onsdag 7 december 2011

قصيدة طه حسين: هل كنت اعبد شيطانا


يقول طه حسين في قصيدته " كنت اعبد الشيطان":
كنت اظن انك المُضل وانك تهدي من تشاء
الضار المغيث المُذل عن صلف وعن كبرياء
جبار البأس تكن للناس مكرا ودهاء
تقطع ايادي السارقين وترجم اجساد النساء
تقيم بالسيف عدلا فعدلك في سفك الدماء
فيا خالق القاتلين قل لي اين هو إله الضعفاء
لو كنت خالق الكل ما حرمت بعضهم البقاء
وما عساك من القتل تجني غير الهدم والفناء
فهل كنت اعبد جزارا يسحق اكباد الابرياء؟
ام كنت اعبد شيطانا أرسل الينا بخاتم الانبياء
حسبت الجنة للمجاهدين سيسكن فيها الاقوياء
تمر وعنب وتبن وانهار خمر للاتقياء
خير ملاذ لجائعين عاشوا في قلب الصحراء
واسرة من ياقوت ثمين وحور تصدح بالغناء
نحن عاشقات المؤمنين جئنا ولبينا النداء
جزاكم الله بنا فأنظروا كيف احسن الله الجزاء
هل جنتك كفاح وصياح وايلاج دون انثناء
تجدد الحور الثيب بكرا وانت من تقوم بالرفاء
هل كنت اعبد قوادا يلهو في عقول الاغبياء
ام كنت اعبد شيطانا أرسل الينا بخاتم الانبياء.



lördag 3 december 2011

هل يمكن ان يكون وحي محمد من شيطان وليس إله؟


كيف عرف محمد ان الذي ظهر له كان رسولا من عند إله وليس من عند الشيطان؟
هذه المسألة انتبهت اليها السيدة خديجة زوجة محمد وولية امره في ذلك الوقت، وقد تحققت منها بطريقة غاية في الغرابة، لنقرأ معا الاحداث:.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ مَوْلَى آلِ الزّبَيْرِ : أَنّهُ حُدّثَ <239> عَنْ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيْ ابْنَ عَمّ أَتَسْتَطِيعُ أَنّ تُخْبِرَنِي بِصَاحِبِك هَذَا الّذِي يَأْتِيك إذَا جَاءَك ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَتْ فَإِذَا جَاءَك فَأَخْبِرْنِي بِهِ . فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِخَدِيجَةَ يَا خَدِيجَةُ هَذَا جِبْرِيلُ قَدْ جَاءَنِي ، قَالَتْ قُمْ يَا ابْنَ عَمّ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِي الْيُسْرَى ; قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَجَلَسَ عَلَيْهَا ، قَالَتْ هَلْ تَرَاهُ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَتْ فَتُحَوّلْ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِي الْيُمْنَى ; قَالَتْ فَتَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَجَلَسَ عَلَى فَخِذِهَا الْيُمْنَى ، فَقَالَتْ هَلْ تَرَاهُ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَتْ فَتَحَوّلْ فَاجْلِسْ فِي حِجْرِي ، قَالَتْ فَتَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَجَلَسَ فِي حِجْرِهَا . قَالَتْ هَلْ تَرَاهُ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَتَحَسّرَتْ وَأَلْقَتْ خِمَارَهَا وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ فِي حِجْرِهَا ، ثُمّ قَالَتْ لَهُ هَلْ تَرَاهُ ؟ قَالَ لَا ، قَالَتْ يَا ابْنَ عَمّ اُثْبُتْ وَأَبْشِرْ فَوَاَللّهِ إنّهُ لَمَلَكٌ وَمَا هَذَا بِشَيْطَانٍ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ حَدّثْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ حَسَنٍ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ قَدْ سَمِعْتُ أُمّي فَاطِمَةَ بِنْتَ حُسَيْنٍ تُحَدّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ خَدِيجَةَ إلّا أَنّي سَمِعْتُهَا تَقُولُ أَدْخَلَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دِرْعِهَا ، فَذَهَبَ عِنْدَ ذَلِكَ جِبْرِيلُ فَقَالَتْ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ هَذَا لَمَلَكٌ وَمَا هُوَ بِشَيْطَانٍ ( انتهى)
.

ماذا يعني ذلك؟
ان تحقيق خليجة قام على مقياس العامل الاخلاقي لدى " صاحب محمد الذي يأتيه". ولكن لماذا يجب على هذا الرسول الالهي الغير بشري ان يملك قواعد اخلاقية تماثل مالدى الانسان وقائمة على الجنس؟ هل لدى الملائكة مشاعر جنسية؟ هل كانت لديهم هذه المشاعر تجاه حواء العارية تماما ايضا؟ وكيف تعرف الملائكة ان هناك امرأة عارية في البيت فلا تتدخله؟ وماذا تفعل الملائكة بين الشعوب البدائية التي جميع افرادها عرايا طول الوقت؟ وهل يعني ذلك ان الملائكة ذكور حصرا؟

بمعنى اخر كيف يمكن الاستدلال على الوهية مصدر الوحي من هذه التجربة الساذجة والطفولية؟ ولكن ذلك يعني عمليا انه، وعلى الرغم من استحقاق التساؤل، لم توجد اية اسس منطقية للاستدلال على ان مصدر الوحي هو إله وليس شيطان وان اقصى ماسعت اليه خديجة هو ايهام نفسها او محمد بما تريد غائيا بما تريد ان يؤمن به، على الرغم من ان المحاولة غاية في السذاجة بحيث تصل الى الطعن في الالوهية، ولن تنطلي على عاقل.

على هذه الخلفية نرى ان الانطلاقة لم تحتوي على اي علة تسمح بنسب التصورات والتخيلات الى مصدر الهي وليس مرضي او شيطاني، بما يعني ان نسب الامور الى الله جرى بطريقة قسرية وغائية.

فيما بعد، وللخروج من هذه المعضلة، اصبح يجري التدليل على صحة نسب الرسالة الى إله بكون مضمونها اخلاقي انطلاقا من السؤال التالي:
هل يعقل ان يرسل الشيطان رسالة تدعو الى الاخلاق الحسني وخير العمل؟

والقضية هل فعليا تدعو الاديان الى حسن العمل وحسن الاخلاق، من حيث انه لايجوز الاكتفاء بتزكية النفس وانما رؤية الاعمال على ارض الواقع، وإلا يصبح الامر كمن يشتري ثلاجة على الرغم من انه يريد شراء غسالة، لمجرد ان صاحب المحل كتب على الثلاجة غسالة، فهل تتغير المضامين بالتسميات؟

كما نرى فالاديان السماوية نتج عنها جرائم وانتهاكات غاية في الفظاعة، والاسلام ليس استثناء. بل والانكى من ذلك ان الاسلام، لربما، هو الدين الوحيد الذي لازالت الجرائم والانتهاكات ترتكب بإسمه حتى اليوم، فهل يعقل ان ينتج عن الخير شرا؟

ان فكر يعطي الانطباع انه خير في حين يؤدي فعليا الى الشر لهو اذكى فكرة يمكن ان تصدر على شيطان خبيث، مما يعني ان الاسلام يحتمل تماما ان يكون ابداع عبقري لشيطان اكثر منه ان يكون عن رحمان اخطأ الطريق وفقد القدرة على رؤية النتيجة الكارثية لغلطته التي لاتغتفر.

lördag 19 november 2011

المحاكاة الفلسفية لاثبات ازلية العالم

 هنا استعراض لبعض ادلة الفلاسفة على ان العالم ازلي قديم وليس مخلوق.


الاثبات الاول

قال بروكلوس : بأي باعث صمم الإله على الخلق، بعد الصمت الذي ظل فيه منذ الأزل، إلى بدئه في الخلق؟ هل لأنه رأى أن هذا هو الأفضل؟ إن كان الأمر بالإيجاب، فهو إما كان يعلم هذا الفضل أو لا يعلمه. فإن كان لا يعلمه فعدم العلم لا يتفق مع الألوهية. وإن كان يعلمه، فلماذا لم يبدأه قبل ذلك العهد؟

وقال ابن سينا ما ملخصه : الله إما كان كافياً لإيجاد العالم، أو غير كافٍ له. فإن كان غير كافٍ له، فلماذا أوجده في زمن دون آخر؟ هل كان عاجزاً ثم صار قادراً؟ هذا محال! أم هل كان العالم مستعصياً عليه، فلم تتعلق القدرة بإحداثه، ثم صار ممكناً، فتعلقت القدرة بإحداثه؟ هذا محال! أم هل كان حدوث العالم قبلاً عبثاً، فلم تتعلق القدرة بإحداثه، ثم صار حدوثه ذا غرض وحكمة فتعلقت القدرة بإحداثه بعد ذلك؟ هذا محال، لأن العلة واحدة، والأوقات متساوية. أم هل لم تكن آلة للإحداث، فلم تتعلق القدرة بالإحداث، ثم وُجدت الآلة فتعلّقت القدرة به بعد ذلك؟ هذا محال! أم هل لم تكن إرادة من القديم لإحداث العالم، فلم تتعلق قدرته بإحداثه، ثم صار ذا إرادة، فتعلقت قدرته به بعد ذلك؟ هذا محال، لأن الإرادة تكون في هذه الحالة حادثة. والخلاصة إن خلق العالم في زمن دون آخر، مرجح بلا ترجيح، ولذلك فالعالم أزلي .

وقالت الأشاعرة في الرد على ابن سينا : للقديم إرادة قديمة، اقتضت أزلاً حدوث العالم في الوقت الذي حدث فيه. فلم يحدث قبل ذلك، لأنه لم يكن مراداً بالإرادة القديمة. فذلك الاقتضاء القديم هو المرجح. لأن من إرادة الباري الترجيح، ولها أن تختار . وقالت المعتزلة : خلق العالم في وقت دون آخر، ليس لسبب يرجّحه بل لأمر يوجبه .

ويرد عليهم ابن سينا قائلاً : الإرادة القديمة باقتضائها القديم لا تصلح مرجحاً للحدوث في وقت دون آخر، لأن نسبة الإرادة القديمة إلى الحدوث في الوقت المشار إليه، وإلى الحدوث في وقت غيره سواء. فلماذا اقتضت الإرادة ورجحت حدوثه في الوقت الأول دون الثاني؟ إن ترجيح هذا على ذاك، أو ترجيح ذاك على هذا، نسبتهما إلى الإرادة إما سواء، أو لا. أما النفي فغير جائز، وإلا كان إحداث العالم إرغاماً لا اختياراً، وهذا باطل. وإن كانا سواء، فهل حدث أحدهما بدون ترجيح من الإرادة أو به؟ إن كان الأول لزم الترجيح بلا مرجح. وإن كان الثاني لزم التسلسل. وكلاهما باطل. ولذلك يكون العالم أزلياً . وقال أيضاً : القول بخلق العالم في زمن دون آخر يدل على أن الله يختار. والاختيار يؤدي إلى وجود كثرة في ذاته، لأنه يستلزم معرفةً توجب القصد أو ترجّحه. والتكثّر في الواجب محال . وأيضاً : القول بحدوث العالم يدل على أن الله كان غير تام الفاعلية أزلاً. وهذا ما لا يتوافق مع كماله التام .

الاثبات الثاني

قال أفلوطين : الواحد لا تصدر عنه أعماله بالإرادة بل بالضرورة. وما يصدر عن الواحد صدوراً ضرورياً، هو مثل ذاته. فالعالم أما أن يكون أزلياً، أو يكون مثل ذات الله. ولما انتفى أن يكون مثل ذاته، لذلك يكون أزلياً .

وقال الكسندر أوف هاليس : الواحد لا يصدر عنه إلا واحد فحسب. وبما أن العالم متعدد، إذاً فهو لم يصدر عن الله، بل إنه أزلي .

وقال شلينج : الفلسفة عاجزة عن تفسير خروج الكثرة المتنوعة من الواحد المطلق .

وقال ابن سينا : الموجود القائم بذاته لا يمكن إلا أن يكون واحداً من كل وجه، والواحد من كل وجه لا يصدر عنه إلا واحد، وإلا تعددت جهات ذلك الواحد بتعدّد ما يصدر عنه . فبناءً على منطق ابن سينا لا يكون العالم قد صدر عن الله، بل يكون أزلياً، لأن العالم متعدد النواحي.


الاثبات الثالث

قال ابن سينا ما ملخصه : القول بحدوث العالم يؤدي إلى استكمال الله بالغير. واستكمال الله بالغير يؤدي إلى وجود نقص فيه، والنقص بالنسبة لله محال. ولذلك يكون العالم أزلياً .

الاثبات الرابع

قال ابن سينا ما ملخصه : القول بخلق العالم يؤدي إلى دخول الله في علاقة بعد أن لم تكن له علاقة. وبما أن الله لايطرأ عليه تغيير ما، يكون العالم أزلياً .

الاثبات الخامس

قال أرسطو : إذا أحدث الله العالم، فإنما يُحدثه ليبقَى هو كما كان، أو يُحدثه لما هو أفضل، أو يُحدثه لما هو مفضول. وكل هذه أغراض بعيدة عما يُتصوَّر في حق الله، ولذلك يكون العالم أزلياً . وقال ابن سينا بهذا المعنى تقريباً : الفاعل لا يأتي عملاً إلا لفائدته الشخصية، أو لفائدة تعود على غيره، أو لأن الفعل حسن في ذاته. لكن الغرضين الثاني والثالث لا يدفعان وحدهما الفاعل على العمل إلا إذا كانت له مصلحة خاصة. وبما أن هذا الغرض لا يليق بالله، يكون العالم أزلياً .

من المناسب الاشارة الى ان بعض هؤلاء الفلاسفة كانوا من الفلاسفة الالهيين، مثل ابن سينا مثلا، فهو " في الظاهر" يؤمن بوجود خالق، وعلى الاغلب، لم يكن ليجرا على إعلان موقف اخر خوفا من القتل. إضافة الى ذلك فأن للفلسفة الالهية معنيان:
الاول الفلسفة الالهية بالمعنى الاعم وتعني دراسة الموجود بما هو موجود سواءاً آمن الدارس بوجود اله ام لم يؤمن.
الثاني الفلسفة الالهية بالمعنى الاخص وتعني دراسة وجود الاله وصفاته.

الاول يعني انه يجوز للملحد اوللمؤمن ان يكون فيلسوف الهي طالماً انه يبحث في الموجودات، كما انه يفصل بين مايؤمن به كمعتقد موروث وبين مايمكن البرهنة عليه عقليا وفلسفيا، ومن المؤسف ان هذه المنطلقات التبست على كثير من الدارسين، حتى اليوم خصوصا في مجال التطور، فخلطوا بينهما.

اما بالنسبة لابن سينا فهو يمكن ان يكون مؤمن بوجود الله ومؤمن بازلية العالم ويمكن تبرير ذلك كلامياً من خلال فصل الحدوث الى انواع.

المتكلمين يؤمنون بالحدوث الزماني اي ان العالم لم يكن موجوداً ثم وجد وعندهم مناط حاجة الوجود الى علة فاعلية هو الحدوث فتسمعهم يقولون "لكل حدث محدث"...الخ
وعندهم القدم الزماني او الازل الزماني يساوي وجوب الوجود اي ان كل قديم غير محتاج الى علة في وجوده.

الفلاسفة يسخرون من هذ الكلام إذ يقولون ان حدوث العالم هو امر لايمكن تصوره كما في الاعتراضات التي مرت عليك وان مناط الحاجة الى علة ليس هو الحدوث بل الامكان، فالعالم حادث ولكن ليس بالحدوث الزماني وانما بالحدوث الذاتي اي ان وجود الشيء مسبوق بعدم ذاتي اي ان الشيء اذا بلحاظ ذاته يكون غير موجود ولكن بلحاظ علته يكون موجوداً.

اي ان العالم مرتبط بالله ارتباط العلة بالمعلول او ارتباط الظل بصاحب الظل والعالم ممكن يعني العالم ماهية والماهية متساوية النسبة الى الوجود والعدم فلابد لها من مرجح يرجح وجودها لانه يمتنع الترجيح بلا مرجح وهذا المرجح هو الله.

وهذا الكلام الذي يذكره ابن سينا في تقسيمه للموجودات الى ممكنة وواجبة (الممكن كل ما له ماهية والواجب محصور بالله الذي لا ماهية له (بالمعنى الاخص)) مبني على اصالة الماهية يعني ان الموجود في الخارج هو ماهية الشيء وما الوجود الا ظرف وجود الشيء.
ولذلك ليس من الغريب ان يكفر فقهاء المسلمين الفلسفة والفلاسفة، بعد ان اعجزهم الرد عليهم :
يقول الشافعى حكم فى اهل الكلام ان يضربوا بالجريد والنعال وان يطاف بهم على الاسواق يقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة ، ويكفرهم ابن تيمية شيخ الاسلام فى نقض المنطق "نصيحة اهل الايمان فى الرد على منطق اليونان . وابن رشد اتهم بالالحاد وقراوا علية اتهامة وقالوا فية هناك اناس خلقهم الله للنار، اى الفلاسفة. 

ومن المثير ان ابن تيمية يكفر الفلاسفة على الاطلاق، بما فيهم الشيخ الغزالي مع ان الغزالي سبقه الى تكفير الفلسفة والفلاسفة في تهافت الفلاسفة الموجه ضد ابن رشد ،  حيث انتهى الى تكفيرهم في ثلاثة قضايا:
أ- القول بقدم العالم ( هذا الموضوع )
ب- القول بان الله يعلم الكليات وليس الجزئيات.
ج- القول بأن الثواب والعقاب في الآخرة هو للنفس لا للجسد.

söndag 13 november 2011

غسل الدماغ لدى الاصوليين والارهابيين



كل مرة يقوم شخص ما بتفجير نفسه، يطل السؤال ذاته: كيف يمكن لوي الوعي والمشاعر الى درجة وصولهم لمرحلة يعتقدون فيها ان من المفيد تفجير الذات وقتل النفس والعديد من الابرياء؟ مالذي يحدث عندما يقوم شخص ما بقطع كل علاقة له مع اهله وحياته لينضم الى طائفة اصولية او حركة متطرفة؟ الجواب يسمى " غسيل الدماغ". هذه الظاهرة لها تاريخ طويل ومؤسف.

ليلة 13 يناير 1952 أسقط الكوريين الشماليين طائرة امريكية، وآسروا طياريها Kenneth L. Enoch & John S. Quinn. بعد اربعة اشهر من الاسر قدموا اعترافا مريع ادهش الجميع: لقد اعلنوا انه كانت من مهامهم نشر امراض مثل الطاعون والتيفوس والكوليرا فوق اراضي كوريا الشمالية.

لم ينتهي الامر عند هذا الحد، إذ بعد بضعة اشهر قام الضابط الامريكي Frank H. Schwalbe, الذي كان ايضا اسير لدى الكوريين الشماليين، بتأكيد هذه الاتهامات. الادعاءات تقول ان الطياريين الامريكيين قاموا بإسقاط البكتريا القاتلة من ارتفاعات مختلفة، فوق المدن الكبيرة والصغيرة، من اجل الوصول الى افضل الطرق لاستخدام الاسلحة البيلوجية. الهدف، حسب قول الضابط الاسير، كان تحييد نشاط المدنيين.

على خلفية هذه الاعترافات القادمة من هؤلاء الثلاثة والتي اكدها لاحقا، 35 طيار اسير اخر، قام المعسكر الشيوعي بتوجيه اتهامات الى المعسكر الرأسمالي بإستخدام اسلحة الابادة الجماعية ونشر الامراض. ضعف هذا الاتهام الوحيد كان في ان امريكا لم تستخدم ابدا اسلحة بيلوجية من اي نوع في الحرب الكورية.

من خلال استخدام الاهانات والاستصغار والاستفزاز وابقاء الاسرى في توتر وقلق والتحكم المنظم على سيل المعلومات يمكن التأثير على الانسان وكسره وإعادة تحضيره نفسيا وعقليا ليقوم بما يطلب منه، مهما كان نوعه. هذا الامر يدعى: غسيل الدماغ، وهذا بالذات ماجرى على الاسرى الامريكيين. بعذ هذه الحادثة استيقظ الغرب على اهمية دراسة هذه الظاهرة، لتصبح مادة للابحاث الواسعة خلال بضعة عشرات من السنين. الكاتب Dominic Streatfeild, قام بجمع المعلومات المختصة بهذا الشأن في مؤلفه "Brainwash - The secret history of mind control". الكتاب يكشف كيف ان فكرة السيطرة على ادمغة البشر، وتحويلهم الى روبوتات حية، بدون اي دلائل ظاهرية تكشف الامر، كانت تدغدغ احلام العديد من النخب الحاكمة على مدى 50 عاما.

الشكل الكلاسيكي لغسل الدماغ استخدم لاول مرة في العصر الحديث بشكل جدي ، من قبل الاتحاد السوفيتي، 30 عاما قبل الحرب الكورية، وبالذات في العشرينات من القرن الماضي. هذا الامر بدء عندما جاء فلاديمير ايليتش لينين الى السلطة عام 1917، وظهر له على الفور ان من المستحيل اقناع جميع مواطني البلاد القيام بدعم الدولة السوفيتية.

Ivan_Pavlov من اجل انجاح سيطرة الثورة على كافة انحاء البلاد والمواطنين لابد من خلق طرق فعالة. لهذا السبب دعى لينين الفيزيولوجي الروسي الشهير ايفان بافلوف الى الكريملين. بافلوف كان مشهورا بسبب تجاربه على ردود الافعال الشرطية التي اجراها على الكلاب، حيث اعاد تصميم سلوكهم الغير واعي من خلال عدة انواع من المحفزات. إضافة الى ذلك قام بقياس مختلف نشاطات الاعضاء الداخلية، لدى الكلاب، في فترة تعرضهم للتأثيرات المختلفة.

بأمر من لينين، كان على بافلوف يحاول تطبيق نتائج تجاربه عن ردود الافعال الشرطية، على الانسان. بالنسبة لبافلوف لم يكن هناك معضلة تمنعه من تطبيق الطريقة على الانسان، إذ ان الانسان من حيث المبدء ينتمي لمملكة الحيوان، مبرمج على نفس المبدأ: المتعة والالم، المكافأة والعقوبة، الجزرة والعصا.

بعد ثلاثة اشهر من العمل قد بافلوف تقريره المؤلف من 400 صفحة، حيث، وحسب تعبير لينين، سيكون قادر على ضمان انتصار الثورة الشيوعية العالمية، وكما يقال، فإن هذا التقرير لم يغادر جدران الكريملين. النتائج العملية لتقرير بافلوف خرجت الى العلن بشكل جدي في ثلاثينات القرن الماضي، تحت رعاية ستالين.

stalin_victory من عام 1930 الى عام 1938 قام جوزيف ستالين بإجراء مايعرف " عملية موسكو"، حيث جرت مجموعة محاكمات تصفية لمنافسيه من قادة الحزب الشيوعي. نعلم اليوم ان جميع التهم التي وجهت لهم كانت مفبركة، وأن اعترافهم جرى بفضل عملية غسل دماغ ناجحة. لقد قال ادوارد هولتزمان، احد المتهمين:" نحن لسنا قتلة فقط، وانما قتلة فاشيست". متهم اخر، يطلب السماح له بإطلاق النار على رفاقه المتهمين، ومن بينهم زوجته، في حين ان البعض الاخر طالبوا القاضي بأن يحكم عليهم بأقصى العقوبات، وشكروا بحرارة عندما اعلن حكم الموت عليهم.

الاعتراف اثار دهشة العالم: لماذا اعترف هؤلاء الثوار، جرائم لم يرتكبوها؟ مالذي حدث بحيث جعل هؤلاء الناس يضحون بحياتهم وبقناعاتهم الفكرية؟

لم تكن هناك شواهد على انهم تعرضوا الى التعذيب الجسدي، زإذا كانوا قد تعرضوا للتعذيب، فلماذا لم يكشفوا الامر امام المحكمة العلنية، على الرغم من معرفتهم بأن سيحكم عليهم بالموت على كل الاحوال؟ هل يمكن ان المحققين السوفيت قاموا بالتأثير على المتهمين بالمخدرات والتنويم المغناطيسي؟

Józef Mindszenty التفسيرات الاعتقادية كانت متعددة، ولكن لااحد كان يعلم حقيقة مالذي حدث قبل المحكمة. فقط بعد عشرة سنوات بدء الغرب بدراسة هذه النماذج العديدة عن غسيل الدماغ الذي قدمها النظام السوفيتي. هذا الامر بسبب تعدد الحالات بما فيه حالة الكاردينال الهنغاري Józef Mindszenty.

الكاردينال الهنغاري كان رأس الكنيسة الهنغارية واحد المرشحين لخلافة البابا بيوس الثاني عشر. إضافة الى ذلك كان من اشد المعارضين للنظام الشيوعي، وفي النتيجة وصل الامر الى اكثر مما تمكن الشيوعيين الهنغاريين ( او لربما الروس) من تحمله. في يوم 19 نوفمبر 1948، عندما كان اندراش ذاكار، Andras´Zakar, وهو سكرتير الكاردينال، في طريقه الى البيت، اعترضته سيارة، واجبرته على الوقوف، ليخرج منها ثلاثة اشخاص في ملابس غامقة، فيسحبوه من سيارته الى سيارتهم ويختفوا. بعد خمسة اسابيع ظهر السكرتير في مركز عمله وكان في غاية الاضطراب. خلفه كان يمشي عملاء الدائرة السرية، حيث قادهم ذاكار الى مخبئ الاضابير السرية التي كانت مخفية في السرداب.

الموظفين في الكاتدرائية الهنغارية استغربوا سلوك السكرتير واضطرابه، كما لم يتمكنوا معرفة اسباب خيانته للبطريك. بعد فترة قصيرة جاء دور الكاردينال نفسه. لقد جرى اعتقاله، ليظهر بعد خمسة اسابيع، في المحكمة، متغير تماما. كان يتأتأ في كلامه، يبلع ريقه على الدوام في تباطئ، وهو يتكلم وعيونه نصف مغمضة بنغمة واحدة لاتتغير، وتوقف طويل بين الكلمات. الكلمات التي خرجت من فمه كانت اكثر رعبا من سلوكه. لقد اعترف بانه يهيئ لانقلاب ضد الحكومة الشيوعية من خلال اشعال حرب عالمية ثالثة.

إضافة الى ذلك اعترف بأنه سرق التاج الهنغاري بهدف تنصيب اوتو فون هابسبورغ قيصرا على اوروبا الشرقية. الكاردينال، المعروف بثقافته الواسعة وبتعليمه العالي، كان كلامه لايدل عليه. " لقد استولواعلى روحه، بطريقة من الطرق"، كتب احد عملاء الجيش الامريكي.

الغرب اصابه الحنق، وهو يرى كيف ان رفاق الحزب الواحد يشكرون جلاديهم على احكام الاعدام، ومن ثم كيف ان بطريارك هنغاريا يعترف بخطة انقلابية مثيرة للسخرية. تسأل الغربيين: هل تمكن الاتحاد السوفيتي من تطوير طرق تتحكم بشخصية الانسان وتحوله الى روبوت؟ هل جرى تصدير هذا التكنيك الى الدول الشرقية الاخرى، مثل كوريا الشمالية واوروبا الشرقية؟

لم يمض وقت طويل قبل ان تحدث حادثة جديدة تقوي شكوك الامريكان والبريطانيين حول ماتمارسه الدولة السوفيتية. هذه الحادثة هي الحرب الكورية اعوام 1950-1953. ان يقوم بعض الطيارين بالاضطرار للادعاء علنا انهم استخدموا الاسلحة البيلوجية، هو شئ، في حين ان يقوم بعض الطيارين الاخرين من الذين ايضا كانوا اسرى لدى الكوريين الشماليين، بالاعلان عن اعتناقهم الايديولوجية الشيوعية عند عودتهم للوطن، هو شئ اخر.

بعضهم وصل به الامر الى الادعاء انهم كانوا جواسيس لدى الولايات المتحدة الامريكية، وبالتالي فإن اسرهم كان مبررا تماما. إضافة الى ذلك كانوا يصرون على الدوام انه جرى معاملتهم بكل رأفة وبعناية ، في دفاعهم عن الكوريين. في ذات الوقت كان كل شئ يشير الى اتجاه معاكس.

اولا، لايوجد مايدل على انهم كانوا جواسيس لدى الولايات المتحدة، وثانيا، اعترف العديد من الاسرى الاخرين، من الذين كانوا معهم، انهم تعرضوا للضرب، وجرى ربط ايديهم وارجلهم، وكان يُمنع عنهم الطعام والشراب والنوم. بمعنى اخر، لم تكن هناك رأفة وعناية ومعاملة حسنة. في النهاية جاء الدليل الاخير الذي يشير الى انه هناك شئ ما، غريب، يحدث للاسرى. في نهاية الحرب، رفض 21 اسير امريكي، 3 بلغار، وجندي بريطاني، بكل عزم العودة الى الوطن، مما يشير الى وجود عامل جدي.

منذ لحظة وصول الاخبار عن التغييرات التي تحدث للجنود الامريكان، ابتدع الصحافي الامريكي ايدوارد هونتر، Edward Hunter, تعبير " غسل الدماغ". هذا الامر جرى على صفحات جريدة ميامي اليومية، 24 سبتمبر 1950. على خلفية حواراته في مقابلاته الصحفية مع الذين اصبحوا شيوعيين، بعد إعادة برمجتهم في الاسر عند الصنيين، ذكر هونتير ان الصينيين انفسهم اطلقوا اسم "Xi-nao", على طريقتهم، وتعني " تنظيف الاحاسيس". هونتير اعاد تسمية الامر بطريقة اكثر تعبيرية، " غسيل الدماغ"، واصبح متابعا لهذه الظاهرة. يكتب هنتير واصفا هذه الظاهرة:" ان الهدف هو تبديل الاحاسيس والمشاعر بطريقة راديكالية، بحيث ان المرء المعني يصبح مجرد العوبة، روبوت انساني، بدون ان يثير مظهره الخارجي اية شكوك عن ماحل بروحه".

السي اي يه بدأت بدراسة هذه الظاهرة، وانشأت لهذا الغرض وحدة خاصة عام 1950، في سرية تامة. في البداية كان اسمها BLUBERID, ثم جرى تغيير اسمها عام 1953 الى MKULTRA.

cia كان الاعتقاد سائدا لدى السي اي ايه، ان الكوريين استخدموا مواد كينماوية في عملية غسل الدماغ لدى الجنود الامريكيين، وخلال بحثهم عن هذه المواد تجاوز الاميركيين القواعد الانسانية والاخلاقية. سي اي ايه قامت بتغذية اشخاص التجربة بميسكالين، meskalin, والتي تستخلص من صبار خاص، وفطر مما يستخدمه الهنود الحمر في طقوسهم، وحتى المادة الصناعية LSD. إضافة الى ذلك، فإن اشخاص التجربة لم يكن لديهم علم انه تجري عليهم اختبارات. مثلا، مجموعة من السجناء كانت تعطى لهم جرعة يومية من مخدر LSD, وهي جرعة يجري زيادتها ببطء على مدى 70 يوما.

في تجربة اخرى، اضاف موظفي السي اي ايه مادة LSD, الى مشروب زبائن احد المواخير، وبعد ذلك قاموا بمراقبة سلوك الزبون من خلال زجاج خاص، وحسب التقارير كان سلوكا مثيرا للدهشة. إضافة الى ذلك، قامت هذه الوحدة السرية الخاصة بإجراء تجارب تنويم مغناطيسي، لعدة سنوات. خلال التنويم المغناطيسي كان يطلب من الشخص اجراء جريمة، وبعد ذلك ايقاظه، بدون ان يشعر المرء بما حصل. واخيرا جرت بضعة تجارب بدائية تهدف الى زرع ميكروتشيب. ولكن تمكنوا من اجراء عملية الزرع فعلا في قطة واحدة، وقد دهستها سيارة بعد ساعة واحدة.

عام 1973 جرى حل وإلغاء جميع هذه الدوائر التي تعمل بقضية غسل الدماغ. على الرغم من كل هذه التجارب، توصل الباحثين الى استنتاج الى انه لايمكن غسل دماغ الانسان لا بواسطة المخدرات ولا بواسطة التنويم المغناطيسي. في حين اصبح من الواضح ان الجنود الامريكيين في الحرب الكورية جرى تحطيمهم تحطيما منظماً نفسيا وجسديا، ومن ثم إعادة برمجتهم، وهذه الطريقة البدائية برهنت عن فعالية كبيرة.

بمعنى اخر، انه وعلى الرغم من اكتشاف عدم فاعلية المخدرات والتنويم المغناطيسي، كان من الممكن تحقيق غسيل دماغ الانسان، بطرق اقل بدائية، وهو امر مخيف. من الممكن تحطيم ارادة الانسان وإعادة برمجته وفقط بواسطة العنف والاذلال والعزلة للوصول الى الاخضاع.

الطريقة التي اظهرتها التجربة لغسل دماغ الضحية كانت في الخطوات التالية:

تربط ايدي الضحية وارجلها
يجري اجبارها على الجلوس او الوقوف في وضعية محددة لعدة ساعات
يستخدم ضدها العنف الجسدي والنفسي، مثلا تحقيقات لاتنقطع
عدم اعطائها مايكفي من الطعام والنوم



تقريبا في ذات الوقت الذي توصلت فيه السي اي ايه، الى هذه الاستنتاجات، ظهر غسيل الدماغ على السطح مجددا، هذه المرة بفضل الطوائف والحركات الدينية. هذا الامر حدث في سبعينات وتسعينات القرن الماضي، عندما قاموا بجذب الاعضاء، تماما كما يحدث الان في المنظمات الاسلامية الاصولية والسلفية، بما فيه منظمة القاعدة، وهي منظمات تنتشر بها عمليات الانتحار ونبذ الذات والخضوع .

هذه الحركات تستخدم بالضبط مجموعة من الطرق الكلاسيكية المجربة في غسيل الدماغ. على المستوى الجسدي، يجري عزل الاعضاء المحتملين عن بيئتهم الطبيعية، ويجري تحميلهم اعباء واعمال كبيرة ومتعبة بحيث تجهدهم، في نفس الوقت الذي يقدم لهم طعاما سيئا والقليل من الوقت للنوم. بهذا الشكل يجري تشويش انتباهه وتوجيهه نحو قضايا مختلقة، مما يؤدي الى ان قدرته على التفكير الذاتي والمستقل تسوء ويصبح ضحية سهلة للايديولوجية الجاهزة التي يراد تعبئته بها بديلا.

على المستوى الفكري والايديولوجي، يجري تشجيع العضو الجديد على نقد نمط حياته القديم ونقد اسرته واصدقائه القدامى، في ذات الوقت الذي يجري التناوب، من قبل اعضاء الجماعة، على اهانته والاستهزاء به واستصغاره، احيانا، وتحفيزه وتشجيعه احيانا اخرى، ليلعبوا معه مايسمى لعبة " الشرطي الطيب والشرطي الشرير"، وهو اسلوب يجيده الاصوليين، إذ انه الى حد بعيد جزء من منظومتهم الفكرية. في نهاية الامر تصبح الضحية جاهزة لشخصيتها الجديدة.

UmarIslam يجري اخضاع الضحية لاتهامات واستصغارات مستمرة وإدانات لعالمه القديم، في ذات الوقت الذي يجري اغراقه بأدلة ومعلومات عن العالم الجديد الذي عليه ان يقبله. في هذه المرحلة يعاني الضحية من ازمة في الانتماء، والشعور بتأنيب الضمير الرافض لهذه المنظومة الجديدة المطروحة امامه. ولكن، وتحت الضغط والارهاق يقوم بإقناع نفسه ان حياته السابقة كانت خاطئة، ويبدء في توضيب الطريق لنفسه ليجد مخرجا " ابيض" للخروج من الورطة، واخيرا يفهم ماعليه ان يعترف به ويقبله او يغيره. في هذه المرحلة، يرى الضحية المخرج امامه من ازمة الانتماء. هنا تجري عليه الخطوات التالية:

الضغط من اجل الاعتراف بالذنب على نمط حياته السابق.
تنهمر عليه الادلة على مسؤوليته وتقصيره وتخويفه
تنهمر عليه المعلومات عن ماينتظره من مكاسب ومتعة في الجنة وبين اخوانه
يبقى معزولا عن العالم للاستفراد به
ببطء يبدء يتحسس المخرج الذي عليه السير به ليصبح مقبولا

عند الشعور ان الضحية اصبحت متقبلة اكثر وايجابية تتغير المعاملة الى افضل، لتصبح كمكافأة ورشوة انتماء، وهي نقطة تحول تقرر مصير العملية بكاملها، حيث يتحول الامر من الضغط النفسي والجسدي الى معاملة انسانية ورحمة، الامر الذي يحطم اخر معاقل مقاومة الضحية. الايمان بالحياة وتحسن المزاج وارتفاع الامل يعاود الظهور، إضافة الى مشاعر الامتنان والانتماء. تبدء الضحية بتقبل الفكرة الجديدة بكل حماس وقناعة. في هذه المرحلة الاخيرة يجري تعريض الضحية للتالي:

مقابلته بالابتسام والنظرة الطيبة والتفهم واشاعة الاطمئنان
تحسين العلاقة الجسدية والنفسية بصورة راديكالية، ليشعر انه واحد من الجماعة
يبدء البرنامج التعليمي المنظم
تعطى اليه مهمات من اجل تجربته ، ومن اجل بعث الاعتقاد لديه انهم يثقون به
يحصل على حرية اكبر، ولكنه لازال معزولا


singer.gif في الوهلة الاولى، من الممكن الاعتقاد ان الطرق المتبعة لتربية المتطوعين وتدريبهم في بعض المدارس العسكرية، مثلا البحرية الامريكية، يمكن مشابهتها بغسيل الدماغ. لهذا السبب قامت عالمة النفس الامريكية Margaret Singer, بدراسة الامر عن قرب وتوصلت الى استنتاجات انه وعلى الرغم من تشابه الطرق، ليس " غسيل دماغ" بنفس المعنى كماهو لدى لدى الطوائف والحركات الدينية الاصولية. ماتوصلت اليه نشرته في كتابها المسمى "Cults in Our Midst: The hidden Menace in Our Everyday Lives", والذي نشرته عام 1995. الاسباب التي قدمتها للبرهنة على ان طرق البحرية الامريكية تختلف عن طرق الاصوليين ذكرت التالي:

1- المتطوع الذي يقدم طلبه للانضمام الى البحرية الامريكية، يكون منذ البداية واضح لديه جميع ابعاد المنظمة التي يتقدم للانتماء اليها. على العكس نجد ان الحركات الدينية تقوم بإغراء المتقدم للبقاء فترات اضافية عما جرى الاتفاق عليه او التخطيط له، ويعي انه اصبح عضوا فعالا، فقط بعد ان تكون كافة قدراته الحرة على القرار قد جرى تدميرها، وفات اوان قدرته الحرة على الانسحاب.

2- المتطوع في البحرية الامريكية يحافظ على حقه في اختيار معتقداته وممارستها، وحقه في اختيار شركاءه وحياته الخاصة، في حين ان الامر ليس كذلك لدى الطوائف الدينية الاصولية.

3- متطوع البحرية الامريكية، يحافظ على علاقاته وقنوات اتصاله مع العائلة واصدقائه وبيئته القديمة، ولايحفز على قطعها ومعاداتها وبناء عازل نفسي من الكراهية ضد العالم المحيط.

4-المتطوع له الحق بالحصول على جميع مصادر المعلومات التي بمتناول البقية، وله الحق بالتصرف برواتبه واملاكه بقراره الشخصي والحر، على العكس مما هو الحال لدى الاصوليين.


على الرغم انه من الصعب الانفصال عن الحركات الاصولية الدينية منها او الغير دينية، حيث يصبح المرء كفرد في قطيع، الا ان ذلك ليس مستحيلا. " إعادة البرمجة" لايبقى الى الابد من نفسه، وانما يجب ان تجري صيانته بإستمرار. إذا لم تجري الصيانة بطريقة متواترة، تذبل مشاعر الانتماء وتموت. بمعنى اخر، لايمكن غسل الدماغ الى الابد. إذا عاد المرء الى بيئته القديمة يختفي غسل الدماغ بالتدريج. فقط قسم ضيئل من الجنود الذين كانوا اسرى لدى الكوريين وتحولوا الى الشيوعية، بقوا على معتقداتهم الجديدة، مما يعني ان التحولات، في المعتقدات السياسية، ليست ثابتة.

اليوم يتفق علماء النفس وعلماء الامراض العقلية على انه من المستحيل تفريغ الشخصية كليا وإعادة املاء الدماغ بمضمون جديد، ولكن من الموثق تماما انه، وبواسطة التعذيب والانهاك والتوتير واشاعة الخوف والقلق والتأثير المنظم، يمكن تحويل الانسان الى اداة قادرة على ان تقوم بما كان لايخطر ببالها سابقاً. يقول فرانك شوالبه، الضابط الامريكي الذي كان اسيرا في كوريا والذي ادعى استخدام الولايات المتحدة للاسلحة البيلوجية هناك:" الكلمات كانت كلماتي، ولكن الافكار التي نطقت كانت افكارهم".

بعض نماذج اشخاص جرى غسل دماغهم:

Steven_Hassan_Headshot.jpg في سبعينات القرن الماضي وعندما كان الطالب ستيفان حسان Steven Hassan, لازال في عمر 19 سنة، اصبح عضو في طائفة موون الدينية. يقول واصفا الامر:" في يناير من عام 1974 وكانت قد قطعت علاقتي مع صديقتي حديثا، وكنت متعلما ومن اسرة غنية وممتلئ بالقيم المثالية والاخلاقية، عندما التقيت بثلاثة فتيات لطيفات، عزموني معهن الى الغذاء. هذا اللقاء انتهى بموافقتي على قبول دعوة اكثر جدية، امتدت لمدة ثلاثة ايام من الاجتماعات والقراءات، اصبحت بعدها مؤمن بان ارادة الله تدعوني ان اترك دراستي، واترك عملي، واغلق حسابي البنكي، واتبع المسيح الجديد: Myung Moon. بعد بضعة اسابيع اصبح مقتنع ان نهاية العالم على الابواب وان الحرب العالمية الثالثة ستقوم عام 1977، وان مسؤوليتي الشخصية هي الانتصار على الشيطان وتأسيس مملكة الله على الارض". من كتاب: Releasing the bonds.

حسان اصبح من قادة الحركة، واصبح نشيطا في جلب العديد من الاعضاء الجدد. بعد حادثة سيارة، حصل على سماح ان يرتاح لدى والديه، والذين بدورهم، وبمساعدة عضو سابق في ذات الجماعة، اقنعوا ابنهم بترك الجماعة. حسان قام بكتابة كتابين عن هذه الجماعة، ويعمل الان كمستشار لدى اعضاء هذه الجماعة واهلهم الذين يريدون اخراجهم من الجماعة.

Patty_Hearst.jpg في عام 1974 جرى اختطاف Patricia Campbell Hearst في سان فرانسيسكو وكان عمرها 19 سنة، وكان خاطفيها مجموعة تطلق على نفسها اسم The Symbionese Liberation Army, SLA. بعد شهرين استلمت احدى المحطات الاذاعية شريطا تعلن فيه باتريسيا انها، بحريتها التامة، تعلن تخليها عن اهلها ونمط معيشتهم الراسمالية، وانا تنضم الى منظمة خاطفيها في صراعهم ضد الاستغلال والظلم. بعذ ذلك بفترة قصيرة شاركت في عملية سرقة منظمة على بنك. القسم الاكبر من محاكمتها كان يدور عن فيما إذا كانت قد تعرضت الى غسل دماغ ام لا. لقد ذكرت كيف انها كانت مربوطة الايدي والاقدام ومعصوبة الاعين ومتروكة في احدى الحزائن اسابيع، في خلالها جرى اغتصابها وتهديدها بالموت بإستمرار. من خزانتها كانت تسمع نقاشاتهم المستمرة عن الرأسمالية " الشيطان الاكبر" وكيفيفة اهدار النظام الرأسمالي لموارد الارض وتعريضه العالم للفقر والجوع. هذه المناقشات ايقظت فيها مشاعر الذنب وتأنيب الضمير. بعد ذلك جرى اطلاقها من الخزنة وجرى معاملتها بطيبة، وبدأ كورس تعليمي ايديولوجي وتعليمها استخدام السلاح. عندما اصبحت تشارك في النقاشات، جرى عرض المشاركة عليها في سرقة البنك كتعبير عن الثقة فيها.

john_walker_lindh في 25 نوفمبر من عام 2001 قامت القوات الاميركية بأسر جون والكير John Walker Lindh, عندما كان يقاتل في صفوف طالبان. كيف اصبح مراهق امريكي جندي في جيش طالبان، ويخوض الجهاد المقدس؟ جون والكير ولد عام 1981 في عائلة امريكية متوسطة. بعد قراءته لكتاب مالكوم اكس، ازداد اهتمامه بالاسلام، وهو كتاب عن زنجي امريكي شاب، يترك عالم الجرائم ويعتنق الاسلام، ليصبح قائد معترف به عالميا، ليموت في احد الاعتداءات عام 1965. جون والكير اعتنق الاسلام عندما كان عمره 16 سنة، ورمى كافة اسطواناته، وبدل ملابسه الى الجلابية البيضاء واصبح من مرتادي الجامع المحلي. بعد الثانوية ذهب الى اليمن لتعلم العربية لمدة عام، وفي زيارته التالية لليمن انتقل منها الى باكستان للدراسة في مدرسة قرأنية، ومن خلالها التقى بممثلي طالبان والتحق معهم الى معسكراتهم، حيث التقي بن لادن. بعد عام واحد وقع في ايدي القوات الامريكية اسيرا. تقول امه بحزن:" لابد انهم قاموا بغسيل دماغ له"، في حين يقول ابوه:" لابد ان ليس لديه دماغ على الاطلاق، او انه توقف عن العمل". بالرغم ذلك حكم علبه بالسجن لمدة 20 عاما. خلال المحكمة صرح جون نفسه قائلا:" لو كنت ، في ذاك الوت، قد فهمت ماعلمته الان عن طالبان لما التحقت بهم ابدا".

أعجازات التأمل البوذي




تصوير ادمغة كهنة البوذية باالاشعة يُظهر ان التأمل الروحي، او التواصل الروحي الصوفي المميز للمعتقد البوذي، يقوم بإعادة بناء الدماغ والتحكم في وظائفه نحو الاحسن بل ويقوم بتحسين صحة المرضى بما فيه امراض السرطان. بفضل التعاون بين العلماء الغربيين وكهنة الهندوسية تمكن الباحثيين من توثيق والبرهنة على ان التواصل الروحي (التأمل الروحي) له فعالية اكبر بكثير ممما كان الاعتقاد سابقا. التواصل الروحي الصوفي يقوم بتطوير الخلايا العصبية في الدماغ مما يعطينا انسجام حياتي افضل يؤدي الى تقوية جهاز المناعة.

وجوه كهنة البوذية ينبعث عنها انطباعات عميقة من الاستقرار النفسي والهدوء الروحي الى درجة انها تصبح سيرالية مع روح المدينة الصاخبة التي يسيرون فيها. غير ان هذه الانطباعات الباعثة على الطمانينة ليست مصطنعة من اجل جذب الاتباع كما نعهده عند المبشرين والدعاة في الاديان الاخرى، وانما هي طبيعية منبعثة عن الايمان العميق. علماء الدماغ برهنوا عمليا على ان التأمل الروحي الصوفي، الذي هو الجزء الرئيسي في الاعتقاد البوذي، يقوم بالتأثير على عمل ووظائف الدماغ بحيث ان الكاهن يشعر بالسعادة فقط وتختفي لديه المشاعر المزعجة بل وتعطيه جهاز مناعة افضل.

علماء الدماغ الغربييون يستغلون كهنة البوذية الى الدرجات القصوى عند دراسة عندما يقومون بفحص مايحدث في الدماغ عند التامل الروحي العميق. النتائج كانت مثيرة للعجب إذ ان التأمل الروحي لايؤثر على وظائف الدماغ في فترة ممارسة التأمل فقط وانما يبقى تأثيره لبضعة ايام واسابيع. العديد من الدلائل تشير الى ان التأمل الروحي يؤدي الى نشوء قنوات عصبية جديدة تؤدي الى افكار ايجابية وتكبح مشاعر من نوع الخوف والكآبة والعزلة. هذا الامر يعطينا الامل في التمكن في المستقبل من معالجة امراض نفسية كثيرة بواسطة أعجوبة التأمل البوذي الصوفي.

الباحث الامريكي Anderw Newberg, من جامعة بنسلفانيا كان اول من استخدم المسح الشعاعي للدماغ من اجل دراسة تفاعل دماغ كهنة التيبت تحت تأثير التأمل، وعام 2001 قام بنشر النتائج. الكهنة يستمرون بالتأمل لمدة ساعة وعندما يصلون الى لحظة التأمل العميق يقومون بتحريك اصبعهم المربوط فيه خيط والطرف الاخر في يد الباحث انديروا. هذه الاشارة المتفق عليها تعني ان الباحث سيقوم بحقن الكاهن بمحلول مشع مما يجعل بالامكان متابعة سير المحلول في الدورة الدموية ليصل الى اكثر المناطق نشاطا في الدماغ وعندها يمكن تصوير خارطة للمنطقة بالمسح الشعاعي.



بعد ذلك يجري مقارنة صورة المسح الشعاعي للدماغ في وقت التأمل مع صورة للدماغ في وقت إستراحة عادي. هذه المقارنة اظهرت ان هناك منطقتين مركزيتين يتأثران بقوة من حالة التأمل. في الاولى ينحسر النشاط في مركز يقع في اعلى القشرة الدماغية حيث يجري تنسيق المشاعر لنشعر بأنفسنا كجزء من العالم المحيط. انحسار النشاط في هذا المركز يتوافق مع وصف الكهنة لفقدانهم الشعور بالانا والمكان والزمان.

في الثانية التي تقع في مقدمة الدماغ في الفص الجبهوي، حيث يجري التحكم بالعديد من الوظائف بما فيه القدرة على التركيز. المسح الشعاعي اظهر ان النشاط تزايد في هذه المنطقة، مما يدل على ان الكهنة قاموا بالتركيز الشديد في فترة وجودهم في فترة التأمل. يوضح الباحث نيوبيرغ ان الكهان يركز على نقطة واحدة (فكرة واحدة) من اجل الدخول الى منطقة حالة التأمل العميق.



فيما بعد اظهرت الابحاث ان المركز في الفص الجبهوي يملك وظائف اخرى. هنا تنشأ مشاعر شخصيتنا والمشاعر والمزاج والانفعالات، و كلما كان المرء اكثر مرحا وتفاؤلا كلما كان النشاط اعلى في النصف الايسر في حين ان ازدياد النشاط في النصف الايمن يعني توجه نحو مشاعر المعايشة السلبية، والصور المأخوذة للدماغ في وقت نشاط التأمل اظهرت دلائل معايشة ايجابية بوضوح لدى الكهنة..

Richard Davidson من جامعة ويسكونسين الامريكية قام عام 2003 ببضعة من الابحاث اكدت ازدياد النشاط في النصف اليساري من الفص الجبهوي بالمقارنة مع النصف اليميني. غير ان الابحاث اظهرت ايضا ان النصف الايسر لدى الكهنة يحافظ على نشاط اعلى حتى في الاوقات العادية بالمقارنة مع الانسان الذي لم يجرب التأمل البوذي على الاطلاق. هذا الامر يوضح اسباب امتلاك كهنة بوذا نظرة متفائلة وايجابية للحياة على الدوام، واسباب مزاجهم الطيب الدائم.



دراسات اخرى اظهرت ان الاشخاص الذين يملكون نشاطا مهيمنا في النصف الايسر من فص الجبهة يكون اسهل لهم إستعادة توازنهم بعد المعايشات الغير طيبة بالمقارنة من الاخرين. عام 2003 اكدت اختبارات اجراها البروفيسور باول ايكمان Paul Ekman, من جامعة كاليفورنيا ان اعماق نفس كهنة البوذية تملؤها الاطمئنان والثقة الى درجة من الصعب هزها، بغض النظر عما يحدث حواليهم. لقد قام بتعريض الكهنة واشخاص عاديين الى اصوات مفاجاة وقوية، مثلا طلقات من مسدس، ودرس ردود الاقعال. الاشخاص العاديين اصيبوا بالصدمة او الخضة في حين ان الكهنة لم يهتزوا على الاطلاق. ايكمان يشير الى ان هذا الاستقرار الراسخ سببه انحسار في نشاط منطقة الاميغدالا في الدماغ والتي هي جزء من المنظومة الليمبيسكية. في هذه المنطقة التي تشبه القوس يوجد مركز التحكم بالمشاعر العنيفة والسلبية مثل الخوف والهلوسة. وحتى التوتر يتحكم فيه هذا المركز.



غير ان جميع هذه الاكتشافات يمكن تفسيرها بالقول ان الكهنة يملكون جينات وراثية تعطيهم الاطمئنان والثقة وبالتالي لاعلاقة لذلك بالتأمل الصوفي. من اجل الاجابة على هذا الطعن قام كلا من باول ايكمان وريتشارد دافيدسون بفحص اشخاص لم يمارسوا في حياتهم التأمل البوذي ولكنهم تعلموه خلال الابحاث التي تجري عليهم.

الى جانب الباحثة Margaret Kemeny قام باول ايكمان بدراسة 15 معلم جرى ادخالهم في دورة مكثفة لدراسة التأمل الصوفي والسيطرة على المشاعر. المعلمين تعرضوا لاختبارات بسيكولوجية قبل وبعد الدورة التعليمية. خلال التجارب جرى تصويرهم من اجل دراسة ردود فعلهم فيما بعد. إضافة الى ذلك جرى قياس ضغط الدم والنبض لرؤية مدى متابعتها لردات الفعل.

جميع النتائج اشارت الى ان اشخاص التجربة يملكون معطيات ايجابية بعد تعلم التأمل بالمقارنة مع قبل التعلم. إضافة الى ذلك جرى اختبار على 120 شخص (معلمين وممرضات) من اجل معرفة فيما إذا كان التأمل يرفع قدرتهم على حل الصدامات النفسية ويزيد مشاعر تعاطفهم مع الاخرين. وهنا ايضا اظهرت النتائج الفعالية المدهشة للتأمل الصوفي في بناء قدرات الدماغ ليصبح الانسان اقوى روحيا

من اجل التأكد من ان النشاط في القسم الايمن من الفص الامامي هو المسؤول عن هذه التبدلات الاجيابية قام ريتشارد دافيدسون بقسم اشخاص التجربة الى مجموعتين القسم الاول جرى تمرينه لمدة ثمانية اسابيع على التأمل في حين ان القسم الثاني لم يفعل. المسح الاشعاعي اللاحق اظهر ان النشاط الدماغي لدى الممارسين للتأمل بدأ في التحول الى القسم الايمن تدريجيا تماما كما هو الحال لدى الكهنة البوذيين. بذلك امكن البرهنة على ان الانسان قادر على تغيير شكل النشاط الدماغي بفضل التأمل الصوفي-البوذي، ليصبح انسانا افضل.

غير ان التأمل البوذي لايساعد فقط على تحسين المزاج وانما يقوي الجسد . الباحثة الكندية Linda Carlson, من مركز ابحاث السرطان في كالغاري الكندي نشرت عام2003 نتائج اختبارات على 59 مريض كانوا يعانون من سرطان الثدي او سرطان البروستات. هؤلاء جرى تعليمهم ممارسة التأمل واليوجا لمدة ثمانية اسابيع واصبحوا قادرين على الارتخاء.



قبل وبعد برنامج العلاج قامت الباحثة بتقدير المستوعى النوعي لحياتهم ومزاجهم ومستوى التوتر ووضع جهاز المناعة من خلال حساب اعداد الخلايا المتنوعة والمتخصصة في مقاومة الامراض في الجسم. الفحص توصل الى ان المرضى حصلوا على تحسن مُلاحظ في نوعية الحياة وتقلص مستوى التوتر بفضل التأمل وتحسن وضع جهاز المناعة. وعلى الرغم من ان التحسنات ليست كبيرة الا انها واضحة انها تسير في الخط العام للمرضى الذين يتحسنون صحيا.

ريتشارد دافيدسون قام ايضا بدراسة العلاقة بين فعالية جهاز المناعة وبين هذا النوع من النشاط الدماغي الموجود لدى الكهنة اليوذيين. 52 شخص (ذكر وانثى) خضعوا للتجرية طُلب منهم ان يتذكروا اسوء الذكريات التي مرت عليهم في حياتهم، المفعمة بالمآسي والغضب او الخوف. وخلال محاولاتهم لتذكر هذه المعايشات قام الباحث بمسح دماغهم اشعاعيا من اجل توثيق العلاقة الديناميكية الناشئة في طرفي الفص الامامي. بعدذلك جرى حقنهم بلقاح ضد الانفلونزا وبعد نصف سنة جرى قياس مستوى الخلايا البيضاء في الدم.

عند المقارنة التحليلية ظهرت حقيقة ناصعة. الاشخاص الذي كان نشاط النصف الايمن من الفص هو المهيمن انتج جهاز مناعتهم من الخلايا البيضاء، في المتوسط، خمسة مرات اكثر من اصحاب هيمنة الطرف الايمن. مما يعني ان جهاز المناعة الفعال له صلة بالتأمل. والابحاث تثبت ان مراكز الشخصية والمزاج مرتبطة عصبيا بالمناطق الاخرى من الدماغ التي تنتج الهرمونات والمحفزات المؤثرة على جهاز المناعة.

بين الكهنة الذين شاركوا في الاختبارات كان هناك دالي لاما نفسه وايضا Matthieu Recard, وهو في الاصل متخصص بالبيلوجيا الحيوية من معهد باستر الفرنسي ولكنه ترك عمله واصبح كاهنا بوذيا منذ 30 عاما.




التأمل البوذي اصبح " توحد مع المسيح"
التأمل البوذي احد الطقوس الذي مارسته البوذية الشرقية منذ 2500 سنة غير انه بدأ ذكره في النصوص المكتوبة منذ 2000 سنة فقط. في الاصل مارس البوذيين (ولربما قبل البوذية) هذا الطقس من اجل التحام الروح مع الروح الاصلية (الام العليا ) من حيث ان الروح هي فيض الهي قادر على الدوام على الالتحام بالاصل ومن حيث ان الكائنات كلها لازالت في رحم الام الذي يحيطنا كجزء من فيضها المستمر. اليوم اصبحت هناك العديد من المدارس التي تستخدم التأمل الروحي لتحسين الاخلاق وكعلاج فعال. احد انواع المدارس التاملية تسمى zenmeditation وتركز على التنفس. يجلس المرء في وضعية مريحة وظهره مستقيم، في حين يكون نظره على الارض ويركز على نقطة ما. يركز المرء تفكيره على تنفسه ويحاول ان يكون منتظما وهادئا ثم يبدأ بحساب عدد الانفاس. الافكار التي تأتي يجب طردها على الفور والتركيز على العد فقط. هذه الطريقة اصبحت تستخدمها الكنيسة السويدية بعد ان غيرت اسمها وجعلته (توحد مع المسيح). احدى فضائل التأمل البوذي هو قدرة كل شخص على ممارسته في البيت بدون الحاجة للمعاناة من وصاية رجال الدين والمؤسسة الدينية.


السحر والايمان وجهان لعملة واحدة



اصبحنا نعلم بقدرة الايمان على شفاء المؤمنين، بغض النظر عما إذا آمنوا بالله ام بالشيطان ام بالحجر. وهذه الظاهرة اطلق عليها البلاسيبو او العلاج بالوهم. إضافة الى ذلك نعلم بقدرة الايمان على التحكم حتى بالوظائف الحيوية للجسم كما يظهر ذلك واضحا لدى كهنة البوذية فيما يعرف بالعلاج بالتأمل الصوفي. غير اننا الان نكتشف الوجه الاسود لظاهرة الايمان حيث يمكن استخدامه ليس للشفاء وحسب بل ولجعل المرء مريضا ايضا، وهي ظاهرة اطلق عليها النوسيبو nocebo ومنها يظهر بوضوح ان السحر الاسود والايمان الابيض هما شئ واحد في المضمون، فالايمان يشفي ويمرض انطلاقا من ميكانيزم دماغي تطوري.

في عام 1938 في الباما الامريكية أُدخل الى المستشفى المواطن Vance Vanders وعمره ستين عاما في حالة نحف شامل. في خلال بضعة اسابيع فقد 20 كيلوغرام من وزنه وعيونه اصبحتا غائرتين، ليصبح من الواضح ان احدى قدميه في القبر والاخرى في الحياة.

على مدى بضعة ايام لم يتمكن الاطباء من وضع تشخيص لحالته والحالة إزدادت نحو الاسوء. غير ان محادثة خاصة بين الطبيب المختص Drayton Doherty وزوجة المريض كشفت خلفية المرض وفتحت المجال لوضع علاج فعال.
حسب الزوجة فإن السبب الذي اطلق المرض هو ان طبيب ساحر دع الزوج الى مقابلته في منتصف الليل في مقبرة منعزلة. غير ان المحادثة انتهت بخلاف حاد في الاراء انتهت بغضب الساحر الذي لوح بزجاجة امام انف الزوج ينطلق منها رائحة حادة واطلق نبوئته او لعنته بأن ايامه في الحياة اصبحت معدودة. فادريس عاد الى البيت يرجف من الهلع يردد دثروني دثروني، واستلقى على فراشه ليموت وهو واثق ان اللعنة لايمكن رفعها.

احتاج الطبيب المختص الى بضعة ساعات ليفكر في الطريقة التي سيستخدمها لرفع اللعنة من عقل المريض. في اليوم التالي يجمع الطبيب افراد عائلة المريض امام سرير المريض ويخبرهم انه في الليل تكلم مع الساحر في المقبرة حيث اخبره عما فعله. يقول الطبيب موضحا وكاذبا:" لقد تمكن من تسريب بضعة بيوض لسحلية الى بطنك، وهذه البيوض فقست. جميع الصغار ماتوا عدا واحد وهو الذي يأكلك من الداخل. الان سأقوم بإخراج هذه السحلية واحررك من اللعنة الشريرة".

بكل جدية قام الطبيب المختص بحقن المريض بأبرة كان قد جهزها خصيصا لممارسة هذا الطقس البسيكولوجي. الحقنة كانت تحتوي على مادة تسبب القئ ولكن المريض لم يكن يعلم بذلك. بعد الحقنة بدء المريض بالتقئ لبضعة دقائق. في لحظة عدم انتباه من المريض تمكن الطبيب من تسريب سحلية صغيرة حية بين القئ، ثم سارع الطبيب الى لفت الانتباه اليها ، يقول:" انظر ماذا تقيئت، الان انت معافى واللعنة رُفعت عنك". نظر المريض بشك ورأى السحلية تخرج من بين القئ، تنفس بعمق وعاد الى السرير لينام نوما عميقا. بعد اثنى عشرة ساعة من النوم العميق صحى وكانه شخص جديد. لقد بدأ يأكل بشهية هائلة وبعد اسبوع جرى اخراجه من المستشفى.

هذه الحادثة كانت ، على الاغلب، المرة الاولى التي يتواجه فيها العلم مع الامراض التي يسببها الايمان في منطقة غير معروفة وغير مبحوث فيها، ليطلق عليها: noceboeffect. نوسيبو تعني " اريد الضرر" وهو تعبير جرى استخدامه عام 1961 من قبل العالم الامريكي Walter P Kennedy واصبح على الفور مشهور على انه فوودوو الموت. على الفور لاحظ الباحث الامريكي كندي ان ظاهرة البلاسيبو المشهورة تملك توأما اخر معاكس لها، توأم شرير، ويقول:" ان كل طبيب لابد انه التقى بتأثير النوسيبو حتى ولو لم يعلم بذلك او لم ينتبه اليه على انه كذلك".

بلاسيبو تعني "اريد الخير" وله تأثير شافي ويتفاعل مع التمنيات الايجابية للمريض بغض النظر إذا كان العلاج بذاته فعال حقيقة او خدعة من حبوب السكر إعتمادا على فعالية الاعتقاد بالوهم، في حين ان النوسيبو هو الامر نفسه من حيث المضمون ولكن معكوساً.
في الكلام اليومي نقول ان المرء يمكن ان يصبح "مريضا بالوسوسة" او " الموت خوفا" وهذا بالذات هو جوهر النوسيبو. الابحاث تُظهر ان الوسوسة (انتظار نتائج سلبية) يمكن لها ان تسبب ضررا للصحة وتزيد الامراض تجذرا وتمنع الشفاء. بمعنى اخر: إذا كنا نخاف ان نصبح مرضى الى درجة الوسوسة فإننا بذلك نجازف ان نمرض.

في الاحوال القصوى يمكن للخوف ان يؤدي الى الموت. في نهاية السبعينات حصل الامريكي سام شويمان Sam Shoeman, على تشخيص الاصابة بسرطان الكبد الغير قابل للعلاج. الاطباء تنبؤا له بالموت بعد بضعة اشهر وحسب ماهو متوقع مات بعد فترة قصيرة. غير ان التشريح اظهر ان التشخيص كان خاطئ. سيمون كان فعلا يملك ورم في الكبد ولكنه كان لايزال في مرحلة الورم الميكروسكوبي ولم يصل الى مرحلة الانتشار. بمعنى اخر فإن سيمون لم يمت من السرطان وانما من ايمانه بأنه مريض بمرض مميت.

حقيقة انتشار تأثير الناسيبو على الانسان يمكن البرهنة عليه احصائيا. احد اكثر النماذج على فعالية تأثير الناسيبو يأتي من مشروع كبير بدئه الباحثين الامريكان عام 1948 ولازال مستمرا حتى اليوم. في إطار هذا المشروع رأى الباحثين ان النساء الذين بأنفسهم يعتقدون ان حظهم بالاصابة بأمراض القلب عالي في خلال فترة العشرين سنة القادمة تكون نسب إصابتهم بأمراض القلب اعلى بمقدار اربعة مرات من شقيقاتهن اللواتي لايفكرن بالامر على الاطلاق، على الرغم من ان نسب الخطورة واحدة.

الغالبية منا عايشت، على الاغلب، تأثير ما للناسيبو في اشكال خفيفة او في اشكال متتداخلة مع قناعات مختلفة في مسيار الحياة اليومية. مثلا إذا قال لنا احد ما اننا نبدو مرضى فإن مشاعر الاسى والضعف ستجتاحنا وسنبدأ بالتفكير فيما إذا كان هناك خطأ ما او نعاني من شئ ما. التأثيرات الجانبية للادوية المكتوبة على العلبة ايضا يمكن ان تطلق مشاعر المرض عندما نقرأها قبل استخدام الدواء. سيبدء المرء ينتظر نشوء الاعراض الجانبية بحيث يمكن ان يصل الى مرحلة تطغى فيها الفكرة تماما ويبدأ بالشعور بها فعلا.

احدى الاختبارات اجراها اليابانيين على 57 طالب لتجربة قدرتهم على تحمل مواد باعثة على الحساسية. الطلاب الذين اعلنوا في الاستمارة السابقة على التجربة على انهم حساسين للغاية ضد نبتة السوس، جرى تغطية عيونهم برباط منع عنهم الرؤية تماما وبعد ذلك قام الباحثين بالمسح على احدى اليدين بورق من شجرة السوس واليد الاخرى بورق من شجرة الكستناء. بعد بضعة دقائق بدأ الجلد الذي مس اوراق السوس بالاحمرار، غير ان الحقيقة ان الباحثين بدلوا الاوراق عند قسم من الطلاب، وفقط عدد ضئيل من الطلاب الذي مس اوراق السوس اصيب فعلا بالحساسية حقيقة.

عام 1981 اجرى العلماء الامريكان في جامعة كاليفورنيا اختبارا على 34 شخصا، حيث اخبروهم انهم ينوون تمرير تيار كهربائي من خلال الرأس وحذروهم ان ذلك قد يؤدي الى وجع في الرأس. وعلى الرغم من انه لااحد من المشاركين بالتجرية جرى تمرير كهرباء من رأسه فعلا ومع ذلك فإن ثلاثة من اربعة اشخاص اشتكوا من وجع في الرأس.

في اختبار جرى عام 1968 في جامعة نيويورك وضعوا اشخاص التجربة في غرفة واطلقوا فيها بخار اخبروهم انه يحتوي على مادة allergen, وهي مادة يمكن ان تسبب الحساسية. نصف الاشخاص الخاضعين للتجربة اصيبوا بمشاكل تنفسية واثناعشرة شخص منهم اصيبوا بطفحة حساسية قوية. بعد ذلك جرت " معالجتهم" بأدوية جرى اخبارهم انها جديدة وفعالة للغاية. بفترة قصيرة اصبحوا جميعا اصحاء. في واقع الامر لم يكن هناك اي مادة باعثة على الحساسية والادوية كانت محاليل ملحية. في هذه التجربة نرى في البداية تأثير الناسيبو الشرير ثم يتبعه تأثير البلاسيبو الصالح.

ماجرى مع الشاب ديريك آدمز ، Derek Adams, عام 2007، يمكن اعتباره من اغرب الاحداث، حيث شارك في تجربة تناول ادوية مكافحة الكآبة على امل الموت بسبب فشله في الحب. ديريك يقوم ببلع 29 حبة، معتقدا انها جرعة كافية ليموت. غير انه يندم على ذلك ويتوجه الى المستشفى على الفور وهناك ينهار وضغط دمه منخفض ونبضه عالي للغاية. جرى نقله على الفور للمعالجة واعطائه سوائل الانترانيفوذ بدون فائدة. غير ان احد الاطباء جاء وذكر ان ادمز يشارك في تجربة كلينيكية على تأثير مضادات الكآبة وانه من مجموعة الادوية الوهمية (البلاسيبو). عندها فهم ادامز ان الدواء الذي استخدمه لامفعول له وخلال نصف ساعة عادت اليه صحته.

الخوف من المرض يمكن ايضا ان يعدي الاخرين. في عام 1998 وفي ولاية تنيسيا الامريكية اعتقد احد المعلمين ان رائحة البزين منبعثة في المدرسة. المعلم اصبح يشتكي من الوعكة ووجع الرأس ودوخان وصعوبة في التنفس. وبسبب ذلك جرى اخلاء المدرسة. في الاسبوع اللاحق مئات الطلاب راجعوا الطبيب مصابين بالاعراض ذاتها. غير ان الطبيب لم يستطع العثور على اي سبب طبي لهذا الشعور، وعلى الرغم من المعاينة والبحث وتحليل الهواء لم يجري العثور على اية نسبة من البنزين او التلوث في الهواء. فيما بعد اظهرت دراسة ان العديد من الطلاب الذين شعروا بالمرض سمعوا او رؤا ان احد الطلاب اصبح مريض. بمعنى ان الطلاب اصبحوا مرضى لانهم كانوا ينتظرون ان يمرضون بالاعراض نفسها.

الميكانيزم الذي يقف خلف هذا الامر غير واضح حتى الان، بسبب انه من الصعب الحصول على موافقة السلطات على اجراء تجارب يمكن ان تؤدي الى ضرر او استفحال مرض المشاركين بالتجربة. ومع ذلك ينطلق الباحثين من العديد من الفرضيات اعتمادا على انها عملية معقدة يشارك فيها الخلايا العصبية والانفعالات الكيميائية والبسيكولوجية، بما فيه الادراكية الاجتماعية.

العمليات العصبية الكيمائية بنتيجة النشاطات الدماغية تعلب دورا هاما حسب التجارب التي يقوم بها البروفيسور الفذ Fabrizio Benedetti من جامعة تورين الايطالية. البروفيسور تمكن من البرهنةعلى ان انتظار الالم يمكنه ان ينشط احد الهرمونات kolecystokinin, CCK, وهو يعمل كأشارة تحفيزية في الدماغ ويدخل في تركيب عملية نقل الالم. مثلا اذا قام الاطباء بتحذير المريض انه سيتألم بعد لحظات ينبعث هرمون CCK لدى المريض وينشأ الشعور بالالم. وبمعنى اخر فإن التوقعات السلبية تؤدي الى نشوء القلق الذي بدوره يؤدي التأثير على مجموعة من العمليات الدماغية.

يشير البروفيسور الى اننا لازلنا بعيدين عن معرفة الميكانيزم غير ان الكثير من اجزائه مكتسب بالتعليم ليتحول الى ردة فعل اوتوماتيكية. اي إذا كان لشخص تجربة ان مشاعر سلبية ، بما فيها الالم، ستنشأ عند سلوك معين سيكون في انتظار رد الفعل محفزا إطلاق ماهو متوقع وعايشه سابقا من حادث مماثل اثار الانزعاج والالم. هذه الظاهرة معروفة من مختلف الدراسات بما فيه الدراسات الامريكية والتي تشير الى ان ستة من عشرة ممن جرى معالجتهم بتسميم الخلايا يصابون بالغثيان عندما يكونون في طريقه الى المستشفى التي تعالجهم والتي تلقوا فيها المعايشة المزعجة.

لذلك تعتبر اللعنات الالهية الصادرة عن السحرة ورجال الدين وعقوبات الاطفال المنزلية لها التأثير العميق نفسه على معايشة الانسان والاضرار بصحته حصوصا في المذاهب التي تركز على العقاب خالقة وسوسة تنتهي بنشوء الامراض العصبية والنفسية والوقوع في الكآبة والامراض. لهذا السبب ينصح الاطباء بعدم الاقتصار على الجوانب السلبية المظلمة او التركيز عليها، عند اخبار المعني، حتى لاتنشأ امراض وتعقيدات جديدة وتتجذر القديمة ويسوء الوضع الصحي والبسكولوجي للانسان. ان الاطراف التي تخطأ في التعاطي مع القدرات النفسية تجازف بأن تصبح "ساحر اسود" على النمط الذي سبق ذكره اعلاه، بغض النظر إذا كان الفاعل طبيب ام رجل دين ام احد الوالدين.

måndag 24 oktober 2011

ماهو الإلحاد?

ملاحظة: عند بحثي في قضية الالحاد وجدت الكثير من المواضيع التي تشوه وجه الالحاد. وعلى الرغم من ان افضل المواضيع كانت في الويكبيديا العربية الا انها لم تكن بالمستوى المطلوب. لهذا السبب سمحت لنفسي بإعادة صياغة موضوع الويكبيديا وإعادة طرحه هنا، ليكون مرجعا قياسيا..

الالحاد كلمة اطلقها المؤمنون على من يرفض تصديق إدعائهم التي يسوقونها بدون دليل على اساس ان الايمان هو الاصل، ونلاحظ ذلك في اصل كلمة الالحاد..

الالحاد في اللغة العربية
معجم لسان العرب یقول: لحَد القبر يلحَدهُ لَحْدًا عمل لهُ لحْدًا. واللحد حفرهُ. والميت دفنهُ. وإلى فلانٍ مال ولحَد في دِين اللَّه لغة في الحد. واللحد حفرهُ. وعن دِين الله وغيرهِ مال وحاد وعدل وطعن فيه. والرجل مارَى وجادَلَ. وفي الحَرَم ترك القصد.(نهایة الإقتباس). نفهم من أعلاه أن مصدر الكلمة لحد یعني المیلان عن طریق أو شيء ما واللحد في الإله أو في الدین هو الخروج عن الدين، او الخروج عن " الصراط المستقيم" والانحراف .

البعض يحاول ترجمة الكلمة الانكليزية Atheism الى اللاربوبية لتفادي المعنى المشحون لكلمة الالحاد الذي اطلقها المؤمنون على اعدائهم. على هذا الاساس تكون اللاربوبية (الإلحاد) وصف لأي موقف فكري يرفض التصديق بإدعاء وجود قوة ذكية ( خالق وفق الفهم الديني) واعي للوجود أو "كائنات" مطلقة القدرة وخارقة للعادة وخارج الكون (إله)، والالحاد بالمعنى الواسع هو عدم تصديق وجود هكذا كائنات (الالهة) خارج المخيلة البشرية. انه موقف معرفي ابتسمولوجي من ادعاء وجود "الله" أو "الهة". فلأن شرط العلم (بحسب افلاطون) هو ان يكون المعلوم قضية منطقية صحيحة، مثبتة، ويمكن الاعتقاد بها، ولما كان ادعاء وجود اله، بحسب الملحد، غير مثبت (ادعاء بدون برهان) فان التصديق بوجود اله ليس علماً وانما هو نمط من " الايمان" الشخصي والذاتي الغير قائم على ادلة. وما يـُقدم بلا دليل يمكن رفضه بلا دليل. ومن هذا فان الالحاد الصرف هو موقف افتراضي بمعنى انه ليس ادعاءاً وانما هو جواب على ادعاء بالرفض.

ليس هناك مدرسة فلسفية واحدة تجمع كل الملحدين، فالملحد يمكن ان يكون من المدرسة المادية أو الطبيعية. والملحدين عِلمانيين بطبيعة عدم قبولهم الادعاءات بدون دليل وتمسكهم بالمنهج العلمي القائم على التشكك والتجربة . وتزداد المطالبة بالبرهان اهمية عندما يتعلق الامر بعالم ما وراء الطبيعة والروحانيات، إنطلاقا من ان الادعاء الاستثنائي يتطلب برهانا استثنائي.

ليس الايمان بإله تحديدا هو الذي يرفضه الملحدون فالبوذيون يؤمنون بدين ولكنهم لايؤمنون باله، ومع ذلك لايؤمن الملحد بالبوذية. ان نواة الالحاد هو عدم قبول الادعاء بدون دليل، يستوي في ذلك مايدعيه مؤمن عن وجود إله او مايدعيه بوذا او اي إدعاء اخر خارج إطار الدين. من هذه الزاوية يمكن للجميع ان يكونوا ملحدين بشكل من الاشكال.


تاريخ الإلحاد


في التاريخ العربي هناك ادلة على وجود ملحدين قبل الإسلام باسم آخر وهو الدهريين الذين كانوا يعتقدون بقدم العالم وأن العالم لا أول له ويذكرهم القران بقوله " وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر وما لهم بذلك من علم ان هم الا يظنون(24) ". الجاثية،
ومن الصعب حصر اسماء الملاحدة في الفترة الاسلامية بالذات لاختلاف علماء المسلمين في وصم مخالفيهم بالزندقة والكفر. فمثلا جرى اتهام الحلاج بالكفر وجرى التمثيل به حيا على الرغم من انه مؤمن، بل ووصل الامر الى التحضير لاتهام ابن تيمية بالخروج من الملة. حسب الشيخ ناصر الفهد في كتابه " حقيقة الحضارة الاسلامية" اتهم بالزندقة ثلة من كبار علماء الفترة الاسلامية ومنهم ابن المقفع وجابر بن حيان والجاحظ والخوارزمي والرازي والفارابي وابن سينا وابن الهيثم وابو العلاء المعري وابن باجه وابن رشد والطوسي.
وقد ألف جمال الدين الأفغاني كتاباً للرد على الملحدين المعاصرين وأسماه "الرد على الدهريين". أما كلمة الإلحاد فكانت تستعمل فقط للأناس الذین كانوا لا یتبعون الدین وأوامره باعتبار الدین منزل أو مرسل من لدن الإله. وفي الكتب المقدسة نجد ذكراً لأشخاص أو جماعات لا یؤمنون بدین معین أو لا یؤمنون بفكرة یوم الحساب أو كانوا یؤمن بآلهة على شكل تماثیل (أصنام) كانت غالبا تصنع من الحجارة. وقد وردت كلمة الإلحاد ومشتقاتها في القرآن في المواضع التالیة:
سورة الأعراف: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في اسمائه سيجزون ما كانوا يعملون(180)
سورة النحل: ولقد نعلم انهم يقولون انما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون اليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين (103)
سورة فصلت: ان الذين يلحدون في اياتنا لا يخفون علينا افمن يلقى في النار خير ام من ياتي امنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم انه بما تعملون بصير (40)

الكلمات الآنفة الذكر في القرآن لا تأتي بمعنى الإلحاد بالمفهوم الحالي المتعارف علیه. فهنا تأتي بمعاني مختلفة وأهمها الشك في شيء والميل عنه. وكذلك الشخصیات المذکورة في القرآن من الذین كانوا لا یؤمنون برسالة محمد كانوا شخصیات غیر ملحدة (بالمفهوم الحالي) بل کانوا یؤمنون بتعدد الآلهة "مشركون" فبالرغم من اعتقادهم بوجود الإله الأوحد فإنهم كانوا بنفس الوقت یؤمنون بأن التماثیل التي كانوا یعبدونها بإستطاعتها الشفاعة لهم عند الإله الأعظم. سورة العنكبوت:
ولئن سالتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فانى يؤفكون (61)

ويبدو أن فكرة إنكار وجود خالق من الأساس كانت قضية غير شائعة في الحضارات القديمة واطرافها ، إذ يقول المؤرخ الإغريقي Plutarch: "لقد وجدت في التاريخ مدن بلا حصون، ومدن بلا قصور، ومدن بلا مدارس، ولكن لم توجد أبدا مدن بلا معابد".
وعلى مايبدو لم يغادر ابدا موقع الحضارات القديمة ولم يصل الى افريقيا حيث لم تكن تعرف الاديان والعبادات الموجهة طقوسها الى آلهة ولم تكن تملك معابدا.

اللادينية وعلاقتها بالإلحاد


اللادينية تيار غني بالرؤى حول وجود الإله أو عدمه وهي بذلك أعم من الإلحاد الذي ينفي وجود الإله، ولكل لاديني فهمه الخاص للدين والإنسان والإله ولكن هذا لا يعني غموض مفهوم اللادينية، إذ مهما تعددت الرؤى والتصورات يبقى للادينية مفهوم فكري عام يميزها عن باقي الاتجاهات الفكرية. هذا المفهوم الفكري العام یتمركز في أنهم جمیعا یعتقدون أن الأدیان الحالیة هي من صنع البشر ولیس من خالق مفترض او علة اولى. يُقسم البعض اللادينية لثلاثة فروع
1) الملحدون (أي أن الالحاد فرع للادينية) : وهم الذين ينكرون وجود الإله جملة وتفصيلاً
2) اللا أدريه : وهم الذين لايعلمون هل يوجد إله أم لا
3) الربانيون : وهم الذين يعتقدون بوجود إله الخالق او علة اولى، في الوقت الذي لايرون ان الاديان هي من عند هذا الإله او العلة الاولى ( العلة الاولى ليس بالضرورة إله).

أسباب الإلحاد



أسباب فلسفية نابعة من التحليل المنطقي والاستنتاج العلمي، حيث يشير كثير من الملحدين إلى النقاط أدناه:
  • عدم وجود أي أدلة أو براهين على وجود إله [1] ويرون أن وجود إله متصف بصفات الكمال منذ الأزل هو أكثر صعوبة وأقل إحتمالا من نشوء الكون والحياة لأنهما لا يتصفان بصفات الكمال، بمعنى أن افتراض وجود إله حسب رأي الملحدين يستبدل معضلة وجود الكون بمعضلة أكبر وهي كيفية وجود الإله الكامل منذ الأزل، وبالتالي لا بد أن التعقيد قد نشأ من حالة بسيطة، كتفسير تنوع وتعقيد الكائنات الحية كما تشرحه نظرية التطور عن طريق الانتخاب الطبيعي، بل ان الكون برمته نشأ من حالة بسيطة الى التعقيد، لتصبح نظرية التطور نظرية كونية.
  • فكرة الشر أو الشيطان في النصوص الدينية: يرى بعض الملحدين (أبيقور مثلا) أن الجمع بين صفتي القدرة المطلقة والعلم المطلق يتعارض مع صفة العدل المطلق للإله وذلك لوجود الشر في العالم.[2] ولا ترى المذاهب الإسلامية السائدة تعارضا بين وجود الشر ووجود إله عليم وقدير وعادل بينما تذهب المعتزلة إلى نفي خلق الله لأفعال العباد لأجل تنزيه الإله عن فعل الشر لكن ذلك لا يرد على الشر الناتج عن الحوادث الطبيعية التي لا دخل للإنسان فيها كالزلازل مثلا او التشوهات الخلقية للاجنة..
  • عدم وجود دليل علمي على فرضية الخلق من العدم، حيث يبين العلم حسب قانون بقاء المادة أن المادة لا تفنى ولا تستحدث من العدم بل يمكن فقط أن تتحول إلى طاقة بعلاقة تعبر عنها معادلة تكافؤ المادة والطاقة، والطاقة بدورها محفوظة بقانون بقاء الطاقة، بمعنى أن المادة هي صورة من صور الطاقة وهما لا يفنيان ولا يخلقان من العدم.
  • وجود ما يعتبرونه أخطاءً في تصميم الطبيعة مثل أخطاء في تصميم العين [3] والأجنحة التي لا تنفع للطيران لدى بعض الطيور والاثداء لدى الذكور وامور أخرى عديدة وكلها تدل على عدم الكمال [4].
  • وتدخل أسباب اللادينية التي ذكرناها اعلاه ضمن أسباب الإلحاد لأن كل الملحدين لادينيون نسبة إلى الأديان الإبراهيمية (لكن العكس غير صحيح فالربوبي يؤمن بإله دون دين).


أنواع الإلحاد


بسبب التعريف غير واضح المعالم لمصطلح الإلحاد ووجود تيارات عديدة تحمل فكرة الإلحاد، نشأت محاولات لرسم حدود واضحة عن معنى الإلحاد الحقيقي وأدت هذه المحاولات بدورها إلى تفريعات وتقسيمات ثانوية لمصطلح الإلحاد، وتبرز المشكلة إن كلمة الإلحاد هي ترجمة لكلمة إغريقية وهي atheos وكانت هذه الكلمة مستعملة من قبل اليونانيون القدماء بمعنى ضيق وهو "عدم الإيمان بإله" وفي القرن الخامس قبل الميلاد تم إضافة معنى آخر لكلمة إلحاد وهو "إنكار فكرة الإله الأعظم الخالق" كل هذه التعقيدات أدت إلى محاولات لتوضيح الصورة ونتجت بعض التصنيفات للإلحاد ومن أبرزها:
  • إلحاد قوي أو إلحاد ايجابي وهو نفي وجود إله [5].
  • إلحاد ضعيف أو إلحاد سلبي وهو عدم الاعتقاد بوجود إله [6].

الفرق بين الملحد الإيجابي والسلبي هو ان الملحد الإيجابي ينفي وجود الله وقد يستعين بنظريات علمية وفلسفية لإثبات ذلك, بينما الملحد السلبي يكتفي فقط بعدم الاعتقاد بالله نظرا لعدم قناعته بالأدلة التي يقدمها المؤمنون .

هذان التعريفان كانا نتاج سنين طويلة من الجدل بين الملحدين أنفسهم ففي عام 1965 كتب الفيلسوف الأمريكي من أصل تشيكي أيرنست نيجل (1901 - 1985) "إن عدم الإيمان ليس إلحادا فالطفل الحديث الولادة لايؤمن لأنه ليس قادرا على الإدراك وعليه يجب توفر شرط عدم الإعتقاد بوجود فكرة الإله" [8].

في عام 1979 قام الكاتب جورج سمث بإضافة شرط آخر إلى الملحد القوي الا وهو الإلحاد نتيجة التحليل والبحث الموضوعي فحسب سمث الملحد القوي هو شخص يعتبر فكرة الإله فكرة غير منطقية وغير موضوعية وهو إما مستعد للحوار أو وصل إلى قناعة في اختياره ويعتبر النقاش في هذا الموضوع نقاشا غير ذكي [9]،

ولكن البحث والتقصي يكشف لنا أن معظم المفكرين والعلماء الذين أعلنوا الإلحاد لم يتمتعوا بهذه الصفة، إذ يقول موريس بلوندل: "ليس هناك ملحدون بمعنى الكلمة".
وأوضح سمث إن هناك فرقا بين رجل الشارع البسيط الذي ينكر فكرة الإله لأسباب شخصية أو نفسية أو اجتماعية أو سياسية والملحد الحقيقي الذي وإستنادا إلى سمث يجب أن يكون غرضه الرئيسي هو الموضوعية والبحث العلمي وليس التشكيك أو مهاجمة أو إظهار عدم الإحترام للدين [10].

ولكن وبالرغم من هذه التوضيحات بقيت مسألة عالقة في غاية الأهمية لم تحسم لحد هذا اليوم وهو التطبيق العملي على أرض الواقع والحياة العملية لفكرة الإلحاد، فالأديان لا تشجع الإنسان على إتباعها لما يجده فيها من التزام أخلاقي مريح، بل إنها أيضا تقدم له حلولا عقلية مريحة أيضا للقضايا الفلسفية الكبرى حول الوجود والغاية من الحياة، وقد يلتقي الملحد الحقيقي مع المؤمن بدين معين في فكرة احترام وجهة نظر المقابل وعدم استصغار أو تحقير أية فكرة إذا كانت الفكرة مبعث طمأنينة لشخص ما وتجعله شخصا بناءا في المجتمع. فبعض الملحدين لديهم فکر حضاري قائم على مباديء حقوق الإنسان، بالرغم من أن بعضهم أيضاً يبدي سلوكاً متطرفاً تجاه المؤمنين.

بدايات الإلحاد الممنهج



استنادا إلى كارين أرمسترونغ في كتابها «تاريخ الخالق الأعظم» [11] فإنه ومنذ نهايات القرن السابع عشر وبدايات القرن التاسع عشر ومع التطور العلمي والتكنلوجي الذي شهده الغرب بدأت بوادر تيارات أعلنت أستقلالها من فكرة وجود الخالق الأعظم. هذا العصر كان عصر كارل ماركس وتشارلز داروين و فريدريك نيتشه وسيغموند فرويد الذين بدؤوا بتحليل الظواهر العلمية والنفسية والأقتصادية والاجتماعية بطريقة لم يكن لفكرة الخالق الأعظم اي دور او مكان. ساهم في هذه الحركة الموقف الهش للكنيسة المسيحية في القرون الوسطى وماتلاها نتيجة للحروب والجرائم والأنتهاكات التي تمت في أوروبا باسم الدين نتيجة تعامل الكنيسة الكاثوليكية بما اعتبرته هرطقة أو خروجا عن مبادئ الكنيسة حيث قامت الكنيسة بتشكيل لجنة خاصة لمحاربة الهرطقة في عام 1184 م وكانت هذه اللجنة نشيطة في العديد من الدول الأوروبية [12]، وقامت هذه اللجنة بشن حملة جهادية على أتباع المعتقد الوثنى في غرب أوروبا، والوثنية هي اعتقاد بأن هناك قوتين أو خالقين يسيطران على الكون يمثل أحدهما الخير والأخر الشر.

استمرت هذه الحملة من 1209 إلى 1229 وشملت أساليبهم حرق المهرطقين وهم أحياء وكانت الأساليب الأخرى المستعملة متطرفة وشديدة حتى بالنسبة لمقاييس القرون الوسطى. وكانت بناءا على مرسوم من الناطق باسم البابا قيصر هيسترباخ Caesar of Heisterbach الذي قال «اذبحوهم كلهم» [13] [14] واستمرت هذه الحملة لسنوات وشملت أكثر من 10 مدن في فرنسا. وتلا هذه الحادثة خسائر بشرية كبيرة وقعت أثناء الحملات الصليبية. ولم يقف الأمر عند العلماء يل حتى الأدباء اعلنوا وفاة فكرة الدين والخالق ومن ابرز الشعراء في تلك الفترة نجد وليم بلاك (1757 - 1827) William Blake حيث قال في قصائده ان الدين ابعد الأنسان من إنسانيته بفرضه قوانين تعارض طبيعة البشر من ناحية الحرية والسعادة وان الدين جعل الأنسان يفقد حريته واعتماده على نفسه في تغير واقعه [15].

وبدأت تدريجيا وخاصة على يد الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور (1788 - 1860) بروز فكرة ان "الدين هو من صنيعة البشر ابتكرها لتفسير ماهو مجهول لديه من ظواهر طبيعية أو نفسية أو اجتماعية وكان الغرض منها تنظيم حياة مجموعة من الناس حسب مايراه مؤسس الدين مناسبا وليس حسب الحاجات الحقيقية للناس الذين عن جهل قرروا الالتزام بقيم تتعارض وصالحهم [16] وانه من المستحيل ان تكون كل هذه الديانات المتناقضة واللامنطقية والمسببة للحقد والحروب من مصدر واحد، عدا عن ان يكون رحيم وعاقل، فالاله الذي انزل 12 مصيبة على المصريين القدماء وقتل كل مولود أول ليخرج شعبه المختار من أرض مصر هو ليس نفس الاله الذي ينصحك بان تعطي خدك الآخر ليتعرض للصفع دون أن تعمل شيئا".

وتزامنت هذه الأفكار مع ابحاث تشارلز داروين الذي كان مناقضا تماما لنظرية نشوء الكون في الكتاب المقدس واعلن فريدريك نيتشه من جانبه موت الخالق الأعظم وقال ان الدين فكرة عبثية وجريمة ضد الحياة إذ انه لم يفهم فكرة التكليف التي يقول بها الدين وهي أن يعطيك الخالق مجموعة من الغرائز والتطلعات وفي نفس الوقت يصدر تعاليم بحرمانك منها في الحياة ليعطيك اياها مرة أخرى بعد الموت خصوصا وأن رجال الدين في أوروبا آنذاك كانوا يميلون إلى الرهبنة والانقطاع عن الدنيا [17]

وهكذا أخذت أفكار الملحدين في هذه المرحلة منحى النفور من الدين لتناقض العقل مع تصرفات وتعاليم الكنيسة. اعتبر كارل ماركس الدين أفيون الشعوب يجعل الشعب كسولا وغير مؤمنا بقدراته في تغيير الواقع وان الدين تم استغلاله من قبل الطبقة البورجوازية لسحق طبقة البسطاء [18]، اما سيغموند فرويد فقد قال ان الدين هو وهم كانت البشرية بحاجة اليه في بداياتها وان فكرة وجود الاله هو محاولة من اللاوعي لوصول إلى الكمال في شخص مثل أعلى بديل لشخصية الأب إذ ان الأنسان في طفولته حسب اعتقاد فرويد ينظر إلى والده كشخص متكامل وخارق ولكن بعد فترة يدرك انه لا وجود للكمال فيحاول اللاوعي ايجاد حل لهذه الأزمة بخلق صورة وهمية لشيئ اسمه الكمال [19].

كل هذه الأفكار وبصورة تدريجية ومع التغييرات السياسية التي شهدتها فرنسا بعد الثورة الفرنسية وبريطانيا بعد عزل الملك جيمس الثاني من إنكلترا عام 1688 وتنصيب الملك وليام الثالث من إنكلترا والملكة ماري الثانية من إنكلترا على العرش كان الأتجاه السائد في أوروبا هو نحو فصل السياسة عن الدين والغاء العديد من القيود على التعامل والتعبير التي كانت مفروضة من السلطات السابقة التي كانت تاخذ شرعيتها من رجالات الكنيسة. وعندما بدأ الاستعمار الأوروبي للعالم الإسلامي حيث تحولت الجزائر إلى مستعمرة فرنسية عام 1830 وتحولت اليمن الجنوبية في عام 1882 إلى مستعمرة بريطانية وبين بريطانيا وفرنسا سقطت مصر وتونس وليبيا والمغرب والسودان. وهنا بدأ احتكاك جديد لأول مرة بين قوى متطورة من الناحية العلمية والتكنلوجية وليس للدين دور مباشر في جهاز ادارتها وايديولوجيتها السياسية وبين مسلميين لايعون العالم الا من خلال الدين ليدركوا ان ذلك لم يفدهم وان ركب التقدم قد فاتهم على الرغم تمسكهم الشديد بالدين. وفي قرارة نفسهم كانوا لايزالون يؤمنون بانهم "خير أمة أخرجت للناس" وان "الدين عند الله الإسلام" فظهر انهم امام خياران لا ثالث لهما اما اللحاق بالتقدم الغربي من خلال التقليد والتعلم والعلاقات الجيدة أو الارتكان الى الاعتقاد السهل بان ما آل اليه حال المسلمين من الانحدار يكمن سببه في الأبتعاد عن أصول الدين الإسلامي. فاختار البعض الطريق الذي جربه الغرب على اساس العلمانية في حين اختار البعض الانغماس في الدين سواء بالمذهب السلفي الاكثر ارثوذكسية أو اختيار التجديد وقراءة الدين قراءة عصرية ولايزال هذا الأنقسام موجودا إلى يومنا هذا.

الإلحاد في العالم الإسلامي


بعد إسقاط الإمبراطورية العثمانية حاول مصطفى كمال أتاتورك (1881 - 1938) بناء دولة علمانية وإلحاق تركيا بالمجتمع الأوروبي فقام بإغلاق جميع المدارس الإسلامية وشملت المحاولة منع إرتداء العمامة أو رموز أخرى فيه إشارة إلى الدين. في إيران تأثر الشاه رضا خان الذي حكم من 1925 إلى 1941 بمبادرة أتاتورك فقام بمنع الحجاب وأجبر رجال الدين على حلق لحاهم وقام بمنع مواكب العزاء أثناء عاشوراء ولكن هذه المحاولات لكونها مفاجئة وقهرية وجرت في مجتمع فلاحي لازال يعيش عصرا ابويا عشائريا كانت لها نتائج عكسية، كما ان المجتمع لم يواجه حكما مباشرا من المؤسسة الدينية على العكس من أوروبا حيث تدخلت الكنيسة في حياة المجتمع والسياسة والعلم. والعالم الاسلامي يقف اليوم امام حالة مماثلة لما عاشته اوروبا حيث استولت المؤسسة الدينية على السلطة السياسية في السعودية والسودان وايران والعراق، وتملك نفوذا قويا في جملة من البلدان الاخرى او انها في الطريق لذلك، وتتدخل بصلافة في الحياة الشخصية للفرد الى حدود مدهشة..




ويكبيديا