torsdag 8 september 2011

بين الحقيقة العلمية والحقيقة الدينية

الدينيين يملكون حقيقة واحدة، كامل عالمهم يقف عليها، وهي حقيقة دوغمائية لايمكن تغييرها، في حين ان العلماء على استعداد لنقاش " الحقيقة" التي يصلون اليها على الدوام، وإعادة النظر بمكوناتها، ولذلك غليس من الغريب ان تعديل النظرية على الدوام هو جزء من النظرة العلمية للحقيقة. هذا الامر يساء فهمه واستخدم من قبل الدوغمائين لمحاولة الطعن بالعلم والتقليل من قيمته ومصداقيته، ولكن هذا المبدأ بالذات هو الضامن الوحيد للتمكن من فهم العالم افضل، فهل يتمنى اصحاب الحقيقة الوحيدة ان نفهم العالم افضل؟

قوة العلوم الطبيعية في كونها غير دوغمائية. هذا الامر نجده جزء من جوهر عرض النظرية. جميع النظريات والفرضيات مفتوحة للنقاش والنقد ويمكنهم ان ينتهوا في سلة المهملات إذا لم يصمدوا للتحليل والنقد. غير ان هذه المرونة في المنهج العلمي سببت سوء فهم عند العديد من الفئات.
من حيث ان العلماء يقومون بإستمرار بتعديل نظرياتهم يعتقد البعض ان ذلك سبب كافي لاتهام العلماء بالنفاق او " التراجع" او ببناء الاوهام. في نهاية التسعينات من القرن الماضي توصل العلماء الى ان الكون اصغر من الحسابات السابقة بحوالي 7 مليارات سنة، إذ كان يعتقد في السابق ان عمر الكون حوالي 20 مليار سنة، ولكن الدراسات الاحدث اظهرت ان عمره 13،7 مليار سنة فقط. البعيدين عن البحث العلمي يظهر لهم الامر وكأن الفلكيين ليسوا الا قطيع من الهواة يتحزرون الجواب تحزيرا، ولايحترمون كلمتهم. ولكن في الواقع فأن هذا الامر نموذج جيد على النهج العلمي الذي يسعى بنفسه لتصحيح اخطائه وتقوية جوانبه الضعيفة. الكثير من الدراسات التي تدعم العمر الجديد للكون جاءت من مؤسسات مختلفة، ومع ذلك فأن الجميع على استعداد للقبول بإي معطيات جديدة.

ناقدين المعطيات العلمية ليسوا على استيعاب لمعنى "مفهوم  النظرية" ذاته،  لذلك ليس غريبا ان نجد من يقول بإستهزاء ان مايقال " ليس الا نظرية". هذا التعبير شائع بين ممثلي القوى الدينية، حيث يدعي غالبيتهم بأن العالم " جرى خلقه بالضبط على صورته الراهنة".

حجج هذه الادعاءات مبنية على سوء الفهم اللغوي وهو شكل يعتمد عليه الدينيين كثيرا. على العكس مما هو مستخدم في الحياة اليومية حيث النظرية غالبا يظن انها تعني " توقع"، فأن النظرية في المؤسسة العلمية هي اعلى واحسن مرحلة يمكن ان يصل اليها الباحث في سعيه للبرهنة على فرضياته مدعومة بمعطيات بحثه. وحتى المجالات الاكثر صعوبة في العلوم الطبيعية مثل نظرية التطور ونظرية النسبية يجري التعامل معهم من خلال طريقة النظرية، تماما كما هي عليه الامور في كافة القضايا العلمية الخاضعة للنقاش والتبديل عند ظهور وقائع جديدة. في هذا تكمن قوة العلم وحاجته المستمرة لاجراء البحوث.

الاساس اننا لانستطيع ان نستبعد اننا لن نصبح اكثر علما في المستقبل، والاعتقاد بأننا توصلنا الى الحقيقة النهائية سيؤدي الى التوقف عن التفكير كباحث ويؤدي الى عرقلة التقدم، والتحول الى طائفة دينية دوغماتية. حسب الفيزيائي توماس كوهن Thomas S. Kuhn (1922-1996), يعمل العلماء بدون مواقف مسبقة paradigm اي في اطار النظريات المطروحة. الفرضيات تبقى داخل الاطار نفسه، والنتائج والاكتشافات تؤخذ بعين الحذر والشك وحتى انطلاقا من انها خاطئة. مع الزمن ستأتي المزيد من المعطيات تشير الى مختلف الاتجاهات بحيث ان العلماء سيكونون انضج لاستقراء امكانيات جديدة ومنها قد يظهر نظرية او عدة نظريات. بعد فترة من الزمن تسود احد هذه النظريات على النظريات الاخرى بسبب افضليتها في التوضيح وتطابق المعطيات معها، خصوصا لقدرتها على تفسير المعطيات الخارجة عن التفسير. منذ هذه اللحظة يقوم العلم بالعمل على اساس هذه النظرية ويجري الاختبارات انظلاقا منها وللبرهنة على تطابقها مع المعطيات وللمزيد من بناء النظرية. بذلك تكون النظرية الجديدة قد حلت مكان النظرية القديمة وليحدث تبديل في البراديغم.

كل شئ مفتوح للنقاش ولكن المنهج العلمي يسمح بإعادة تقدير وتثمين الفرضيات والنظريات بشكل موضوعي، بمعنى بعيدا عن تأثير الافكار المسبقة القادمة من تلوثات تأثيرات البيئة الاجتماعية او الدينية او الثقافية. من هنا فمن المفروض ان الجميع قادرين على الاتفاق على المواقف العلمية ونظرياتها بعيدا عن الخلفية الفردية والذاتية. المؤسسات العلمية تملك مايكفي من التراث والخبرة والثقة بالنفس لتكون قادرة على النقد الذاتي ومفتوحة للجميع بدون مواقف مسبقة. مايظهر للبعض على انه ضعف ومايظهر للدوغمائيين على انه تبديل في المواقف وعدم القدرة على التمسك بالكلمة هو في الواقع مضمون قوة العلم، وشكل من اشكال التطعيم ضد الغباء والدوغماتية والعقم الفكري.

نماذج على طرق تصور العالم بين مختلف القوى
هل نحن وحيدين في الكون؟
إجابة العلم: نحن لانستطيع ان نجيب بثقة قبل ايجاد حياة في مكان اخر. ولكن وبالرغم من اننا لانعلم فأن هذا السؤال هو من ضمن اهتمامات العلم. السعي للاجابة على هذا السؤال يجري ضمن اطر المعرفة المتاحة. لذلك تجري التجارب لمعرفة السمات الفيزيائية والكيميائية للحياة حتى نستطيع ان نبحث عن اثارها بشكل افضل.

هل لدينا روح؟
مثل هذا السؤال يهم العديد من القوى. في الاصل تعتبر الروح مفهوم ديني ولكن يجري الان تحويرها الى مفهوم " الوعي" لتصبح في منطقة مشتركة بين الدين والعلم. هذه المنطقة من المناطق القليلة التي يتعاون فيها العلم مع الفلسفة. بعض افلاسفة يدعي ان هذا الموضوع لايمكن عل الاطلاق دراسته علميا إذ ان الوعي لايمكن ان يقوم بدراسة نفسه.

من سنختار؟
علم الاجتماع يدرس العلاقة داخل المجتمعات والتأثيرات المختلفة لقراراته. يمكن ان يقدم لنا اجابة عن الموارد المتوفرة وعن التحديات ولكنه لايستطيع ان يتخذ القرار بالنيابة عن المجتمع الذي عليه ان يختار.

مالذي كان قبل الانفجار العظيم؟
مثل هذا السؤال من اهتمامات علم الفيزياء الرياضي. من خلال ملاحظة حركة الكون والمجرات والاشعة الخلفية يمكن العودة الى لحظة الانفجار العظيم. وبالرغم من انه من الطبيعي ان نتساءل ماذا كان قبل الانفجار العظي الا انه سؤال لامعنى له. نحن لانستطيع الحصول على معطيات عم ماكان قبل وجود الزمان والمكان ولذلك ليس بالامكان دراسة الامر بموضوعية.

هل يوجد إله؟
الكثير من الناس يبحث عن معنى للحياة. والبعض يجد الجواب من خلال الايمان الاعتقادي بإله خالق. إذا رغب احد ما بالبرهنة على مدى حقيقة هذا الاعتقاد سيكون دائما بالامكان تبرير النتائج السلبية من خلال القول ان هذا الاله قد اختار ان لايكشف عن نفسه.

شكرا على القراءة

Inga kommentarer:

Skicka en kommentar