måndag 5 september 2011

فندق هلبرت ومعضلة اللانهايات

فندق هالبرت ذو الغرف اللانهائية

فندق هالبرت هو فندق ذهني من اختراع عالم الرياضيات الشهير هلبرت Hilbert ، وهو فندق يتسع لعدد لانهائي من الغرف ، أنه فندق اللانهاية !

يتردد كثيرا أفكار من قبيل ، لابد لهذا الكون من مسبب هو سبب كل الأسباب ، ولابد لهذا الكون من بداية ، وذلك لانه لايعقل أن تكون سلسلة الأسباب لانهائية و لايعقل أن يكون الكون سرمديا. فإذا كان الكون دون بداية هذا يعني أنه وراء لحظتنا الراهنة عدد لانهائي من الحوادث ، أي أنه علينا عبور عدد لانهائي من الأحداث للوصول لللحظة الراهنة وهذا غير ممكن.

في مثال المكتبة التي تحتوي عدد لانهائي من الكتب الخضراء والسوداء أنه حتى لو أزلنا نصف عدد الكتب من المكتبة تظل المكتبة تحتوي عدد لانهائي من الكتب و هي فكرة تضرب بعرض الحائط أحد بديهيات تفكيرنا وهو أن الكل أكبر من الجزء فهي تظهر أن الكل من الممكن أن يساوي في الحجم جزءا من أجزاءه.

فهل اللانهاية حقيقة ام فرضية؟

لايمكن في فندق بعدد محدود من الغرف استيعاب المزيد من النزلاء، متى ما تم اشغال كافة الغرف ، و قد تفترض بأن نفس المشكلة ستبرز في فندق بعدد لانهائي من الغرف عند اشغال كافة غرفه. الأمر ليس كذلك فهناك طريقة لاستيعاب الضيف الجديد.

ــ تخيل فندقا بعدد لانهائي من الغرف ، مرقمة 1 ، 2 ، 3 . . . وهكذا ، وكل الغرف مشغولة. يأتي رجل ويسأل مسؤول الإستقبال هل هناك أي غرفة متوفرة ، يجيب مسؤول الإستقبال " كل غرفنا مشغولة ياسيدي ، ولكنني سأكون سعيدا بخدمتك وإنزالك في فندقنا ". كيف سيفعل ذلك ؟

الجواب: اطلب من الضيف الذي يشغل الغرفة رقم 1 أن ينتقل إلى الغرفة رقم 2 . ومن الضيف الذي يشغل الغرفة رقم 2 أن ينتقل إلى الغرفة رقم 3. . . وهكذا ، ضع الضيف الجديد في الغرفة رقم 1.

لانهاية + 1 تبقى لانهاية . فهناك قدر من الأعداد من 1 إلى مالانهاية مماثل للأعداد من 2 إلى مالانهاية. وإذا قدم أي عدد محدود من الضيوف يمكن انزالهم جميعا في الفندق.

ــ والأن تخيل نفس الفندق ، نفس الحالة ، كل الغرف مشغولة ، وقدم عدد لانهائي من الناس في نفس الوقت وطلبوا غرفا خاصة بهم. مرة أخرى سيجيب مسؤول الفندق " كل الغرف مشغولة ، ولكنني سأكون سعيدا بإنزالكم جميعكم في الفندق ". كيف سيفعل ذلك ؟

الجواب: اطلب من الضيف الذي يشغل الغرفة رقم واحد حاليا أن ينتقل إلى الغرفة رقم 2 . اطلب من الضيف الذي يشغل الغرفة رقم 2 أن ينتقل إلى الغرفة رقم 4 . والضيف الموجود في الغرقة رقم 3 أن ينتقل إلى الغرفة رقم 6 . والضيف ذو الغرفة رقم N أن ينتقل إلى الغرفة رقم 2*N . والأن اطلب من الضيوف الجدد أن يحتلوا الغرف ذات الأرقام الفردية التي افرغت لهم الأن ، في العملية السابقة تم افراغ كل الغرف الفردية.

لانهاية*2 تبقى لانهاية. هناك عدد من الأرقام الزوجية مماثل لعدد الأرقام الطبيعية . هناك عدد من الأرقام الفردية مماثل لعدد الأرقام الطبيعية . وإذا دمجت مجموعة الأعداد الزوجية مع مجموعة الأعداد الفردية ستحصل على مجموعة ليست أكبر من كلتا المجموعتين اللتين بدأت بهما . فإذا حضر لديك عدد لانهائي من الضيوف الجدد يمكنك انزالهم كلهم في الفندق.

إن كان هذا مفاجئا لك ، فأنت في وضع جيد ، فغاليليو وهو جالس في منفاه ، اكتشف صدفة في احد الأيام بأن هناك عدد من المربعات الكاملة 1 ، 4 ، 9، 16 . . . مماثل لعدد الأرقام الطبيعية 1 ، 2 ، 3 ، 4 . . . . هذا فاجأه و أربكه كثيرا جدا وقرر بهدوء وربما بحكمة أن لايجعل من الأمر موضوعا ذا شأن.

قد يبدو هذا مخالف لتصورنا فعدد الأعداد الزوجية 2 ، 4 ، 6 ، 8 ، 10 . . . يبدو أقل من الأعداد الطبيعية 1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 5 ، . . . ولكن هذا ليس صحيحا فيمكن البرهان أن مجموعة الأعداد الزوجية مساوية في حجمها لمجموعة الأعداد الطبيعية ، ويبدو هذا مخالفا لبديهية أن الكل (وهو مجموعة الاعداد الطبيعية ) يجب أن يكون أكبر من الجزء (وهو مجموعة الأعداد الزوجية ) ولكن هذا لاينطبق على المجموعات اللانهائية حيث يمكن للجزء أن يساوي في حجمه الكل.

ــ والآن لنتخيل نفس الفندق ، نفس الحالة ، كل الغرف مشغولة ، ووصل عدد لانهائي من الباصات السياحية في نفس الوقت . الباصات السياحية مرقمة 1، 2 ، 3 . . . وهكذا ، وفي كل باص هناك عدد لانهائي من الركاب يجلسون على مقاعد مرقمة 1 ، 2 ، 3 . . . وهكذا . .

مايزال بإمكان مدير الإستقبال إيواءهم جميعا ، بنقل الضيف المقيم في الغرفة رقم N إلى الغرفة رقم N x 2 (أي بإفراغ الغرف الفردية) ، ثم نضع الضيوف الجدد في الغرف ذات الرقم P^S ، أي P مرفوع للقوة S ، حيث أن P هو الرقم الأولي prime number ذو الترتيب B+1 و B رقم الباص ، و S هو رقم المقعد . يمكنك تجريب ذلك على الورق ، و ستجد أن كل الركاب سيتم ايواءهم في الفندق ولن يشارك أي منهم غرفته مع نزيل قديم ، أو راكب أخر من ركاب الباصات. للتوضيح ركاب الباص الأول سينزلون في الغرف ذات الرقم 3^n حيث n=1,2,3,…. ، ركاب الباص الثاني سينزلون في الغرف ذات الرقم 5^n حيث n=1,2,3,… (5 هو الرقم الأولي الثالث). . . وهكذا بالنسبة للعدد اللانهائي من الباصات التي يحتوي كل منها على عدد لانهائي من الركاب!

هناك عدد من الأرقام الأولية مماثل لعدد الأرقام الطبيعية . هي نفس المشكلة السابقة عندما جاء عدد لانهائي من الناس على أقدامهم ، ولكن هنا على مدير الإستقبال أن يقوم بقليل من العمليات الرياضية ، مسكين هذا الرجل.

أعتقد أن دوارا بدأ يصيبكم من هذا الفندق العجيب ، أنها حالة كل من أراد التعامل مع اللانهاية ، ربما عليكم اعادة قرأة الموضوع N مرة. طبعا N هنا لن تساوي اللانهاية ! !

لا أشك في أننا لسنا مصممين للتعامل مع اللانهاية ، إنه تحدي لقدرة الانسان على التصور والابداع...


اللانهائية الممكنة واللانهائية الفعلية

هناك اختلاطا حول هذا المفهوم من قبل البعض ناجم اساسا عن الخلط بين اللانهائية الممكنة واللانهائية الفعلية .كما قد تنجم هذه الاختلاطات التي يلجأ اليها لاهوتيون معاصرون عن خلطهم بين قوانين النهاية وقوانين اللانهاية . وهذان المفهومين هم من المفاهيم التي تعرض لهما ارسطو:
اللانهاية الممكنة – شيء ليس لانهائيا الآن (أي في سيرورة أن يصبح لانهائيا) ، ولكن سيصبح في المستقبل.

اللانهاية الفعلية ــ شيء لانهائي الآن ( أي انه مكتمل) في هذا السياق من الممكن أن يقال أن اللانهاية الفعلية أبدية.

طبعا أرسطو رفض اللانهاية الفعلية لأنه اعتبر انه لايمكن الإحاطة بها والتعامل معها بالمقابل نجد أن علماء الرياضيات مثل <بولزانو> و <كانتور> تعاملوا مع اللانهاية الفعلية ، وهذا تم اساسا بتعريف اللانهاية كمجموعة عناصر ، فاضحت كيانا واقعيا يمكن قياسه ودراسة خصائصه والتعامل معه كما نتعامل مع المقادير المحدودة. يبدو للبعض أن مفهوم اللانهاية غير متماسك لأنه يعارض بداهاتنا ، ففندق ذو عدد محدود من الغرف يكون فيه عدد الغرف الفردية أقل من عدد غرف الفندق ولكن هذا كما رأينا لاينطبق على الفندق ذو العدد اللانهائي من الغرف حيث ممكن لعدد الغرف الفردية أن يماثل عدد غرف الفندق !

ولكن هنا يجب التمييز بين أمرين ، المفارقة Paradox وشيء مناف لبداهاتنا Counterintuitive فالمفارقة هي أن يتحقق الشيء ونقيضه في نفس الوقت ، ونحن نجد أن مفهوم اللانهاية لايؤدي إلى مفارقات بعد أن أسس رياضيا ، و كل ماهنالك أن خصائص المجموعات اللانهائية تختلف عن خصائص المجموعات المنتهية ، ونحن نجد هذا صادما لنا لأننا نتعامل في حياتنا دائما مع المحدود والمنتهي.

معظم المؤمنين تجدهم يدللون على الله بالنظر إلى محدودية الموجودات ، فبرأيهم هذه المحدودية تدل على كيان غير محدود أوجدها أي أنهم يلصقون اللانهاية بالله ولكن هذا سيؤدي إلى مفارقات ، والتناقضات تبرز ليس من مفهوم اللانهاية نفسه وإنما من المهام الخارقة اللانهائية Super tasks ، مفارقة فندق هيلبرت تتضمن نوعين من اللانهايات من بينها المهام الخارقة اللانهائية وهذه نفسها هي التي تؤدي إلى مفارقة الفندق كما سنرى لاحقا. بعض المؤمنين يعارضون كذلك لانهائية الله وربما هم يقتربون من مفاهيم الحلولية أكثر من اله شخصي.

«No one will expel us from the paradise created by Cantor for us"

" لن يخرجنا أحد من الجنة التي أوجدها كانتور لنا "

هذا تعليق <ديفيد هلبرت> على أعمال عالم الرياضيات <جورج كانتور> ، في نظرية المجموعات واللانهايات ، العالم كانتور الذي نقل اللانهاية من الممكن إلى الفعلي و بين أننا نستطيع أن نقيس اللانهاية. قياس اللانهاية سيسجل على أنه من أعظم انجازات البشرية . لقد بين كانتور أن هناك لانهاية أكبر من لانهاية !

هناك تراتبية من اللانهايات ، لانهايات معدودة ولانهايات غير معدودة بين أن اللانهاية يمكن أن تبتلع لانهاية دون أن تكبر يبقى حجمها نفسه وهكذا . . .


لابل ، وعلى ما أعتقد ، أن هناك نوع من التغافل في المناهج التعليمية السورية ( على الاقل) في مادة الرياضيات للإبتعاد عن مفهوم اللانهاية الفعلية ، والتركيز على أن اللانهاية هي لانهاية ممكنة تتزايد دون القدرة على إدراكها أو دراسة خصائصها ، كلنا درسنا نظرية المجموعات في مراحل مبكرة من التعليم ، ولكن أفكار كانتور حول اللانهاية الفعلية وخصائصها لم تتطرق لها مناهج التعليم لا في المرحلة الثانوية ولا حتى في المرحلة الجامعية ، إلا ربما لذوي الإختصاص المحدود ، ولهذا التغافل رغبة مضمرة في لجم التفكير في اللانهاية ، ليصبح التفكير في اللانهاية هو كالتفكير في الكائن اللامتناهي أمرا ممنوعا على العقل.

بعيدا عن عالم الأرقام أتركم لتأمل سحر خاص في بعض الأشكال الهندسية التي تسمى بالهندسة اللامنتظمة أو الهندسة الكسروية fractal geometry وهي تعتمد على أشكال متكررة ذاتيا بحيث أن الجزء يشبه الكل. مهما كبرنا الجزء نحصل على رسم مشابه للكل وهكذا إلى مالانهاية. . بعض الأشكال من الطبيعة أيضا (نبات البروكولي) والمرتبطة بنظرية Fractals. . .رأينا أن البعض يستخدم مفارقة فندق هلبرت لنفي وجود اللانهاية الفعلية واستحالتها وهم في هذا يسعون لنفي التسلسل اللانهائي الزمني إلى الماضي لأنه يمثل لانهاية فعلية ، ونفي التسلسل اللانهائي الزمني يقود إلى أن للكون بداية و لكل بداية سبب (إن تمسكنا بالسببية) وهذا السبب هو الله.

ولكننا سنرى أنه لايمكن المحاججة بإبراز خصائص لامعقولة ومنافية لبداهاتنا في مفهوم اللانهاية لنسف المفهوم كليا واعتباره مستحيل الوجود فعليا.

المهام الخارقة هي مهام تتضمن عدد لانهائي من الخطوات ، منجزة في وقت محدود . في هذه الحالة من الممكن النظر إلى المهام الخارقة على أنها مستحيلة ، وكائن يقوم بأداء مهمة خارقة سيصبح كائنا لانهائيا

[صورة مرفقة: 0008-1.jpg]

وجدنا في فندق هلبرت أنه يمكن اضافة ضيف جديد على الرغم من امتلاء الفندق ، ولكن هذا ممكن فقط في حال كان من الممكن نقل الضيوف بسرعة معينة ، وهي مهمة لانهائية (نقل عدد لانهائي من الضيوف إلى الغرفة المجاورة) يجب اكمالها في وقت محدود ، هذا يتضمن مثلا اشارة كهربائية ذات سرعة لانهائية لإعلام كل الضيوف عبر الهاتف للإنتقال للغرفة المجاورة ولكن بسرعة الضوء المحدودة هذا غير ممكن.

استخدمت مفارقة فندق هلبرت كدليل على استحالة اللانهاية الفعلية ، من قبل المعارضين لهذا المفهوم ، وهؤلاء كذلك يعارضون امكانية الرجوع الزمني اللانهائي (أزلية الكون) Infinite temporal regress. ولكن مفارقة الفندق هي نوع خاص من اللانهاية الفعلية ، أي مهمة خارقة ، وهي في هذه الحالة نقاش ضد المهمة الخارقة ولكنه ليس ضد اللانهاية الفعلية ، فهم يحاججون كالتالي:

1 - إن مجموعة جزئية لانهائية يمكن ان تكون بنفس حجم المجموعة الأم اللانهائية.
2 - هذا سخيف !
3 - لذلك لا إمكانية لوجود هكذا مجموعة لانهائية.


إن الشعور أن شيئا ما سخيف ، لايثبت أنه فعلا كذلك . وهذا يعود إلى أننا نتعامل في حياتنا مع كميات محدودة ، وخبرتنا مع الكميات اللامتناهية مقتصرة على الرياضيات والفلسفة والإعتماد على الإحساس والبداهة غالبا مايكون خاطئا عندما يكون مبني على اختبار حالات مختلفة نهائيا عن التي بين أيدينا.

من خلال خبرتنا مع المجموعات ذات الحجم المحدود ، تعلمنا افتراضات معينة وهي صحيحة في المجموعات المحدودة ، مثلا إن اضافة عناصر اكثر لمجموعة يجعلها أكبر . ولكن ، بخبرتنا المحدودة مع المجموعات اللامتناهية فإنه من السهل الإفتراض أن هذه الخاصية (كبر الحجم مع الإضافة) جزء من مفهوم " الحجم " بدلا من كون هذه الخاصية ببساطة جزءا من مفهوم " الحجوم المحدودة ". إذا وبسماعنا أن هذه الخاصية لاتنطبق على الحجوم اللانهائية ، يعتقد العديدون أن هناك أمرا سخيفا لامنطقيا في المجموعات اللامتناهية . بالمقابل ، أن فهمهم للـ " الحجم " هو الغير صحيح .

في النهاية ، حتى لو شعرنا حدسيا بإستحالة فندق هلبرت ، هذا لايقتضي استحالة الإرتداد الزمني اللانهائي Infinite temporal regress . حيث أن هناك عدد من الفروقات بين الإثنين ، والتي ربما تكون مهمة . الأولى ، هو موضوع المهام الخارقة supertasks التي يتضمنها الفندق. الأخرى هي أن فندق هلبرت هو كيان لانهائي مميز في كون لانهائي ، بينما الإرتداد اللانهائي الزمني يتضمن لانهائية الكون نفسه .

إن سلسلة سببية ترتد لانهائيا إلى الماضي لا تتضمن مهمة خارقة supertask.

عدد من الفلاسفة واللاهوتيون أشاروا إلى أن أسبقية الله على الكون هي ليست أسبقية زمانية و أن الكون قديم بقدم الله. وذلك لأن خلق الكون يقتضي تغييرا من حال إلى حال في ماهية الله الذي يستحيل في حقه التغيير. فإذا لابد تفاديا من التناقض ، أن نسلم بأزلية العالم ، نظرا لوجوده الواقعي من جهة ، ولاستحالة حدوثه من جهة أخرى.

Inga kommentarer:

Skicka en kommentar