الله ورسوله وأعظم موافقة لله فيما يحبه ويرضاه وصبر على ما قدره وقضاه كان أكمل وأفضل ، وكل من نقص عن هذين كان فيه من النقص بحسب ذلك . اهـ .

ولو أمعنوا في دراسة التاريخ لاتضح لهم جلياً إن المسلمين لم يضعفوا ويتسلط عليهم الكفار والتتار والباطنية وغيرهم إلا بعد انتشار مثل هذه العلوم والعلماء بين المسلمين .

قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( 2 / 602 ) :
( كما هي عادته سبحانه وسنته في عباده إذا أعرضوا عن الوحي ، وتعوضوا عنه بكلام البشر ، فالمغرب لما ظهرت فيهم الفلسفة والمنطق واشتغلوا بها استولت النصارى على أكثر بلادهم وأصاروهم رعية لهم ، وكذلك لما ظهر ذلك ببلاد المشرق ، سلط الله عليهم التتار فأبادوا أكثر البلاد الشرقية واستولوا عليها ، وكذلك في أواخر المائة الثالثة وأول الرابعة لما اشتغل أهل العراق بالفلسفة وعلوم أهل الإلحاد سلط الله عليهم القرامطة الباطنية ، فكسروا عسكر الخليفة عدة مرات واستولوا على الحاج واستعرضوهم قتلاً وأسراً )


فصل
فالعلم هو العلم الشرعي وهو الذي دل عليه القرآن والسنة وكلام السلف لا علوم الفلاسفة والملاحدة ، وفي الحديث العلم ثلاثة وما سوى ذلك فضل : آية محكمة ، وسنة متبعة ، وفريضة عادلة ) وقال الأوزاعي رحمه الله تعالى : ( العلم ما جاء به أصحاب النبي r فما كان غير ذلك فليس بعلم ) وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ( 10 / 664 ) : ( لكن جماع الخير أن يستعين بالله سبحانه في تلقي العلم الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه هو الذي يستحق أن يسمى علماً ، وما سواه إما أن يكون علما فلا يكون نافعاً ، وإما أن لا يكون علماً وإن سمي به ، ولئن كان علماً نافعاً فلا بد أن يكون في ميراث محمد r ما يغني عنه مما هو مثله وخير منه ) اهـ وقال ابن رجب رحمه الله تعالى : ( فالعلم النافع من هذه العلوم كلها ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها ، والتقيد بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث .. في ذلك غاية لمن عقل ، وشغل لمن بالعلم النافع اشتغل ) اهـ .
وقال الشافعي رحمه الله تعالى :
كل العلوم سوى القرآن مشغلة     إلا الحديث وإلا الفقه في الدين
العلم ما كان فيه قال : حدثنا     وما سوى ذاك وسواس الشياطين
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى :
العلم قال الله قال رسوله     قال الصحابة هم أولو العرفان

وكلام أهل العلم في هذا كثير جداً ، وفيما نقلت كفاية إن شاء الله تعالى .
فالحاصل :
إن الحضارة الإسلامية لا تقاس بعمران الدنيا ولا بعلومها ، فإن المسلمين لما اشتغلوا ببناء القصور الفارهات ، وبتعلّم الفلسفة والمنطق والطبيعيات ، وركنوا إلى الدنيا واستهانوا بالعلوم الشرعيات ، رماهم الله بالدواهي والمصيبات ، فالفهمَ الفهمَ ، فإن الإسلام لم يأتِ لعمارة الدنيا إلا بالطاعات . والله أعلم وهو الموفق للصالحات .
----------------------

1. انظر ذلك بالتفصيل في ( جامع بيان العلم وفضله ) لابن عبد البر 2 / 29 -50 .
2. ( فضل علم السلف على علم الخلف ) صـ 59 .
3. السابق صـ 63
---------------



الفصل الثاني : العلوم الدنيوية التي قيل : إن المسلمين برعوا فيها
تمهيد :
لم تنتشرْ هذه العلوم والتي تسمى بـ ( علوم الأوائل ) عند المسلمين وتظهر بصورة كبيرة إلا في وقت المأمون الذي أمر بترجمة كتب اليونان في الفلسفة والحكمة وغيرها ، فأدخل بفعله هذا على المسلمين شراً لا يزال أثره إلى اليوم ، لذلك قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : ( إن الله لن يغفل عن المأمون ما أدخله على المسلمين بترجمة تلك الكتب ) وقال ( 2 / 84 ) : ثم طلبت كتبهم ( أي الفلاسفة ) في دولة المأمون من بلاد الروم ، فعُرِّبت ودرَّسها الناس ، وظهر سبب ذلك من البدع ما ظهر . اهـ ونصوص العلماء في ذم فعل المأمون هذا كثيرة ، ولكن الذي يزيد الأمر ضغثٌ على إبّارة أن أولئك القوم يجعلون عصر المأمون هذا من أعظم العصور الإسلامية علماً وفتحاً على المسلمين (إن لم يكن أعظمها على الإطلاق) بسبب هذه الترجمة .
ولك أن تقارن إن أردت الحق في ذلك بما فعله الخليفة الراشد عمر بن الخطاب t ، فإنه لما فتحت فارس وجد المسلمون فيها كتباً كثيرة فاستشاروا عمر فيها ، فأمرهم بإحراقها وقال قولته العظيمة : ( إن يكن ما فيها هدى فقد هدانا الله بأهدى منه ، وإن يكن ضلالاً فقد كفاناه الله ) فأحرقت كلها أو طرحت في الماء .
فريقان منهم سالكٌ بطنَ نحلةٍ     وآخر منهم سالكٌ نجدَ كبكبِ
وكأني بأولئك القوم يحاولون أن يكّذبوا أو على الأقل : يخفوا هذه الرواية وهذا الخبر حتى لا يسمع به الغرب والكفار خير مؤيد للإسلام بأنه دين الجهل ، وأنه غدو للعلم والعلماء ، ولكن :
ما ضرَّ تغلب وائل أهجوتها     أم بلت حيث تناطح البحرانِ

فالإسلام هو الإسلام لا يغيره تأويل جاهل ، ولا تكلّف أحمق ، وحكم الإسلام في هذه العلوم واضح جلي ذكره العلماء ، وسوف أنقل فيما يأتي بعض هذه العلوم وبعض ما قيل فيها ، والله المستعان .


علم الفلسفة :
وهو منبع الضلالة ، ومنجم الباطل ، قد عشّش به الشيطان وضرب فيه قباب ، حرّمه جميع المحققين من العلماء ، ومَنْ تعلمه وأدمن النظر فيه لم يسلم من الإلحاد ، ودين أهل هذا العلم هو الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، أبطلوا النقول ، وخالفوا المعقول ، وأضلوا الأمم .
قال ابن الصلاح رحمه الله تعالى ( الفتاوى صـ70 ) : ( الفلسفة رأس السفه والانحلال ، ومادة الحيرة والضلال ، ومثار الزيغ والزندقة ، ومن تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المؤيدة بالحجج الظاهرة ، والبراهين الباهرة ، ومن تلبّس به علماً وتعليماً قارنه الخذلان والحرقان ، واستحوذ عليه الشيطان ، وأي فنٍ أخزى منْ فنٍ يعمي صاحبه -أظلم قلبه –عن نبوة نبينا r .. وليس الاشتغال بتعليمه وتعلمه مما أباحه الشارع ، ولا استباحه أحد من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين ، والسلف الصالحين ، وسائر من يقتدى به من أعلام الأئمة وسادتها ، وأركان الأمة وقادتها ، قد برّأ الله الجميع من معرّة ذلك وأوناسه ، وطهرهم من أوضاره ) اهـ
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى ( إغاثة اللهفان 2 / 595 ) : ( فالزندقة والإلحاد عند هؤلاء جزء من مسمى الفلسفة أو شرط .. فلا مبدأ عندهم ولا معاد ولا صانع ولا نبوة ولا كتب نزلت من السماء تكلم الله بها ، ولا ملائكة تنزلت بالوحي من الله سبحانه ، فدين اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل خير وأهون من دين هؤلاء ) اهـ .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ( 5 / 140 ) : ( والفلاسفة هم الذين أفسدوا أهل الملل قبلنا مللهم وتواريخهم ) وقال ( 9 / 176 ) : ( كان هؤلاء المتفلسفة إنما راجوا على أبعد الناس عن العقل والدين كالقرامطة والباطنية الذين ركّبوا مذهبهم من فلسفة اليونان ودين المجوس وأظهروا الرفض ) وإنما ينفقون في دولة جاهلية بعيدة عن الإيمان إما كفاراً أو منافقين ، كما نفق مَنْ نفق منهم على المنافقين الملاحدة ) اهـ .
وقال ابن القيم رحمه الله في نونيته :
والفيلسوف وذا الرسول لديهم     متفاوتان وما هما عدلان(يعني:متساويتان)
أما الرسول ففيلسوف عوامهم     والفيلسوف نبي ذي البرهان
والحق عندهم ففيما قاله     اتباع صاحب منطق اليونان
ومضى على هذي المقالة أمة     خلف ابن سينا فاغتروا بلبان
منهم نصير الكفر في أصحابه     الناصرين لملة الشيطان
إخوان إبليس اللعين وجنده     لا مرحباً لعساكر الشيطان
----------------------------
1 الفلسفة القديمة تحتوي على سبعة علوم هي على ترتيبهم : المنطق ثم الارتماطيقي ( علم العدد ) ثم الهندسة ثم الهيئة ( علم الفلك والنجوم ) ثم الموسيقى ثم الطبيعيات ثم الإلهيات ، ولكل واحدٍ فروع ، وانظر لتفصيل وشرح هذه العلوم ( مقدمة ابن خلدون ) صـ 478 وما بعدها .


علم الكيمياء :
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ( 29 / 398 وما بعدها ) :
( وحقيقة الكيمياء إنما هي تشبيه المخلوق ، وهو باطل في العقل ، والله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، فهو سبحانه لم يخلق شيئاً يقدر العباد أن يصنعوا مثل ما خلق .. وأهل الكيمياء من أعظم الناس غشاً ولهذا لا يظهرون للناس إذا عاملوهم إن هذا من الكيمياء ... فجماهير من يطلب الكيمياء لا يصل إلى المصنوع الذي هو مغشوش باطل طبعاً ، محرم شرعاً بل هم يطلبون الباطل الحرام ... ولم يكن في أهل الكيمياء أحد من الأنبياء ولا من علماء الدين ولا من مشايخ المسلمين ، ولا من الصحابة ولا من التابعيين لهم بإحسان وأقدم من يحكى عنه شيء في الكيمياء ( خالد بن يزيد بن معاوية ) وليس هو ممن يقتدي به المسلمون في دينهم ولا يرجعون إلى رأيه .. وأما ( جابر ابن حيان ) صاحب المصنفات المشهورة عن الكيماوية فمجهول لا يعرف ، وليس له ذكر بين أهل العلم ولا بين أهل الدين ) اهـ ثم قال ( 29 / 378 ) : والكيمياء أشد تحريماً من الربا . وقال : إن الكيمياء لم يعملها رجل له في الأمة لسان صدقٍ ، ولا عالم متبع ، ولا شيخ يقتدى به ولا ملك عادل ، ولا وزير ناصح ، وإنما يفعلها شيخ ضال مضل ) ثم قال : ( وأيضاً فإن فضلاء أهل الكيمياء يضمون إليها الذي يسمى (السيمياء) وهو السحر ... فإنك تجد ( السيمياء ) التي هي من السحر كثيراً ما تقترن بالكيمياء ، ومعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن السحر أعظم المحرمات ، فإذا كانت تقترن به كثيراً ، ولا تقترن بأهل العلم والإيمان بل هي من أعمال أهل الكفر والفسوق والعصيان ) اهـ
وقد قال الذهبي رحمه الله تعالى في ( مسائل طلب العلم وأقسامه صـ 214 ) : فصل : ومن العلوم المحرمة : علم السحر والكيمياء والسيمياء والشعبذة والتنجيم ، والرمل وبعضها كفر صراح ) اهـ
وقد نعت ابن خلدون في ( مقدمته صـ 496 وما بعدها ) الكيميائيين بأنهم يشتغلون بالسحر والطلسمات ، وأنكر هذا العلم وأبطله .
وفيما نقلت كفاية إن شاء الله تعالى في بيان حقيقة هذا العلم وحكمه .

علم الفلك :
علم الفلك قسمان :
الأول : هو معرفة منازل القمر والنجوم والمطالع وغيرها مما يعين في معرفة القبلة والاهتداء في البر والبحر ونحوها ، وهو ما يسمى بـ ( علم التسيير ) .
الثاني : هو الاستدلال بالحوادث الفلكية على الحوادث الأرضية وادعاء معرفة الغيب ، وهو ما يعرف بـ ( التنجيم ) ويسمى ( علم التأثير ) .
--------------------------------------------

1 الكيمياء في السابق يختلف عن كيمياء اليوم – بعض الشيء – لأنها في السابق كانت تُعنى بتحويل النحاس ونحوه إلى الذهب والفضة ، وكانت قرينة للسحر والسيمياء ، أما اليوم فلا يزال تحويل المواد من مادة إلى أخرى باقية فيه ، ولكنها اتسعت لتشمل الصيدلة وعلومها الدوائية والتركيبات والمحاليل وغيرها .
2 نسب البعض إلى ( خالد بن يزيد ) صناعة الكيمياء وعلمها وهو باطل رواية ودراية : فأما الرواية :
فإن الذهبي رحمه الله تعالى ذكر أن هذا الخبر لا يصح (سير أعلام النبلاء 4/383) وكذلك ذكر ذلك ابن الأثير (الأعلام 2 / 300) وكذلك نسبها شيخ الإسلام إليه بصيغة التضعيف (يحكى) وكذلك نسبها ابن كثير كذلك فقال ( وينسب إليه شيء من علم الكيمياء) (البداية والنهاية 9 /80)
فأما الدراية :
فأولاً : تقدم عصره في وقت الصحابة والتابعين ، وقبل الترجمة .
وثانياً : أن أبا زرعة وابن حبان والذهبي وابن كثير أثنوا على صلاحه ودينه ووثقوه ( السير 4/382 – البداية 9/80 – التهذيب 3/111 ) ولو كان كيميائياً ما استحق هذا الثناء .
وثالثاً : تفنيد ابن خلدون لهذا الكلام عقلاً في مقدمته صـ 505 والله أعلم .
--------------------------------------------


فالقسم الأول تنازع العلماء في جوازه ، فمنهم من حرمه سداً للذريعة ومنهم من كره تعلمه ، ومنهم من أجازه – وهم الجمهور – فإذا كان هذا الأمر في ( علم التسيير ) فما بالك بالتنجيم ، فإن العلماء جميعاً على حرمته وإبطاله شرعاً وعقلاً ، وفي الحديث ( من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد ) .
قال ابن رجب رحمه الله تعالى ( فضل علم السلف صـ 35 ) :
( فعلم تأثير النجوم محرم ، والعمل بمقتضاه كالتقرب إلى النجوم وتقريب القرابين لها كفر ، وأما علم التسيير فإذا تعلم منه ما يحتاج إليه للاهتداء ومعرفته القبلة والطريق كان جائزاً عند الجمهور ، وما زاد عليه فلا حاجة إليه وهو يشغل عما هو أهم منه وربما أدى التدقيق فيه إلى إساءة الظن بمحاريب المسلمين ، في أمصارهم كما وقع ذلك كثيراً من أهل هذا العلم قديماً وحديثاً وذلك يفضي إلى اعتقاد خطأ الصحابة والتابعين في صلاتهم في كثير من الأمصار ، وهو باطل ، وقد أنكر الإمام أحمد الاستدلال بالجدي وقال : إنما ورد ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) اهـ .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ( 35 / 181 ) : ( إن النجوم نوعان ، حساب وأحكام ، فأما الحساب فهو معرفة أقدار الأفلاك والكواكب ، وصفاته ومقادير حركاتها وما يتبع ذلك ، فهذا في الأصل علم صحيح لا ريب فيه كمعرفة الأرض وصنعتها ونحو ذلك ، لكن جمهور التدقيق فيه ، كثير التعب قليل الفائدة ، كالعالم مثلاً بمقادير الدقائق والثواني والثوالث في حركات السبعة المتحيرة ... أما الأحكام فهي من جنس السحر ... ) اهـ
فإذا وعيت ما مضى ، فاعلم أن جميع علماء الفَلَكِ المسلمين الذين يفاخر بهم المُحَدثون –فيما أعلم – إنما هم منجمون كهان كالخوارزمي وابن البناء والطوسي وآل شاكر والمجريطي وغيرهم – عافانا الله وإياكم مما ابتلاهم به – .


فن العمارة :
أما العمارة فليست من الإسلام في شيء ، فقد روى البخاري وغيره عن خباب t مرفوعاً : ( إن المسلم ليؤجر في كل شيء ينفعه إلا في شيء يجعله في هذا التراب )
قال ابن حجر رحمه الله تعالى ( فتح الباري 11/95 ) :
( وقد ورد في ذم البناء صريحاً ما أخرج ابن أبي الدنيا من رواية عمارة بن عامر " إذا رفع الرجل بناءً فوق سبعة أذرع نودي : يا فاسق إلى أين ؟ " وفي سنده ضعف مع كونه موقوفاً ، وفي ذم البناء مطلقاً حديث خباب يرفعه قال : ( يؤجر الرجل في نفقته كلها إلا التراب ) أو قال (البناء) أخرجه الترمذي وصححه وأخرج له شاهداً عن أنس بلفظ ( إلا البناء فلا خير فيه ) وللطبراني من حديث جابر يرفعه قال : ( إذا أراد الله بعبدٍ شراً
-----------------------------

1 انظر ( فتح المجيد ) 316 وما بعدها – الزواجر 2/109 .


الفصل الثالث : العلماء المسلمين الذين قيل : إنهم برعوا في تلك العلوم

تمهيد :
سوف أذكر في هذا الفصل قائمة بأشهر العلماء الذين يهيج المعاصرون بمدحهم ، والثناء على خلائقهم ، وذكر فضائلهم ، وأذكر ما قاله أئمة الإسلام فيهم وفي عقائدهم ، وقد تركت منهم أكثر مما ذكرت لأن القصد التنبيه لا الحصر ، وقد رتبتهم على حسب الوفاة . والله المستعان .


· ابن المقفع : عبد الله بن المقفع ت : 145 هـ : كان مجوسياً فأسلم ، وعرّب كثيراً من كتب الفلاسفة وكان يتهم بالزندقة لذلك قال المهدي رحمه الله تعالى : ( ما وجدت كتاب زندقة إلا وأصله ابن المقفع )

· جابر ابن حيان : ت : 200 هـ :
أولاً : إن وجود جابر هذا مشكوك فيه ، لذلك ذكر (الزركلي) في ( الأعلام ) في الحاشية على ترجمته : ( إن حياته كانت غامضة ، وأنكر بعض الكتاب وجوده ) وذكر أن ابن النديم أثبت وجوده ورد على منكريه ، وابن النديم هذا ليس بثقة كما سيأتي إن شاء الله ، ومما يؤيد عدم وجوده ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله : ( وأما جابر بن حيان صاحب المصنفات المشهورة عند الكيماوية فمجهول لا يعرف وليس له ذكر بين أهل العلم والدين ) اهـ .
ثانياً : ولو أثبتنا وجوده ، فإنما نثبت ساحراً من كبار السحرة في هذه الملة ، اشتغل بالكيمياء والسيمياء والسحر والطلسمات ، وهو أول من نقل كتب السحر والطلسمات كما ذكره ابن خلدون
----------------------------------
1 انظر ( سير أعلام النبلاء ) 6 / 208 – ( البداية والنهاية ) 10 /96 - ( لسان الميزان ) 3 / 449 .
-------------------------

· الخوارزمي : محمد بن موسى الخوارزمي ت : 232 هـ :
وهو المشهور باختراع ( الجبر والمقابلة ) وكان سبب ذلك كما قاله هو المساعدة في حل مسائل الإرث ، وقد ردّ عليه شيخ الإسلام ذلك العلم بأنه وإن كان صحيحاً إلا أن العلوم الشرعية مستغنية عنه وعن غيره .
والمقصود هنا : إن الخوارزمي هذا كان من كبار المنجّمين في عصر المأمون والمعتصم الواثق ، وكان بالإضافة إلى ذلك من كبار مَنْ ترجم كتب اليونان وغيرهم إلى العربية .

· الجاحظ : عمرو بن بحر : ت : 255 هـ :
من أئمة المعتزلة ، تنسب إليه فرقة الجاحظية ، كان شنيع المنظر ، سيء المخبر ، رديء الاعتقاد ، تنسب إليه البدع والضلالات ، وربما جاز به بعضهم إلى الانحلال ، حتى قيل : ( يا ويح من كفّره الجاحط ) ، حكى الخطيب بسنده أنه كان لا يصلي ، ورمي بالزندقة ، وقال بعض المعلماء عنه : كان كذاباً على اله وعلى رسوله وعلى الناس.

· ابن شاكر : محمد بن موسى بن شاكر : ت : 259 هـ :
فيلسوف ، موسيقى ، منجّم ، من الذين ترحموا كتب اليونان ، وأبوه موسى بن شاكر ، وأخواه أحمد والحسن منجمون فلاسفة أيضاً .

· الكندي : يعقوب بن اسحاق : ت : 260 هـ :
فيلسوف ، من أوائل الفلاسفة الإسلاميين ، منجّم ضال ، متهم في دينه كإخوانه الفلاسفة ، بلغ من ضلاله أنه حاول معارضة القرآن بكلامه .

· عباس بن فرناس : ت : 274 هـ :
فيلسوف ، موسيقي ، مغنٍ ، منجّم ، نسب إليه السحر والكيمياء ، وكثر عليه الطعن في دينه ، واتهم في عقيدته ، وكان بالإضافة إلى ذلك شاعراً بذيئاً في شعره مولعاً بالغناء والموسيقى .
---------------------------
2 الأعلام 2 / 103 .
3 مجموع الفتاوى 29 / 374 .
4 المصدر السابق ، وانظر ( مقدمة ابن خلدون ) صـ 496 – 497 .
5 انظر ( مجموع الفتاوى ) 9 / 214 – 215 .
1 انظر ( تاريخ ابن جرير ) 11 / 24 – ( البداية والنهاية ) 10 / 308 – ( عيون الإنباء في طبقات الأطباء ) صـ 483 حاشية 1 .
2 انظر ( البداية والنهاية ) 11 / 19 ، ( لسان الميزان ) 4 / 409 .
3 انظر ( الأعلام ) 7 / 117 ، ( عيون الإنباء ) 283 .
4 انظر ( لسان الميزان ) 6 / 373 ، ( مقدمة ابن خلدون ) 331 ، ( مجموع الفتاوى ) 9 / 186 . --------------------------

· ثابت بن قرة : ت : 288 هـ : صابئ ، كافر ، فيلسوف ، ملحد ، منجّم ، وهو وابنه إبراهيم بن ثابت وحفيده ثابت بن سنان ماتوا على ضلالهم ، قال الذهبي رحمه الله تعالى : ( ولهم عقب صابئة ، فابن قرة هو أصل الصابئة المتجددة بالعراق فتنبه الأمر ) .


· اليعقوبي : أحمد بن اسحاق 292 هـ : رافضي ، معتزلي ، تفوح رائحة الرفض والاعتزال من تاريخه المشهور ، ولذلك طبعته الرافضة بـ ( النجف ) .

· الرازي : محمد بن زكريا الطبيب : ت : 313 هـ : من كبار الزنادقة الملاحدة ، يقول بالقدماء الخمسة الموافق لمذهب الحرانيين الصابئة وهي ( الرب والنفس والمادة والدهر والفضاء ) وهو يفوق كفر الفلاسفة القائلين بقدم الأفلاك ، وصنّف في مذهبه هذا ونصره ، وزندقته مشهورة نعوذ بالله من ذلك .
· البثّاني : محمد بن جابر الحراني الصابئ : ت : 317 هـ :
كان صابئاً ، قال الذهبي : ( فكأنه أسلم ) ، فيلسوفاً ، منجّماً .

· الفارابي : محمد بن محمد بن طرخان : 339 هـ : من أكبر الفلاسفة ، وأشدهم إلحاداً وإعراضاً ، كان يفضّل الفيلسوف على النبي ، ويقول بقدم العالم ، ويكذّب الأنبياء ، وله في ذلك مقالات في انكار البعث والسمعيات ، وكان ابن سينا على إلحاده خير منه ، نسأل الله السلامة والعافية .

· المسعودي : علي بن الحسين : ت : 346 هـ : كان معتزلياً ، شيعياً ، قال شيخ الإسلام عن كتابه ( مروج الذهب ) وفي تاريخ المسعودي من الأكاذيب ما لا يحصيه إلا الله تعالى ، فكيف يوثق في كتاب قد عرف بكثرة الكذب ؟ اهـ .
-------------------
5 انظر ( المغرب في حلي المغرب ) 1 / 333 – ( المقتبس من أنباء أهل الأندلس ) 279 وما بعدها – ( نفح الطيب ) 4 / 348 – (الأعلام ) 3 / 264 ، ومما يدل على رداءة عقله أيضاً محاولته تقليد الطيور في طيرانها ؟!!
6 انظر : ( المنتظم ) 6 / 29 ، ( سير أعلام النبلاء ) 13 / 485 ، ( البداية والنهاية ) 11 / 85 .
1 من دراسة قمت بها لتاريخه المشهور ( تاريخ اليعقوبي ) .
2 انظر في بيان مذهبه ونقضه : ( مجموع الفتاوى ) 6 / 304 – 309 مع ( منهاج السنة ) 1 / 209 وما بعدها . وانظر أيضاً : ( المجموع ) 4 / 114 ، و ( المنهاج ) 1 / 353 ، 2 / 279 ، و ( درء التعارض ) 9 / 346 .
3 انظر ( سير أعلام النبلاء ) 14 / 518 .
4 انظر على سبيل المثال ( الفتاوى ) 2 / 86 ، 4 / 99 ، 11 / 57 ، 572 ، وغيرها ، وانظر ( درء التعارض ) في كثير من المواضع ، وانظر أيضاً (إغاثة اللهفان ) 2 / 601 وما بعدها ، و ( البداية والنهاية ) 11 / 224 – و ( المنقذ من الضلال ) صـ 98 ، وكثير من المواضع في نونية ابن القيم ، وغيرها من كتب أهل العلم .

· المجريطي : مسلمة بن أحمد : ت : 398 هـ :
فيلسوف ، كبير السحرة في الأندلس ، بارع في السيمياء والكيمياء ، وسائر علوم الفلاسفة ، نقل كتب السحر والطلاسم إلى العربية ، وألف فيها ( رتبة الحكيم ) و ( غاية الحكيم ) وهي في تعليم السحر والعياذ بالله {وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ } (102) سورة البقرة نسأل الله السلامة .

· مسكويه : محمد بن أحمد : ت : 421 هـ : كان مجوسياً ، فأسلم ، وتفلسف ، وصحب ابن العميد الضال ، وخدم بني بويه الرافضة، واشتغل بالكيمياء فافتتن بها .

· ابن سينا : الحسين بن عبد الله : ت : 428 هـ : إمام الملاحدة ، فلسفي النحلة ، ضال مضل ، من القرامطة الباطنية ، كان هو وأبوه من دعاة الإسماعيلية ، كافر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم بالآخر .
مساوئ لو قسمن على الفواني    لما أمهرن إلا بالطلاق
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
أو ذلك المخدوع حامل راية الـ     إلحاد ذاك خليفة الشيطان
أعني ( ابن سينا ) ذلك المحلول من    أديان أهل الأرض ذا الكفرانِ

· ابن الهيثم : محمد بن الحسن بن الهيثم : ت : 430 هـ :
من الملاحدة الخارجين عن دين الإسلام ، من أقران ابن سينا علماً وسفاً وإلحاداً وضلالاً ، كان في دولة العبيديين الزنادقة ، كان كأمثاله من الفلاسفة يقول بقدم العالم وغيره من الكفريات .

· ابن النديم : محمد بن اسحاق 438 هـ :
رافضي ، معتزلي ، غير موثوق به ، قال ابن حجر : ومصنفه ( فهرست العلماء ) ينادي على مَنْ صنفه بالاعتزال والزيع نسأل الله السلامة . اهـ
-------------------------

5 انظر : ( منهاج السنة ) 4 / 84 ، ( سير أعلام النبلاء ) 15 / 569 – ( لسان الميزان ) 4 / 258 .
6 انظر ( مقدمة ابن خلدون ) 496 ، 504 ، 513 .
1 انظر ( تاريخ الفلاسفة المسلمين ) 304 وما بعدها .
2 انظر ( سير أعلام النبلاء ) 1 / 531 – 539 ، ( إغاثة اللهفان ) 2 / 595 وما بعدها – ( البداية والنهاية ) 12 / 42 -43 ، (فتاوى ابن الصلاح) 69 ، نونية ابن القيم 14 ، 30 ، 43 ، 49 ، 160 ، 186 وغيرها ، و( مجموع الفتاوى ) 2 / 85 ، 9 / 133 ، 228 ، 17 / 571 ، 32 / 223 ، 35 / 133 ، وأكثر ( درء التعارض ) رد عليه وعلى الفلاسفة وكذلك ( المنهاج ) وانظر ( المنقذ من الضلال ) صـ 98 ، وغيرها من الكتب .
3 انظر ( فتاوى شيخ الإسلام ) 35 / 135 ، وانظر ( درء التعارض ) 2 / 281 ، وانظر ما كتبه من الحاديات في مذكراته وهو في آخر عمره نسأل الله الثبات في ( تاريخ الفلاسفة ) صـ 270 .
4 انظر ( لسان الميزان ) 5 / 83 .



· المعرّي : أبو العلاء أحمد بن عبد الله : ت : 449 هـ :
المشهور بالزندقة على طريقة البراهمة الفلاسفة ، وفي أشعاره ما يدل على زندقته وانحلاله من الدين ، ذكر ابن الجوزي أنه رأى له كتاباً سماه ( الفصول والغايات في معارضة الصور والآيات ) على حروف المعجم ، وقبائحه كثيرة .
قال القحطاني رحمه الله تعالى :
تعسَ العميُّ أبو العلاء فإنه    قد كان مجموعاً له العَمَيانِ

· ابن باجه : أبو بكر بن الصائغ ( محمد بن يحيى ): ت : 533 هـ :
فيلسوف كأقرانه ، له إلحاديات ، يعتبر من أقران الفارابي وابن سينا في الأندلس من تلاميذه ابن رشد وبسبب عقيدته حاربه المسلمون هو وتلميذه ابن رشد .

· الأدريسي : محمد بن محمد : ت : 560 هـ
كان خادماً لملك النصارى في ( صقليه ) بعد أن أخرجوا المسلمين منها ، وكفى لؤماً وضلالاً ، وفي الحديث ( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ) .

· ابن طفيل : محمد بن عبد الملك : 581 هـ
من ملاحدة الفلاسفة والصوفية ، له الرسالة المشهورة ( حي ابن يقظان ) ، يقول بقدم العالم وغير ذلك من أقوال الملاحدة .

· ابن رشد الحفيد : محمد بن أحمد بن محمد : ت : 595 هـ :
فيلسوف ، ضال ، ملحد ، يقول بأن الأنبياء يخيلون للناس خلاف الواقع ، ويقول بقدم العالم وينكر البعث ، وحاول التوفيق بين الشريعة وفلسفة أرسطو في كتابيه ( فصل المقال ) و ( مناهج الملة ) ، وهو في موافقته لأرسطو وتعظيمه له ولشيعته أعظم من موافقة ابن سينا وتعظيمه له ، وقد انتصر للفلاسفة الملاحدة في ( تهافت التهافت ) ، ويعتبر من باطنية الفلاسفة ، والحادياته مشهورة ، نسأل الله السلامة .

· ابن جبير : محمد بن أحمد : ت : 614 هـ : صاحب الرحلة المعروفة بـ ( رحلة ابن جبير ) ، ويظر من رحلته تلك تقديسه للقبور والمشاهد الشركية ، وتعظيمه للصخور والأحجار ، واعتقاده بالبدع والخرافات وغيرها كثير .
------------------------------------
1 انظر : ( المنتظم ) 8 / 148 ، ( البداية والنهاية ) 12 / 72 – 76 وقد نقل كثيراً من أشعاره الإلحادية ، ( لسان الميزان ) 1/218 – نونية القحطاني 49 .
1 انظر : ( عيون الأنباء ) 515 وما بعدها – تاريخ الفلاسفة 79 وما بعدها .
2 انظر : ( درء التعارض ) 1 / 11 ، 6 / 56 .
3 تبيه : ابن رشد الحفيد غير الجد ، فالجد : محمد بن أحمد بن رشد ت : 520 هـ ، قاضي الجماعة بقرطبة من أعيان المالكية ، له ( المقدمات ) و ( البيان والتحصيل ) ، أثنى عليه الذهبي وغيره ( السير ) 19 / 501 .
4 انظر ( درء التعارض ) 1 / 11 – 127 – 152 ، 6/210 ، 237 ، 242 ، 8 / 181 ، 234 وغيرها ، و ( منهاج السنة ) 1 / 356 وغيرها ، وفي عدة مواضع من الفتاوى ، و ( سير أعلام النبلاء ) 21 / 307 ، و ( تاريخ الفلاسفة ) 120 وما بعدها .
5 تلخيص لدراسة أعددتها عن رحلته المشهورة بـ ( اعتبار الناسك في ذكر الآثار الكريمة والمناسك ) وهو على علاته أفضل من (ابن بطوطة) في كثير من الأمور ، منها أن تعظيم المشاهد والقبور لم يستغرق رحلته كان بطوطة ، ومها عفته عن سماع الأغاني والملاهي وحضور مجالسها ورؤية النساء والأكل بأواني الذهب وعدم استجدائه للسلاطين بخلاف ( ابن بطوطة ) في ذلك كله .



 الطوسي : نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن : ت : 672 هـ :
نصير الكفر والشرك والإلحاد ، فيلسوف ، ملحد ، ضال مضل ، كان وزيراً لهولاكو وهو الذي أشار عليه بقتل الخليفة والمسلمين واستبقاء الفلاسفة والملحدين ، حاول أن يجعل كتاب ( الإشارات ) لابن سينا بدلاً من القرآن ، وفتح مدارس للتنجيم والفلسفة ، وإلحاده عظيم نسأل الله العافية .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
وكذا أتى الطوسي بالحرب الصر     يح بصارم منه وسل لسانِ
عَمَرَ المدارس للفلاسفة الألى     كفروا بدين الله والقرآنِ
وأتى إلى أوقات أهل الدين     ينقلها إليهم فعل ذي أضغانِ
وأراد تحويل ( الإشارات ) التي     هي لابن سينا موضع الفرقانِ
وأراد تمويل الشريعة بالنواميس     التي كانت لدى اليونان
لكنه علم – اللعين – بأن هذا     ليس في المقدور والإمكانِ
إلا إذا قتل الخليفة والقضاة     وسائر الفقهاء في البلدانِ

 ابن البناء : أحمد بن محمد : ت : 721 هـ : شيخ المغرب في الفلسفة ، والتنجيم ، والسحر ، والسيمياء .

· ابن بطوطة : محمد بن عبد الله : ت : 779 هـ :
الصوفي ، القبوري ، الخرافي ، الكذّاب ، كان جل اهتماماته في رحلته المشهورة زيارة القبور والمبيت في الأضرحة ، وذكر الخرافات التي يسمونها ( كرامات ) وزيارة مشاهد الشرك والوثنية ، ودعائه أصحاب القبور وحضور السماعات ومجالس اللهو ، وذكر الأحاديث الموضوعة في فضائل بعض البقاع ، وتقديسه للأشخاص ، والافتراء على العلماء الأعلام ، وغير ذلك .
----------------------------------------
1 انظر : ( إغاثة اللهفان ) 2/ 601 وما بعدها – ( درء التعارض ) 5 / 67 – 6 / 78 – 10 / 44 وما بعدها 590 ، ( الفتاوى ) 2 / 92 ،93 وما بعدها ، ( البداية والنهاية ) 13 / 267 وغيرها .
2 انظر : ( مقدمة ابن خلدون ) صـ 115 وما بعدها .
3 تلخيص لدراسة أعددتها عن رحلته ، وسبب نعتي له بأنه ( كذّاب ) لأنه كذب كذباً فاضحاً على شيخ الإسلام رحمه الله تعالى وهو أنه رآه ينزل من المنبر ويقول إن نزول الله إلى السماء الدنيا كنزولي هذا ، وهو يذكر أنه قد دخل دمشق في رمضان من سنة 726 هـ وشيخ الإسلام في ذلك الوقت مسجون في القلعة منذ شعبان ، وهذا دليل على افترائه عليه .


الفصل الرابع : الشبهات التي قد ترد حول هذا الموضوع وردها
قد ترد بعض الشبهات حول هذا الموضوع ، وربما يكون من أهم هذه الشبهات ما يأتي :
الشبهة الأولى : أن هؤلاء العلماء وإن كانوا ملاحدة إنا برعوا في علومهم لأن بيئتهم بيئة إسلامية علمية صحيحة هيّأت لهم المناخ المناسب للتفوق العلمي ، فلنا علومهم وعليهم إلحادهم .
الشبهة الثانية : إننا إذا ذكرنا براعة هؤلاء العلماء إنما نؤكد للعالم اليوم إن الإسلام هو دين العلم والحضارة وإذا تركنا ذكرهم من أجل عقائدهم نقص جانب كبير ومهم من الحضارة الإٍسلامية .
الشبهة الثالثة : إن الكفار اليوم على حق لوجود هذه اليوم بأيديهم ولتفوقهم فيها .
الشبهة الرابعة : إن الكفار إنما انتصروا على الإسلام لوجود هذا التفوق العلمي لديهم .
الشبهة الخامسة : إن المسلمين انهزموا وذلوا لجهلهم بهذه العلوم و ( تخلفهم ) عن ركب الحضارة العلمية .

فصل
جواب الشبهة الأولى :
فأما الشبهة الأولى فجوابها من وجوه :
فالوجه الأول :
إن هذه العلوم أصلاً – بصرف النظر عن علمائها – لا تمت إلى الإسلام بصلة – كما سبق بيانه – فتسقط هذه الشبهة جملة وتفصيلاً .
والوجه الثاني :
إننا لو سلمنا بـ ( إسلامية ) هذه العلوم ، فإننا لا نسلم وجود البيئة الإسلامية الصحيحية التي هيّأت ( المناخ المناسب ) بل إن الواقع يشهد بخلاف ما ذكر ، فإنه كما أن الحشرات لا تكثر إلا في مواضع الرمل والقمامات ، فإن هؤلاء العلماء لا يكثرون إلا في دويلات البدع والضلالات ، وإليك بعض الأمثلة التي تؤيد ما ذكرت :
فالخوارزمي وآل شاكر ظهروا في دولة المأمون المعتزلي ، وابن سينا وابن الهيثم ظهرا في دولة العبيديين الزنادقة ، والفارابي ظهر في دولة الحمدانيين الرافضية ، ومسكويه في دولة البوبهيين الرافضية ، وابن رشد في أول دولة الموحدين الأشعرية المهديّة ، وهكذا .
والوجه الثالث :
لو سلمنا بأن البيئة إسلامية صحيحة ، وعلمية سليمة ، فكيف يبرع العالم في أتفه الأمور وأخسها ، وينحرف في أعظم الأمور وأهمها على الإطلاق وهو أمر دينه ؟!
والوجه الرابع :
إن كون البيئة إسلامية علمية صحيحة لا يسوّغ المفاخرة بهؤلاء الملاحدة ، وإن ساغ ذلك عند أحد فليسع عنده أيضاً المفاخرة بيهود ذلك اوقت ونصاراه ومجوسه الذين في الدولة الإسلامية والذين برعوا في نفس العلوم وهم كثير لأنهم في نفس البيئة الإسلامية العلمية الصحيحة !! وعندها يختلط الخاثر بالزُّباد ، والرغوة بالصريح ، ولا يكون للدين معنى ، ولا للإسلام قيمة .

فصل
جواب الشبهة الثانية :
وأما الشبهة الثانية فجوابها من وجوه أيضاً :
فالوجه الأول :
إن دعوة الكفار إلى الإسلام لا تكون بتكلّف المحالات ، وتزييف الحقائق ، فننسب إلى الإسلام ما هو منه براء لنرغب الكفار فيه ، وإلا فلا فرق بين من يفعل ذلك وبين من يضع الأحاديث في الزهد والرقائق ليرغب الناس في الصالحات ، ويقول : أنا أكذب للرسول ولا أكذب عليه .
وإنما تكون دعوتهم كما كانت دعوة الرسول r لكفار زمانه ببيان التوحيد وذم الشرك ونحوه مما ورد عنه وثبت ، فإن دخل الكفار بهذه الدعوة إلى الإسلام فلله الحمد ، وإ لم يدخلوا فيه وأصروا على باطلهم ورموا الإسلام وشتموه ، فلا ضرر عليه من كلامهم بل هم :
كناطح صخرة يوماً ليوهنها ----------------------- فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
وعلى المسلم أن يتمثل في ذلك بقول الشاعر :
وما كل كلب نابحٍ يستفزني ------------------------ ولا كلما طنّ الذباب أراعُ
والوجه الثاني :
أن يعلم – أصحاب هذه الشبهة – أن المسلمين إنما فتحوا الدنيا وملكوها بعدل عمر وفقه معاذ وحديث أبي هريرة وزهد أبي ذر وشجاعة خالد ، ولم يفتحوها بإشارات ابن سينا ولا بحادي الرازي ولا ببصريات ابن الهيثم ولا بموسيقى الفارابي :
هيهات بين اللؤم بون والكرمْ --------------- أبعد مما بين بصري والحرمْ
بل ما بدأت عزة المسلمين تذهب إلا بعد انتشار هؤلاء وأمثالهم كما سبق بيانه .
والوجه الثالث :
أن هذه الشبهة منقوضة طرداً وعكساً :
أما طرداً : فإن أصحاب هذه العلوم من ملاحدة المسلمين إنما استفادوها من اليونانيين ، فإن كان في ملاحدة المسلمين ( المعلم الثاني ) الفارابي ، ففيهم ( المعلم الأول ) أرسطو ، وإن كان في ملاحدة المسلمين ( الأب الثاني ) للطب ، ابن سينا ، ففيهم ( الأب الأول ) أبقراط ، وإن كان في ملاحدة المسلمين ( بطليموس الثاني ) ابن الهيثم ، ففيهم ( بطليموس الأول ) ، وهكذا ، وكان الفضل للمتقدم . ثم إن قلتم : إن المسلمين طوروا هذه العلوم ، فإن ما طوره الكفار اليوم ووصلوا إليه من الصناعات المذهلة التي طيّروا بها الحديد ، وكلموا الجماد ، وبنو الشاهقات ، وأخرجوا عجائب المخترعات ، ليفوق أضعاف أضعاف أضعاف ما طوره أولئك ، فإن قلتم : بأن هذه العلوم إنما تدور مع الحق حيثما دار ، فقد صحّحتم عقائد الكافرين أولاً وأخيراً ، وإن قلتم : إنها لا تدل على حقٍّ فهي هنا وهنا ، قلنا : وهذا ما نبغي فلم الفخار بعلمٍ لا يدل على حقٍ ، وبعلماء ابتعدوا عن الحق ؟!
وأما عكساً : فإننا لا نجد في وقت قوة المسلمين وعزتهم في القرون المفضلة لهؤلاء الملاحدة ذكر ، ولا لعلومهم مجال ، وإنما انتشرت حين بدأت تزول الحضارة الإسلامية ، أو قل : إنها عندما انتشرت بدأت تزول الحضارة الإسلامية ، فإن انتشار هذه العلوم وزوال النعمة متلازمان . والله أعلم .

فصل
جواب الشبهات الثالثة والرابعة والخامسة :
وأما الشبهات الثلاث الأخيرة ، فأذكر فيما يلي أصولاً ثلاثة في الجواب عليها :
أما الأصل الأول فهو : ( إن الدنيا جنة الكافر وسجن المؤمن )
فالكافر غايته الدنيا وهي منتهى أربه فهو يعمل فيها عمل مقيم أبداً ، أما المؤمن فهو كعابر سبيل لا بد من ارتحاله اليوم أو غداً ، كالذي في السجن ينتظر الفرج .
لهذا السبب كان السلف مع إقبال الدنيا عليهم كان أقصى مرادهم من الدنيا هو العمل الصالح والتزود بالعلم النافع ، وأما الدنيا فليست أهلاً لعمرانها فوق الحاجة .
----------------------------
1هذا نص حديث رواه مسلم والترمذي وغيرهما ، وانظر في شرحه " شرح مسلم للنووي 18 / 93 " و " بدائع الفوائد 3 / 177 " ، وله عدة تفاسير منها إن المسلم قيده إيمانه عن المحظورات والكافر مطلق التصرف ، ومنها إن هذا باعتبار العواقب ، فالمسلم ولو كان أنعم الناس في الدنيا فإنه بالإضافة إلى ما له في الجنة كأنه في سجن ، والكافر ولو كان أشد الناس بؤساً في الدنيا فذلك بالنسبة إلى النار جنة .
-----------------


وأما الكفار فإنهم سعوا منذ القدم في تحصيل الدنيا وعمرانها لأنها جنتهم ومقصودهم فبرعوا في ذلك ، وهذه آثارهم شاهدة على ما أقول مع قدم الزمن ، كآثار الفراعنة في مصر ، وآثار البابليين ، وديار حجر وثمود وغيرها ، وكما نرى اليوم من زخارفهم وعلومهم . وقد قال تعالى في محكم كتابه : {وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ}{وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ}{وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} (33-35) سورة الزخرف قال الشنقيطي رحمه الله تعالى ( أضواء البيان 7 / 248 ) : ( أي لولا كراهتنا لكون جميع الناس أمة واحدة ، متفقة على الكفر ، لأعطينا زخارف الدنيا كلها للكفار ولكننا لعلمنا بشدة ميل القلوب إلى زهرة الحياة الدنيا ، وجهاً لها ، لو أعطينا ذلك كله للكفار لحملق الرغبة في الدنيا جميع الناس على أن يكونوا كفاراً ) اهـ فانظر رحمك الله إلى حال الكفار اليوم ، فإنهم مع ما هم فيه من زهرة الحياة الدنيا ما أعطاهم الله زخارف الأرض كلها ، وانظر إلى فتنة كثير من الملمين بهم ، فكيف لو أعطاهم زهرة الدنيا كلها ؟! وقال تعالى أيضاً : {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } (7) سورة الروم فقد روى ابن جرير وغيره عن ابن عباس في تفسيرها قال : ( يعرفون عمران الدنيا وهم في أمر الآخرة جهال ) . وعن الحسن : ( ليبلغ من حذق أحدهم بأمر دنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره فيخبرك بوزنه ، وما يحسن يصلي ) فاعلم أن هذه الزخارف لو كانت تزن عند الله جناح بعوضة ما حَرَمَ منها سيد خلقه أجميعن r وأعطاها لأعدائه ، فإنه لما صعد إليه عمر t تلك المشربة فرآه على صعيد قد أثّر في جنبه ابتدرت عيناه بالبكاء ، وقال : ( يا رسول الله ، كسرى وقيصر فيما هما فيه ، وأنت صفوة الله من خلقه ، وكان الرسول r متكئاً فجلس وقال : ( أفي شكٍ أنت يا ابن الخطاب ؟ ثم قال : ( أؤلئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا ) وفي رواية ( أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ) .
وأما الأصل الثاني فهو : ( إن الكفار كانوا منذ القدم – ولا زالوا – أكثر من المسلمين عدداً وعُدداً وعمراناً ) .
وهذا ظاهر جداً بالتتبع والاستقراء ، حتى بعد نتشار الإسلام ومن شك في ذلك فليقرأ التاريخ ، وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى وغيره إن الكفار كانوا في قتالهم مع المسلمين أكثر عدداً وعدة دائماً ، والذي يقرأ ويدرس أمهات معارك المسلمين يعلم جيداً أن الفرق بين القوتين يكون دائماً كبيراً وفي صالح الكفار ، لذلك كان عمر رضي الله عنه يوصي جيوشه فيقول : ( إنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله ، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة ، لأن عددنا ليس كعددهم ، ولا عدتنا كعدتهم ، فإذا استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة ، وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا ) .
أنّى ؟ وأعداهم بلا حسبان والله ما فتحوا البلاد بكثرة
فمما يدل على أن قوة الكافرين كانت دائماً أكبر من قوة المسلمين ( مادياً ) أمور كثيرة منها :
-لو درست معركتي ( القادسية ) و ( اليرموك ) والتي بها قضى الصحابة رضوان الله عليهم على قوتي فارس والروم لتبين لك أن أعداد الكفار وعتادهم أضعاف أضعاف أعداد المسلمين وعتادهم ، كذلك الأمر فيما بعدها من المعارك كنهاوند ، وكالفتوح التي أتت بعد الصحابة ، وكالمعارك المتأخرة مثل ( حطين ) و ( الزلاقة ) وغيرها ، هذا فيما يتعلق بالقوة العسكرية .
-------------
1 ذكر الشنقيطي رحمه الله تعالى على آية الروم هذه كلاماً قيماً جداً لولا طوله لنقلته بنصه انظر : أضواء البيان 6 / 477 .
-----------------
- أما الناحية العمرانية فنكتفي بمثالين :
أما الأول : فإن هارون الرشيد حاول هدم ( أيوان كسرى ) فلم يستطع والهدم أيسر – ولا مقارنة – من البناء .
والثاني : أن المأمون بعده أيضاً حاول هدم الأهرامات فلم يستطع كذلك ، وما ذلك إلا لقوة هذين الصرحين وقدرة من بناهما .
- وكذلك فإن الصحابة قد استفادوا من الفرس من الناحية التنظيمية الدواوين وكالكتابة ونحوها ، فإن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا أميين في الجملة ولم يكن ذلك نقصاً في حقهم بل كان إلى الكمال أقرب ، كما أن كمال النبي r في أميته .
فالحاصل :
إن قوة الكافرين اليوم وتمكنهم من هذه العلوم ليست غريبة عنهم ، بل إن تمكنهم فيها منذ القدم وإن حصل تطور عن ذلك ولكن المؤكد أنهم برعوا فيها منذ القدم ، وقد قدمت بعض الشواهد على ذلك ، وقد يرد سؤال عند هذا وهو : إذا كان الكفار أقوى من المسلمين منذ القدم عدداً وعتاداً وعمراناً ، فكيف كانت الدولة بالأمس للمسلمين واليوم للكافرين ؟ فجواب هذا يكون بذكر الأصل الثالث وهو :
( إن قوة المسلمين بإيمانهم لا بدنياهم )
وهذا ظاهر ولو ذهبت أستقصي الآيات والأحاديث والآثار التي تثبت هذا الأصل لطال المقام ، لذلك تجد أن الإيمان إذا ثبت وتأصّل في النفوس فإن الله سبحانه ينصر عباده كما فعل في معارك الرسول r وإمداده لهم بالملائكة في بدرٍ وحنين ، لذلك كان عمر t يقول ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله ) ولما كان الصحابة رضوان الله عليهم النموذج الأمثل في تطبيق الإسلام كانوا – كما قال عنهم بعض التابعين – : ( لا يثبت لهم العدو فواق ناقة عند اللقاء ) .
أعمال لا بكتائب الشجعانِ هذا وإن قتال حزب الله بالـ
أنّى ؟ وأعداهم بلا حسبانِ والله ما فتحوا البلاد بكثرة
فعزة المسلمين وقوتهم بإيمانهم ، فإنهم ينصرون به ، وما السلاح إلا وسيلة فقط ، لذلك فإن الله سبحانه وتعالى قال : {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ } (60) سورة الأنفال فإنه سبحانه أمر بإعداد المستطاع فقط ، ولم يأمر المسلمين بأن يعدو من السلاح مثل ما أعده الكافرون أو أكثر من ذلك ، فلو لم يستطع المسلمون إلا على الحجارة فأعدوها مع إيمانهم الصادق لنصرهم الله ، ولعل هذا الأمر يتضح بإمداد الله سبحانه للمسلمين بالملائكة في بدر وحنين ، وكما مشى سعد بن أبي وقاص t وجنده على الماء وكذلك العلاء بن الحضرمي ، ولعل هذا الأمر يتضح بصورة أكثر في مساعدة الحجر والشجر للمسلين في قتالهم مع اليهود قبل قيام الساعة كما ورد في الحديث الصحيح .
----------------------
1 ولذلك عقد ابن خلدون في مقدمته فصلاً ( ص 358 ) بأن المباني والمصانع في الملة الإسلامية قليلة بالنسبة إلأى قدرتها وإلى من كان قبلها من الدول وذكر هذين المثالين في مقدمته .
-----------------

لذلك فاعلم أن ذل المسلمين اليوم ليس لجهلهم بهذه العلوم ، فإنهم كانوا في القرون المفضلة – وقت الحضارة – أجهل بها ، ولكن هذه الزلة ضربها الله عليهم لما أعرضوا عن دينه ، أن تسليط الكافرين اليوم على المسلمين إنما هو فتنة لهم وعقوبة ، والله أعلم .
وبعد :
فإن السبيل للرجوع إلى حضارة الإسلام الأولى إنما تكون بإتباع السلف في العناية بالأعمال الصالحة والعلوم الشرعية والقيام بالجهاد والزهد في الدنيا .
وقد أخطأ كلَّ الخطأ من رأى أن السبيل إنما يكون بأخذ صناعات الكافرين وتعلمها وتعليمها ونشرها بين المسلمين ، لأنه لا بد من معرفة الداء قبل أن يوصف الدواء ، وداء المسلمين اليوم هو البعد عن دين الله وعن منهج السلف ، فلو أنهم التزموا دين الله على منهج السلف لكان هذا الدواء بإذن الله تعالى ، وكما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى :
( لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها )

والله أعلم

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن


الفهرس
المقدمة 3
الفصل الأول : الحضارة الإسلامية والعلم الشرعي 4
الفصل الثاني : العلوم الدنيوية التي قيل : إن المسلمين برعوا فيها 7
تمهيد : 7
علم الفلسفة : 8
علم الكيمياء : 9
علم الفلك : 10
فن العمارة : 11
الفصل الثالث : العلماء المسلمين الذين قيل : إنهم برعوا في تلك العلوم 12
تمهيد : 12
· ابن المقفع 12
· جابر ابن حيان 12
· الخوارزمي 12
· الجاحظ 13
· ابن شاكر 13
· الكندي 13
· عباس بن فرناس 13
· ثابت بن قرة 13
· اليعقوبي 14
· الرازي 14
· البثّاني 14
· الفارابي 14
· المسعودي 14
· المجريطي 15
· مسكويه 15
· ابن سينا 15
· ابن الهيثم 15
· ابن النديم 15
· المعرّي 16
· ابن باجه 16
· الأدريسي 16
· ابن طفيل 16
· ابن رشد الحفيد 16
· ابن جبير 16
· الطوسي 17
· ابن البناء 17
· ابن بطوطة 17
الفصل الرابع : الشبهات التي قد ترد حول هذا الموضوع وردها 19
جواب الشبهة الأولى : 19
جواب الشبهة الثانية : 20
جواب الشبهات الثالثة والرابعة والخامسة : 21
الفهرس 25

( وجاء في كتاب الذيل على طبقات الحنابلة، للكاتب ابن رجب، الجزء الاول ص 211 ان الفقهاء والعلماء كانوا يتهمون من يشتغل بالفلسفة بالزندقة. وفي بعض الاحيان كان يضرب ويحبس ( راجع دراسة للإستاذة اسراء مصطفى عبد القادر النجار: احوال بغداد الثقافية خلال القرنين الخامس والسادس، عن جامعة الزهراء للبنات، مسقط) )  (الفقرة المعنية جرى اضافتها من قبلي الى حاشية اولى في نهاية الموضوع)

القاضي اين المرخم المتوفي 555 هجري 1160 ميلادي قبض عليه وجرى تفتيش مكتبته فعُثر فيها على كتاب " الشفاء" لابن سينا و " رسائل اخوان الصفا" وغيرها فأمر الخليفة بإحراقها. (ابن الجوزي، المنتظم، الجزء الاول، ص 194) 


حاشية اولى مضافة الى الكتاب
(1) علم الفلسفة:
لقد لعبت بغداد دوراً عمليّاً كبيراً في شتى الميادين العلمية الأخرى، فما له علاقة بالفلسفة فإن بغداد قد اشتهرت بظهور عدد من العلماء الذين أخذوا يناقشون في أمور كلامية مختلفة، ولكن قد تعثرت مسيرة علم الفلسفة وذلك بسبب مواقف بعض الفقهاء والعلماء الذين كانوا يتَّهمون من يشتغل بهذا العلم بالزندقة(ابن رجب، الذيل على طبقات الحنابلة، مصدر سابق، ج 1، ص. 211.). وفي بعض الأحيان كان يحبس ويضرب من يعمل بالفلسفة.
من أبرزهم:
1 - القاضي ابن المرخم المتوفى (555 ﻫ/ 1160 م) فقد قبض عليه، وفتشت مكتبته فوجد فيها كتاب "الشفاء" لابن سينا و"رسائل إخوان الصفا" وغيرها من الكتب الفلسفية، فأمر الخليفة بإحراقها( ابن الجوزي، المنتظم، مصدر سابق، ج 1، ص. 194.).