onsdag 28 september 2011

هل يقول القرآن بالتطور وانتم نائمون؟



يقول تعالى : "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق"

واجهت نظرية التطور رفضا واسعا من المؤسسات الدينية المسيحية والاسلامية على مدى سنوات طويلة من عمر النظرية، وفي النهاية اضطرت الكنيسة للاعتراف بخسارتها الرهان وان النظرية صحيحة لتبقى المؤسسة الاسلامية وحدها على الساحة من يكابر ويعاند . بعض الجهلة يصرون على ان النظرية سقطت والبعض الاخر يتذاكى بالادعاء ان النظرية لازالت نظرية ولم تصبح حقيقة مطلقة، وكلا التصريحين ينجحان فقط في البرهنة على جهلهم المنهج العلمي والنظرية على السواء..

فضيلة الشيخ القرضاوي صرح في احدى المقابلات التلفزيونية قائلا:" (حتى لو ثبتت قضية نظرية داروين، عندنا من الآيات ما يمكن أن يدخل فيها).

هذا التصريح اثار اهتمامي إذ ليس من الغريب ان يحتوي القرآن على الشئ ونقيضه، فهو امر اشار اليه الامام علي بن ابي طالب في وقت مبكر عندما اشار :" القرآن حمال اوجه".
لهذا السبب بحثت في القرآن عن " الايات التي تدخل في نظرية التطور" كما قال القرضاوي قدس الله سره.
وبالبحث وقراءة الايات المعنية يظهر ان القرآن فعلا يقول بالتطور وليس بالخلق حسب المعنى الكلاسيكي للكلمة، وهذا الامر سأشرحه الان.

القرآن لايذكر على الاطلاق مثال عن الخلق من اللاشئ، او الخلق بمجرد كلمة " كن فيكون" وانما على الدوام يكون الخلق على مراحل ومن شئ سابق له.

يبدأ الامر من اخبار الله للملائكة عن نياته فيقول لهم:" وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِين (29) *الحجر

نرى كيف يعلن الله ان عملية خلق الانسان من شئ سابق الوجود، وليس مرحلة واحدة او على مبدا " كن فيكون". وتعدد المراحل هو بالذات الذي تقول به نظرية التطور، بدون الدخول في التفاصيل.
والاية اعلاه تشير الى ان البشر من " صلصال" ولكن هل يوجد صلصال في عالم الله، ونحن نعلم ان عالم الله عالم روحي في حين ان الصلصال مادة، ومادة مأخوذة من الارض تحديداّ!!

ان القول بوجود مادة في عالم الله يعني ان عالم الله مكان مادي الصفات، وبالتالي فالله في مكان وزمان، وبالتالي تنطبق عليه قوانينا الكونية ويمكن تحديد مكانه وخواصه، وهو امر واضح بهتانه. عدا عن ذلك نستخلص من ذلك ان الله في ما خلقه وليس خارجه، وهو امر قد يتعارض مع الالوهية على النمط الاسلامي ( يتطابق مع الالوهية على النمط الهندوسي الذي يقول بالفيض).

والاية تشير الى ان البشرية في هذا المخلوق لم تتحقق الا بعد مرحلة " التسوية"، وبالتالي هناك مرحلة الصلصال ثم مرحلة التسوية وبعد ذلك تأتي مرحلة نفخ الروح البشرية فيه وعندها فقط يخرج الانسان من جسد مر بأطوار حتى وصل الى لحظة الانسنة.

والقول بالمراحل يعني القول ان لكل مرحلة زمنها الخاص، ونحن نعلم ان الزمن عند الله ليس كالزمن على الارض، يقول القرآن (ان يوما عند ربك كالف سنة مما تعدون )، وبالتالي المرحلة الصلصالية التي هي قبل المرحلة الانسانية بكثير، يمكن فهمها انها بداية نشوء الخلية الاولى في الحساء الصلصالي المبكر وبالتالي فهي دليل الطور الاول من عملية التطور.

من الطبيعي ان عملية التسوية احتاجت الى ملايين الاعوام بالزمن الارضي وهي ليست المرحلة الوحيدة التي ذكرها القرآن للوصول الى الشكل البشري النهائي المطلوب..فهناك مرحلة التعديل والتشكيل ومراحل الجنين، وكلها جزء من عملية الخلق، بالتطابق التام مع نظرية التطور. وهذه المراحل من الطبيعي انها جرت على الارض المادية وليس في مملكة الله الروحية. وفقط عندما اصبحت التسوية المادية كاملة وجاهزة نفخ الله فيها من روحه، تماما كما نفخ من روحه في فرج مريم التي كانت على الارض...
هذه المراحل اشار اليها القرآن بكل وضوح عندما قال: ( مالكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم اطوارا

ان عدم تعرض القرآن لتفاصيل العملية البيلوجية امر طبيعي، فالقرآن ليس كتاب بيلوجي وانما يخبرنا احسن القصص فقط وفي إطارها الروائي يخبرنا الحكمة وبعض المعلومات عن قدرة الله، بما يكفي للاعلان عن مصدر الانسان وشرعية مطالبته بالعبادة. والاشارة الى الاطوار وبعض مراحل الخلق كافي للغاية لتحقيق الغرض.

لنقرأ معا الاية التالية:
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ(12)ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13)ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين / نوح، 14

ان الاية اعلاه تشير بوضوح الى ان اطوار الجنين في الرحم موصوفة ايضا بكلمة خلق، وهي بذاتها جزء لايتجزء من عملية الخلق، وبالتالي فالخلق المعني ليس " كن فيكون" كما يفهم الامر الشيوخ وانما مراحل تطور وتسوية للشكل الانساني بما فيه تشكل الجنين في الرحم. غير ان اطوار الجنين ليس فقط اطوار عامودية بل افققية ايضا، إذ حسب علماء التطور فإن اطوار الجنين هي انعكاس للاطوار التاريخية ايضا.

ومسألة الخلق على اطوار ومراحل يصر عليه الله في ايات اخرى مثل: {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ }الانفطار7
وهنا نرى كيف بدأ الامر بالقرار ثم التسوية وبعدها تأتي مرحلة التعديل. وهذه الاطوار تتطابق مع مراحل التطور ماقبل ظهور الانسان . بل والمدهش الانتباه الى طور التعديل الذي يلمح الى ظهور نسخ سابقة على ظهور الانسان الحديث حيث نعلم بظهور نسخة انسان ايريكتوس و نسخة هابيل و نسخة انسان النيندرتال والانسان القزم والانسان اكس ولربما اناس اخرين واخير تمت التعديلات ليظهر الانسان المعني في احسن تصوير. وطور التعديل يبقى مستمرا حتى اليوم.

يقول: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا للملائكة اسْجُدُواْ لآدَمَ ...الأعراف11 . لاحظوا معي ان الطلب من الملائكة بالسجود لهذا البشر ليس مباشرة عند الخلق " اي عند ظهور الارادة والتقدير، حسب المعنى اللغوي للكلمة" وانما عند انتهاء التشكيل والتصوير اي في المرحلة الاخيرة تماما، وهو الذي يتوافق مع ظهور الانسان العاقل.
بل ويقول: {إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين} [الأنعام:133] ومن هنا نرى اشارة الى ان الانسان الحالي من ذرية قوم سابقين له، لربما الهومو ايريكتوس؟ {إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد, وما ذلك على الله بعزيز} [فاطر:16-17] فذهابنا مرتبط بآتيان خلق اخر مكاننا وبالتالي فالتغيير نوعي تماما كما حدث عندما اتى الانسان وذهب الخلق الذي قبلنا وانقرض على الرغم من اننا من ذريته.. وهذا عين ماتقول به نظرية التطور

ماذا تعني كلمة " خلق" في اللغة العربية؟
في لسان العرب : أصل الخلق التقدير ، ومعنى خلق الموت والحياة اي قدر الموت والحياة ،ويقع الخلق أو التقدير على الصفات والأحوال، نقول : خلق الله الخير والشر ، خلق الغنى والفقر، (انتهى الاقتباس من لسان العرب) وبالتالي فالخلق يمكن ان يعني المادي والروحي على السواء، مع بعض او كل منهم على حدى.

وانطلاقا من ذلك يمكن رؤية جزئيي الصورة الروحية والمادية لعملية خلق واحدة، حسب مايعرضها القرآن ، يكون اساسها " التقدير" لما اراد وليس اخراج الارنب من قبعة الساحر كما في السيرك. على ذلك يكون من الخطأ الاعتقاد ان خلق الانسان هو بالمعنى الكلاسيكي الدارج الذي فهمه رجال الدين ، حسب سقفهم العقلي المعرفي، وانما بالمعنى الذي تقول به نظرية التطور..

يحتار البعض في كيفية فهم بعض الايات التي تعطي انطباعا بتناقضها مع الايات السابقة التي تتكلم عن المراحل. مثلا الاية التي تقول: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى }طه123
والاية التي تقول: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }آل عمران59.
بل ان البعض يحرص على الممانعة بالاية التالية ايضا: : {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ }البقرة31

ومايثير استغرابي عدم الانتباه الى ان مواقفهم لاتقوم فقط بمعارضة الايات اعلاه بما سبقها ، عندما يطرحون الايات لمعارضة الايات السابقة، في معرض سعيهم المحموم لتبرير الاخذ بالمعاني الكلاسيكية وانما ايضا تتجاوز انها تقبل بالاقتصار على بعض الايات التي تتعارض مع معنى الايات السابقة لها وترفض معاني الايات الاخرى عمليا. لماذا يجري قبول معنى وتناسي معنى اخر وقبول معارضتهم ببعضهم، وكأن تعارض الايات امر طبيعي؟

ومع ذلك، إذا قمنا بفهم الايات من زواية نظرية التطور نجد ان هذا التعارض يزول. والتفسير هو:

ان قوله " اهبطا منها" هو تعامل الله مع ارواحهم وليس اجسادهم، إذ لايمكن ولايجوز ان تكون الاجساد في عالم الله من حيث سيعني ذلك ان عالم الله مادي وله مكان، وان الله في ماخلقه، كما اشرت سابقا. في حين من الاكثر منطقية ان يكون المقصود هو روحهم فقط، والتي نزلتا الى الارض لتلاقي الجسد الذي انتهى من عملية النشوء والتسوية والتشكيل واصبح جاهزا لاستقبال الروح المنفوخة من السماء.. وهو امر يتطابق مع القوانين الكونية وإلا هل من المعقول ان نرى ادم وحواء يسبحان عاريان في الفضاء الكوني في رحلتهم الى الارض؟

والاية الثانية تقول ان المثال بالنسبة لمعناه " عند الله" وليس بالنسبة لنا. اي بالنسبة لله الامر كذلك. وهذا لايمكن ان يعني انه هو كذلك بالتفصيل الحرفي حسب مافهمناه نحن، عندها لن يكون بحاجة للقول " عند الله" إذا كان المقصود ان يكون كذلك " عندنا".
والاية تهدف الى نفي الالوهية عن عيسى بأه ابن الله ليخبرنا انه بالنسبة لله هو مثل آدم اي من سلالة من طين وليس من سلالة إلهية، حسب إعتقاد البعض، وبالتالي ينطبق على عيسى ماينطبق على آدم، فهو وان كان بدون اب الا انه من نسخ خلوي بشري، ومر بأطوار الجنين البشري ، ومن سلالة الصلصال البشرية .

وتعليم ادم للاسماء كلها، لاشك انه تعليم الروح، اذ ان الاسماء كلها لم تكن قد خلقت ماديا اساسا وبالتالي لايمكن تعليمها ماديا وانما مجازيا. ذلك يترتب عليه بالضرورة ان ادم ايضا مجازي

الامر لايتوقف عند آيات خلق الانسان بل يجب ان يتجاوزها الى آيات خلق الكون بكامله، إذ ان الاية تقول:
( مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا) [الكهف: 51].
ونحن نعلم ان السماوات والارض تطورت على مدى 13 مليار سنة ولازالت في حالة تطور حتى اليوم، وهو امر مُثبت لاجدال فيه ونقر به. ولكن في ذات الوقت الذي يصف القرآن فيه عملية تطور الكون بتعبير الخلق ونتجاهل التعرض للامر ونعتبر ضمنيا وبصمت ان خلق الكون يعادل تطوره فلماذا لانصمت بل نعارض اعتبار تعبير خلق الانسان يعادل التطور، بما يتعارض حتى مع آيات القرآن؟

( مالكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم اطوارا ... والله انبتكم من الارض نباتا )
(والله خلق كل دابة من ماء)

طريف سردست

lördag 24 september 2011

اصل الاعتقاد بالتمائم والحسد والرقية  والخرز
من اللقى الاثرية نعلم ان التمائم والرقية والاعتقاد بالعين والحسد
ترجع في جذورها الى الاعتقادات القديمة، على الاقل الى عصر الاشوريين، حيث تم العثور على وثائق عن طقوس الاشوريين ومعتقداتهم وممارستهم للفتوى والرقية والطهارة واستخدامهم للتمائم والخرز والنصوص المقدسة والقراءة وممارسة الطقوس الدينية لرفع الشر والمرض وطرد الجن، وهي جميعها ممارسات وطقوس ومفاهيم لازالت راسخة في عقولنا حتى اليوم بما فيه ضمن الاطر الدينية الشرعية. وللمزيد عن هذه الممارسات لدى الاشوريين اضغط هنا

الاعتقاد بالتطير والحسد والتمائم في القرآن

سورة الفلق :" بسم الله الرحمن الرحيم*قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ*مِن شَرِّ مَا خَلَقَ* َمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ* وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقد* وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ"

( إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ )

( قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ )


الرقية الاسلامية كأستمرار لسابقتها الوثنية

في قصة السيدة عائشة عن حادثة الافك التي جرى ذكرها في صحيح البخاري، المغازي، نجد انها تذكر عقد لها " من جزع صفار" الذي انقطع والبحث خرزه اخرها عن القافلة وعن الانتباه الى انهم غادروها منذ زمن طويل. والجزع ( حسب العسقلاني) بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها مهملة: خرز معروف في سواده به عروق بيضاء ، قال التيفاشي: يوجد في معادن العقيق ومنه مايؤتى به من الصين، وقال: وليست في الحجارة اصلب جسما منه، ويزداد حسنه إذا طبخ بالزيت لكنهم لايتيمنون بلبسه ويقولون من تقلده كثرت همومه ورأى منامات رديئة، وإذا علق على طفل سال لعابه. ومن منافعه إذا أمر على شعر المطلقة سهلت ولادتها" فتح الباري لابي حجر العسقلاني. ومنه نرى ان المسلمين في عصر محمد كانوا يؤمنون بالتمائم ايضا.


ذكر بقي بن مخلد أن الشفاء (بنت عبد الله بن عبد شمس بن خلف بن صدار بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن عقب، حسب الطبقات الكبرى، والاستيعاب لعبد البر القرطبي) كانت ترقي في الجاهلية، وأنها لما هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
قدمت عليه فقالت:
يا رسول الله، إني كنت أرقي برقى الجاهلية، وقد أردت أن أعرضها عليك..
قال: ''اعرضيها علي''،
فعرضتها عليه فكانت من النملة،
فقال:
''ارقي بها وعلميها حفصة''
فكانت تقول:
''بسم الله صَلوبٌ حين يعُودُ من أفواهها ولا تضر أحدًا
اللهم اكشف البأس ربّ الناس''،
فكانت ترقي بها على عود كركم (زعفران) سبع مرات، وتقصد مكانًا نظيفًا ثم تدلّكه على حجر بخلّ ثقيف، وتطليه على النملة. (رواه الحاكم في المستدرك).
وقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
''ألا تعلّمين حفصة رُقيةَ النَّملةِ كما عَلَّمْتِيْها الكتابةَ''
(رواه أحمد في مسنده).

وقد رخّص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرُّقية من الحمى والعين والنملة.
والنملة كما هو معروف عند الأطباء هي نوع من القروح تخرج في الجنب وغيره من الجسد.
قال ابن قتيبة:
النملة قروح تخرج في الجنب.
وفي اللغة قال أبو عبيد: قال الأصمعي:
هي قروح تخرج في الجنب وغيره.وقال الثعالبي في فقه اللغة:النملة:بثور صغار مع ورم قليل وحكة وحرقةوحرارة في اللمس تسرع إلى التقريح.
وقيل:النملة داء معروف، وسُمّي نملة لأن صاحبه يحس في مكانه كأن نملة تدب عليه وتعضه. ويصفها أطباء العصر الحديث بأنها مرض جلدي يشبه نوعًا من أنواع الأكزيما.
 
التمائم الخرز في العالم الاسلامي

كانت جداتنا يقولون:" بده شبة وخرزة زرقة" دلالة على جمال او ذكاء المعني وحتى لايصاب بالحسد. وفي موسوعة الفلكلور الفلسطيني للكاتب نمر سرحان يذكر عمق الاعتقاد بالحجر واستخدامه كطلسمان في العادات الى درجة ان لكل حجر من الاحجار كان الاعتقاد ان هناك وظيفة معينة وهنا نقدم لائحة بإختصاصات الاحجار حسب الاعتقادات التي كانت سائدة الى اواخر الخمسينات.

خرزة استملك: لونها رمادي وبني، كروية، وظيفتها اشعال الحب والغرام ويصبح الرجل اسير حبيبته. ان لبسها زاد شوقه وان نزعها يملؤه الحزن ويفارقه السرور.
خرزة ام الحلوق: تمنع التهابات الحلق وتحسن الصحة.
خرزة البزلة، صغيرة لونها احمر وبها خطوط، لوجع العيني، تربط على الرأس فوق العين.
خرزة الحصر، مستطيلة بيضاء، تفتح مسالك البول.
خرزة الحليب، مستطيلة ايضا وبيضاء وتشبه خرزة الحصر، تحملها المرضعة برقبتها لتساعدها على زيادة كمية الحليب. ويمكن استخدامه لزيادة حليب البقر والماعز ايضا.
خرزة الحنيش، لونها اسود لاخافة الحنش.
وخرزة الحية، شكلها مثل رأس الحية ولها نفس لون الحية وينصب عليها الحليب ويشربه الملدوغ فينجو من الموت.
خرزة الدم، طويلة مثل العود، لونها احمر وبها عروق حمر، يلطع بها على النزيف لوقف نزف ورعفة الدم.
خرزة الدمامل، تشبه الدملة
الخرزة الزرقاء/ مشهورة لمعالجة الحسد والعين.
خرزة السكر، مثل خرزة الحية.
خرزة السمال، كانت مشهورة انها تخلي الزوج يعشق زوجته ومايمل عشرتها على مدى الدهر.
خرزة السمن والعسل، مثل خرزة السمال
خرزة الشبة، حجر ابيض، تجعل الرجل خاضع لزوجته.
خرزة الشقيقة بتعالج داء الشقيقة، ووجع الرأس والصداع وتمنع تشقق الشعر والعديد من البلاوي الاخرى.
خرزة الصفار، لونها اصفر وشكلها مثل شكل المرارة، يصب عليها الحليب الاصفر ويشربها الصفران سبع مرات على الاقل.
خرزة العقال، تسحب صلاحيات الزوج وبتعقله وتربطه بزوجته.
خرزة العين، توضع على كل شئ غالي، من اشياء حتى الاطفال، لمنع عين الحسد.
خرزة الفاس، لونها رمادي، تشبه الفاس، بتطلق الضرة وتبقي قلب الحبيب للثانية، ويقال خرزة الفاس مطلقة بنات الناس لشدة تأثيرها.
خرزة القرقعه، من خرزات المحبة، تؤثر على الزوج النسونجي الذي لايشبع من التطلع الى الصغيرات. تجعله يتخلى عن هذه العادات
خرزة القبول، يلبسها العارف ان دمه زنخ وغير محبوب حتى يصبح مقبول من الناس ويتحملوا وجوده.
خرزة القلب، تشبه القلب، حجر احمر، عند الاصابة بالرعشة القلبية يصب عليه الحليب ويشربه لمدة اسبوع حتى تنتظم دقات القلب.
خرزة الكبسة، لونها اخضر مائل للسمرة، مسطحة، تتحمم عليها التي لم تحبل والعروس صباحية الدخلة والنفاس من عيون ربات الخدور.
وخرزة المرارة ( مثل الصفار)، وخرزة المحبة ( مثل اخواتها الكثر)، وخرزة النفس، وخرزة النايخة مثل الجمل للمحبة والحب.. (المصدر موسوعة الفلكلور الفلسطيني)

ولا تزال هناك بعض الشعوب، مثل أهل إيران، والهند والصين يسود بينهم اعتقاد جامح أن (حجر الجاد) يقي صاحبه خطر الإصابة من أمراض القلب، وأن حجر الفيروز يبعد عن صاحبه الكثير من المخاطر والشرور·

أما في بلاد النوبة فيتزين الرجال بخاتم به فص أبيض من الأحجار الكريمة، يعتقدون أنه يقي صاحبه من لسع العقارب·


بائع تعاويذ وتمائم من دارفور

اشهر التمائم المنتشرة في العالم العربي اليوم:
الخمسة والخميسة (في اللهجة المصرية) وهي 'كف اليد'، الخرطوش الملكي، المصحف، العين، الثعبان، الهلال ، المرفوع على مئذنة المسجد، النجمة الموجودة علي جدران المساجد، ولفظة "ما شاء الله".
فضلا عن تمائم الأحجار الكريمة التي لها دلالة علاجية مثل حجر الزبرجد الأخضر لزيادة النضارة والشباب، وحجر الفيروز الأزرق لطرد الحسد


وتحتل الخرزة الزرقاء والكف مركز الصدارة في عالم اليوم، فلا يكاد يخلو منها صدر امرأة أو مرآة سيارة، فالناس يعتقدون أن بها قوى سحرية تقي صاحبه وتدرأ عن سيارته الحوادث·

والنساء يعتقدن أن الخرز الأزرق والكفوف تقي من الحسد، والكف المعروف (بالخمسة وخميسة) إما يُعلق أو بدلاً منه تدفع المرأة بكف يدها بعد فرد الأصابع الخمسة في وجه من تظنها حسودة مع ذكر العدد خمسة ومضاعفاته أو كلمات مرتبطة به كقولهن (اليوم الخميس) (الطفل وزنه خمسة كيلوغرامات)·

والنساء يفعلن ذلك تحت تأثير تواتر الثقافة التي تعود إلى طقوس السحر التي تؤمن بأن لكلٍّ عدد ولكل حرف خواص، وأن العدد خمسة وكف اليد بها ذبذبات طاقة الدفاع وحتى تمنع الأذى عن جسم الإنسان أو ما يخصه إذا ما دُفعت في وجه الحسود·

وفي الأعراس يستخدم الناس البخور، ويرشون الملح، وهي ممارسات ترجع في اصولها الى الثقافة الدينية الاشورية على الاقل، وتعتبر من ادوات كهنة الفلك وانتقلت الى طقوس الاديان وبقيت قبل الاسلام حيث كان الكهنة ورجال الدين يحرقون البخور أمام الأصنام والسحرة لاسترضاء من يتعاملون معهم من الجن، وفي الاصل كان الاشوريين يحرقون البخور لتطهير المكان لحضور الله. وتختلف رائحة البخور حسب العمل المطلوب، فإذا كان المطلوب فك سحر، استخدم البخور طيب الرائحة، أما إذا كان المطلوب عمل سحر سيئ فالبخور المستخدم يكون خبيث الرائحة·

وفي ريف مصر ابتدع العامة رقية توارثوها جيلاً عن جيل خلطوا فيها بعض جمل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض العبارات المبهمة، ثم وقع في وجدانهم أنها رقية السيدة آمنة بنت وهب للرسول صلى الله عليه وسلم، وعبارات الرقية: (حدارجة بدارجة من كل عين سارجة، يا شجرة بلا ورق الغم والحزن والحسد عنك يتفرق··· أم النبي رقت النبي بالصلاة على النبي اللهم صلى عليه)·

ثم تُقص ورقة على شكل آدمي وتوخز بالإبرة مع ذكر عبارة (من عين فلان) ويُسمى الأشخاص وتُكرر العملية حتى تُخرق الورقة كلها ثم تُحرق ويُبخر بها المحسود أو الشخص المراد رقيته·
والى جانب ماذكرناه اعلاه وهو موروث قديم عن الحضارات السومرية والاشورية اصحنا اليوم نضيف اليهم آية الكرسي والمعوذات الثلاث للهدف ذاته التي كانت تستخدم فيه الاحجار والطلاسم.

والتمائم كانت تستخدمها ليس فقط بلاد الرافدين وانما ايضا الحضارة المصرية القديمة فهناك تميمة توت عنخ آمون المزينة بالثعبان لطرد الارواح الشريرة وتميمة السلحفاة ترمز للحكمة والوقاية من السحر وتميمة الجعران التي تمنح القوة. وفي العصر الفاطمي انتشرت تميمة الهلال واليوم اشتهرت تميمة القرآن من الذهب والفضة.


onsdag 21 september 2011

الصرع طريق الى النبوة


حمدي الراشدي: من مكتبة آشور بنيبعل وصلتنا اول الوثائق التي تتحدث عن اعتقاد الاشوريين ان الصرع هو اسلوب الله او المجمع الالهي لاقامة التواصل بينهم وبين الانسان حيث نوبة الصرع هي نوع من تلبس الله للانسان ليطلعه على نواياه وتصوراته. بعد نوبة الصرع يقوم المصاب برواية الرؤى التي انتابته الى الكهنة ليساعدوه بتأويلاتهم على معرفة مااراد الله ايصاله. هذا الاعتقاد لازال مستمرا حتى اليوم عندما يمارس الشيوخ جلسات اخراج الشياطين والعفاريت من جسم المصروع بمساعدة النص المقدس. غير ان هذه الاعتقادات تملك ارضية حقيقية نمت عليها الطقوس




brain sensor

الدماغ شبكة وآليات معقدة مسؤولة عن عكس الكون في ذاتنا وعلاقة ذاتنا مع الكون وتحديد الذات عن العالم الخارجي والتحكم في العلاقة به. وتماما مثل بقية العوارض الناتجة بسبب قصور او اختلال في عمل مناطق الدماغ يمكن ان ينشأ التباس في فهم الحدود الفاصلة بين الذات والعالم الخارجي. ايضا يمكن استغلال هذه الآليات لتحفيز التصورات وخلق انطباعات روحية مثل الانصهار مع الالهة كما في فلسفة التنترا الهندية Tantra or Yantra, او الفلسفة الصوفية.
من الناحية الكلينيكية الاصابة بهذا الامر بنتيجة خلل دماغي يؤدي بالمصاب الى رؤية اشباح تتحرك لها صور مرعبة. يمكن للمريض ان يتصور ان هذه الاشباح تتكلم معه او يمر بمعايشات اخرى تذكرنا بمعايشات الانبياء والقديسين.

الصرع: طريق الى النبوة
دراسة مرض الصرع ساعدت العلماء على فهم ميكانيزم عمل الدماغ لخلق مشاعر " الانا" في الذات لنتمكن من فهم التفريق بين انا وانت ولنتمكن من تحديد حدود جسمنا عن العالم. من خلال وصل اقطاب كهربائية للدماغ تمكن العلماء من خلق مشاعر الاحساس بمعايشات خارج الجسد، مثلا يتمكن المرء من رؤية نفسه من الخارج او يشعر ان اطرافه ليست له وكأنها من جسم اخر غريب عنه.

في الاحوال العادية لاينشأ عندنا اي التباس عن بداية ونهاية اطرافنا وجسمنا. نحن نشعر بإنصهار كامل معهم لكونهم جزء مركزي في تفكيرنا ومشاعرنا. غير ان آلية عمل وعينا عن الانا في ذاتنا احدى اكبر المعضلات في علم دراسة الدماغ، والباحثين يجدون صعوبة في ايجاد طرق علمية لبحث الموضوع. من بين اسباب صعوبة دراسة آلية عمل الوعي بالذات ان ان وحدة الوعي كبيرة للغاية وان المعايشات المتعارف على تسميتها بالمعايشات الخارجية عادة تنشأ بدون مقدمات وتبقى لبضعة لحظات فقط.

بالارتباط مع معالجة المرضى المصابين بالصرع تمكن الطبيب Olaf Blanke من جامعة جنيف الطبية من إكتشاف انه قادر على تحفيز واطلاق عدة انواع من المعايشات الغريبة بمساعدة نبضات كهربائية في المكان المناسب من الدماغ. عندما فحص المصابون بالصرع يجري غالبا وضع اقطاب كهربائية في الدماغ من اجل فحص المكان مصدر الصرع. الاماكن التي توضع بها الاقطاب تختار بطريقة عشوائية. بعضهم يتمكن من تخفيف عوارض الصرع في حين ان البعض الاخر يكون سببا في إطلاق حركات عضلية ومشاعر واحيانا معايشات خارج الجسم. بهذه الطريقة تمكن الطبيب اولاف بلانك من تعيين المناطق الدماغية التي تتحكم في ثلاثة اطياف من وعينا بذاتنا.

Sense of Consciousness

اكثر الظواهر شهرة هي ظاهرة معايشة وكأن " النفس " تسبح في الفضاء خارج الجسم وقادرة على رؤية ومراقبة ماحولها. هذه الظاهرة نادرة وغالبا تنتهي لوحدها، ولكن في عدة مرات تمكن اولاف بلانك وعدد اخر من الباحثين من بعث هذه المعايشة بطريقة صناعية من خلال تنشيط مناطق دماغية محدد بتيار كهربائي. هذا الامر ادى الى اكتشاف ان التوازن المشاعري يفضي الى امساك معايشة الذات ضمن اطار "ارض الواقع" بحيث لاتسبح في الفضاء خارج الجسد.

حالة ثانية على معايشة الانا بطريقة الهية تحصل عندما يصبح من غير الممكن على الدماغ التحكم بالقدرة على التعرف على اعضاء ومناطق من الجسم. مما يمكن ان يؤدي الى ان الدماغ يعزل كل صلات إنتماء العضو الى الجسد وتعتبره غريب. هذا الامر يحصل غالبا عند زرع اعضاء جديدة، مثلا ذراع من شخص مات دماغيا. الكثير من المؤشرات تدل على ان حاسة البصر تلعب دورا في ذلك، إذ في تجربة حديثة لاحظ الباحثون ان الشخص الخاضع للاختبار يستطيع التقاط مشاعر من يد اصطناعية ثالثة توضع الى جانب يده وتغطى بطريقة يمكن الاعتقاد بصريا انها جزء من الجسم.


النوع الثالث للانحراف في التعرف على الذات عندما يتوقف الدماغ من القدرة على تعيين موضع الجسد. السبب هنا على الاغلب في فقدان التوازنات المشاعرية بحيث ان الدماغ يستقبل من الجسم معلومات متناقضة. هذا الامر يمكن ان يؤدي الى نشوء اعراض حيث يشعر المصاب ان هناك نسخة ثانية منه الى جانبه. الوضع يشابه الشيزوفرينيا ولكن يختلف عن هذا المرض البسيكولوجي ان المصاب، عادة، لايريد الاعتراف ان " الجسم الثاني" له علاقة به، مهما كان نوعها.

سريريا يمكن تقديم ثلاثة امثلة واقعية. اثناء معالجة امرأة عمرها 22 سنة بقبعة الاقطاب الكهربائية جرى اطلاق تيار كهربائي من قطبين فقط على منطقتين معينتين. النتيجة ان المرأة شعرت بوجود شخص اخر الى جانبها. هذا الشخص كالظل وصامت ويقف خلفها على الدوام ولكنها تشعر انه غريب ولاتستطيع لمسه. الشخص الظل يبقى يحيط بها في كل حركاتها وكأنها في احضانه، بحيث تشعر وكأنها في حالة اغتصاب مما يذكر بمعايشات نعلمها من تعابير شائعة مثل " يتلبسني جني" او " ركبها شيطان" وتذكرنا بعمليات اخراج الجن من البشر.
في حالتنا هذه تنشأ المعايشة من الاقطاب الموجهة الى منطقة الاتصال بين الفص الخلفي والفص الجانبي. وهي منطقة مسؤولة عن التحكم بمشار الانا والشعور بالفرق بين انا وانت. وتقوم ايضا بصهر وتنسيق مشاعر الجسد.

مع امرأة اخرى عمرها 42 سنة كان الوضع مختلفا. عند معالجة الصرع لاحظ الاخصائيين انها تسلك سلوكا غريبا عند تنشيط جزء من الدماغ بتيار كهربائي ضعيف. فجأة تقول المرأة ان جسمها يغوص عميقا في السرير او انها تسقط من مرتفع عالي. عند زيادة قوة التيار قليلا تشعر المرأة انها اصبحت خفيفة وانها تطير قرب السقف في ذات الوقت الذي تنظر فيه الى جسدها المستلقي على السرير. وحسب رؤيتها للامر فإن جسدها بدون رأس وله اذرع وسيقان اقصر من الطبيعي.
ردة الفعل هذه جرى خلقها عن طريق تيار من قطبين مزروعين في منطقة gyrus anguli. تقع المنطقة على خلف فص الصدغ ومسؤولة عن التحكم وتنظيم اشارات التوازن القادمة من حاسة البصر والسمع والاحساس وحاسة التوازن بحيث نصبح واعين بموقعنا.

في معالجة ثالثة لرجل عمره 55 عاما ، بسبب نوبات الصرع اليومية كان يشعر ان الضغط يزداد كثيرا على طول الجانب الايسر من الجسم. بعد ذلك يشعر ان هناك شخص يدخل في ذلك الطرف ويفقد الشعور ان الجزء الايسر من الجسم يخصه. انه يشعر ان جسمه انقسم فيزيائيا الى نصفين مستقلين، ويصبح " هو" النصف الايمن. وخلال نوبات الصرع لايعايش اية تصورات اخرى ويستطيع ممارسة جميع وظائفه وكائن شئ لم يقع.
التصوير الدماغي كشف اضرار في sulcus intraparietalis posterior, في القسم الخلفي من الفص parietal lobe, وهي منطقة تتحكم بتنسيق النظر مع الجسم بحيث يتمكن المر ، مثلا، من مد جسمه ليتناول غرض. ويعتقد انه يساهم في وعي النصف الثاني من الجسم بالنسبة للنصف الاول.

الاشخاص المصابين بهذه الاعراض اعدادهم كبيرة بشكل غير متوقع بحيث انهم مادة غنية للابحاث لمعرفة الترابط الكلي لعمل الدماغ في بناء الشخصية والتحكم بالانا في ذاتنا وعلاقتها بالمعايشات الروحية.

onsdag 14 september 2011

معضلة يوثيرو: هل يختار الله الصالح لانه صالح ام انه صالح لان الله اختاره؟




من خلال قراءتي لكتاب " الفلسفة مواضيع مفتاحية " لمؤلفه جوليان باجيني الصادر عن وزارة الثقافة السورية وهي مجلة شهرية تصدر عن الوزارة باسم " الكتاب الشهري "

أثار هذا الكتاب مسائل عديدة فقد بدأ أولاً بتوضيح مفهومات فلسفية مثل :المقدمات - انتقاد الحجج - أن تصبح فيلسوفاً
ثم تعرض لنظرية المعرفة ومذاهبها العقلي والتجريبي ....
وكان يقدم في نهاية كل فصل انتقادات موجهة للمذهب أو النظرية هذا ما أعطى الكتاب بشكل عام وجوليان باجيني بشكل خاص سمة الموضوعية التي تكاد تكون جزء لا يتجزء من المنهجية المتبعة في الكتاب
في النهاية للكتاب يتعرض باجيني لأمر مهم جداً تحت اسم : الإله و الأخلاق حيث يحدثنا جوليان أن هناك العديد من الناس المؤمنين يعتقدون أن وجود الإله مرتبط بوجود الحياة والمرشح الوحيد الذي سيضع ويسن القوانين الأخلاقية هو الله ومن غير وجود الإله فإن الأخلاق لن توجد.  ثم في صفحة 235 ، يقول :
(( حتى إن بعضهم قد استخدم هذا الأمر - يقصد مسألة ارتباط الأخلاق بوجود إله - كدليل على وجود الإله، فبدونه لما كان هناك شيء من الأخلاق.  ولما كان الإله وحده قادراً على أن يكون مصدرها فإن الإله واجب الوجود.  إن المقدمة الأولى لهذه الحجة موضع تساؤل لأن كوننا نتبع القواعد الأخلاقية ونؤمن بوجود الأخلاق لا يعني أن توجد الأخلاق مستقلة عنا إنما نتبع تقاليد بشرية أو قوانين أخلاقية أنشأناها نحن لا الإله ))

ثم يتابع جوليان في نفس الصفحة ليخبرنا عن معضلة يوثيريو التي أثارها أفلاطون قديماً - والكلام للمؤلف -

(( الحقيقة أن أفلاطون قبل أكثر من 2000 سنة وضع حجة مقنعة جداً بأن الأخلاق لا تعتمد على الإله وذلك في حوار يدعى يوثيريو Euthyryo والحجة بسيطة تقوم على الأجوبة الممكنة عن سؤال بسيط :
أيختار الإله ما هو صالح لأنه صالح أم ان الصالح صالح لأنه الإله يختاره ؟ 



تأمل الطرف الثاني من المعادلة: إذا كان الصالح هو فقط ما يختاره الإله فيبدو أن التفريق بين الصالح والطالح هو تفريق قسري , فما الذي يمنع الإله أن يقرر أن القتل صالح والرأفة طالحة مثلاً ؟
وإذا كان الصالح والطالح قسريين بهذه الصورة فإنهما إذن يفقدان قوتهما الأخلاقية ))


يقول جوليان باجيني في صفحة 237 :

(( لكن إذا كان الصالح والطالح لا يعتمدان على الإله  , فهذا يعني أننا لا نحتاج الإله لكي يوجد لنا الصالح والطالح. وإذا كان الإله غير موجود
إذن فإن الصالح والطالح يظلان موجودين وهكذا لا يوجد علاقة اعتماد متبادل بين الإله والصلاح وهكذا لا يُثبت وجود الأخلاق وجود الإله كما أن عدم وجود الإله لن يهدد الإخلاق ))

عندما يحاول المؤمنون ايجاد حل للمعضلة لن يجدوا حلا يغلق الثغرة، على الرغم ان الاله يفترض انه يملك الحجة البالغة. فهل فكرة الإله هشة إلى هذه الدرجة ؟؟؟

وأترك الكلام الآن للأستاذ باجيني في صفحة 237 :

(( قيل مثلاً إن الإله هو الصلاح وهكذا يكون السؤال المطروح في معضلة يوثيريو Euthyryo سؤالاً مضللاً
الإله يختار ما هو صالح , الإله هو ذاته صالح لكن عندئذ يبقى بإمكاننا طرح المعضلة الأساسية ذاتها في صيغة أخرى :
هلى الإله صالح لأن الصالح هو الإله تماماً مهما كان ؟ أو الإله الصالح لأن الصلاح متجسد في الإله ؟
وبكلمة أخرى أيكون الإله صالحاً مهما كانت طبيعته - كلي الرحمة أو كلي النقمة - أم الإله صالح لأن ما يعنيه كونه صالحاً ظاهراً تماماً في الإله .
إن الأجوبة تقود إلى النتيجة ذاتها : إذا كان الصلاح غير قسري فإن صلاح الإله يجب أن يعكس طبيعة الصلاح ذاتها الأمر الذي يعيني أن مفهوم الصلاح قابل للانفصال عن مفهوم الإله ))


المشكلة التي تطرحها معضلة معضلة يوثيريو Euthyryo Dilema بكل إيجاز :

أيختار الإله الصالح لأنه صالح أم أن الصالح صالح لأن الإله يختاره ؟ 

أيختار الإله الصالح لأنه صالح أم أن الصالح صالح لأن الإله يختاره ؟

في الحالة الاولى : إن اختار الإله الصالح لانه صالح فهذا يعني وجوب وجود معنى الصالح بمعزل و قبل او فوق الله كأن يكون الصالح موجودا في الكون ومن ثم اكتشفه الله وعرف بأنه صالح ! هذا لا معنى له وعموما فهو يقود الى النتيجة ان الاخلاق ليست من الله ...

أما في الحالة الثانية فأن هذا الخيار يصبح عبثي وعشوائي دون معنى او هدف ...



- لكن  ماذا لو بدلنا كلمة "الإله" في المقولة بكلمة "مجتمع " ونعني طبعا المجتمع الانساني ... أي مجتمع إنساني . لنرى النتيجة :
أيختار المجتمع الصالح لأنه صالح أم أن الصالح صالح لأن المجتمع يختاره ؟
لاحظ كيف زالت المعضلة ولم يعد هناك من Dilemme لانّا نستطيع ببساطة الايجاب على الحالتين ! ففي الاولى : نعم يختار المجتمع الصالح لانه يراه صالحا له دون أي مشكل لانه يعرف صالحه ويعرف ما يريد ... وتحديدا لانه يعرف صالحه ويعرف ما يريد يصبح الصالح هو في إختياره !

- إذا اردنا ان ندفع بالبحث قدما ، ماذا نستطيع أن نضيف هنا ؟
يبدو من الواضح على هذا المستوى ان الحرية كقيمة إنسانية تشكل الاساس في عملية الاختيار الاجتماعي لما هو اصلح وافضل ! إذ كيف لمجتمع ان يختار في ظل الفرض والظلم والتعسف ؟ 

(Dilemma بالانكليزية او Dilemme بالفرنسية ، المقصود منها هو : الحالة التي يجد الشخص فيها نفسه مضطرا للاختيار بين سيئين (احتمالين كل واحد منهما ليس بصالحه) . )


torsdag 8 september 2011

بين الحقيقة العلمية والحقيقة الدينية

الدينيين يملكون حقيقة واحدة، كامل عالمهم يقف عليها، وهي حقيقة دوغمائية لايمكن تغييرها، في حين ان العلماء على استعداد لنقاش " الحقيقة" التي يصلون اليها على الدوام، وإعادة النظر بمكوناتها، ولذلك غليس من الغريب ان تعديل النظرية على الدوام هو جزء من النظرة العلمية للحقيقة. هذا الامر يساء فهمه واستخدم من قبل الدوغمائين لمحاولة الطعن بالعلم والتقليل من قيمته ومصداقيته، ولكن هذا المبدأ بالذات هو الضامن الوحيد للتمكن من فهم العالم افضل، فهل يتمنى اصحاب الحقيقة الوحيدة ان نفهم العالم افضل؟

قوة العلوم الطبيعية في كونها غير دوغمائية. هذا الامر نجده جزء من جوهر عرض النظرية. جميع النظريات والفرضيات مفتوحة للنقاش والنقد ويمكنهم ان ينتهوا في سلة المهملات إذا لم يصمدوا للتحليل والنقد. غير ان هذه المرونة في المنهج العلمي سببت سوء فهم عند العديد من الفئات.
من حيث ان العلماء يقومون بإستمرار بتعديل نظرياتهم يعتقد البعض ان ذلك سبب كافي لاتهام العلماء بالنفاق او " التراجع" او ببناء الاوهام. في نهاية التسعينات من القرن الماضي توصل العلماء الى ان الكون اصغر من الحسابات السابقة بحوالي 7 مليارات سنة، إذ كان يعتقد في السابق ان عمر الكون حوالي 20 مليار سنة، ولكن الدراسات الاحدث اظهرت ان عمره 13،7 مليار سنة فقط. البعيدين عن البحث العلمي يظهر لهم الامر وكأن الفلكيين ليسوا الا قطيع من الهواة يتحزرون الجواب تحزيرا، ولايحترمون كلمتهم. ولكن في الواقع فأن هذا الامر نموذج جيد على النهج العلمي الذي يسعى بنفسه لتصحيح اخطائه وتقوية جوانبه الضعيفة. الكثير من الدراسات التي تدعم العمر الجديد للكون جاءت من مؤسسات مختلفة، ومع ذلك فأن الجميع على استعداد للقبول بإي معطيات جديدة.

ناقدين المعطيات العلمية ليسوا على استيعاب لمعنى "مفهوم  النظرية" ذاته،  لذلك ليس غريبا ان نجد من يقول بإستهزاء ان مايقال " ليس الا نظرية". هذا التعبير شائع بين ممثلي القوى الدينية، حيث يدعي غالبيتهم بأن العالم " جرى خلقه بالضبط على صورته الراهنة".

حجج هذه الادعاءات مبنية على سوء الفهم اللغوي وهو شكل يعتمد عليه الدينيين كثيرا. على العكس مما هو مستخدم في الحياة اليومية حيث النظرية غالبا يظن انها تعني " توقع"، فأن النظرية في المؤسسة العلمية هي اعلى واحسن مرحلة يمكن ان يصل اليها الباحث في سعيه للبرهنة على فرضياته مدعومة بمعطيات بحثه. وحتى المجالات الاكثر صعوبة في العلوم الطبيعية مثل نظرية التطور ونظرية النسبية يجري التعامل معهم من خلال طريقة النظرية، تماما كما هي عليه الامور في كافة القضايا العلمية الخاضعة للنقاش والتبديل عند ظهور وقائع جديدة. في هذا تكمن قوة العلم وحاجته المستمرة لاجراء البحوث.

الاساس اننا لانستطيع ان نستبعد اننا لن نصبح اكثر علما في المستقبل، والاعتقاد بأننا توصلنا الى الحقيقة النهائية سيؤدي الى التوقف عن التفكير كباحث ويؤدي الى عرقلة التقدم، والتحول الى طائفة دينية دوغماتية. حسب الفيزيائي توماس كوهن Thomas S. Kuhn (1922-1996), يعمل العلماء بدون مواقف مسبقة paradigm اي في اطار النظريات المطروحة. الفرضيات تبقى داخل الاطار نفسه، والنتائج والاكتشافات تؤخذ بعين الحذر والشك وحتى انطلاقا من انها خاطئة. مع الزمن ستأتي المزيد من المعطيات تشير الى مختلف الاتجاهات بحيث ان العلماء سيكونون انضج لاستقراء امكانيات جديدة ومنها قد يظهر نظرية او عدة نظريات. بعد فترة من الزمن تسود احد هذه النظريات على النظريات الاخرى بسبب افضليتها في التوضيح وتطابق المعطيات معها، خصوصا لقدرتها على تفسير المعطيات الخارجة عن التفسير. منذ هذه اللحظة يقوم العلم بالعمل على اساس هذه النظرية ويجري الاختبارات انظلاقا منها وللبرهنة على تطابقها مع المعطيات وللمزيد من بناء النظرية. بذلك تكون النظرية الجديدة قد حلت مكان النظرية القديمة وليحدث تبديل في البراديغم.

كل شئ مفتوح للنقاش ولكن المنهج العلمي يسمح بإعادة تقدير وتثمين الفرضيات والنظريات بشكل موضوعي، بمعنى بعيدا عن تأثير الافكار المسبقة القادمة من تلوثات تأثيرات البيئة الاجتماعية او الدينية او الثقافية. من هنا فمن المفروض ان الجميع قادرين على الاتفاق على المواقف العلمية ونظرياتها بعيدا عن الخلفية الفردية والذاتية. المؤسسات العلمية تملك مايكفي من التراث والخبرة والثقة بالنفس لتكون قادرة على النقد الذاتي ومفتوحة للجميع بدون مواقف مسبقة. مايظهر للبعض على انه ضعف ومايظهر للدوغمائيين على انه تبديل في المواقف وعدم القدرة على التمسك بالكلمة هو في الواقع مضمون قوة العلم، وشكل من اشكال التطعيم ضد الغباء والدوغماتية والعقم الفكري.

نماذج على طرق تصور العالم بين مختلف القوى
هل نحن وحيدين في الكون؟
إجابة العلم: نحن لانستطيع ان نجيب بثقة قبل ايجاد حياة في مكان اخر. ولكن وبالرغم من اننا لانعلم فأن هذا السؤال هو من ضمن اهتمامات العلم. السعي للاجابة على هذا السؤال يجري ضمن اطر المعرفة المتاحة. لذلك تجري التجارب لمعرفة السمات الفيزيائية والكيميائية للحياة حتى نستطيع ان نبحث عن اثارها بشكل افضل.

هل لدينا روح؟
مثل هذا السؤال يهم العديد من القوى. في الاصل تعتبر الروح مفهوم ديني ولكن يجري الان تحويرها الى مفهوم " الوعي" لتصبح في منطقة مشتركة بين الدين والعلم. هذه المنطقة من المناطق القليلة التي يتعاون فيها العلم مع الفلسفة. بعض افلاسفة يدعي ان هذا الموضوع لايمكن عل الاطلاق دراسته علميا إذ ان الوعي لايمكن ان يقوم بدراسة نفسه.

من سنختار؟
علم الاجتماع يدرس العلاقة داخل المجتمعات والتأثيرات المختلفة لقراراته. يمكن ان يقدم لنا اجابة عن الموارد المتوفرة وعن التحديات ولكنه لايستطيع ان يتخذ القرار بالنيابة عن المجتمع الذي عليه ان يختار.

مالذي كان قبل الانفجار العظيم؟
مثل هذا السؤال من اهتمامات علم الفيزياء الرياضي. من خلال ملاحظة حركة الكون والمجرات والاشعة الخلفية يمكن العودة الى لحظة الانفجار العظيم. وبالرغم من انه من الطبيعي ان نتساءل ماذا كان قبل الانفجار العظي الا انه سؤال لامعنى له. نحن لانستطيع الحصول على معطيات عم ماكان قبل وجود الزمان والمكان ولذلك ليس بالامكان دراسة الامر بموضوعية.

هل يوجد إله؟
الكثير من الناس يبحث عن معنى للحياة. والبعض يجد الجواب من خلال الايمان الاعتقادي بإله خالق. إذا رغب احد ما بالبرهنة على مدى حقيقة هذا الاعتقاد سيكون دائما بالامكان تبرير النتائج السلبية من خلال القول ان هذا الاله قد اختار ان لايكشف عن نفسه.

شكرا على القراءة

tisdag 6 september 2011

هل يحتاج النظام الى مُنظم؟

الفلسفة تنظر للامور بمنظار الاضداد لذلك كانت على الدوام هناك وحدة الاضاد، فلكل شئ ضد متحد معه بدون انفصام ولايمكن له الوجود الا مع نظيره ولايمكن معرفته الا بمعرفة مضاده، مثل النور والظلام والفوضى والنظام. على هذه الخلفية نشأت الفلسفة الصينية التي تتكلم وحدة النظام والفوضى، والتتداخل بينهم وكيف ان احدهم ينبعث من الاخر بالضرورة، ولا وجود للاسود بدون الابيض.

عالم نيوتن الميكانيكي
عندما ظهر نيوتن بقوانينه حول الجاذبية ساد بين الاوساط العلمية مفهوم ان الكون هو ماكينة مترابطة تقوم على الفعل ورد الفعل بين اجزائه، وهو مفهوم رآه البعض انه يدل على وجود خالق لان لابد ان يكون هناك صانع للماكينة على نمط البعرة تدل على البعير. هذا المفهوم تعرض الى ضربة قاسية مع اكتشاف عالم الكيمياء الروسي بوريس بافلوفيتش بيلووسوف لتفاعل كيميائي مُدهش من خلاله نرى كيف ان الفوضى ينتج عنها نظام ديناميكي مستقل وان الفوضى هي الوجه الاخر للنظام ولايمكن لاحدهم ان يكون بمعزل عن الاخر او يتواجد بدونه تماما على مبدأ طرح الفلسفة الصينية. هذا التفاعل اطلق عليه اسم BZ reaction. على اثر هذا الاكتشاف سقط الموديل الميكانيكي للكون، فماهو تفاعل بيلووسوف؟

تفاعل بيلوسووف
الكيميائي الروسي بوريس بيلوسووف اثناء عمله في مختبرات وزارة الصحة الروسية، في مجال ابحاث التسمم، كان يسعى الى فهم دورة التفاعل الحامضي لحل معضلة التفاعل الكيميائي المتأرجح. بعد ذلك ، وعلى مدى ستة اعوام، فشل مرتين بنشر نتائج ابحاثه لكون المجلة رفضت النتائج على إعتبارها " مستحيلة" وعلى اثرها تخلى بيلوسووف عن البحث العلمي.
غير ان البيوكيميائي S. E. Schnoll من معهد الفيزياء الكيميائي النظري سمع بأعمال بيلوسووف وطلب منه مسودات تجاربه وحصل منه على الاذن بالتأكد منها ونشرها بأسم مجهول. البروفيسور شخنول اعطى المسودات الى تلميذه Anatoly Markovich Zhabotinsky الذي تابع العمل عليها. في عام 1960 نشر مقالته عن اكتشاف دورة من التفاعلات المتأرجحة والتي تنتج اشكال منظمة من الفوضى وسمي التفاعل Belousov–Zhabotinsky reaction, (BZ reaction).
نموذج عن التفاعل:
على اليوتوب










وفي الويكبيديا العربية نجد النص التالي عن التجربة والافاق التي ترتبت عليها:
"قام ( جابوتينسكي) باعادة التفاعل مع تغيير حمض الستريك بحمض المالونيك بناء على نصيحة أستاذه. وبالاحتفاظ بنفس الظروف الأخرى، توصل جابوتينسكي لتحقيق تأرجح كيميائي زمني أفضل وأكثر وضوحا من سابقه. وخلال سكبه للمحلول على شكل غشاء رقيق لا يتعدى سمكه 1 ميليمتر لاحظ جابوتينسكي تكون تشكيلات معقدة في شكل أمواج مستديرة مشتركة المركز أو حلزونية ملتفة [5].

ظل تفاعل بيلؤوسوڤ-جابوتينسكي في تلك الفترة مجرد ظاهرة عجيبة ومثيرة للتساؤلات. وفي سنة 1972، توصل ثلاثة باحثين، من جامعة أوريغون، وهم فيلد R. J. Field ونوييس R. M. Noyes وكوروس E. Körös إلى تفسير آلية التفاعل بواسطة نموذج معقد مكون من 18 تفاعلا متسلسلا يتدخل فيها 21 نوعا كيميائيا مختلفا. إضافة إلى ذلك، إقترح ثلاثتهم شكلا نظريا مبسطا للتفاعل مكون من خمس مراحل سمي "الأوريغوناتور" Oregonator، على اسم الجامعة التي ينتمون إليها [6].

وكانت كتاب الأسس الكيميائية للتشكل الحيوي The chemical basis of morphogenesis الذي نشره الرياضي الشهير آلان تورنج سنة 1952، يتنبأ بإمكانية ظهور البنى المعقدة عند التشكل الجنيني بواسطة مواد كيميائية، سماها تورنج بالمشكلات Morphogens، تنتشر وتتفاعل لتغير خاصية الفضاء الأحيائي المحيط بها [7].

إسترعى نموذج تورنج الرياضي انتباه إيليا بريغوجين Ilya Prigogine وغريغوار نيكوليس Gregoire Nicolis، من جامعة بروكسل الحرة، اللذان قاما بتعديله ليظهر أن بعض التفاعلات الكيميائية البعيدة عن حالة التوازن في التحريك الحراري، مثل تفاعل بيلؤوسوڤ-جابوتينسكي، يمكن أن تنتج نظما فضائية معقدة ذاتية التعضية [8]. وسمي هذا النموذج بنفس الطريقة "البروكسيلاتور" Bruxellator.

واصل جابوتينسكي ومعاونوه في جامعة بوسطن، أبحاثهم حول التشكيلات الفضائية المعقدة التي يظهرها التفاعل، وتبين أنها موجات كيميائية Chemical waves تتصرف فيزيائيا مثل موجات الصوت أو الضوء من خلال الانعكاس والانكسار على وسط غروي [9].

قانون الشواش
بالاختصار تحطمت نظرية الكون الميكانيكي. ولكن اإذا كانت الاشكال الناشئة منتظمة الا يمكن ان تكون لها قانون يتوقعها ويستبق حدوثها؟ Edward Norton Lorenz الذي كان يؤمن بالعالم الميكانيكي كان يبحث عن قانون يسمح له بالتنبوء بالطقس، غير انه عوضا عن ذلك اكتشف نظرية الشواش (الفوضى) (Chaos Theory) . الاكثر شهرة هي مقولته " لو خفقت فراشة اجنحتها في البرازيل فيمكن ان تحدث عاصفة في تكساس" واساس نظريته ان تغيير في الارقام العشرية مهما كان ضئيل يتطور الى تغييرات عاصفة لاتخطر بالبال. وبالتالي فإن النموذج لايكون هو نفسه، على الرغم التشابه العام، لمجرد تغييرات غاية في البساطة. بذلك نجد ان الاحداث المعقدة تملك تشكيلة لانهائية من الاحتمالات جميعها تقوم بنيتها انطلاقا من نمط بسيط للغاية.

من تجربة بيلوسووف نرى كيف ان الدوائر في الاصل وعلى العموم متشابهة ولكنها ابدا ليست متطابقة. والغريب ان جميع مافي الطبيعة يقوم على المبدأ نفسه، وبالتالي فالطبيعة تملك ميكانيزم التعقيد الديناميكي من الفوضى نحو النظام في ذاتها.




الفركتال، علم التناظر التفرعي
Benoît B. Mandelbrot, عالم رياضيات فذ ومؤسس علم التناظر التفرعي. Fractal geometry. تقوم النظرية على شرح ظاهرة ان الاشكال في الطبيعة تتطور بطريقة تفرعية في ظاهرها فوضوية غير انها متناظرة. والتناظر الفركتالي عبارة عن سلسلة من الاشكال ذاتها من مختلف الاحجام تبدأ بالاكبر وتنتهي بالاصغر تماما مثل الشجرة في سلسلة مستمرة، لتبدأ بالابسط وتنتهي بالتعقيد، ولكنه تعقيد مركب من حلقة غاية في البساطة. هذا الامر جرى التعبير عنه بالمعادلة: C<=> C2 +z.

نشأت الهندسة الفركتلية fractal geometry في الستينات والسبعينات من القرن العشرين عن دراسات <B. ماندلبروت> في تعقيد الأشكال. وقد اشتق ماندلبروت كلمة فركتلي fractal من الكلمة اللاتينية fractus (ومعناها «مكسور») لتدل على الطبيعة المجزأة وغير النظامية لهذه الأشكال.

▪ تدل الفركتليات على التشابه الذاتي، وهذا يعني أن للشكل منظرا متماثلا عند أي تكبير. فأي جزء صغير من البنية يماثل الكل إلى حد كبير.

▪ يكون التشابه الذاتي دقيقًا أو إحصائيًا، فالشجرة الصنعية (سلسلة الصور في اليمين) تماثل تكرارا دقيقا للنموذج عند قيم تكبير مختلفة. أما بالنسبة إلى الشجرة الحقيقية (سلسلة الصور في اليسار) فإن الشكل لا يتكرر بشكل دقيق، ولكن عوضا عن ذلك فإن الخصائص الإحصائية لهذه النماذج هي التي تتكرر. إن معظم النماذج في الطبيعة تخضع للتشابه الذاتي الإحصائي، وكذلك رسومات پولوك.
▪ يمكن تمييز البنى الفركتلية بدلالة «البعد» dimension أو التعقيد. فالبعد هو رقم غير صحيح كما هي الأبعاد المألوفة 1 و 2 و 3 في الهندسة الإقليدية. وعوضا عن ذلك فإن أبعاد البنى الفركتلية هي أرقام فركتلية، على سبيل المثال، يكون بعد الخط الفركتلي بين 1 و 2.



التشكيل اعلاه نراه ينعكس في مجاري الانهار وفي منحدرات الجبال بنتيجة الاسيول والحت وفي الاشجار وفي التجربة الكيميائية وفي الاوردة الدموية والممرات التنفسية للرئة والاعصاب كما نراها في عملية نشوء الكون وحتى حركة الاسماك والطيور. عندما تطير الطيور في مجموعات كبيرة وتغيير اتجاهها بحركات سريعة وحادة لااحد يستطيع توقع معرفة الخطوة التالية ولا حتى الطيور انفسهم، ومع ذلك لايتصادمون لان المعادلة قائمة ان الحلقة البسيطة تقوم بالاهتمام بنفسها وبالذات ان كل طير يهتم بملاحظة الطير الاقرب اليه والانسجام معه فقط لاغير.



بذلك نرى ان التركيبة تقوم على البساطة التي تخلق التعقيد والتنوع الى درجات لانهاية لها ولكنها كامنة ولاتحتاج الى منُنظم . ذلك يعني ان الفوضى والنظام ملتحمان لاانفكاك بينهم ولاوجود لاحدهم بدون الاخر، ولكن كلاهما موجودان بفضل وجود الاخر وليس بفضل قوة من خارجهم، بالذات لان التفسير في ذاتهم كافي لوجودهم ولايحتاجان الى تفسير من خارجهم.
Fractal geometry
الفراكتال ، على إعتباره الوحدة الابسط الذي يتشكل منه التعقيد، ليس امرا حصرا على الكيمياء او الجيلوجيا او البيلوجيا او الكون او حتى المادة وانما ايضا ينطبق على السلوك.
عندما ننظر الى سرب من الطيور نجد ايقاعا غاية في الدقة إذ وعلى الرغم من ان عدد الطيور في السرب يمكن له ان يصل عشرات الالاف الا انه من المستحيل ان يحدث تصادم بينهم. بالذات لان ميكانيزم السرب قائم تماما على مبدأ الفراكتال، حيث كل طير من الطيور يراعي فقط الانسجام مع حركة جاره ولاشئ اخر. وعلى الرغم من ان حركته هي استنساخ حركة الجار فإنه من المستحيل تطابق حركتين كليا، وهو الامر المميز للفراكتال بجميع ميادينه.


ذات الامر نراه يتكرر لدى سرب من الاسماك او قطيع من الحيوانات في سهوب افريقيا بل والاغرب حتى بين قطعان البشر في التجمعات الكبيرة مثل الحج الى مكة او الى نهر الغانج، الامر الذي يدلل على انحدار هذه الخاصية لدى الانسان من اعماق تاريخنا البيلوجي الممائل لما عند الحيوانات. هذا الامر يطلق عليه ايضا ديناميك القطيع وهو الذي جرى استغلاله من قبل الالمان عند بناء ممرات ومسالك الحج في مكة لحماية الحجاج من خسائرهم السنوية التي كانوا يقدمونها للشيطان عند رمي الجمرات.


الفوضى التي تُنظم نفسها لها طرق مختلفة ولاتقتصر على ماذكرناه اعلاه. مثلا نرى مئات الالاف من النمل تخرج من وكرها باحثة عن الطعام يوميا. وعندما يجد احد افرادها الطعام نجد ان اشقائه يلتقطون الاشارة الناشئة طبيعيا وسرعان مايصبح الجميع يتجهون الى الطعام مباشرة ومن اقصر الطرق. من اخبرهم عن الطريق الاقصر؟ (هذا المثال سيجري التفصيل به لاحقا(.
كيف تمكنوا من تنظيم العمل؟

يعتمد الامر بأسره على مبدأ غاية في البساطة اتباع رائحة الفيرمون التي يفرزها كل فرد من افراد النمل وإذا انتهت الرائحة يستدير بالعكس ويتبع رائحة فرمونه الخاص فيعود الى المنزل.
غير ان النمل يتبع الرائحة الاقوى، وبالتالي كلما ازداد عدد الافراد الذي يتبعون الخط نفسه كلما ازدادت طبقات الفيرمون على هذا الخط وبالتالي تصبح الاقوى، في حين تختفي وتزول بالتدريج عن الخطوط الاخرى. في النهاية يبقى خط واحد صادر عنه رائحة الفيرمون القوية هو الخط الذي يتبعه الجميع.

عند استبدال النمل بالروبوت نحصل على النتيجة ذاتها. هذه الصفة نشأت تطوريا واستمرت لانها حافظت على حياة النمل وبذلك امكن توريثها الى الاجيال اللاحقة بدون اي حاجة لتتدخل خارجي ذكي .
الموضوع على موقع الذاكرة اضغط هنا

måndag 5 september 2011

فندق هلبرت ومعضلة اللانهايات

فندق هالبرت ذو الغرف اللانهائية

فندق هالبرت هو فندق ذهني من اختراع عالم الرياضيات الشهير هلبرت Hilbert ، وهو فندق يتسع لعدد لانهائي من الغرف ، أنه فندق اللانهاية !

يتردد كثيرا أفكار من قبيل ، لابد لهذا الكون من مسبب هو سبب كل الأسباب ، ولابد لهذا الكون من بداية ، وذلك لانه لايعقل أن تكون سلسلة الأسباب لانهائية و لايعقل أن يكون الكون سرمديا. فإذا كان الكون دون بداية هذا يعني أنه وراء لحظتنا الراهنة عدد لانهائي من الحوادث ، أي أنه علينا عبور عدد لانهائي من الأحداث للوصول لللحظة الراهنة وهذا غير ممكن.

في مثال المكتبة التي تحتوي عدد لانهائي من الكتب الخضراء والسوداء أنه حتى لو أزلنا نصف عدد الكتب من المكتبة تظل المكتبة تحتوي عدد لانهائي من الكتب و هي فكرة تضرب بعرض الحائط أحد بديهيات تفكيرنا وهو أن الكل أكبر من الجزء فهي تظهر أن الكل من الممكن أن يساوي في الحجم جزءا من أجزاءه.

فهل اللانهاية حقيقة ام فرضية؟

لايمكن في فندق بعدد محدود من الغرف استيعاب المزيد من النزلاء، متى ما تم اشغال كافة الغرف ، و قد تفترض بأن نفس المشكلة ستبرز في فندق بعدد لانهائي من الغرف عند اشغال كافة غرفه. الأمر ليس كذلك فهناك طريقة لاستيعاب الضيف الجديد.

ــ تخيل فندقا بعدد لانهائي من الغرف ، مرقمة 1 ، 2 ، 3 . . . وهكذا ، وكل الغرف مشغولة. يأتي رجل ويسأل مسؤول الإستقبال هل هناك أي غرفة متوفرة ، يجيب مسؤول الإستقبال " كل غرفنا مشغولة ياسيدي ، ولكنني سأكون سعيدا بخدمتك وإنزالك في فندقنا ". كيف سيفعل ذلك ؟

الجواب: اطلب من الضيف الذي يشغل الغرفة رقم 1 أن ينتقل إلى الغرفة رقم 2 . ومن الضيف الذي يشغل الغرفة رقم 2 أن ينتقل إلى الغرفة رقم 3. . . وهكذا ، ضع الضيف الجديد في الغرفة رقم 1.

لانهاية + 1 تبقى لانهاية . فهناك قدر من الأعداد من 1 إلى مالانهاية مماثل للأعداد من 2 إلى مالانهاية. وإذا قدم أي عدد محدود من الضيوف يمكن انزالهم جميعا في الفندق.

ــ والأن تخيل نفس الفندق ، نفس الحالة ، كل الغرف مشغولة ، وقدم عدد لانهائي من الناس في نفس الوقت وطلبوا غرفا خاصة بهم. مرة أخرى سيجيب مسؤول الفندق " كل الغرف مشغولة ، ولكنني سأكون سعيدا بإنزالكم جميعكم في الفندق ". كيف سيفعل ذلك ؟

الجواب: اطلب من الضيف الذي يشغل الغرفة رقم واحد حاليا أن ينتقل إلى الغرفة رقم 2 . اطلب من الضيف الذي يشغل الغرفة رقم 2 أن ينتقل إلى الغرفة رقم 4 . والضيف الموجود في الغرقة رقم 3 أن ينتقل إلى الغرفة رقم 6 . والضيف ذو الغرفة رقم N أن ينتقل إلى الغرفة رقم 2*N . والأن اطلب من الضيوف الجدد أن يحتلوا الغرف ذات الأرقام الفردية التي افرغت لهم الأن ، في العملية السابقة تم افراغ كل الغرف الفردية.

لانهاية*2 تبقى لانهاية. هناك عدد من الأرقام الزوجية مماثل لعدد الأرقام الطبيعية . هناك عدد من الأرقام الفردية مماثل لعدد الأرقام الطبيعية . وإذا دمجت مجموعة الأعداد الزوجية مع مجموعة الأعداد الفردية ستحصل على مجموعة ليست أكبر من كلتا المجموعتين اللتين بدأت بهما . فإذا حضر لديك عدد لانهائي من الضيوف الجدد يمكنك انزالهم كلهم في الفندق.

إن كان هذا مفاجئا لك ، فأنت في وضع جيد ، فغاليليو وهو جالس في منفاه ، اكتشف صدفة في احد الأيام بأن هناك عدد من المربعات الكاملة 1 ، 4 ، 9، 16 . . . مماثل لعدد الأرقام الطبيعية 1 ، 2 ، 3 ، 4 . . . . هذا فاجأه و أربكه كثيرا جدا وقرر بهدوء وربما بحكمة أن لايجعل من الأمر موضوعا ذا شأن.

قد يبدو هذا مخالف لتصورنا فعدد الأعداد الزوجية 2 ، 4 ، 6 ، 8 ، 10 . . . يبدو أقل من الأعداد الطبيعية 1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 5 ، . . . ولكن هذا ليس صحيحا فيمكن البرهان أن مجموعة الأعداد الزوجية مساوية في حجمها لمجموعة الأعداد الطبيعية ، ويبدو هذا مخالفا لبديهية أن الكل (وهو مجموعة الاعداد الطبيعية ) يجب أن يكون أكبر من الجزء (وهو مجموعة الأعداد الزوجية ) ولكن هذا لاينطبق على المجموعات اللانهائية حيث يمكن للجزء أن يساوي في حجمه الكل.

ــ والآن لنتخيل نفس الفندق ، نفس الحالة ، كل الغرف مشغولة ، ووصل عدد لانهائي من الباصات السياحية في نفس الوقت . الباصات السياحية مرقمة 1، 2 ، 3 . . . وهكذا ، وفي كل باص هناك عدد لانهائي من الركاب يجلسون على مقاعد مرقمة 1 ، 2 ، 3 . . . وهكذا . .

مايزال بإمكان مدير الإستقبال إيواءهم جميعا ، بنقل الضيف المقيم في الغرفة رقم N إلى الغرفة رقم N x 2 (أي بإفراغ الغرف الفردية) ، ثم نضع الضيوف الجدد في الغرف ذات الرقم P^S ، أي P مرفوع للقوة S ، حيث أن P هو الرقم الأولي prime number ذو الترتيب B+1 و B رقم الباص ، و S هو رقم المقعد . يمكنك تجريب ذلك على الورق ، و ستجد أن كل الركاب سيتم ايواءهم في الفندق ولن يشارك أي منهم غرفته مع نزيل قديم ، أو راكب أخر من ركاب الباصات. للتوضيح ركاب الباص الأول سينزلون في الغرف ذات الرقم 3^n حيث n=1,2,3,…. ، ركاب الباص الثاني سينزلون في الغرف ذات الرقم 5^n حيث n=1,2,3,… (5 هو الرقم الأولي الثالث). . . وهكذا بالنسبة للعدد اللانهائي من الباصات التي يحتوي كل منها على عدد لانهائي من الركاب!

هناك عدد من الأرقام الأولية مماثل لعدد الأرقام الطبيعية . هي نفس المشكلة السابقة عندما جاء عدد لانهائي من الناس على أقدامهم ، ولكن هنا على مدير الإستقبال أن يقوم بقليل من العمليات الرياضية ، مسكين هذا الرجل.

أعتقد أن دوارا بدأ يصيبكم من هذا الفندق العجيب ، أنها حالة كل من أراد التعامل مع اللانهاية ، ربما عليكم اعادة قرأة الموضوع N مرة. طبعا N هنا لن تساوي اللانهاية ! !

لا أشك في أننا لسنا مصممين للتعامل مع اللانهاية ، إنه تحدي لقدرة الانسان على التصور والابداع...


اللانهائية الممكنة واللانهائية الفعلية

هناك اختلاطا حول هذا المفهوم من قبل البعض ناجم اساسا عن الخلط بين اللانهائية الممكنة واللانهائية الفعلية .كما قد تنجم هذه الاختلاطات التي يلجأ اليها لاهوتيون معاصرون عن خلطهم بين قوانين النهاية وقوانين اللانهاية . وهذان المفهومين هم من المفاهيم التي تعرض لهما ارسطو:
اللانهاية الممكنة – شيء ليس لانهائيا الآن (أي في سيرورة أن يصبح لانهائيا) ، ولكن سيصبح في المستقبل.

اللانهاية الفعلية ــ شيء لانهائي الآن ( أي انه مكتمل) في هذا السياق من الممكن أن يقال أن اللانهاية الفعلية أبدية.

طبعا أرسطو رفض اللانهاية الفعلية لأنه اعتبر انه لايمكن الإحاطة بها والتعامل معها بالمقابل نجد أن علماء الرياضيات مثل <بولزانو> و <كانتور> تعاملوا مع اللانهاية الفعلية ، وهذا تم اساسا بتعريف اللانهاية كمجموعة عناصر ، فاضحت كيانا واقعيا يمكن قياسه ودراسة خصائصه والتعامل معه كما نتعامل مع المقادير المحدودة. يبدو للبعض أن مفهوم اللانهاية غير متماسك لأنه يعارض بداهاتنا ، ففندق ذو عدد محدود من الغرف يكون فيه عدد الغرف الفردية أقل من عدد غرف الفندق ولكن هذا كما رأينا لاينطبق على الفندق ذو العدد اللانهائي من الغرف حيث ممكن لعدد الغرف الفردية أن يماثل عدد غرف الفندق !

ولكن هنا يجب التمييز بين أمرين ، المفارقة Paradox وشيء مناف لبداهاتنا Counterintuitive فالمفارقة هي أن يتحقق الشيء ونقيضه في نفس الوقت ، ونحن نجد أن مفهوم اللانهاية لايؤدي إلى مفارقات بعد أن أسس رياضيا ، و كل ماهنالك أن خصائص المجموعات اللانهائية تختلف عن خصائص المجموعات المنتهية ، ونحن نجد هذا صادما لنا لأننا نتعامل في حياتنا دائما مع المحدود والمنتهي.

معظم المؤمنين تجدهم يدللون على الله بالنظر إلى محدودية الموجودات ، فبرأيهم هذه المحدودية تدل على كيان غير محدود أوجدها أي أنهم يلصقون اللانهاية بالله ولكن هذا سيؤدي إلى مفارقات ، والتناقضات تبرز ليس من مفهوم اللانهاية نفسه وإنما من المهام الخارقة اللانهائية Super tasks ، مفارقة فندق هيلبرت تتضمن نوعين من اللانهايات من بينها المهام الخارقة اللانهائية وهذه نفسها هي التي تؤدي إلى مفارقة الفندق كما سنرى لاحقا. بعض المؤمنين يعارضون كذلك لانهائية الله وربما هم يقتربون من مفاهيم الحلولية أكثر من اله شخصي.

«No one will expel us from the paradise created by Cantor for us"

" لن يخرجنا أحد من الجنة التي أوجدها كانتور لنا "

هذا تعليق <ديفيد هلبرت> على أعمال عالم الرياضيات <جورج كانتور> ، في نظرية المجموعات واللانهايات ، العالم كانتور الذي نقل اللانهاية من الممكن إلى الفعلي و بين أننا نستطيع أن نقيس اللانهاية. قياس اللانهاية سيسجل على أنه من أعظم انجازات البشرية . لقد بين كانتور أن هناك لانهاية أكبر من لانهاية !

هناك تراتبية من اللانهايات ، لانهايات معدودة ولانهايات غير معدودة بين أن اللانهاية يمكن أن تبتلع لانهاية دون أن تكبر يبقى حجمها نفسه وهكذا . . .


لابل ، وعلى ما أعتقد ، أن هناك نوع من التغافل في المناهج التعليمية السورية ( على الاقل) في مادة الرياضيات للإبتعاد عن مفهوم اللانهاية الفعلية ، والتركيز على أن اللانهاية هي لانهاية ممكنة تتزايد دون القدرة على إدراكها أو دراسة خصائصها ، كلنا درسنا نظرية المجموعات في مراحل مبكرة من التعليم ، ولكن أفكار كانتور حول اللانهاية الفعلية وخصائصها لم تتطرق لها مناهج التعليم لا في المرحلة الثانوية ولا حتى في المرحلة الجامعية ، إلا ربما لذوي الإختصاص المحدود ، ولهذا التغافل رغبة مضمرة في لجم التفكير في اللانهاية ، ليصبح التفكير في اللانهاية هو كالتفكير في الكائن اللامتناهي أمرا ممنوعا على العقل.

بعيدا عن عالم الأرقام أتركم لتأمل سحر خاص في بعض الأشكال الهندسية التي تسمى بالهندسة اللامنتظمة أو الهندسة الكسروية fractal geometry وهي تعتمد على أشكال متكررة ذاتيا بحيث أن الجزء يشبه الكل. مهما كبرنا الجزء نحصل على رسم مشابه للكل وهكذا إلى مالانهاية. . بعض الأشكال من الطبيعة أيضا (نبات البروكولي) والمرتبطة بنظرية Fractals. . .رأينا أن البعض يستخدم مفارقة فندق هلبرت لنفي وجود اللانهاية الفعلية واستحالتها وهم في هذا يسعون لنفي التسلسل اللانهائي الزمني إلى الماضي لأنه يمثل لانهاية فعلية ، ونفي التسلسل اللانهائي الزمني يقود إلى أن للكون بداية و لكل بداية سبب (إن تمسكنا بالسببية) وهذا السبب هو الله.

ولكننا سنرى أنه لايمكن المحاججة بإبراز خصائص لامعقولة ومنافية لبداهاتنا في مفهوم اللانهاية لنسف المفهوم كليا واعتباره مستحيل الوجود فعليا.

المهام الخارقة هي مهام تتضمن عدد لانهائي من الخطوات ، منجزة في وقت محدود . في هذه الحالة من الممكن النظر إلى المهام الخارقة على أنها مستحيلة ، وكائن يقوم بأداء مهمة خارقة سيصبح كائنا لانهائيا

[صورة مرفقة: 0008-1.jpg]

وجدنا في فندق هلبرت أنه يمكن اضافة ضيف جديد على الرغم من امتلاء الفندق ، ولكن هذا ممكن فقط في حال كان من الممكن نقل الضيوف بسرعة معينة ، وهي مهمة لانهائية (نقل عدد لانهائي من الضيوف إلى الغرفة المجاورة) يجب اكمالها في وقت محدود ، هذا يتضمن مثلا اشارة كهربائية ذات سرعة لانهائية لإعلام كل الضيوف عبر الهاتف للإنتقال للغرفة المجاورة ولكن بسرعة الضوء المحدودة هذا غير ممكن.

استخدمت مفارقة فندق هلبرت كدليل على استحالة اللانهاية الفعلية ، من قبل المعارضين لهذا المفهوم ، وهؤلاء كذلك يعارضون امكانية الرجوع الزمني اللانهائي (أزلية الكون) Infinite temporal regress. ولكن مفارقة الفندق هي نوع خاص من اللانهاية الفعلية ، أي مهمة خارقة ، وهي في هذه الحالة نقاش ضد المهمة الخارقة ولكنه ليس ضد اللانهاية الفعلية ، فهم يحاججون كالتالي:

1 - إن مجموعة جزئية لانهائية يمكن ان تكون بنفس حجم المجموعة الأم اللانهائية.
2 - هذا سخيف !
3 - لذلك لا إمكانية لوجود هكذا مجموعة لانهائية.


إن الشعور أن شيئا ما سخيف ، لايثبت أنه فعلا كذلك . وهذا يعود إلى أننا نتعامل في حياتنا مع كميات محدودة ، وخبرتنا مع الكميات اللامتناهية مقتصرة على الرياضيات والفلسفة والإعتماد على الإحساس والبداهة غالبا مايكون خاطئا عندما يكون مبني على اختبار حالات مختلفة نهائيا عن التي بين أيدينا.

من خلال خبرتنا مع المجموعات ذات الحجم المحدود ، تعلمنا افتراضات معينة وهي صحيحة في المجموعات المحدودة ، مثلا إن اضافة عناصر اكثر لمجموعة يجعلها أكبر . ولكن ، بخبرتنا المحدودة مع المجموعات اللامتناهية فإنه من السهل الإفتراض أن هذه الخاصية (كبر الحجم مع الإضافة) جزء من مفهوم " الحجم " بدلا من كون هذه الخاصية ببساطة جزءا من مفهوم " الحجوم المحدودة ". إذا وبسماعنا أن هذه الخاصية لاتنطبق على الحجوم اللانهائية ، يعتقد العديدون أن هناك أمرا سخيفا لامنطقيا في المجموعات اللامتناهية . بالمقابل ، أن فهمهم للـ " الحجم " هو الغير صحيح .

في النهاية ، حتى لو شعرنا حدسيا بإستحالة فندق هلبرت ، هذا لايقتضي استحالة الإرتداد الزمني اللانهائي Infinite temporal regress . حيث أن هناك عدد من الفروقات بين الإثنين ، والتي ربما تكون مهمة . الأولى ، هو موضوع المهام الخارقة supertasks التي يتضمنها الفندق. الأخرى هي أن فندق هلبرت هو كيان لانهائي مميز في كون لانهائي ، بينما الإرتداد اللانهائي الزمني يتضمن لانهائية الكون نفسه .

إن سلسلة سببية ترتد لانهائيا إلى الماضي لا تتضمن مهمة خارقة supertask.

عدد من الفلاسفة واللاهوتيون أشاروا إلى أن أسبقية الله على الكون هي ليست أسبقية زمانية و أن الكون قديم بقدم الله. وذلك لأن خلق الكون يقتضي تغييرا من حال إلى حال في ماهية الله الذي يستحيل في حقه التغيير. فإذا لابد تفاديا من التناقض ، أن نسلم بأزلية العالم ، نظرا لوجوده الواقعي من جهة ، ولاستحالة حدوثه من جهة أخرى.