fredag 11 maj 2012

القرآن ينزل بناء على طلب الجمهور



القرآن ينزل بناء على طلب الجمهور
القرآن ينزل بعد طلب الجمهور:  , و هي ان الامر احتاج من الله ثلاث مرات ليرضى ام سلمة , و لو زادت زاد

1- روى الترمذي والبيهقي وأحمد عن أم سلمة أنها قالت : يغزو الرجال ولا يغزو النساء وإنما لنا نصف الميراث فأنزل الله "ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجل نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن"

2- ثم قالت أم سلمة للنبي ®يا نبي الله ما لي أسمع الرجال يذكرون في القرآن والنساء لا يذكرون فأنزل الله عز وجل (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات) كما روى الترمذي والنسائي وأحمد

3- قالت أم سلمة رضي الله عنها أنها : يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله عز و جل { فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض } كما روى الحاكم والترمذي

قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم فأنزل الله تعالى هذه الآية‏.‏ اسباب النزول ، سورة النحل ‏{‏قُلِ اِدعوا اللهَ أَو اِدعوا الرَحمَنَ‏}‏ الآية، 110، على الرغم من ان التوراة لايذكر هذا الاسم على انه اسم اله اهل التوراة، وعلى الرغم من ان اسم الرحمن في الاصل هو اسم اله اهل اليمن، وينحدر عن اسم وثني قديم هو (رحم آن) اي  ربة الخصب.  قوله تعالى ‏{‏قُلِ اِدعوا اللهَ أَو اِدعوا الرَحمَنَ‏}‏ الآية، 110‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ تهجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة بمكة فجعل يقول في سجوده‏:‏ يا رحمن يا رحيم فقال المشركون‏:‏ كان محمد يدعو إلهاً واحداً فهو الآن يدعو إلهين اثنين الله والرحمن ما نعرف الرحمن إلا رحمن وقال ميمون بن مهران‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب في أول ما يوحى إليه‏:‏ باسمك اللهم حتى نزلت هذه الآية ‏{‏إِنَّهُ مِن سُلَيمانَ وَإِنَّهُ بِسمِ اللهِ الرَحمَنِ الرَحيمِ‏} فكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال مشركو العرب‏:‏ هذا الرحيم نعرفه فما الرحمن فأنزل الله تعالى هذه الآية‏.‏ وقال الضحاك‏:‏ قال أهل التفسير‏:‏ قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم فأنزل الله تعالى هذه الآية‏.‏ اسباب النزول ، سورة النحل
للمزيد عن الرحمن اضغط هنا


غير ان تأثير عمر بن الخطاب على القرآن هو الاكثر شهرة، حيث يقول عمر : وافقت ربي في ثلاثة: فقلت فقلت لو اتخذنا من مقام ابراهيم مصلى فنزلت: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى، وآية الحجاب، قلت: يارسول الله لو أمرت نساءك ان يحتجبن، فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه ان طلقكن أن يبدله ازواجا خيرا منكن، فنزلت هذه الاية. رواه البخاري عن انس.
وفي حديث اخر، رواه مسلم عن ابن عمر: وافقت ربي في ثلاث: في مقام ابراهيم، وفي الحجاب وفي أسارى بدر.
قال النووي: وجاء في الحديث الذي ذكره مسلم بعد هذا موافقته في منع الصلاة على المنافقين، ونزول الاية بذلك، وجاءت موافقته في تحريم الخمر ، فهذه ستة، وليس في لفظه ماينفي زيادة الموافقة والله اعلم.
وقال ابن كثير وفي رواية لمسلم ذكر آسارى بدر، وهي قضية رابعة.
وروى مسلم عن ابن عمر قال: لما توفي عبد الله ابن ابي ابن سلول جاء ابنه عبد الله ابن عبد الله الى الرسول فسأله ان يعطيه قميصه ان يكفن فيه اباه، فأعطاه، ثم سأله ان يصلي عليه، فقام رسول الله ليصلي عليه فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله فقال: يارسول الله ، اتصلي عليه وقد نهاك الله ان تصلي عليه؟ فقال الرسول: انما خيرني الله فقال: استغفر لهم او لاتستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة ، وسأزيد على سبعين. قال أنه منافق، فصلى عليه الرسول وأنزل الله: ولاتصل على احد منهم مات ابدا ولاتقم على قبره.

( عن ابن عباس قال : إن الناس كانوا قبل أن ينزل الصوم ما نزل فيهم يأكلون ويشربون ويحل لهم شأن الناس فإذا نام أحدهم لم يطعم ولم يشرب ولم يأت أهله حتى يفطر من القابلة ؛ فبلغنا أن عمر بن الخطاب نام ووجب عليه الصوم ووقع على أهله ثم جاء إلى النبي - ص -فقال : أشكو إلى الله وإليك الذي صنعت ؟ قال : ما صنعت ؟ قال : إني سولت لي نفسي فوقعت على أهلي بعد ما نمت ؛ وأنا أريد الصوم ؛ فزعموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ما كنت خليقاً أن تفعل ؛ فنزل الكتاب ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم )؛
وفي رواية : قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه - فقال : يا رسول الله إني أردت من أهلي البارحة ما يريد الرجل من أهله ؛ فقالت : إنها قد نامت فظنتها . تعتل فواقعتها , فنزل في عمر ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ).
وفي رواية ثالثة : فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة قد سمر عنده فوجد امرأته قد نامت فأرادها فقالت :
إني قد نمت فقال : ما نمت ثم وقع بها )( عن ابن عباس قال : جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله : هلكت قال : ما الذي أهلكك قال : حولت رحلي البارحة فلم يرد عليه شيئاً فأوحى الله إلى رسوله هذه الآية ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) ؛ أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة )


كيف حدث ان الله يرسل القرآن حسب الطلب، وان الطلب لابد ان يمر عبر اذان محمد ليصل الى الله اولا ليعود بعد ذلك على لسان محمد آيات حسب الطلب.. الم يكن بالامكان ان يتوجه المرء مباشرة الى الله ليجد ان الاية نزلت على محمد في اليوم التالي؟
 او اليس يفترض ان القرآن صحف محفوظة منذ الابد وليس كتابات آنية في لحظات معينة وحسب الضرورة التكتيكية؟

تفسير ذلك نجده في قصة عبد الله بن ابي السرح، التي وردت الينا في كتاب " عيون الاث في المغازي والسير" والتي تذكر انه كان من اوائل من كتب الوحي من قريش، بينما كعب بن ابي اول من كتبه من الانصار. وفي احد الايام كان محمد يملي عليه الاية التالية:( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ"14" )..وهنا قال ابن ابي السرح متعجبآ،حسب كتب السيرة والتفسير، ومنها الطبري والقرطبي والبيضاوي ( تبارك الله احسن الخالقين )......

ويبدو ان هذه العبارة قد راقت لمحمد فأمره قائلآ (( اكتبها، هكذا نزلت ))..(( اكتبها، هكذا نزلت )) فكتبها ابن ابي السرح. على اثر ذلك دخل الشك الى قلب ابن ابي السرح وهو يرى المهزلة بأم عينيه..يقول عبارة على سبيل التعجب فيقول محمد اكتبها انها من الوحي ...

جاء في تفسير القرطبي والطبري والبيضاوي ان ابن ابي السرح قال ( إن كان محمد يوحى إليه فقد أوحي إليّ , وإن كان الله ينزله فقد أنزلت مثل ما أنزل الله )...ويقول النياسبوري في كتابه ( اسباب النزول ) انه قال ( لئن كان محمد صادقاً لقد أوحي إليّ كما أوحي إليه ولئن كان كاذباً لقد قلت كما قال ) ولكنه اراد ان يجرب إذا كان الامر كذلك حقا فأصبح يبدل مايذكره محمد، حسبما جاء في كتاب المغازي للواقدي وتفسير الطبري والكامل في التاريخ لابن الاثير، فإنه إذا مااملي عليه " عليم حكيم" قلبها وكتبها "حكيم عليم" ثم يقرأ ماكتب لمحمد فلايشعر بالتغيير. يورد الواقدي ماقاله ابن ابي السرح: (مايدري محمد مايقول، اني لاكتب له ماشئت، هذا الذي كتبت يوحى الي كما يوحى الى محمد) ، اما الطبري بيقول ان محمد كان يقول:" نعم سواء". وبعد ان كرر ابي السرح الامر عدة مرات واقتنع بأن الامر من عقل محمد فر عائدا الى مكة ومتخليا عن الاسلام.

söndag 6 maj 2012

مغالطات الله في الاستحالة المنطقية


دعونا نطرح السؤال التالي: هل يستطيع الانسان خلق كائن آخر؟
على هذا السؤال يمكن الاجابة اليوم بنعم، من الناحية النظرية. ألإمكانية النظرية موجودة آجلا ام عاجلا، خصوصا وان الخلق لايعني من اللاشئ ، فحتى الله خلق من الشئ. أن يتمكن المخلوق من الخلق لاتوجد فيها استحالة منطقية اليوم، على العكس مما كان عليه الاعتقاد قبل عصور. يمكن القول ان الانسان تعلم الخلق من الطبيعة، على إعتبار ان الخلق آلية طبيعية يمكن إقتباسها وتعلمها واستنساخها في المختبر، فالخلق صيرورة طبيعية وليست خارج عن الطبيعة.

حسب رؤية السلف الصالح الذي كان يعتبر الخلق حكرا على الخالق الالوهي وحده، وان المخلوق ليس خالق. (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) الاعراف 54، كان من الطبيعي ان يتصور المسألة إستحالة منطقية، فالمخلوق مخلوق والخالق خالق. يقول: ( والذين يدعون من دون الله لايخلقون شيئا وهم يخلقون) النحل، 20

ولكن عندما يتعلق الامر بالله فالقضية تختلف، ذلك ينعكس في السؤال التالي: هل يمكن لله ان يخلق إلها آخر؟
هنا سيسارع الكهنوت الاسلامي الى الاعتراض على ان السؤال مغالطة منطقية لكونه مستحيل استحالة منطقية، فمن شروط الله ان لايكون مخلوق، ولو خلق الله الها آخر سيكون مخلوق وليس خالق، وبالتالي ليس إلهاً آخر. الله لايجوز له ان يعجز، ولكن هنا الاستحالة منطقية.. مثل ان نقول هل يمكن ان تكون غائب وحاضر في نفس الوقت، وهو امر كنا سنوافقهم فيه لولا ان القرآن (او الله) يستخدم الاستحالة الموضوعية حجة علينا، فهل تكون حلال له وحرام علينا؟

كما لاحظنا لم يعد بالامكان وصف خلق الانسان لكائن اخر بالاستحالة المنطقية لانه، عندما يتعلق الامر بالانسان المادي، القضية ليست تجريدية صرفة تفرض شروطها فوقيا وانما الواقع الذي يحدد المضمون، في حين أنه على الدوام يمكن حماية الشخصية الالهية بتعبير الاستحالة المنطقية لان الشخصية الالهية إبداع فكري محفوظ الحقوق وشروط عمله وتصرفاته موضوعة فكريا ولايمكن ان تتغير من خارج الفكرة. من هنا تكون الفكرة على الدوام محمية لخدمة الهدف المسبق في أوانه، مهما فقد من مبرراته اليوم.

ولكن، إذا كنا نحن ندفع عن الله مطالب الاستحالة المنطقية، وهو القوي العظيم، فهل يحق لله ان يقدم مطالب مستحيلة منطقيا لتكون حجة علينا، ونحن الضعفاء؟ اليس الاولى ان يراعي الله هذه المسألة في طروحاته؟ ان يجوز لله طرح الاستحالة المنطقية علينا من باب اولى ان يبيح ذلك الاجازة لنا على طرح تحديات الاستحالة المنطقية على الله، وهو القادر.

دعونا نشير الى بعض الامثلة. التحدي الوحيد الذي رفعه القرآن هو ان نأتي بسورة من مثله. ولكن ماذا يعني ان نأتي بسورة من مثله؟ هل المقصود سورة بالمعنى ام بالبلاغة ام بالهدف ام بالشكل ام جميعهم مع بعض؟ نحن لدينا العديد من السور التي اختلف المفسرين على معناها وحللوها ليقطعوا معانيها تقطيعا لمجرد ان كلمة فيها قابلة للاستطراد، تماما مثل آية التحدي اعلاه. ان اي نص فكري حر لايمكن الاتيان بمثله على الاطلاق، لان ذلك إستحالة منطقية. Marcel Proust ( مارسيل بروست) كاتب فرنسي شهير كتب كتابا اسمه " بحثا عن الزمن الضائع" وعلى الرغم من انه انجز سبعة مجلدات منه الا انه لم يكمله. لااحد استطاع او يستطيع تتمة القصة، لان ذلك سيشوهها ولن يكون " مثلها".
ان نأتي بنص " مثله" يسمى استنساخ وإذا كان على شاكلته يسمى تقليد. بذلك لايمكن الاتيان بمثله، تماما كما اننا لانستطيع الاتيان "بمثل" اي نص ادبي اخر على الاطلاق. في الواقع حتى الله لايستطيع ان يأتي بمثل اي نص بشري. قد يأتي بأفضل منه ولكنه لن يأتي بمثله لانه مستحيل استحالة منطقية، فكيف يطلب منا مايعجز هو عنه؟

خطأ منطقي اخر يقدمه لنا القرآن حجة على الانسان هو ان الله يحيي العظام وهي رميم، ليعود الانسان (الفرد بذاته) فيقف امام ربه ليحاسب بجسمه و " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها" (النساء، 56). وهي اية يعتبرها البعض اعجازا. ولكن هل حقا يستطيع الله ان يعيد العظام وهي رميم، ان يعيد كل انسان بذاته، ان ان ذلك استحالة منطقية، وبالتالي مغالطة منطقية؟

ان جسم الانسان هو ذرات من مختلف الاشكال، جاءت الى البنية الانسانية من الطعام والشراب، اي انها ذرات كانت مكونات للكثير من النباتات والحيوانات الاخرى. وعندما يموت الانسان يأكل جسده الديدان والطيور والحيوانات والنباتات وفي النهاية تنتقل الذرات الى اجساد بشر اخرين. على مدى قرون انتقلت هذه الذرات من اجساد الى اخرى، وفي النهاية تصبح الذرة الواحدة جزء من اجساد بضعة الاف من الاشخاص فأي منهم سيعيده الله بجسده وكيف ستكون الاجساد هي نفسها ومكوناتها مكررة على الدوام؟ ان يتمكن الله من إعادة فلان رقم 1 بجسده يتعارض مع إمكانية ان يعيد فلان رقم 2 لان المكونات المستخدمة هي نفسها. لايمكن ان تكون المكونات ذاتها في مكانين مختلفين بنفس الوقت، ويزداد التعقيد اذا كانت ستكون في بضعة الاف مكان في نفس الوقت. وفي النتيجة سيعني ذلك ان الذرات نفسها ستكون في الجنة وفي النار في ذات الوقت، لانه من الممكن ان تكون الذرة كانت في جسم انسان مؤمن وفي مرة اخرى كانت في جسم انسان كافر، فكيف سيتمكن الله من حل هذه الاستحالة المنطقية؟

ولكنه إذا كان قادرا على حل مثل هذه الاستحالات المنطقية فلماذا لايستطيع حل بقية الاستحالات المنطقية؟ لماذا تكون المسألة انتقائية وليست منطقية؟
( أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً وانكم الينا لاترجعون) المؤمنون ، 115.

tisdag 1 maj 2012

مفاهيم محمد الكونية

مفاهيم محمد عن السموات والكواكب وإعتقاداته عن كيفية ظهور الانسان على الارض لايمكن ان تخرق السقف المعرفي لبيئته وعصره، وهذا الامر نراه بوضوح ليس في القرآن وحده وانما ايضا في التفاصيل التي يقدمها  الحديث  النبوي وحتى احاديث الصحابة في زمنه، إذ مجموعها تعكس المفاهيم التاريخية لعصر النبي، وعلى ضوئها تصبح نصوص القرآن في غاية الوضوح بدون الحاجة لطلب المساعدة من المفسرين والمؤلين البشر لمساعدة عجز البلاغ المبين عن التواصل. والمعروض ادناه مقتبس عن كتاب الطبري، تاريخ الملوك والرسل.

عن أبي ذر الغفاري، قال: كنتُ آخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحنُ نتماشى جميعاً نحو المغرب، وقد طفلت الشمس، فما زلنا ننظر إليها حتى غابت، قال: قلتُ: يا رسول الله، أين تغربُ? قال: تغرب في السماء، ثم ترفع من سماء إلى سماء حتى ترفع إلى السماء السابعة العليا، حتى تكون تحت العرش، فتخر ساجدة، فتسجد معها الملائكة الموكلون بها، ثم تقول: يارب، من أين تأمرني أن أطلع، أمن مغربي أم من مطلعي? قال: فذلك قوله عز وجل: "والشمس تجري لمستقرٍ لها" حيث تحبس تحت العرش، "ذلك تقديرُ العزيز العليم" قال: يعني بذلك صنع الرب العزيز في ملكه العليم بخلقه. قال: فيأتيها جبرئيل بحلة ضوء من نور العرش، على مقادير ساعات النهار، في طوله في الصيف، أو قصره في الشتاء، أو ما بين ذلك في الخريف والربيع. قال: فتلبس تلك الحلة كما يلبس أحدكم ثيابه، ثم تنطلق بها في جو السماء حتى تطلع من مطلعها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فكأنها قد حبست مقدار ثلاث ليال ثم لا تكسى ضوءاً، وتؤمر أن تطلع من مغربها، فذلك قوله عز وجل: "إذا الشمس كورت".

قال: والقمر كذلك في مطلعه ومجراه في أفق السماء ومغربه وارتفاعه إلى السماء السابعة العليا، ومحبسه تحت العرش وسجوده واستئذانه، ولكن جبرائيل عليه السلام يأتيه بالحلة من نور الكرسي. قال: فذلك قوله عز وجل: "جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً". قال أبو ذر: ثم عدلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا المغرب.(الطبري ص 22)حدثني محمد ابن أبي منصور، قال: حدثنا خلف بن واصل، قال: حدثنا أبو نعيم، عن مقاتل بن حيان، عن عكرمة قال: بينا ابن عباس ذات يوم جالس إذ جاءه رجل، فقال: يا بن عباس، سمعتُ العجب من كعب الحبر يذكر في الشمس والقمر. قال: وكان متكئاً فاحتفز ثم قال: وما ذاك? قال: زعم أنه يجاء بالشمس والقمر يوم القيامة كأنهما ثوران عقيران، فيقذفان في جهنم. قال عكرمة: فطارت من ابن عباس شقة ووقعت أخرى غضباً، ثم قال: كذب كعب! كذب كعب! كذب كعب! ثلاث مرات، بل هذه يهودية يريد إدخالها في الإسلام، الله أجل وأكرم من أن يعذب على طاعته، ألم تسمع لقول الله تبارك وتعالى: "وسخر لكم الشمس والقمر دائبين"، وإنما يعني دؤبهما في الطاعة، فكيف يعذب عبدين يثني عليهما، إنهما دائبان في طاعته! قاتل الله كعب الحبر وقبح حبريته! ما أجرأه على الله وأعظم فريته على هذين العبدين المطيعين لله! قال: ثم استرجع مراراً، وأخذ عويداً من الأرض، فجعل ينكته في الأرض، فظل كذلك ما شاء الله، ثم إنه رفع رأسه، ورمى بالعويد فقال: ألا أحدثكم بما سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول في الشمس والقمر وبدء خلقهما ومصير أمرهما? فقلنا: بلى رحمك الله! فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك، فقال: إن الله تبارك وتعالى لما أبرم خلقه إحكاماً فلم يبق من خلقه غير آدم خلق شمسين من نور عرشه، فأما ما كان في سابق علمه أنه يدعها شمساً، فإنه خلقها مثل الدنيا ما بين مشارقها ومغاربها، وأما ما كان في سابق علمه أنه يطمسها ويحولها قمراً، فإنه دون الشمس في العظم، ولكن إنما يرى صغرهما من شدة ارتفاع السماء وبعدها من الأرض.
قال: فلو ترك الله الشمسين كما كان خلقهما في بدء الأمر لم يكن يعرف الليل من النهار، ولا النهار من الليل، وكان لا يدري الأجير إلى متى يعمل، ومتى يأخذ أجره. ولا يدري الصائم إلى متى يصوم، ولا تدري المرأة كيف تعتد، ولا يدري المسلمون متى وقت الحج، ولا يدري الديان متى تحل ديونهم، ولا يدري الناس متى ينصرفون لمعايشهم، ومتى يسكنون لراحة أجسادهم.
وكان الرب عز وجل. أنظر لعباده وأرحم بهم، فأرسل جبرئيل عليه السلام فأمر جناحه على وجه القمر -وهو يومئذ شمس - ثلاث مرات، فطمس عنه الضوء، وبقي فيه النور، فذلك قوله عز وجل: "وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا أية النهار مبصرة". قال: فالسواد الذي ترونه في القمر شبه الخطوط فيه فهو أثرُ المحو. ثم خلق الله للشمس عجلة من ضوء نور العرش لها ثلثمائة وستون عروة، ووكل بالشمس وعجلتها ثلثمائة وستين ملكاً من الملائكة من أهل السماء الدنيا، قد تعلق كل ملك منهم بعروة من تلك العرا، ووكل بالقمر وعجلته ثلثمائة وستين ملكاً من الملائكة من أهل السماء، قد تعلق بكل عروة من تلك العرا ملك منهم.
ثم قال: وخلق الله لهما مشارق ومغارب في قطري الأرض وكنفى السماء ثمانين ومائة عين في المغرب، طينة سوداء، فذلك قوله عز وجل: "وجدها تغربُ في عين حمئةٍ" إنما يعني حمأة سوداء من طين، وثمانين ومائة عين في المشرق مثل ذلك طينة سوداء تفور غلياً كغلي القدر إذا ما اشتد غليها. قال: فكل يوم وكل ليلة لها مطلعٌ جديد، ومغرب جديد ما بين أولها مطلعاً، وآخرها مغرباً أطول ما يكون النهار في الصيف إلى آخرها مطلعاً، وأولها مغرباً أقصر ما يكون النهار في الشتاء، فذلك قوله تعالى: "رب المشرقين ورب المغربين" يعني آخرها هاهنا وآخرها ثم، وترك ما بين ذلك من المشارق والمغارب، ثم جمعهما فقال: "برب المشارق والمغارب"، فذكر عدة تلك العيون كلها.قال: وخلق الله بحراً، فجرى دون السماء مقدار ثلاث فراسخ، وهو موج مكفوف قائم في الهواء بأمر الله عز وجل لا يقطر منه قطرة، والبحار كلها ساكنة، وذلك البحر جارٍ في سرعة السهم ثم انطلاقه في الهواء مستوياً، كأنه حبل ممدود ما بين المشرق والمغرب، فتجري الشمس والقمر والخنس في لجة غمر ذلك البحر، فذلك قوله تعالى: "كل في فلك يسبحون"، والفلك دوران العجلة في لجة غمر ذلك البحر. والذي نفس محمد بيده، لو بدت الشمس من ذلك البحر لأحرقت كل شيء في الأرض، حتى الصخور والحجارة، ولو بدا القمر في ذلك لافتتن أهلُ الأرض حتى يعبدوه من دون الله، إلا من شاء الله أن يعصم من أوليائه.
قال ابن عباس: فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: يأبى أنت وأمي يا رسول الله! ذكرت مجرى الخنس مع الشمس والقمر، وقد أقسم الله بالخنس في القرآن إلى ما كان من ذكرك، فما الخنس? قال: يا علي، هن خمسة كواكب، البرجيس، وزحل وعطارد، وبهرام، والزهرة، فهذه الكواكب الخمسة الطالعات الجاريات، مثل الشمس والقمر، العاديات معهما، فأما سائر الكواكب فمعلقات من السماء كتعليق القناديل من المساجد، وهي تحوم مع السماء دوراناً بالتسبيح والتقديس والصلاة لله، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: فإن أحببتم أن تستبينوا ذلك، فانظروا إلى دوران الفلك مرة هاهنا ومرة هاهنا، فذلك دوران السماء، ودوران الكواكب معها كلها سوى هذه الخمسة، ودورانها اليوم كما ترون، وتلك صلاتها، ودورانها إلى يوم القيامة في سرعة دوران الرحا من أهوال يوم القيامة وزلازله، فذلك قوله عز وجل: "يوم تمور السماء موراً، وتسيرُ الجبالُ سيراً، فويل يومئذٍ للمكذبين".
قال: فإذا طلعت الشمس فإنها تطلع من بعض تلك العيون على عجلتها ومعها ثلثمائة وستون ملكاً ناشري أجنحتهم، يجرونها في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله على قدر ساعات الليل وساعات النهار ليلاً كان أو نهاراً، فإذا أحب الله أن يبتلي الشمس والقمر فيرى العباد آية من الآيات فيستعتبهم رجوعاً عن معصيته وإقبالاً على طاعته، خرت الشمس من العجلة فتقع في غمر ذلك البحر وهو الفلك، فإذا أحب الله أن يعظم الآية ويشدد تخويف العباد وقعت الشمس كلها فلا يبقى منها على العجلة شيء، فذلك حين يظلم النهار وتبدو النجوم، وهو المنهى من كسوفها. فإذا أراد أن يجعل أية دون آية وقع منها النصف أو الثلث أو الثلثان في الماء ويبقى سائر ذلك على العجلة، فهو كسوف دون كسوف، وبلاء للشمس أو للقمر، وتخويف للعباد، واستعتاب من الرب عز وجل، فأي ذلك كان صارت الملائكة الموكلون بعجلتها فرقتين: فرقة منها يقبلون على الشمس فيجرونها نحو العجلة، والفرقة الأخرى يقبلون على العجلة فيجرونها نحو الشمس، وهم في ذلك يقرونها في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله على قدر ساعات النهار أو ساعات الليل، ليلاً كان أو نهاراً، في الصيف كان ذلك أو في الشتاء، أو ما بين ذلك في الخريف والربيع، لكيلا يزيد في طولهما شيء، ولكن قد ألهمهم الله علم ذلك، وجعل لهم تلك القوة، والذي ترون من خروج الشمس أو القمر بعد الكسوف قليلاً قليلاً من غمر ذلك البحر الذي يعلوهما، فإذا أخرجوها كلها اجتمعت الملائكة كلهم، فاحتملوها حتى يضعوها على العجلة، فيحمدون الله على ما قواهم لذلك، ويتعلقون بعرا العجلة، ويجرونها في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله حتى يبلغوا بها المغرب، فإذا بلغوا بها المغرب أدخلوها تلك العين، فتسقط من أفق السماء في العين. (ص 24) م قال النبي صلى الله عليه وسلم، وعجب من خلق الله: وللعجب من القدرة فيما لم نر أعجب من ذلك، وذلك قول جبرئيل عليه السلام لسارة "أتعجبين من أمر الله" وذلك أن الله عز وجل خلق مدينتين: إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب، أهل المدينة التي بالمشرق من بقايا عاد من نسل مؤمنيهم، وأهل التي بالمغرب من بقايا ثمود من نسل الذين آمنوا بصالح، اسم التي بالمشرق بالسريانية مرقيسيا وبالعربية جابلق واسم التي بالمغرب بالسريانية برجيسيا وبالعربية جابرس ولكل مدينة منهما عشرة آلاف باب، ما بين كل بابين فرسخ، ينوب كل يوم على كل باب من أبواب هاتين المدينتين عشرة آلاف رجل من الحراسة، عليهم السلاح، لا تنوبهم الحراسة بعد ذلك إلى يوم ينفخ في الصور، فوالذي نفس محمد بيده، لولا كثرة هؤلاء القوم وضجيج أصواتهم لسمع الناس من جميع أهل الدنيا هدة وقعة الشمس حين تطلع وحين تغرب، ومن ورائهم ثلاثة أمم: منسك، وتافيل، وتاريس، ومن دونهم يأجوج ومأجوج.
وإن جبرئيل عليه السلام أنطلق بي إليهم ليلة أسرى بي من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فدعوتُ يأجوج ومأجوج إلىعبادة الله عز وجل فأبوا أن يجيبوني، ثم انطلق بي إلى أهل المدينتين، فدعوتهم إلى دين الله عز وجل وإلى عبادته فأجابوا وأنابوا، فهم في الدين إخواننا، من أحسن منهم فهو مع محسنكم، ومن أساء منهم فأولئك مع المسيئين منكم. ثم انطلق بي إلى الأمم الثلاث، فدعوتهم إلى دين الله وإلى عبادته فأنكروا ما دعوتهم إليه، فكفروا بالله عز وجل وكذبوا رسله، فهم مع يأجوج ومأجوج وسائر من عصى الله في النار، فإذا ما غربت الشمس رفع بها من سماء إلى سماء في سرعة طيران الملائكة، حتى يبلغ بها إلى السماء السابعة العليا، حتى تكون تحت العرش فتخر ساجدة، وتسجد معها الملائكة الموكلون بها، فيحدرُ بها من سماء إلى سماء، فإذا وصلت إلى هذه السماء فذلك حين ينفجر الفجر، فإذا انحدرت من بعض تلك العيون، فذاك حين يضئ الصبح، فإذا وصلت إلى هذا الوجه من السماء فذاك حين يضيء النهار.
قال: وجعل الله عند المشرق حجاباً من الظلمة على البحر السابع، مقدار عدة الليالي منذ يوم خلق الله الدنيا إلى يوم تصرم، فإذا كان عند الغروب أقبل ملك قد وكل بالليل فيقبض قبضة من ظلمة ذلك الحجاب، ثم يستقبلُ المغرب، فلا يزال يرسل من الظلمة من خلل أصابعه قليلاً قليلاً وهو يراعي الشفق فإذا غاب الشفق أرسل الظلمة كلها ثم ينشر جناحيه، فيبلغان قطري الأرض وكنفي السماء، ويجاوزان ما شاء الله عز وجل خارجاً في الهواء، فيسوق ظلمة الليل بجناحيه بالتسبيخ والتقديس والصلاة الله حتى يبلغ المغرب، فإذا بلغ المغرب انفجر الصبح من المشرق، فضم جناحيه، ثم يضم الظلمة بعضها إلى بعض بكفيه، ثم يقبض عليها بكف واحدة نحو قبضته إذا تناولها من الحجاب بالمشرق، فيضعها عند المغرب على البحر السابع من هناك ظلمة الليل. فإذا ما نقل ذلك الحجاب من المشرق إلى المغرب نفخ في الصور، وانقضت الدنيا، فضوء النهار من قبل المشرق، وظلمة الليل من قبل ذلك الحجاب، فلا تزال الشمس والقمر كذلك من مطالعهما إلى مغاربهما إلى ارتفاعهما، إلى السماء السابعة العليا، إلى محبسهما تحت العرش، حتى يأتي الوقت الذي ضرب الله لتوبة العباد، فتكثر المعاصي في الأرض ويذهب المعروف، فلا يأمر به أحد، ويفشو المنكر فلا ينهى عنه أحد.

فإذا كان ذ لك حبست الشمس مقدار ليلة تحت العرش، فكلما سجدت وأستأذنت: من أين تطلع? لم يحر إليها جواب، حتى يوافيها القمر ويسجد معها، ويستأذن: من أين يطلع? فلا يحار إليه جواب، حتى يحبسهما قدار ثلاث ليال للشمس وليلتين للقمر، فلا يعرف طول تلك الليلة إلا المتهجدون في الأرض، وهم حينئذ عصابة قليلة في كل بلدة من بلاد المسلمين، في هوان من الناس وذلة من أنفسهم، فينام أحدهم تلك الليلة قدر ما كان ينام قبلها من الليالي، ثم يقوم فيتوضأ ويدخل مصلاه فيصلي ورده، كما كان يصلي قبل ذلك، ثم يخرج فلا يرى الصبح، فينكر ذلك ويظن فيه الظنون من الشر ثم يقول: فلعلي خففت قراءتي، أو قصرت صلاتي، أو قمت قبل حيني! قال: ثم يعود أيضاً فيصلي ورده كمثل ورده، الليلة الثانية، ثم يخرج فلا يرى الصبح، فيزيده ذلك إنكاراً، ويخالطه الخوف، ويظن في ذلك الظنون من الشر ثم يقول: فلعلي خففت قراءتي، أو قصرت صلاتي، أو قمت من أول الليل! ثم يعود أيضاً الثالثة وهو وجل مشفق لما يتوقع من هول تلك الليلة، فيصلي أيضاً مثل ورده، الليلة الثالثة، ثم يخرج فإذا هو بالليل مكانه والنجوم قد استدارت وصارت إلى مكانها من أول الليل. فيشفق عند ذلك شفقة الخائف العارف بما كان يتوقع من هول تلك الليلة فيستلحمه الخوف، ويستخفه البكاء، ثم ينادي بعضهم بعضاً، وقبل ذلك كانوا يتعارفون ويتواصلون، فيجتمع المتهجدون من أهل كل بلدة إلى مسجد من مساجدها، ويجأرون إلى الله عز وجل بالبكاء والصراخ بقية تلك الليلة، والغافلون في غفلتهم،حتى إذا ما تم لهما مقدارُ ثلاث ليال للشمس وللقمر ليلتين، أتاهما جبرئيل فيقول: إن الرب عز جل يأمركما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منها، وأنه لا ضوء لكما عندنا ولا نور. قال: فيبكيان عند ذلك بكاء يسمعه أهل سبع سموات من دونهما وأهل سرادقات العرش وحملة العرش من فوقهما، فيبكون لبكائهما مع ما يخالطهم من خوف الموت، وخوف يوم القيامة.
ال: فبينا الناس ينتظرون طلوعهما من المشرق إذا هما قد طلعا خلف أقفيهم من المغرب أسودين مكورين كالغرارتين، ولا ضوء للشمس ولا نور للقمر، مثلهما في كسوفهما قبل ذلك، فيتصايح أهلُ الدنيا وتذهل الأمهات عن أولادها، والأحبة عن ثمرة قلوبها، فتشتغل كل نفس بما أتاها. قال: فأما الصالحون والأبرار فإنه ينفعهم بكاؤهم يومئذ، ويكتب ذلك لهم عبادة. وأما الفاسقون والفجار فإنه لا ينفعهم بكاؤهم يومئذ، ويكتب ذلك عليهم خسارة. قال: فيرتفعان مثل البعيرين القرينين، ينازع كل واحد منهما صاحبه استباقاً، حتى إذا بلغا سرة السماء - وهو منصفها - أتاهما جبرئيل فأخذ بقرونهما ثم ردهما إلى المغرب، فلا يغربهما في مغاربهما من تلك العيون، ولكن يغربهما في باب التوبة.
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنا وأهلي فداؤك يا رسول الله! فما باب التوبة? قال: يا عمر، خلق الله عز وجل باباً للتوبة خلف المغرب، مصراعين من ذهب، مكللاً بالدر والجوهر، ما بني المصراع إلى المصراع الآخر مسيرة أربعين عاماً للراكب المسرع، فذلك الباب مفتوح منذ خلق الله خلقه إلى صبيحة تلك الليلة عند طلوع الشمس والقمر من مغاربهما، ولم يتب عبد من عباد الله توبة نصوحاً من لدن آدم إلى صبيحة تلك الليلة إلا ولجت تلك التوبة في ذلك الباب، ثم ترفع إلى الله عز وجل.
قال معاذ بن جبل: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! وما التوبة النصوح? قال: إن يندم المذنب على الذنب الذي أصابه فيعتذر إلى الله ثم لا يعود إليه، كما لا يعود اللبن إلى الضرع. قال: فيرد جبرئيل بالمصراعين فيلأم بينهما ويصيرهما كأنه لم يكن فيما بينهما صدع قط، فإذا أغلق باب التوبة لم يقبل بعد ذلك توبة، ولم ينفع بعد ذلك حسنة يعملها في الإسلام إلا من كان قبل ذلك محسناً، فإنه يجري لهم وعليهم بعد ذلك ما كان يجري قبل ذلك، قال فذلك قوله عز وجل: "يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفعُ نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبلُ أو كسبت في إيمانها خيراً".(ص26)فقال أبي بن كعب: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! فكيف بالشمس والقمر بعد ذلك! وكيف بالناس والدنيا! فقال: يا أبي، إن الشمس والقمر بعد ذلك يكسيان النور والضوء، ويطلعان على الناس ويغربان كما كانا قبل ذلك، وأما الناس فإنهم نظروا إلى ما نظروا إليه من فظاعة الآية، فيلحون على الدنيا حتى يجروا فيها الأنهار، ويغرسوا فيها الشجر، ويبنوا فيها البنيان. وأما الدنيا فإنه لو أنتج رجل مهراً لم يركبه من لدن طلوع الشمس من مغربها إلى يوم ينفخ في الصور.
فقال حذيفة بن اليمان: أنا وأهلي فداؤك يا رسول الله! فكيف هم عند النفخ في الصور! فقال: يا حذيفة، والذي نفس محمد بيده، لتقومن الساعة ولينفخن في الصور والرجل قد لط حوضه فلا يسقى منه، ولتقومن الساعة والثوب بين الرجلين فلا يطويانه، ولا يتبايعانه. ولتقومن الساعة والرجل قد رفع لقمته إلى فيه فلا يطعمها، ولتقومن الساعة الرجل قد انصرف بلبن لقحته من تحتها فلا يشربه، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: "وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون".
فإذا نفخ في الصور، وقامت الساعة، وميز الله بين أهل الجنة وأهل النار ولما يدخلوهما بعد، إذ يدعو الله عز وجل بالشمس والقمر، فيجاء بهما أسودين مكورين قد وقعا في زلزال وبلبال، ترعد فرائصهما من هول ذلك اليوم ومخافة الرحمن، حتى إذا كانا حيال العرش خرا لله ساجدين، فيقولان: إلهنا قد علمت طاعتنا ودؤبنا في عبادتك، وسرعتنا للمضي في أمرك أيام الدنيا، فلا تعذبنا بعبادة المشركين إيانا، فإنا لم ندع إلى عبادتنا، ولم نذهل عن عبادتك! قال: فيقول الرب تبارك وتعالى: صدقتما، وإني قضيت على نفسي أن أبدئ وأعيد، وإني معيدكما فيما بدأتكما منه، فارجعا إلى ما خلقتما منه، قالا: إلهنا، ومم خلقتنا? قال: خلقتكما من نور عرشي، فارجعا إليه. قال: فيلتمع من كل واحد منهما برقة تكاد تخطف الأبصار نوراً، فتخلط بنور العرش فذلك قوله عز وجل: "يبديء ويعيد".
قال عكرمة: فقمت مع النفر الذين حدثوا به، حتى أتينا كعباً فأخبرناه بما كان من وجد ابن عباس من حديثه، وبما حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام كعب معنا حتى أتينا ابن عباس، فقال: قد بلغني ما كان من وجدك من حديثي، وأستغفر الله وأتوب إليه، وإني إنما حدثت عن كتاب دارسٍ قد تداولته الأيدي، ولا أدري ما كان فيه من تبديل اليهود، وإنك حدثت عن كتاب جديد حديث العهد بالرحمن عز وجل وعن سيد الأنبياء وخير النبيين، فأنا أحب أن تحدثني الحديث فأحفظه عنك، فإذا حدثت به كان مكان حديثي الأول.
قال عكرمة: فأعاد عليه ابن عباس الحديث، وأنا أستقريه في قلبي باباً باباً، فما زاد شيئاً ولا نقص، ولا قدم شيئاً ولا أخر، فزادني ذلك في ابن عباس رغبة، وللحديث حفظاً.
ومما روى عن السلف في ذلك ما حدثناه ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي الطفيل، قال: قال ابن الكواء لعلي عليه السلام: يا أمير المؤمنين، ما هذه اللطخة التي في القمر? فقال: ويحك! أما تقرأ القرآن "فمحونا آية الليل"! فهذه محوه.
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا طلق، عن زائدة عن عاصم، عن عليّ بن ربيعة، قال: سأل ابن الكواء علياً عليه السلام فقال: ما هذا السواد في القمر? فقال علي: "فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرةً"، هو المحو.
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبيد بن عمير، قال: كنت عند علي عليه السلام، فسأله ابن الكواء عن السواد الذي في القمر فقال: ذاك آية الليل محيت.
حدثنا ابن أبي الشوارب، قال:حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا عمران بن حدير، عن رفيع، أبي كثيرة، قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: سلوا عما شئتم، فقال ابن الكواء فقال: ما السواد الذي في القمر، فقال: قاتلك الله! هلا سألت عن أمر دينك وآخرتك! ثم قال ذاك محو الليل.
حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان المصري، قال: حدثنا ابن عفير، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن حيّيّ بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رجلاً قال لعليّ رضي الله عنه: ما السوادُ الذي في القمر? قال: إن الله يقول: "وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة".(ص27)

lördag 24 mars 2012

كيف عرف محمد بوجود مروج وانهار في ارض العرب

عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه و سلم قال " لا تقوم الساعة حتى يكثر المال و يفيض حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحداً يقبلها منه ، و حتى تعود أرض العرب مروجاً و أنهاراً " صحيح مسلم ـ باب الزكاة.

وفي مسند الإمام أحمد بسنده يقول الرسول ( صلى الله عليه وسلم) :
" لا تقوم الساعه حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا وحتي يسير الراكب بين العراق ومكة لا يخاف إلا ضلال الطريق وحتي يكثر الهرج قالوا وما هو الهرج يارسول الله ؟
قال القتل “

من اين علم محمد ان ارض العرب كانت مروجا وانهارا؟
في الواقع لم يصلنا الكثير عن مصدر تصورات محمد مفاهيمه الا بسبب الاسلام ومن مصادر المسلمين، ولغرض وصف حياة الرسول وصحابته، ولرجم الكافرين وادانتهم. ان تصورات عصر محمد، غائبة تماما إذا كانت لاعلاقة لها بالاسلام. غير اننا نعلم ان الاسلام بذاته مجموعة اقتباسات عن السابقين، ولايملك طقوسه وقصصه الخاصة، فإغلب عناصرها من خبرات وتجارب الحضارات المجاورة، حيث نعلم بصراع بين الرب رع ورب الصحراء (1). ولولا التفاسير في معرض شرح القرآن لما كان لدينا موارد تعرفنا بمصادر طقوس وقصص القرآن، ولكان الاعتقاد انها جاءت من الوحي. لماذا سيكون " مروجا وانهارا " وحدها من الوحي، في الوقت الذي نجد ان اساطير الاسلام ذات منشأ من حضارات الجوار؟

ونحن نعلم ان الحديث اعلاه كان في معرض وصف قيام الساعة المُدعى، ولكن احاديث الرسول نفسه تشير الى انه كان يعتقد ان العالم على أعتاب قيام الساعة، وان القضية تتعلق بجيل او جيلين. يقول فى صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل عند عين تبوك ‘‘ يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما ها هنا قد ملئ جناناً ‘‘

ومسألة ان ارض العرب كانت مروجا وانهارا لها ارتباط بتصورات العرب، والاسلام، على الجنة ورواياتها. ان جنة عدن تعود بجذورها الى العصر البابلي حيث كان الاعتقاد ان منطقة الدلمون (البحرين والامارات) كانت جنة الخلد، التي سافر اليها اينكي للوصول الى حياة الخلود. (2)

وفيما بعد كان يطلق تعبير عدن على ارض اليمن، ثم انشؤا السدود للتحكم بالامطار، حتى هاجرت قبائل الى الحجاز، بعد تحطم سد مأرب ولم يعد المطر كما في السابق. وهذا الامر جرى في عصر قريب لمولد محمد، فنحن نعلم ان القبائل المهاجرة من اليمن كانت تعلم منبتها ومنها قبئل اهل المدينة الذين سكنوا الى جانب قبائل اليهود التي كانت تملك المنطقة قبلهم ووافقت على اسكانهم. وهذه القبائل نقلت معها تصوراتها واساطيرها عن جنة عدن السابقة، ولذلك لابد ان محمد على علم بها، خصوصا وان قبائل المدينة هم اخواله.

ومسألة الجنة على الارض موجود في التراث اليهودي، الذي يتكلم عن هبوط آدم وحواء الى الارض، وقد انتقل الى التراث الاسلامي، مما يدل ان محمد لابد قد سمع به عن اليهود. -روى الإمام الطبري في تاريخه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:أهبط آدم بالهند ، فجاء في طلبها حتى اجتمعا فازدلفت إليه حواء ، فلذلك سميت المزدلفة ، وتعارفا بعرفات ، فلذلك سميت عرفات وتعارفا بجمع فلذلك سميت جمعاً.
وليس من المعقول ان آدم جاء اليها عبر صحراء مثلا، ولابد ان التصورات ان الارض كانت خضراء تسمح له بالسير الى مكة والالتقاء بحواء بدون ان يموت من الجوع او الحر، حيث الاعتقاد ان المنطقة المباركة والمقدسة كانت توصف بعدن. ونحن نعلم ان آدم وحواء وضعوا اوراق الشجر لاخفاء عورتهم حتى لايراها الشيطان الذي كان مهتم للغاية برؤيتها. ذلك يعني ان الاشجار، بالضرورة كانت موجودة في منطقة النزول ومن بينها عرفات، حيث يتصور المسلمين الاوائل انه موقع نزول حواء.

في قصة التكوين التوراتية نرى ان آدم وحواء نرى ان القصة تدور بين الجنة والارض، وكان الجنة على الارض وكانها تملك مدخلا بالامكان الدخول منه والخروج منه، وان ادم وحواء وابنائهم قادرين على خداع الحراس . بذلك يكون مفهوم التتداول بين الجنة (بمعنى الخضار الدائم) وبين الواقع جزء لايتجزء من الاساطير اليومية المتتداولة في ثقافة عصر محمد الطبيعية.

ولكن ماذا عن منطقة مكة، هل هي معنية بالنبوءة ايضا، على إعتبار انها جزء من ارض العرب، وافضل الاجزاء فيه؟ هل كانت منطقة مكة ممتلئة بالمروج والانهار، وهل ستعود اليها المروج والانهار المفقودة؟

"رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّم" (37 - إبراهيم )

ومن المعروف عند علماء الأرض بأن الوادى هو منطقة منخفضة بين جبلين من الأرض تكونت بفعل جريان المياه التي تتدفق عبر المجرى أتية من المنبع والذى يكون في معظم الاحيان علي هيئة جبال مرتفعة ترتطم بها السحب المحملة بماء المطر. ونحن نعلم ان منطقة مكة تقع في منطقة امطار موسمية غزيرة تؤدي الى سيول وفيضانات ولكنه ليس بالامكان ابقائها والاحتفاظ بها، من جهة لان المنطقة محدودة بمرتفعات جبلية بركانية ومن جهة ثانية لان الارض تغطيها حممم صلبة تمنع الارض عن امتصاص غالبية الماء ومن جهة ثالثة لان السيول على سفوح الجبال جعلت التربة مكشوفة ومنحدرة في إتجاه البحر. كل ذلك يجعل من غير الممكن ان تصبح المنطقة ممتلئة بالمروج او الانهار، وعلى الاخص الانهار. وليس من المؤكد ان المنطقة كانت مغطاة بالمروج او فيها انهار. ان فكرة محمد مبنية على الاساطير الشائعة في عصره ان ارض العرب كانت مكان جنات عدن، ولذلك من الطبيعي ان من علامات الساعة ان تعود الانهار والجنات الى ارض العرب.

وعلى افتراض ان محمد قد استنتج ذلك بدون اية مقدمات وبدون علة، على الرغم من ان مالدينا يكفي لنفي ذلك، هل يعني ان استنتاجاته تفرض القول انه الوحي وليس الذكاء. هل تنعدم الامثلة على حدوث استنتاجات مشابهة في التاريخ الانساني، بحيث يكون مثل هذا الاستنتاج دليل على الوحي وحده؟ وإذا كانت لدينا امثلة على وجود مثيل لها هل يعني ذلك انه يجوز لنا ان نقول انها وحي وليس ذكاء، ام ان الامر يختص حصرا بمحمد؟

في كتاب سنسكريتي مقدس Mahayana يعود الى ماقبل 100 سنة قبل الميلاد يوجد نص يتكلم عن تعدد العوالم وان عددها لانهائي وانه مهما اخذنا من هذه العوالم فإن عددها لاينقص. وذلك يتوافق اليوم مع نظريات فلكية حديثة ومع رياضيات اللانهاية. هل نعتبره كتاب مقدس الهي، من حيث انه يقدم لنا اعجازا لاشك فيه؟

ديانة Vedic seers تصف عالمنا على انه بين مصدرين الطاقة الكونية والطاقة المظلمة، وهو بالذات الذي يتكلم عنه الفيزياء الحديث.

في عام 218 ميلادي تنبأ حكيم من شعب مدينة Lykien وهو اغريقي ان الديمقراطية ستسود في العالم يوما ما. وتعتبر مدينتهم رأس اول اتحاد بين الممالك المدن التي اقامت الديمقراطية في العالم.

ومن مخطوطة مصرية قديمة تطل علينا نبوءة هرمس، التي صيغت في القرن الثاني، تقول:
ينبغي عليك أن تعرف، سيأتي ذلك اليوم الذي فيه سيتضح كم كان عديم الجدوي ورع المصريين وخدمة هذا الشعب المفعمة بالتضحية له، ستنحط هنا الذكري المقدسة للآلهة وتتحول إلي عدم وسيرحل الآلهة أنفسهم من هنا نحو السموات، سيهجرون الأرض المصرية للأبد وهكذا فإن هذا البلد الذي كان عبر قرون طويلة مهدا ودعامة وعمادا ومحرابا للدين الحق سيجرد من الحضور الإلهي ويتيتم ويصبح فارغا. سيحتل الغرباء أرضه الزراعية ولن يقتصروا علي الاستخفاف بالإيمان المقدس وإنما­ كم هو مؤلم هذا الشيء­ سيصدر مرسوم سيحظر تحت طائلة أقسي العقوبات الالتزام بقواعد الدين والتقوي والعبادة. هذه الأرض الجليلة، مقر المذابح الإلهية ستملأ منذ الآن بالقبور والجثث فقط. يا مصر، يا مصر الحبيبة ! لن يبقي ما يشهد في القرون المقبلة علي عباداتك سوي الأساطير والحكايات ولكنها بالرغم من ذلك ستبدو للأجيال مجرد خرافات عادية، ستصمد الآثار المنقوشة من الحجارة وحدها كآثار وبراهين علي أفعالك التقية. آه يا مصر، سيستوطن السكوذي أو الهندوسي أو واحد آخر شبيه بهما، همجي من البلاد المجاورة. آه، ما هذا الذي أقوله عن مصر؟ ولن يتركوا مصر وعندئذ ستترك الآلهة أرض المصريين هاربة للسماء وستموت هوية المصريين، ...... وإذا بقي بعض السكان مصريون فبلسانهم فقط وسيصبحون غرباء وكذلك عملهم


وفي القرن الرابع قبل الميلاد جاء لوسيبوس وديموقريطس بنظريتهما الذرية في مواجهة بارمنيدس. كانت تعاليمهما تنص على أن الكون يتكون من أجسام جامدة متناهية في الصغر، ولاتقبل الانقسام، وتسمى بالذرات التي تتحرك في الفراغ وتتجمع لتكون الأشياء الأكبر حجماً التي ندركها بخبراتنا المتعارف عليها.

استراليا، جاءت تسميتها من الكلمة اللاتينية australis, والتي تعني الجنوب. في العصر الاغريقي تصور الفلاسفة الاغريق، وبالتحديد اريسطوطاليس، انه لابد ان يكون هناك قارة الى الجنوب، ثم وافقه بطاليميوس على ذلك. وفيما بعد، بين قرون 14-17 اصبحت خرائط بطاليميوس معتمدة واطلق عليها راسموا الخرائط "Terra Australis Incognita" اي " الارض المجهولة في الجنوب"

لدينا ايضا تنبوءات دافنتشي الاعجازية، حيث قام بوضع مخططات لمجموعة افكار تطبيقية تقارب تماما اخر الاختراعات الموجودة في عصرنا اليوم، مثل الدبابة والهيليكوبتر والغواصة والمظلة والطيران الانسيابي على الهواء والبندقية والرشاش والحصادة. لايوجد في العالم مفكر واحد تمكن من تصور مجموعة من الاختراعات بهذا الشكل وبدون اية فكرة مسبقة مثل دافنتشي بحيث ان البعض يتسالون فيما إذا كان قد زار المستقبل.

(نوستراداموس) هو منجِّم فرنسى عاش من 1503 إلى 1566 .تذكر لنا الروايات أن موهبة (نوستراداموس) التنبؤية كانت قد بدأت تظهر بوضوح فى تلك الفترة ، عندما رأى فى (إيطاليا) راهباً شاباً يعمل برعى الخنازير فى الطريق ، وما إن اقترب منه حتى خرَّ (نوستراداموس) على ركبتيه أمامه قائلاً < قداستك! > ... (فيليس بيريت) ، الراهب الشاب راعى الخنازير ، صار قداسة البابا (سيكستوس الخامس) عام 1865 ... بعد قرابة العشرين عاماً على موت (نوستراداموس) نفسه!

كلام كثير دار حول (نوستراداموس) – مثله مثل (دافنشى) وغيرهما – حول تنبؤاته العجيبة ، بل إن العديدين يعتقدون أنه نبى. قبل أن يموت ، كان (نوستراداموس) قد انتهى من كتابة 942 نبوءة على هيئة رباعيات ، تم جمعها فى كتاب اسمه (القرون)!

تنبؤات ابيقور اكثر غرابة من تنبؤات دافنتشي لان ابيقور عاش في عام 99 قبل الميلاد، حيث كان العلم لازال في بداياته الجنينية. نبؤات ابيقورس التي ستورد هنا، وردت في قصيده شعريه تسمى DE RERUM NATURA وهي قصيده كتبت من قبل ليكوريتوس LUCRETIUS . وفق هذه القصيده يكون ابيقورس قد تنبأ بوجود الذره كأصغر جزأ من الماده، وهو الذي اطلق على الجزء اسم الذره، المستخدم لغايه يومنا هذا. كما تنبأ بالجزيئه والتي تتكون من اتحاد ذرتين وتنبأ بقانون القصور الذاتي والذي ينص على ان الاجسام تظل على حاله الحركه الا اذا اوقفت من قبل قوه خارجيه، هذا القانون لم يثبت علميا وتجريبيا الا على يد غالليليو. وقال ابقور ايضا بما يدعى بكونيه القوانين الطبيعيه اي ان قوانين الطبيعه تطبق في كل مكان من الكون وليس على الارض فقط. هذا الاكتشاف الذي عارضه ارسطوطاليس و المسيحيه حتى اثبت صحته غالليلو ، وبين ابيقور بأن المطر هو نتيجه لتبخر الماء من المسطحات المائيه بفعل حراره الشمس ويتجمع حسب حركه الرياح ويهطل مطرا بعد ذلك ، وتنبا بأن انتقال الصوت هو عباره عن حركه جزيئات الهواء بشكل موجه ضاغطه، واننا نميز الروائح على اساس حجم الجزيئات التي تتناسب مع شكل المتحسسات في الانف وان البرق يتكون من اصطدام او احتكاك بين جبهتين من العواصف وتكون نتيجه لتحرك جسيمات بسرعه عاليه وتسمى هذه الجسيمات اليوم الكترونات وهي التي تشكل الشكل الخارجي للماده . وقال ابيقور ان الزلازل هي عباره عن انزلاق شرائح طبقات الارض وان النيل يرتفع مستواه كل عام بسبب ذوبان الجليد في مصبه، وان الانسان والحيوان قد تطورا نتيجه لقانون الاختيار الطبيعي وان قوه الجذب المغناطيسي هي نتيجه تفريغ وامتصاص لجسيمات بين جسمين مغناظيسيين وان النار ليست عنصر من عناصر الحياه وانه لاوجود لمركز واحد للكون ولكن الكون يتكون من عده مجموعات من الكواكب لكل منها مركز تدور حوله وان للضوء سرعه محدده وان الزمن ليس بموجود الا بعلاقه الاشياء والاحداث بعضها ببعض لذا فان الزمن نسبي للمشاهد.

الخلاصة
ان الجنة اسطورة قديمة من اساطير العرب، ومفهوم الجنة اللغوي والتفسيري هي جنان وانهار، بما يعني ان العرب، من اساطيرهم الخاصة واساطير اليهود، كانوا يعتقدون ان ارض العرب كانت جنات عدن، ولذلك من الطبيعي التصور ان تعود الجنات والانهار اليها، خصوصا وان المشروع المحمدي كان بناء هيبة العرب ودولتهم الغنية والجميلة والنقية. لذلك، فالتصورات الطبيعية الاسطورية، التي تشكل الخلفية الثقافية لمحمد وعصره، تقول ان ارض العرب كانت جنات وانهار.. ولايحتاج الامر الى تحزير.

إذا وقع الذباب في وعاء احدكم فايغمسه

  بعد ظهور ابحاث عن وجود مضادات حيوية على جسم الذباب، عاد الاصوليين الى إشهار حديث الذبابة على انه إعجاز خارق، متلاعبين بالعقل والمنطق وبصحة السذج، مما تتطلب الرد

 ( إِنَّ أَحَدَ جَنَاحَيْ الذُّبَابِ سُمٌّ وَالْآخَرَ شِفَاءٌ فَإِذَا وَقَعَ فِي الطَّعَامِ فَامْقُلُوهُ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ ) .
رواه أحمد : حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ ثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ فَأَتَانَا بِزُبْدٍ وَكُتْلَةٍ فَأُسْقِطَ ذُبَابٌ فِي الطَّعَامِ فَجَعَلَ أَبُو سَلَمَةَ يَمْقُلُهُ بِأُصْبُعِهِ فِيهِ فَقُلْتُ يَا خَالُ مَا تَصْنَعُ فَقَالَ إِنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ حَدَّثَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( فذكره )

عن ابي هريرة ان محمد صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينتزعه (ليطرحه) فإن في إحدى جناحية داء وفي الأخرى شفاء ) أخرجه البخاري وابن ماجه وأحمد .

وفي لفظ آخر قال عليه الصلاة والسلام : ( إن في أحد جناحي الذباب سم والآخر شفاء فإذا وقع في الطعام فامقلوه فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء ) رواه أحمد وابن ماجه

ورواه ابن ماجه : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ به مرفوعا دون القصة .
ورواه الطيالسي , وعنه رواه النسائي وابويعلى وابن حبان .
قلت : وهذا سند صحيح ، رجاله ثقات رجال الشيخين ، غير سعيد بن خالد – وهو القارظي – وهو صدوق كما قال الذهبي والعسقلاني .
3- وأما حديث أنس , فرواه البزار من طريق أبي عتاب سهل بن حماد عن عبدلله بن المثنى عن ثمامة عنه .
قلت : وسنده صحيح رجاله رجال الصحيح .

وقال أبو الطيب الطبري لم يقصد النبي صلى الله عليه و سلم بهذا الحديث بيان النجاسة والطهارة وإنما قصد بيان التداوي من ضرر الذباب وكذا لم يقصد بالنهي عن الصلاة في معاطن الإبل والأذن في مراح الغنم طهارة ولا نجاسة وإنما أشار إلى أن الخشوع لا يوجد مع الإبل دون الغنم قلت وهو كلام صحيح . إذًا العلة في الذباب قاصرة وهي عموم البلوي به وهذه مستنبطة أو التعليل بأن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء . أهـ
 قلتُ : بالمثال يتضح المقال: لو أن هناك شخصًا أراد أن يشرب كوبًا من اللبن فسقطت فيه ذبابة ماذا يفعل ؟ الجواب : هو بالخيار بين أمرين: إما أن يشرب كوب اللبن بعد غمس الذبابة وأخراجها منه، فلا يضره شيء ، بل يأخذ الأجرَ على تصديقه لحديث النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  ، وإما أن يمتنع عن شربه إن كانت نفسه لا تطيق ذلك فلا إثم عليه. لكن القضية هي لو أن هناك رجلاً بائعا لبنًا يُحضر اللبن بكمياتٍ كبيرة ٍجدًا ، وسقطت ذبابة في هذه الكميات الكبيرة ماذا يفعل هذا البائع أو التاجر ؟ هل يخسر هذه الكميات الكبيرة من اللبن ،ويخسر  تجارته ؛ يلقى بها أم أنه يغمس الذبابة ثم يخرجها مرة أخرى ؟
 الجواب: لاشك أنه يغمسها ثم يخرجها مرة أخرى.

قال الخطابي تكلم على هذا  الحديث من لا خلاق له فقال كيف يجتمع الشفاء والداء في جناحي الذباب وكيف يعلم ذلك من نفسه حتى يقدم جناح الشفاء وما ألجأه إلى ذلك قال وهذا سؤال جاهل أو متجاهل فإن كثيرا من الحيوان قد جمع الصفات المتضادة وقد ألف الله بينها وقهرها على الاجتماع وجعل منها قوي الحيوان وأن الذي ألهم النحلة اتخاذ البيت العجيب الصنعة للتعسيل فيه وألهم النملة أن تدخر قوتها أو أن حاجتها وأن تكسر الحبة نصفين لئلا تستنبت لقادر على إلهام الذبابة أن تقدم جناحا وتؤخر آخر وقال بن الجوزي ما نقل عن هذا القائل ليس بعجيب فإن النحلة تعسل من أعلاها وتلقى السم من أسفلها والحية القاتل سمها تدخل لحومها في الترياق الذي يعالج به السم والذبابة تسحق مع الأثمد لجلاء البصر وذكر بعض حذاق الأطباء أن في الذباب قوة سمية يدل عليها الورم والحكة العارضة عن لسعه وهي بمنزلة السلاح له فإذا سقط الذباب فيما يؤذيه تلقاه بسلاحه فأمر الشارع أن يقابل تلك السمية بما أودعه الله تعالى في الجناح الآخر من الشفاء فتتقابل المادتان فيزول الضرر بإذن الله تعالى واستدل بقوله ثم لينزعه على أنها تنجس بالموت كما هو أصح القولين للشافعي والقول الآخر كقول أبي حنيفة أنها لا تنجس والله أعلم. أهـ
( من كتاب رد السهام عن خير الانام للاستاذ أكرم حسن مرسي، من دعاة الجمعية الشرعية بالجيزة)


مبعد البكتريا
تقول شبكة المنهاج الاسلامي: ولذلك فلا يخلو من فائدة أن أنقل إلى القراء خلاصة محاضرة ألقاها أحد الأطباء في جمعية الهداية الإسلامية في مصر حول هذا الحديث , قال :
( يقع الذباب على المواد القذرة المملوءة بالجراثيم التي تنشأ منها الأمراض المختلفة , فينقل بعضها بأطرافه , ويأكل بعضاً , فيتكون في جسمه من ذلك مادة سامة يسميها علماء الطب ( مبعد البكتيريا ) , وهي تقتل كثيراً من جراثيم الأمراض , ولا يمكن لتلك الجراثيم أن تبقى حية , أو يكون لها تأثير في جسم الإنسان في حال وجود ( مبعد البكتيريا ) , وإن هناك خاصية في أحد جناحي الذباب , هي أنه يحول البكتيريا إلى ناحيته , وعلى هذا , فإذا سقط الذباب في شراب أو طعام , وألقى الجراثيم العالقة بأطرافه في ذلك الشراب , فإن أقرب مبيد لتلك الجراثيم , وأول واقٍ منها هو ( مبعد البكتيريا ) الذي يحمله الذباب في جوفه قريباً من أحد جناحيه , فإذا كان هناك داء , فدواؤه قريب منه , وغمس الذباب كله وطرحه كاف لقتل الجراثيم التي كانت عالقة , وكاف في إبطال عملها ) .




إكتشاف مضادات حيوية على الذباب
في جامعة ماغواري، Macquarie University, وهي مؤسسة للعلوم البيلوجية، وضعوا فرضية ان الذباب الذي يعيش في الاوساخ لابد ان يملك آلية ليحافظ على نفسه من البكتريا الضارة له. لذلك قررت الجامعة البحث عن الخصائص المضادة للبكتريا في مختلف مراحل نمو الذباب.

في مؤتمر جمعية البيلوجيين الاسترالييين في ميلبورن قدمت Ms Joanne Clarke, استعراضا للمشروع ، الذي هو جزء من مشروع دولي للبحث عن مضادات حيوية جديدة.

الباحثون فحصوا اربعة انواع من الذباب: ذبابة البيت، ذبابة الاستفراغات، ذبابة الموز، وذبابة المقارنة عبارة عن ذبابة من جزيرة كوين اسلندا Queensland fruit fly وتضع بيوضها في الفواكه الطازجة. النوع الاخير لاتحتاج يرقاته الى الكثير من المضادات الحيوية لانه لايكون في تماس مع الكثير من البكتريا.

تقول مس كلارك ( واصفة وضع ذبابة المقارنة):" الذبابة تمر بمرحلة اليرقة والعذراء قبل ان تبلغ مرحلة النضوج. وفي مرحلة العذراء تكون محمية في شرنقة معزولة، ولاتأكل. نحن تنبأنا انهم لن ينتجوا الكثير من المضادات الحيوية".

وهم لم يفعلوا. وعلى كل حال جميع الييرقات اظهرت قدرة على انتاج المضاد الحيوي ( عدا يرقات ذبابة الفواكه).

جميع انواع الذباب الناضج انتجوا المضادات الحيوية، بما فيهم ذبابة الفواكه، التي في مرحلة النضوج تحتاج الى المضادات الحيوية لانها في تماس مع بقية انواع الذباب لكونها متحركة.

هذه الخاصية كانت موجودة على سطح جميع الانواع الاربعة، كما ان هذه الخاصية توجد في الامعاء ايضا. " نحن نجد النشاط في كلا المكانين" تقول الباحثة.
وتقول: "والسبب الذي ركزنا فيه على السطح لكونه المكان الاسهل". ((يعني المضادات توجد في كل مكان عدا الاجنحة، بحيث ان الحديث الشريف لامعنى له على الاطلاق، فكيف ماسقطت الذبابة وصل المضاد

المضادات الحيوية جرى استخراجها من خلال تغطيس الذبابة بالكحول ثم ترشيح المحلول من خلال شبكة نسيجية واستخراج العالق الخام.

عند وضع العالق الخام مع بكتريا بما فيه من الانواع E.coli, Golden Staph, Candida (خميرة) and a common hospital pathogen, جرى ملاحظة وجود تأثير مضاد حيوي في كل مرة. (وجود تأثير لايعني قضاء تام على البكتريا، او على جميع انواع البكتريا والفيروسات، بحيث كان من الافضل، طالما انه ينطق إعجاز، لو طلب غلي السوائل وليس تغطيس الذبابة فقط، لانه بذلك قدم حماية زائفة)

" الان نحاول التعرف على مكونات المضادات الحيوية وتحديدها". تقول مس كلارك، وفي النهاية سنقوم بإنتاج مركباتها صناعيا.

ولكون هذه المركبات ليست من بكتريا، محتمل، لن يكون من السهل على جزء من الجينات التي تصبح لديها مناعة ضدهم ان تتحول الى مسببات للامراض بسهولة. نتأمل ان هذا الشكل الجديد من المضادات الحيوية سيملك فترة فعالية علاجية اطول.


دعونا نتعرف على الذباب
الذباب له قدرة عجيبة على التكاثر، ففي خلال فصل واحد، ومن ذبابة واحدة ونسلها ينتج لدينا 25 مليون ذبابة. الذبابة الواحدة تضع مابين 100-150 بيضة في المرة الواحدة، وتقوم بوضع البيض 4-5 مرات على مدى حياتها التي تكون 3-4 اسابيع في الصيف و 3-4 اشهر في الشتاء. وكلما ازدادت الحرارة كلما زاد عدد البيض. في الظروف المثالية تنمو الذبابة خلال 9-13 اسبوع.

يوجد 60 الف نوع من الذباب. كل منهم قد يحمل بكتريا او فيروسات ممرضة الى درجة قاتلة، ومختلفة عن الاخرى. ان تكون الذبابة قادرة على انتاج مضادات حيوية لحماية نفسها من انواع البكتريا التي قد تصيبها لايعني انها محتاجة لانتاج مضادات لحماية نفسها من الانواع التي لاتصيبها. فهل عنى محمد ان الذباب ينتج مضادات حيوية لجميع انواع الفيروسات والبكتريا الممرضة التي ينقلها الذباب على اجنحتهم وعلى جسدهم وعلى اقدامهم وعلى خرطومهم، بحيث ان المضادات على جسدها يقتل البكتريا والفيروسات على اية حال؟ ولكن لماذا تعتبر الذباب ممرضة وتنقل امراض خطيرة اذن؟ هل نصدق تمنياتنا وتصوراتنا ونرفض الواقع؟

95% من الذباب الذي نلتقي به يوميا هو الذباب البيتي. Musca domestica. هذه الذبابة تتغذى من خلال فرز لعابها على المواد الغذائية لتحليلها ثم امتصاصها. وتنجذب الى جميع انواع الطعام او الجثث او الافرازات او الفضلات.
نوع اخر من الذباب نراه كثيرا هو ذباب الاستفراغات، حيث تنجذب الى رائحة الموتى لتضع بيوضها في الجثة. هذه الذبابة تسمى Caliphra vomitoria.
ذبابة الحصان نوع شائع في حظائر الحيوان، ومتخصص في ازعاج الحيوانات، وتسمى Musca autumnalis. هذه الذبابة تنشر مرض Parafilaria, الذي يسبب اخضرار اللحم ومرض بياض العين.
ذبابة الغابات Hydrotea Irritans والذي يميزها جوانب خضراء، تنشر مرض mastit.
ذبابة الجثث تسمى Sarcophaga carnaria, وتضع بيوضها في الجثة في حين ان الشرنقة تطمر نفسها في التراب.

توجد انواع من الذباب اللاسع، يتغذى على دماء الحيوان وحتى الانسان. اكثر هذه الجماعة شيوعا هي الذبابة Stomoxys calcitrans, وتنمو يرقاتها في مخلفات الحيوان وتسبب اختلالات عصبية وهرمونية عند الحيوان.

الامراض التي تنشرها
الذباب ينشر امراض فيروسية وبكترية وطفيلية على السواء، منها تسبب امراض الجهاز الهضمي عند الانسان والحيوان على السواء مثل مرض التيفوس والديسنتريا، والتيفوئيد. tyfus , dysenteri. و امراض مثل Parafilaria, mastit, وإلتهاب الكبد، والجمرة الخبيثة، والسلمونيلا ومرض الحمى القلاعية. ونتناول بعضها

كوليرا
تسببها بكتريا، تنتشر بفضل الذباب. يصاب المرء بإسهال شديد يؤدي الى الجفاف والموت.

Campylobacter
عائلة بكتريا تصيب الانسان والحيوان على السواء، وشائعة. بعض انواعها مثل Campylobacter jejuni and C. coli, تسبب امراض في المعدة والامعاء. ولكون الفضلات البشرية والحيوانية متلوثة بهذه البكتريا فإن الشكل الرئيسي لانتقال العدوى عن طريق الذباب. احيانا يصاب المرء Guillain-Barré المؤدي الى الشلل.

Shigella
بكتريا تنقلها الذباب وقريبة للسلمونيلا وتسبب تقلصات معوية وإسهال وارتفاع في درجة الحرارة وخروج دم مع الفضلات.

visceral leishmaniasis
مرض يصيب الكلاب والانسان، بسبب طفيلات تنقله ذبابة الرمل. sand flies التي تعيش في المناطق الحارة مثل الشرق الاوسط والمناطق المدارية. تسبب الحكة وتغييرات جلدية وتسبب الفشل الكلوي واضرار للكبد. وهو مرض مزمن لاعلاج له. والمرض ينتقل عبر لعاب الذبابة الى الدورة الدموية للضحية.

مرض النوم
ذبابة من نوع Tsetseflies, وهي من مجموعة ذباب Simulium تنقل الى الانسان protozo والذي بدوره يسبب له مرض النوم. وهو مرض ينتهي بالموت إذا لم يجري علاجه

mastit
مرض التهاب الثدي تسببه بكتريا Arcanobacterieum pyogenes التي تعيش على الاثداء، و التي تنقلها ذبابة الغابات من المراعي.

Onchocerciasis
عمى النهر، وسببه دودة طفيلية معوية. ويصاب به المرء عن طريق عضة ذبابة سوداء. الدودة تنتشر في كل انحاء الجسم وعندما تموت تسبب حكة وتقتل الانسجة المجاورة مثل العين.

الخلاصة
- الحديث يقول ان الافة والدواء على جناحي الذبابة، ولكن المصدر العلمي لايؤكد هذا الادعاء، بل يعارضه . ان الجناحيين ليسا معنيان بالامر، وبالتالي فالحديث لايتطابق مع الواقع من جهة مصدر العلاج ولا من جهة موقع العلة. ومثل هذه الثقوب لاتصدر عن آلهة.
2-الحديث قال (إذا) سقطت (فأغمس)، وهذه نصيحة خاطئة. هذا هو جوهر الامر. النصيحة خاطئة اساسا وجملة وتفصيلا، كان عليه ان يقول (|إذا سقطت أغلى الوعاء) ليدلل على معرفته وحسن نيته، خصوصا وانه علاج بسيط وفي متناول الجميع على مختلف العصور، ولكنه ضل واضل.
3-النصيحة ليست صالحة لأي زمان على الاطلاق، وتدل انها صادرة عن جاهل او قاتل. انها تزيد من احتمال الاصابة والموت، وتعطي حماية وهمية كاذبة تذكر بعلاج الكهنة.
4-إذا كانت النصيحة عن قوة خارقة عالمة فلابد انها آتية عن الشيطان وليس عن إله رحيم، فهي تهدف الى التأكد من موت الانسان وليس خلاصه. الاله الصحيح سينصح بالغلي وليس بزيادة احتمال المرض، خصوصا وان الغلي عملية بسيطة.
5- إذا كانت النصيحة عن محمد، كبشر، وحبا منه في تطمين الفقير جاهلا بما سيترتب على نصيحته الخاطئة صحيا، امر اقبله، فهي صادرة عن جاهل بحسن نية والى جاهل، ولكنها ليست اعجاز الا عند من لايفكر.

fredag 16 mars 2012

هل ان وجود الكون دليل على وجود الله؟


حسن الولهازي

هل أن وجود الكون دليل على وجود الله؟

يقوم الدين بعدّة وظائف، فهناك وظيفة نفسية تتمثّل في حماية الإنسان في حياته وطمأنته على مصيره بعد الموت، ووظيفة أخلاقية تتمثّل في دعوة الإنسان لإحترام غيره، ووظيفة معرفية تفسّر الظواهر الطبيعية والقضايا الماورائية.
ولكن الوظيفة النفعية للدين شيء والمشروعية المنطقية للدين شيء آخر. فإن كانت للدين وظائف إيجابية، فلا يعني ذلك بالضرورة أن الأسس التي ينبني عليها سليمة. فحتّى الوهم يمكن أن يخدم الإنسان. فإذا سلّمنا أن الأساس الرئيسي الذي ينبني عليه الدين هو وجود الله، فهل يمكن أن نسلّم بوجود الله؟ ثمّ إن كان إثبات وجود الله ينطلق من وجود الكون، فهل أن وجود الكون هو حجّة على وجود الله؟ فهل نحن عندما نتأمّل الكون نكتشف وجود لله أم نختلق وجوده؟ فهل أن الله موجود لأنّه موجود بالفعل أم هو موجود لأنّنا لا نستطيع أن نحيا بدون إله؟
عندما نقول إن وجود الله مُدْرَك من وجود الموجودات فإنّنا نقرّ ضمنيا:
أ‌- أن إدراكنا للموجودات يسبق إدراكنا لله.
ب‌- إن إدراكنا للموجودات مباشر ويتمّ بالحواس، فالموجود المادي يلزم فكري على الإعتراف بوجوده، بينما الله، ولأنّه مُدرَك من وجود الموجودات، لا يُدرك بالحواس وليس له وجود مادّي، أي أن الله لا يكشف عن نفسه مباشرة وإنّما وجوده يُستنتج بعد تفكير.
ت‌- عندما يفكّر الإنسان كيف وُجد الكون، ينتهي به التفكير إلى الإعتقاد في ضرورة وجود إله.

في حدود هذا المستوى ليس هناك مشكل. الخلط يقع في مرحلة ثانية.
ماذا يحصل عندما ينتهي التفكير بالإنسان إلى أن الله موجود؟
الحاصل هو أن الإنسان ينسحب ويربط بين الله والكون ربطا واقعيا وهذا هو الخطأ. فهو قد تناسى أنّه الوسيط الفكري الرّابط بين الله والكون. فهذا الرّبط الأخير ليس واقعيا ولا شهد به حواسّنا وإنّما هو ربط في الذّهن فحسب. قد يكون هناك إله فعلا ولكن لسنا متأكدين من أنّه موجود فعلا طالما أنّه ليس موجودا ماديا. فنحن هنا نشرّع بالفكر لوجود فعلي ومع ذلك ليس لنا حجّة واقعية على أنّه موجود فعلي.

على المتديّن أن يعترف أنّه ليس لنا سبيل لمعرفة هل خلقنا نحن الله أم إكتشفنا وجوده لأن وجوده يظلّ ينحدر من تأمّلنا في الكون. لمزيد الدقّة وجب يجب أن نقول إن وجود الله لا يُستنتج من وجود الموجودات وإنّما من وعينا بوجود الموجودات. (الوعي بالوجود استدلال منطقي، والاستدلال المنطقي مشروح لاحقا)

لو يمنح المتديّن هذه الفكرة القيمة التي تستحقّها، لقفز قفزة نوعية في وعيه بما يفعل. على المتديّن أن يجيب: كيف يحوّل علاقته التأملية بالكون (المستوى النظري) إلى علاقة إيجاد (المستوى الواقعي). إنّ المتديّن يمرّ ببساطة من متأمّل للكون إلى موجِد لله وجودا فعليا رغم أنّه لم يشاهد الله ولم يفعل غير التأمّل. إنّ المتدّين ومن حيث لا يشعر يرى في تغيّر موقفه من الواقع، تغيّرا في الواقع فعلا. وكأنّ الكون كان بدون إله (قبل التأمّل) وأصبح له إله (بعد التأمّل)، والحال أنّ التغيّر في النظرة لا في الكون. فالمتديّن، عوض أن يقول:"أعتقد أن الله موجود"، يقول:"الله موجود" في حين أن هناك فرقا كبيرا بينهما.

خلاصة القول إن الإنسان بمجرّد أن يشرع في التفكير في وجود الله، حتّى ينفيه لأنّ منهجية البحث تقتضي أن يوضع هو في الصدارة (أي الإنسان) وبذلك يكتسب مشروعية نظرية أي يقف موقف المشرّع أو النافي لوجود الله. وهذا هو السبب الذي جعل البعض ينتهي للإيمان والبعض الآخر للإلحاد، لأنّ القضية فكرية بحتة.
ومع كلّ ما قلناه فقد يُعترض علينا بالقول: إن كلّ ما قلناه لا ينفي وجود الله، فلأن ّ الله روح وليس مادّة، نحن مضطرّون للتأمّل في الكون وإكتشاف وجود الله من خلاله فما باليد حيلة. هكذا تجرى الأمور فالله نكتشف وجوده ولا نختلق وجوده.
على هذا الإعتراض ردّي هو التالي: هذه الفرضية واردة ويمكن أن يكون الله موجودا بالفعل ولكن بالنسبة لشخص يتمسّك بالحقيقة لا يمكن أن يحوّل الفرضية إلى حقيقة. فنحن إلى حدّ الآن لم ننته إلى أن الله موجود وإنّما إلى أن الله يمكن أن يوجد. وعلى المتديّن أن يعترف أنّه يتمسّك بفرضية.

فهل يمكن أن نتجاوز الفرضية إلى الحقيقة؟
يستحيل ذلك، طالما أن الله روح أو فكرة. فالفكر لا بدّ أن نقوّمه في إعتقاداته وهذا التقويم لا بدّ أن يكون أن يكون من خارج الفكر وبالتحديد من الواقع المادي هذا هو المنهج الضروري للحسم في المسألة. أما إذا تقوقع الفكر على نفسه فإنّه لا ينشئ إلاّ الترّهات.

لا شكّ أن القارئ يريد أن يسألني الآن السّؤال التالي: هل تريد أن ينتصب الله أمامك، وتلمسه بيديك لتسلّم بوجوده؟ بدون حرج أقول نعم. ليس هناك من سبيل آخر. هذا هو السبيل الوحيد للإيمان الحقّ. بدون ذلك،كيف سنفرّق بين إكتشافنا لوجود الله وإختلاقنا لوجوده؟
هل يعقل أن يكون هذا الكون قد وُجد صدفة؟ أليس من الضروري أن يكون هناك خالق لهذا الكون؟ أليس كلّ معلول له علّة؟ هذه أسئلة مشروعة ولكن لا يجب أن نسهو على أنّنا نحن الذين نسأل ونجيب، يعني نحن الذين نتوجّه إلى الله ونبحث عنه وليس الله هو الذي يفرض علينا وجوده. المهم هو أن لا نتخدّر بهذه الأسئلة فنَنْسَى أنّنا نحن الذين نفكّر ونسأل ونجيب... إنّ مسألة وجود الله هي مسألة نظرية مهما كان الموقف منها، فحتّى لو إعتقد المتديّن أن الله موجود فيجب أن يعي أنّه إتّخذ موقفا من مسألة. فمهما كانت نتيجة بحثه، فلا يخرج ذلك عن كونها فكرة مترتّبة عن نشاط الفكر.فلا يعقل لكونه إنتهى إلى أن الله موجود، أن يصبح فكره مؤسسا لوجود ما يعتقد. لكن قد نسأل هل: هل عندما أعتقد أن القلم الذي أمسكه موجود، هل يعني ذلك أنّه ليس موجودا فعلا وإنّما هو مجرّد إعتقاد. قد نقول قياسا على التحليل المقدم أن القلم غير موجود طالما أنّه مبني على إعتقاد وكلّ إعتقاد يحتمل الخطأ. على هذا الإعتراض أقول أن الأمر يختلف. وجود الأشياء المادية سابق على فكري، بينما تجاه "الموجودات الروحانية" فكري سابق عليها. فوجودها يتأسّس على فكري. الفرق بين المتديّن والفيلسوف هو أن المتديّن يفرز وجودا من التفكير بينما الفيلسوف يظلّ واعيا أنّه يفكّر حتّى ولو إعتقد في وجود ما هو غير مادي.

والحالة هذه لسائل أن يسأل لماذا الفيلسوف هو الوحيد الذي لا يتخدّر بهذا السّؤال الذي هو: هل يعقل أن يكون الكون وُجد صدفة؟ السبب هو أن الفيلسوف يعي بحيل العقل أثناء التفكير. فالعقل لا يعتبر نفسه قد فهم قضيّة إلاّ عندما يربطها بسبب، وإذا عُرف السبب زال العجب كما يقال.ووجه إستغراب الإنسان من الكون هو أنّه يجد نفسه أمام ظاهرة نتيجة لا يرى لها سببا ظاهرا، ولكن في نفس الوقت لا يستطيع أن يقبل هذه الظاهرة (الكون) بدون سبب. من هنا كان الله ضرورة عقلية تمكّن الإنسان من الكون. إلى هذا المستوى يقف المتديّن ولا يواصل إستدلاله العقلي ليتساءل:ومن خلق الله؟ فهو أيضا سؤال مشروع شأنه شأن السؤال الأوّل. فعندما نقول إن الكون لا يعقل أن يوجد بدون سبب وأن الله هو خالقه وأن هذا الخالق هو الموجود الأوّل ولم يصدر عن شيء سبقه، فإنّنا بذلك نكون قد فرضنا على العقل قبول ما لا يقبله. المسألة تكمن في: هل من المشروع أن نسأل: من خلق الله؟
*إن أجبنا بالنفي قلنا ليس هناك موضوعية في هذه الإجابة لأنّنا كشفنا عن إعتقادنا في وجود الله ونحن لازلنا في مرحلة البحث، فعلى أي أساس نقول نقول لا؟ وقولنا إنّه واجد ولا يمكن أن أن يوجد عن غيره لا يقنع العقل بالمرّة ولو كان يقنعه موجود بدون سبب لأقنعه أن الكون بدون سبب. ففي منطق العقل يتساوى الكون والله من حيث ضرورة تأطّر كلّ منهما في علاقة سببية بحيث يكون كلّ واحد منهما سببا لما يلحقه ونتيجة لما سبقه.
*وإن أجبنا بالإيجاب وإعتبرنا أن كلّ سبب هو نتيجة لا بد لها من سبب كانت سلسلة الأسباب لامتناهية وهكذا يعجز العقل عن الإجابة النهائية.
يتبين لنا ممّا سبق أن الأمر الذي فرض وجود الله فرضا هو النظر للكون على أنّه نتيجة. ولهذا نحن لا نعرف الله وإنما نعرفه بالكون،ولهذا أيضا عندما يقول البعض إن الله موجود ونجهل كنهه، فذلك لأنّنا لسنا في حاجة لكنهه وإنّما في حاجة لوجوده حتّى يصبح وجود الكون مقبولا عقليا.
خلاصة القول وجود الكون دليل على وجود الكون ولا يدلّ بشكل ثابت ويقيني على وجود غيره. وهكذا يكون التيقّن في مسألة وجود الله أمرا مستحيلا. فلا المتديّن أفضل من الملحد ولا الملحد أفضل من المتديّن. فالإنسان تجاه السؤال مطروح أعلاه بين وضعيتيْن مأسويتيْن إما أن يسلّم بوجود الله عشوائيا أن يتصالح مع الجهل، إمّا أن يكون مؤمنا دغمائيا أو جاهلا لاأدريا، عليه أن يختار.
حسن الولهازي
...

أن لا تقدر عديد المجتمعات أن تحيا بدون تدين لا يعني ذلك أن الدين ضرورة منطقية. فهل الوثنية ضرورية؟ أو المجوسية أو البوذية ...و ما نقوله عن هذه الأديان نقوله عن اليهودية والمسيحية والإسلام. طبعا سيقول المسلمون كيف تساوي بين الإسلام والوثنية، وسيقول اليهود كيف تساوي بين اليهودية والمجوسية. ليعرف هذا المعترض أن كلّ مجتمع معتزّ بدينه، وأن قيمة الوثنية عند الوثنيين هي عينها قيمة الإسلام عند المسلمين. كلّها أشكال تديّن. و تعدّد أشكال الدين دليل على أنّه إنتاج بشري.
وقد يسأل سائل لماذا يتطوّر الدين في الشكل لكن يظلّ ظاهرة ثابتة في المجتمع على إمتداد التاريخ؟
ثبات الدين في المجتمع متأتّ من ثبات العجز الإنساني. وسيظلّ هناك دين طالما هناك عجز. فالدين هو الذي يوهم الإنسان بحلول تسهّل عليه قبول المصائب. فكيف يحصل ذلك؟
خلق الإنسان الإله (صاحب القدرة التي لا تضاهى) وأوجد أشكالا من الممارسات السحرية (بالمعنى الأنتروبولوجي) التي تمكّنه عندما يأتيها بالظفر برضا الإله. طبعا من كانت القدرة العليا إلى جانبه لا يخيب. لم يخطئ ماركس عندما قال " الدين أفيون الشعب".
هذه الأفكار التي ذكرتها لا تلزمني إلا أنا وحدي. لا أسعى من وراء ذكرها إلى التأثير على أيّن كان. كلّ فرد حرّ في أفكاره.

onsdag 22 februari 2012

هل حقا اضطهدت قريش المسلمين؟

في روما القديمة، تماما كما في مكة، كانت هناك عشرات الالهة. كل فئة وطائفة وعشيرة كانت تملك الحق في ربها الخاص او مشاركة الاخرين آلهتهم في تسامح رائع لامثيل له. لم تكن هناك محظورات على العبادة او ابتداع عبادات جديدة ، فمالذي ادى الى إختلال هذا النظام وادى الى انتهاك هذه التقاليد وحفز اضطهاد المسيحيين في في روما واثينا والمسلمين الاوائل في مكة؟

عند قراءة التاريخ بتمعن نرى ان ذلك بدأ بظهور من يدعي ان إلهه وحده الاله الحقيقي الصحيح وكل ماعداه فاسد ويجب تحطيمه. ذلك بالذات الشئ الذي صار يخطب به بولص ، إذ إدعى ان الهه الجديد، الغير معروف في اثينا، هو الاله الصحيح والحقيقي. (Acts 17:23). على المنبر كان يبدأ بالوعظ مستخدما ليس كلمات موسى وابراهيم ، معلميه، وانما كلمات Epimenides, وهو " نبي" من كريتا استدعوه اليونانيين لمساعدتهم على التخلص من الطاعون. بعد زوال الطاعون، اصبح، بالطبع، الفضل الاكبر يعود للنبي ابيمنديس، ولذلك نجد ان بولص لايتوانى عن استغلال ذلك ايضا، فيعتبره نبي، (Tit. 1:12), من انبياء ربه، الرب الحقيقي، في معارضة ارباب اليونانيين الغير حقيقية والغير قادرة على مقاومة الطاعون.
في Acts 17:28 يقول باولص Paul:" بفضله نحن نحيا ونتحرك وموجودين، ومن بيننا يوجد الشعراء، حسب كلمته"(*). ولكن هذا الكلام مقتبس من (Cleanthes' Hymn to Zeus) حيث النص الاصلي يقول :" لاننا نحن ذرية، اخذت صورتها من كلمتك، كأشياء كثيرة ميتة وكالحياة مايتحرك على الارض" . وايضا يقول:" في كل شارع وكل ساحة هناك زيوس وحتى في البحار والموانئ يوجد هذا الاله، في كل مكان جميع الخلق مدينة لزيوس بالشكر، لاننا نحن فعلا ابناءه". ويقول:" انت تحيا وتعيش للابد، بك نحن نحيا ونتحرك ووجودنا متعلق فيك".(**)
وعلى الرغم من هذا التشابه، نجد ان المسيحيين هم الذين تعرضوا للاضطهاد وليس اتباع النبي الكريتي. مالسر في ذلك؟

عندما اراد الامبراطور الروماني Septimus Severus توحيد شعوب الامبراطورية، رأى ان ذلك يتم من خلال وجود إله مرزكي يمثل الامة. لقد اقترح الأله الشمس Sol Invictus لكونه مركزي يضيئ فوق كل الامبراطورية، وغالبية الشعوب تؤمن به كجزء من منظومتها العقائدية. لم يكن إلها جديدا، ولكن الاهم ان وجوده لن يعني إلغاء الآلهة الاخرى،. فجميع الآلهة ستبقى ويكفي ان اتباعها يعترفون بالشمس إلها مركزياً، يوحدهم مع الامة ولا يلغيهم. هذه النظرة لم تكن موجودة او مقبولة في الاديان الابراهيمية. ان المحور الرئيسي للدين الابراهيمي هو اقصاء الاخر تماما، والوقوف فوقه. وهذا يبدو سببا كافيا لاستفزاز الاخرين، خصوصا في البدايات حيث كانوا الاكثرية. الايعني ذلك ان اضطهاد المسيحيين، جرى بسبب سلوك المسيحيين انفسهم؟

في مكة نجد الصورة نفسها تكرر. لم يكن اهل قريش يمانعون في عبادة الله، الذي كان احد آلهتهم في الواقع، والذي كانوا يعبدونه في افضل صوره وهو القمر، الذي يملك تأثيرا حاسما على حياة البدو العرب. مالذي جعلهم يفقدون تسامحهم المعهود اذن؟ بالذات ان محمد هو الذي لم يكن متسامحا، وانما كان يصر على إهانة معتقداتهم والازدراء بها وتحطيمها والقضاء عليها بدون اي احترام لمعتنقيها. ان سلوك محمد هو الذي حفز السلوك المعادي ضده، وليس العكس.

الا يفسر ذلك اسباب موجات العداء التي تتزايد للاسلام في العالم بعد انتشار المسلمين في جميع انحاء العالم، وبعد ان تقبلهم العالم غير عالما بطريقة تفكيرهم وحدود تسامحهم؟ ان التسامح والاحترام لايمكن ان يكونا في إتجاه واحد، كما يطالب المسلمون.

(*)"For by him we have life and move and exist, even as certain ones of the poets among YOU have said, ‘For we are also his progeny.’"
(**)"For we are Thy offspring, taking the image only of Thy voice, as many mortal things as live and move upon the earth." (Aratus' Phænomena 'Natural Appearances') "For every street, every market-place is full of Zeus. Even the sea and the harbour are full of this deity. Everywhere everyone is indebted to Zeus. For we are indeed his offspring." (Epimenides' Cretica 'Cretan') "Thou livest and abidest forever, for in thee we live and move and have our being."


تطور مفهوم الجحيم والشيطان



hel


ربة الخصب التي اصبحت الجحيم
هيليوس Helios كلمة يونانية وتعني الشمس. في الالمانية يقال هيل hell ، وتعني المشرق، الضياء، في حين ان كلمة Hölle تعني الجحيم. في السويدية كلمة hel تعني الكامل وفي الاصل كانت تنطق hole وتعني الثقب. وكلمة Hel في القديم اسطورة شمالية عن الالهة والمكان، يسمى Hela. . آيتو وبارتريدج Ayto and Partridge كلاهما يقولان ان مفهوم الجحيم، في الاصل كان لايتجاوز إطار معنى "المكان المخفي" وهي كلمة تتشابه في التعبير مع كلمة الطريق المسدود.

على الدوام يخلق ذهن الانسان علاقة يربط فيها الانسانية، ذاته ومعايشاته وإسقاطاته، بالطبيعة الكونية. الارض غالبا تاخذ دورا انثويا ، في تصوراتنا، من حيث انها الخصب والعطاء، والسماء تكون مُذكرة، عدا في مصر القديمة، حيث ربة السماء آمون. في الشرق الاقصى نجد، نجد المفاهيم اخذت مسارات مختلفة، فهناك الدوائر الكونية yin-yang منقسمة بين قوتين متعارضتين ولكن متساويتين في وحدة واحدة منسجمة. القسم الاعلى يانغ والادنى ين. كل شئ في الكون هو نتيجة تفاعلهم الداخلي المتبادل. وهم يمثلون احجية الخلق ويرمزون الى الثنائية التي نعايشها في كل شئ: الارض والسماء، الانثى والذكر، النور والظلام.

في الكلمة " هيل"، والمفاهيم المركبة حولها، لم يكن هناك شيطان ولا جحيم، بالمعنى الابراهيمي الراهن للكلمة. والجذر الاصلي للكلمة " هيل" كان، على مايبدو، يشير الى الارض، بمعنى المصدر ورحم التطور واليه المعاد. والارجح ان جذر الكلمة القديم منحدر من الكلمة الهندواوروبية kel وتعني الغطاء والاخفاء، وهي الكلمة التي جرى اشتقاق عدة كلمات منها في اللغة الانكليزية، بما فيهم كلمتين حديثتين khallo and khaljo. ( الاولى تعني صالة والثانية تعني جحيم).
في حين نجد ان Wîtedom, وهي كلمة سكسونية كانت تعني " الحكمة القادمة من مصدر فوق البشري"، بمعنى الحكمة او الالهام، والذي على اساسه نشأ مفهوم wisdom, ومعه الوعي بعري الانسان شكلا شكل من اشكال الجحيم على الارض، مرتبطة مفهوميا كنتيجة لأكل آدم وحواء لثمرة المعرفة المحرمة.

يكتب سارتر في هيوس كلوس (Huis Clos): " اشار الخبراء ، اعتمادا على النصوص القديمة الباقية، ان هيل لم تكن ربة شمالية شريرة وبقيت كذلك الى ان تأثرت صورتها بالمسيحية المستوردة.. لم تمارس ( الربة هيل) اية اعمال شريرة وانما كانت حزينة او مصابة بالكآبة. قصرها كان في عالم الآلهة وكانت تستقبل ارواح الاموات بسلام وطمئنينة، ولم يكن هناك تعذيب او وحشية او سادية، كانت ربة رحم التجديد ".. كافة الدلائل تشير الى ان الربة هيل، كانت في الاصل، لدى شعوب اوروبا المشالية، ربة الخصب المعادل لعشتار، حتى جاءت المسيحية فجعلتها الجحيم.


في انسكلوبيديا كامبتون، نجد النص التالي: " اصل ربة الجحيم Hellia لم يكن له علاقة بالموت او التعذيب، انها تقوم بمسك ارواح الاموات وابقائهم في مملكتها. فكرة مكان الجحيم جرى تطويرها من اللغط الوثني الى جهنم المسيحية تحت الارض، مرفقة بالتعذيب وجميع مظاهر الوحشية الاخرى، لكون الشعوب كانت وثنية ولكون الكنيسة وجدت ذلك عذرا كافيا لربط ضياع روح الوثني بالتعذيب اللاهوتي الوحشي".
Compton's Encyclopedia Online echo Jacob Grimm

في انسكلوبيديا المرأة، تقول باربار والتر:" وعلى ارغم من ان اللاهوت المسييحي اقتبس اسم جهنم من اسم ربة، ولكن ذلك كان اسم لمكان مختلف عن مكان الجحيم المسيحي، ومختلف عن مفهوم رحم التجديد. السابقين لم يروا في " المكان المخفي" تحت الارض على انه مكان للعقاب بالدرجة الاولى. كان مكانا مظلما، ومثير وغامض ولكنه ليس غرفة تعذيب هائلة لاشباع سادية الرب".
[p.312]. In her Woman's Encyclopedia Barbara Walker

الامر نفسه نجده لدى شعوب اخرى مثل الهند والشرق الاقصى، بل وحتى مفهوم الجحيم في مصر القديمة وبلاد حوض الرافدين في العصر البابلي وحتى ظهور الابراهيمية التي قضت على المفاهيم الانسانية القديمة..

عن دراسة لطريف سردست

måndag 30 januari 2012

هل يتعارض قانون الثرموديناميك الثاني مع نظرية التطور؟


يكتب احد الزملاء قائلا:
يخرج علينا البعض بالادعاء ان قانون الثرموديناميك الثاني يتعارض مع نظرية التطور.. غير اننا نعلم ان الكون يملك الاف من عمليات التحول الى التعقيد، وبالتالي، يفترض ان يرفض الاعتراف بحدوثها ايضا وعدم الاكتفاء برفض الاعتراف بحدوث التطور، بحجة القانون الثاني للديناميكية الحرارية. بمعنى اخر هل يعني حدوث التعقيد، انتهاك للقانون الثاني، ام ان فهمنا لكلا الطرفين هو الذي يحتاج الى إعادة دراسة؟


يقول القانون الثاني للديناميكا الحرارية:
1-من المستحيل أن تنتقل كمية من الحرارة من جسم عند درجة حرارة منخفضة إلى جسم عند درجة حرارة مرتفعة إلا ببذل شغل من الخارج.
2- يتزايد أنتروبية أي نظام معزول مع الوقت، ويميل لكي يصل إلى نهاية عظمى سواء في النظام المعزول أو في الكون (على اساس ان الكون ككل يفترض انه نظام معزول).
3-من المستحيل تحويل الطاقة الحرارية بأكملها إلى شغل بوساطة عملية دورية.
 

 
زيادة التعقيد ما بين الأنثروبي وشياطين ماكسويل
في بداية القرن التاسع عشر قام سادي كارنو "Sadi Carnot" بصياغة المبدأ الثاني للثرموديناميك والذي يؤكد على تزايد الانثروبي "Entropy" في أي نظام مغلق، أو - بكلمات أقل تعقيداً – زيادة الفوضى والاضطراب في أي نظام معقد وبالتالي يحدث تلف محتوم وتتلاشى البنية المعقدة تماماً بمرور الوقت وينفرط عقدها. ويبدو أن التطور يتعارض تماماً مع هذا، فالتطور يجعل الكائنات تزداد تعقيداً بمرور الوقت وليس العكس؟! والأمر لا يقتصر على التطور فقط بل أن نمو جنين أو طفل يشمل زيادة تعقيد جسمه، وبالمثل تكون كوكب أو نجم هو أيضاً زيادة في التعقيد!! باختصار نحن نعرف العديد من المجموعات المادية المركبة القادرة على تعقيد نفسها بنفسها وهي تفعل ذلك بالفعل إذا ما ساعدتها الظروف فأين يكمن الخلل وما سبب هذا التناقض الظاهري؟!

على صعيد آخر هناك تجربة شهيرة تثبت خطأ مبدأ "كارنو"، وهي تعرف باسم مفارقة شياطين ماكسويل(2) والفكرة باختصار هي أن نملأ غرفة محكمة الإغلاق بغاز، ونفصلها إلى حجرتين أصغر (أ) و(ب) بواسطة حاجز مثقوب بثقب صغير، في البداية الضغط سيكون متساوي في الحجرتين وكما نعلم فالغاز ما هو إلا مجموعة من الجزيئات تتحرك باستمرار، وهذه الحركة قد تجعل الجزيئات تنتقل من القسم (أ) إلى القسم (ب) وبالعكس، والمنتظر أن تتساوى الجزيئات التي تتحرك في الاتجاه أ ب مع تلك التي تتحرك في الاتجاه ب أ وبالتالي يظل الضغط متساوي في القسمين (أ، ب) والنظام بأكمله يكون في حاله توازن. ولكن دعونا نتخيل أن شيطان يحرس الثقب، وعندما يرى جزيئة ستمر من (أ) إلى (ب) فإنه يسمح بذلك ولكنه لا يسمح بحدوث العكس، أي يمنع مرور الجزيئات من (ب) إلى (أ) عن طريق غلق الثقب أمامها. من الواضح أن هذه العملية على المدى الطويل ستؤدي لانتقال الغاز بأكمله إلى القسم (ب) وسيصبح القسم (أ) فارغ، أي ستنتهي حالة التوازن البدائية ويزيد الضغط في قسم على حساب الآخر، فكيف حدث هذا بالرغم من تناقضه مع مبدأ كارنو؟!

في الواقع لا توجد مفارقة بالمرة ولا يوجد تناقض، لأن عمل الشيطان يلغي الفرضية الأساسية التي يقوم عليها برهان زيادة الانثروبي، فالمبدأ الثاني للثرموديناميك ينطبق على بنيات معزولة بالفرض، وللأسف لم يتم دائماً توضيح هذه النقطة بشكل كاف، والتي بدونها لن يعود لمبدأ كارنو أي سند. أي أن السؤال الأول الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا قبل الشروع في حل أي من المفارقات السابقة هو: هل البنية التي ندرسها معزولة؟ الإجابة في المعتاد لا بالتأكيد، فالبنية الوحيدة المعزولة فعلاً هي الكون نفسه، لكن المجوعة الشمسية والأرض والكواكب والنجوم التي تنشأ والكائنات الحية التي تتطور والطفل الصغير الذي ينمو .... الخ كل هذه المجموعات غير معزولة بالمرة بل هي مجموعات مخترقة تتلقى واردات من الخارج تساعدها في زيادة تعقيدها على حساب مصادر أخرى. فلا التطور يتعارض مع المبدأ الثاني للثرموديناميك ولا شياطين ماكسويل تلغي المبدأ الثاني.

المثال الخاص بشياطين ماكسويل يمكنه أن يقدم لنا نموذج جيد لفهم التطور. فالطفرات تحدث بصورة عشوائية (تماماً مثل حركة الجزيئات في الغرفتين) والانتخاب الطبيعي يلعب دور شيطان ماكسويل فهو يسمح للطفرات المفيدة فقط بالمرور إلى الأجيال التالية ويستبعد الطفرات الضارة وبالتالي يسمح بزيادة التعقيد باستمرار. ولكن هل يجب أن يكون "الشيطان" واعي لما يفعله؟! بكلمات أخرى هل يجب أن يكون هناك عقل مفكر حتى يزداد التعقيد في منظومة ما؟ دعوني أقص عليكم هذه القصة فهي تحمل بين طياتها إجابة هذا السؤال.

في أحد الضواحي الريفية القريبة من دنفر (تقع في ولاية كولورادو في الولايات المتحدة) عام 1951، جاءت بلاغات غريبة من المزارعين(3) ، فالبعض لاحظ ظهور أمراض غير مفهومة لحيوانات المزرعة والبعض عانى من وفاة بعض حيواناته وطيوره الداجنة. أيضاً جاءت بلاغات عديدة عن اصفرار أوراق النباتات وفشل بعض المحاصيل في أكمال دورة حياتها بصورة طبيعية، كما أبيدت بعض المحاصيل عن أخرها، وجاءت أيضاً بلاغات عن إصابة بعض المزارعين بأمراض غير مفهومة. الأمر كان كارثة بحق، كان هناك وباء في المنطقة، لكنه وباء من نوع عجيب أصاب جميع الأحياء من نبات وطيور وحيوانات وبشر!! المهم، وبدون الاستطراد كثيراً، بدأت الجهات الفيدرالية في الولاية بالتعاون مع عدة شركات وعدة ولايات أخرى في بحث الأمر، وأتضح أن سبب كل هذا هو تلوث المياه بمادة4-dichlorophenoxy acetic acid تعرف اختصاراً باسم 2-4-D، الشكل التالي يوضح البنية الجزيئية لها C8H6Cl2O3، وهكذا أصبح الأمر مفهوم، فمادة مثل هذه بالكميات التي وجدت بها في المياه كافية لتفسير سبب هذه الكوارث، ولكن، تُرى من الذي قام بتصنيع هذه المادة بهذه الكميات المهولة وقام بتلويث المياه بها؟ وكيف وصل لهذه التكنولوجيا التصنيعية التي كانت جديدة في هذا الوقت؟ وما هو هدفه من إيذاء الناس وتدمير المحاصيل وتسميم الحيوانات والطيور بهذه الطريقة المرعبة؟!

2,4-dichlorophenoxy acetic acid


قبل أن أجيب عن التساؤلات السابقة، أودّ ذكر بعض المعلومات عن مادة الـ 2,4-d. هذه المادة تعتبر من الأوكسينات (auxin) (الأوكسينات هي منظمات نمو أو هرمونات نباتيه ينتجها النبات لتقوم بتنظيم معدل نموه)، ولم يبدأ تصنيعها إلا في عام 1941. كان هناك رغبة مُلحة للحصول على أوكسين نباتي فالاستخدامات التجارية له ستكون كثيرة للغاية، ولكن كانت المشكلة أن النبات ينتج هذه المواد بكميات قليلة جداً بالإضافة لأنها مواد غير ثابتة بالمرة وتتحل بسرعة واستخلاصها من النبات عملية شاقة للغاية وهي وأن كانت مفيدة في نطاق الأبحاث العلمية إلا أنها ستكون غير مجدية بالمرة للاستخدام التجاري، وبالتالي فقد حاول الكيميائيون تصنيعه بدلاً من استخلاصه من النباتات، ولم تكلل هذه المحاولات بالنجاح إلا في أربعينات القرن الماضي عندما تم تصنيع الـ 2,4-D لأول مرة وبتكلفة منخفضة نسبياً (مقارناً بالعائد الناتج من استخدامها). وبالفعل أصبح لها تطبيقات تجارية وعلمية عديدة، فهي تستخدم لتنظيم نمو النباتات حسب الرغبة والتحكم في مواعد الأثمار كما يمكن استخدامها بتركيزات عالية نسبياً لجعل النبات ينمو بمعدل سريع جداُ يؤدي لتدميره – وبالتالي تستخدم كمبيد للأعشاب الضارة – أيضاً أصبحت هذه المادة جزء رئيسي من كيماويات جميع معامل زراعة الأنسجة في أنحاء العالم(4)، باختصار إنتاج هذه المادة صناعياً كان إنجاز بشري رائع فتح أبواب عديدة لإنجازات ضخمة للغاية على الصعيد العلمي والتجاري.

والآن نعود لهذا اللعين الذي قام بإنتاج هذه المادة ونحن في أشد درجات الدهشة. لو كان باع هذه المادة لحصل على ثروة طائلة وأفاد نفسه وأفاد البشر، بدلاً من إلقائها هكذا ليضيع ثروة من بين يديه ويدمر صحة البشر والحيوانات ويتلف الكثير من النباتات!!

في الواقع يا أعزائي من فعل هذه الفعلة لم يكن "يعي" أنه بفعلته هذه يؤذي الناس ولم يهدف إطلاقاً لإيذاء أحد بل أكثر من هذا، من قام بهذه الفعلة لم يكن يدرك ما يفعله على الإطلاق، باختصار شديد من قام بتركيب هذه المادة المعقدة هو أحد شياطين ماكسويل

بعد دراسات طويلة ودقيقة اتضحت تفاصيل القصة كاملة، ففي عام 1943 كانت ترسانة السلاح الكيماوي للجيش في روكي ماونتن (القريبة من دنفر) تقوم بتصنيع بعض المواد الحربية، ثم بعد 8 سنوات قامت بتأجير الموقع لإحدى شركات البترول الخاصة التي كانت تخطط لتصنيع بعض المبيدات الحشرية، بعد هذا بقليل جاءت البلاغات الغامضة. ولكن الجيش لم يكن ينتج مادة الـ 2,4-D وشركة المبيدات الحشرية لم تكن تنتجها أيضاً (في الواقع شركة المبيدات الحشرية لم تكن قد قامت بتغيير خطوط الإنتاج أو بفعل أي شيء بعد، فقط هي استلمت الموقع ثم بدأت البلاغات تأتي). الذي حدث كان كالتالي، أحواض النفايات الخاصة بالجيش التي كانت تستقبل المواد الكيمائية الفائضة من عمليات التصنيع الحربية، من كلوريدات وأملاح حامض الفوسفونيك وفلوريدات وزرنيخ وخلافة، لم تتحمل التفاعلات التي تحدث بين هذه الكيماويات فبدأت جدرانها بالتآكل مما سمح لهذه الكيماويات بالرشح إلى الخارج لتختلط بالمياه الجوفية وتحملها إلى مناطق أخرى وتحت تأثير الهواء والشمس بدأت الكيماويات تتفاعل لتنتج مركبات أخرى على أسطح الصخور وتبدأ في دورة أخرى من التفاعلات، وفي خلال ما يقرب من 8 سنوات تم تصنيع مادة الـ 2,4-d بكميات خرافية بطريقة تلقائية وبدون أدنى تدخل واعي. وانتقلت المادة مع المياه الجوفية إلى القرية المنكوبة لتسبب مأساة. مجموعة من العناصر البسيطة كلور Cl ، أكسجين O، ... الخ، بالإضافة لضوء الشمس والهواء والماء أدت لإنتاج مراكب على درجة عالية من التعقيد. هذا أحد الأمثلة على تكون تعقيد تلقائي بدون أدنى تدخل "واعي" أو موجه.

måndag 16 januari 2012

من الله الى الكمبيوتر

من الله الى الكمبيوتر

اينشتاين كان يشعر بعدم الارتياح لكون العالم يعطي الامكانية لوصفه بالمعادلات الرياضية. غير ان الفيلسوف Nick Boström يجد ان ذلك يدلل على ان الكون جرى صنعه من قبل كمبيوتر يستخدم برنامج قائم على الرياضيات والمعادلات البسيطة. فهل العالم الفيزيائي نتيجة لطبيعته ام بسبب خالق إله ام مُبرمج؟






القول ان الكون نتاج computer simulation (محاكاة بالكمبيوتر) سيرفضه غالبية العلماء ويعتبروه هراء. غير انه يوجد بضعة علماء يعتقدون بجدية ان العالم وهم كمبيوتري. ويدعون انه عثروا على مؤشرات تدلل ان العالم الفيزيائي انتاج كمبيوتر

لربما نتذكر الفيلم The matrix, والحلقة الثانية منه والتي تسمى Matrix Reloaded, وتدور عن ان البشر يعيشون في virtual universe, (عالم افتراضي) جرى انتاجه بالمحاكاة الكمبيوترية. فكرة الفيلم تعبر عنها الفكرة الفلسفية في السؤال التالي:
هل تعيش في عالم حقيقي ام اصطناعي؟
الفكرة ليست بالجديدة، إذ منذ عصر الفلاسفة الاغريق كانت البشرية تتسائل فيما إذا كان العالم حقيقي ام وهم خلقه خيالنا. في الهندوسية والفلسفة الشرقية يأخذ الامر ابعادا اكبر إذ يسعى الانسان للاتحاد مع الفكرة الاصلية التي يكون الانسان جزء منها.

غالبية الناس يحاولون التخلص من مثل هذه الافكار غير انه يوجد باحثين يعملون بكل جدية على التحقق من هذه الفكرة. الفرضية الاستفزازية التي يضعونها تقول ان العالم بأسره عبارة عن برنامج يتحكم فيه كمبيوتر هائل.

البراهين على هذه الفرضية توجد في كل شئ حولنا. العالم الفيزيائي يمكن وصفه بإستخدام ارقام صغيرة ومعادلات بسيطة، وهذا بالذات الذي يجعله عالم ظاهري، يتطابق مع عوالم المحاكاة الكمبيوترية.

نلاحظ مثلا ان جميع المكونات البيلوجية والكيمائية المعقدة تقوم على اقل من مئة عنصر اساسي، وجميعها تتكون من بنية الالكترون والبروتون والنيترون. وهذه المكونات الثلاثة يمسكهم اربعة قوى وفقط الجاذبية الارضية نشعر بها مباشرة. وخلف هذا الكون المعقد يوجد موديل بسيط. وحسب اينشتاين فإن اكبر العقد ان الكون يسمح لنا بوصفه بمعادلات رياضية.

الفيلسوف نيك بوستروم، الذي يدافع عن فكرة ان العالم عبارة عن مجرد محاكاة كمبيوترية، عدا عن إمكانية وصف العالم بالمعادلات، يحتج بالمنطق الفلسفي. ينطلق من الافتراض ان الكمبوتر سيصل يوما ما الى مستوى يستطيع فيه محاكاة الوعي الانساني المعقد كاملا. عند الوصول الى هذا المستوى سيكون من السهل تركيب البرنامج في بيئة طبيعية تسمح له بالتطور. بذلك يكون تم خلق عالم اصطناعي. وهو يقدم ثلاثة إمكانيات لاستمرار هذا التطور.

الامكانية الاولى ان البشرية ستنقرض قبل ان نتمكن من الوصول الى هذه المحاكاة. عندها لامشكلة، إذ ذلك يعني ان الكون حقيقة.
الامكانية الثانية اننا نتمكن من تطوير هذا التكنيك ولكن نمنع استخدامه بسبب الاخطار الاخلاقية المحتملة والغير ممكن التنبوء بها. ولكن منذ متى كان الانسان يمتنع عن استخدام تكنيك جديد لاسباب اخلاقية؟
الامكانية الثالثة ةالاخيرة والاكثر احتمالا، حسب بوستروم، ان نتمكن من تطويرها ونستخدمها. وإذا تحقق ذلك فإن العوالم الافتراضية ستتزايد بسرعة. الكثير من البشر، على الاغلب، ستصبح آلهة تملك عالمها الخاص لايخاصمها فيه إله اخر حتى لايفسد ولكون لايستحق الخصام، فالعوالم الافتراضية يمكن خلقها بلا نهاية. ولكن عندما تصبح العوالم الافتراضية اكثر من العوالم الفعلية فذلك سيعني ان عالمنا، على الاغلب، افتراضي بدوره.

بصريا يبدو الكون ثابت ومادي ولكن ذلك ليس برهان على انه ليس افتراضي. هذه الثقة والقناعة القوية يمكن ان تكون ناتجة عن اننا ملتصقين بمنطق اللوغاريتم الذي يشكل ذاتنا ويجعلنا واحد مع العالم الافتراضي. فكر مثلا كيف ستقوم شخصية من شخصيات اللعبة الكمبيوترية بالتعايش مع عالمها إذا استوعبت ذلك على انه الحقيقة الفيزيائية. للاسف لانستطيع تجربة النظرية او الكشف عن الوجود للكمبيوتر الذي يديرها. هذا النوع من المعلومات لن يكون موجود في عالمنا الافتراضي. وشخصيات اللعبة الكمبيوترية، مهما اكتسبت من وعي، ايضا غير قادرة على إكتشاف ان عالمها افتراضي، اصطناعي، لان المعلومات ليست مخزنة في البرنامج .

ولكن، في هذه الحالة، من المحتمل اننا نستطيع الحصول على عينات من البراهين الضعيفة ولكن المميزة لمثل هذا الوضع. غالبية الكمبيوترات تملك في طياتها خطأ ما كما ان المُبرمِجين لايستطيعون الوقوف متفرجين بدون التتدخل في شؤون برامجهم وقتا طويلا. هذا النوع من المؤثرات سيسبب انقطاع غير منطقي ، غير لوغارتمي، في سلسلة مجرى الحوادث. بمعنى اخر ستظهر في عالمنا ظواهر غير طبيعية تتناقض وقوانين الطبيعة السارية والفعالة.

إذا وثقنا هذا النوع من الظواهر ووصلنا الى مرحلة الاعتراف بعدم وجود تفسير لها، سيعني ذلك ان الاعجازات الدينية والقدرة على التنبوء او النبوءات clairvoyance وعمليا كل شئ لاتفسير منطقي له، سيكون مؤشر على اعطال في الكمبيوتر استدعت تغيير في المكثفات او الذاكرة او تتدخلات المُبرمج لتطوير البرنامج او دفعه في اتجاه معين. إذا كان السبب الاخير هو الصحيح يجب علينا ان نتساءل ماهو الهدف من ذلك؟ هل ذلك مجرد لعبة من اجل المتعة وتضيع الوقت، عندها سيكون علينا اتباع الحذر والحذاقة والحرفية التي تمنع اخراجنا من اللعبة بسرعة. اما إذا كان ذلك برنامج لتجربة عوامل الصدامات والاوبئة فعلينا ان نكون هادئين ومتعقلين ونكتشف الوسائل التي تحييد نشوء هذه العوامل.


مُبرمج أم إله؟

وكما هو العادة تملك النظرية العديد من النقد والناقدين. يقول بعض النقاد ان الانسان على الدوام كان يفسر العالم من منظور سقفه المعرفي الثقافي. الانسان المبكر، مثلا، اخترع الله على صورته وصورة عالمه وزاد له بالقدرة ليكون قادر على الاجابة على كل الاسئلة، في حين ان الانسان اليوم، في عصر المعلومات، يحشر الكمبيوتر، الذي يشكل ثقافته الجديدة، ليصبح جزء من كل شئ، بمافيه جزء من صورة الله القديمة. وهذا الامر لايفسر لنا نشوء الكون نفسه بقدر مايخبرنا عن طبيعة تفكير الانسان في فهم العالم.

غير ان هذه النظرية يمكن ان تصبح مثيرة للاهتمام فعلا عندما يتمكن الانسان من الوصول الى برنامج قادر على محاكاة وعي الانسان.
طريف سردست

måndag 9 januari 2012

حقيقة الحضارة الاسلامية، للشيخ ناصر بن حمد الفهد


  بسم الله الرحمن الرحيم

تنبيه

هذه المذكرة جواب عمَّن جعل حضارة الإسلام هي النبوغ في علوم الفلاسفة والملاحدة وجعلها هي تشييد المباني وزخرفة المساجد ، وجعل علماء الإسلام هم الملاحدة كابن سينا والفارابي ونحوهم ، أسأل الله تعالى أن ينفعهم بها وصلى الله على محمد .



بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فإن الفتن في هذه الأزمان قد تتابعت كقطع الليل ، وأحييت معالم الدَّهْمَاء ، وأثير نقع الفتن واستوري زناد الهَزَاهِز :

إذا لهب من جانب باخ شره       ذكا لهب من جانب فتضرما


ولكن مستثار الفتنة وعرصة غيِّها هو فيما حازه الكفار من زخارف الدنيا التي فَتَحها الله عليهم ، فإنها قد بلبلت كثيراً من المسلمين ، فمنهم من انسلخ عن دينه والعياذ بالله ؟ ومنهم من بقي حائراً ، ومنهم من ثبت على دينه على دَخَنٍ ، ومنهم من لم يرفع بهذه الفتنة رأساً ولم يلق لها بالاً وثبت على دينه ثبات الجبال الرواسي .
والمقصود هنا فريق من المسلمين ثبتوا على دينهم ، ولكنَّ نقعاً من هذه الفتنة أصابهم ، وذلك أنهم حاولوا إبراز محاسن الإسلام للكافرين ، وأن المسلمين كانوا في حضارة وعلم من جنس حضارتهم وعلومهم ، فهؤلاء صحت ألفاظهم وأخطأت معانيهم ، فالإسلام هو دين الحق والعلم والحضارة ، ولكنها حضارة غيرُ الحضارة وعلمٌ غير العلم :

سارت مشرقة وسرت مغرباً      شتان بين مشرقٍ ومغرب


فحضارتهم دنيوية زائلة ، وحضارة المسلمين دينية نبوية باقية ، وعلومهم دنيوية دنيه ، وعلوم المسلمين شرعية ربانية :

سلفيةٌ سنيةٌ نبويةٌ      ليسوا أولي شطحٍ ولا هذيانِ


وقد كتبت هذا البحث ونقلت فيه كلام الأئمة الأعلام حول هذا الموضوع ، وقسَّمته إلى أربع فصول :
فالفصل الأول : عن الحضارة الإسلامية وعلاقتها بالعلم الشرعي .
والفصل الثاني : عن العلوم الدنيوية التي قيل إن المسلمين برعوا فيها وحكمها شرعاً .
والفصل الثالث : عن العلماء المسلمين الذين قيل إنهم برعوا في هذه العلوم وحكمهم شرعاً .

والفصل الرابع : عن الشبهات التي قد ترد حول هذا الموضوع وردها .
هذا وما كان في هذا البحث من صواب فمن الله والحمد لله على ذلك ، وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان وأستغفر الله .
وأخيراً ، أسأل الله تعالى أن يجعل هذا البحث خالصاً لوجهه الكريم ، وأن ينفع به من قرأه . وصلى الله على محمد .



الفصل الأول : الحضارة الإسلامية والعلم الشرعي

إن الحضارة الإٍسلامية الصحيحة هي التي وجدت في القرون المفضلة ، في وقت الصحابة والتابعين ، وأئمة الدين ، فريق الهدى ، وأشياع الحق ، وكتائب الله في أرضه ، الذين بلغوا من الدين والعلم والقوة غاية ليس وراءها مطلع لناظر ، ولا زيادة لمستزيد ، ففتحوا البلدان ، وشيدوا الأركان ، ودانت لهم الأمم ، وتداعت لهم الشعوب :


ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا     وإن نحن أومأنا إلى الناس وقّفوا


هم الذين قال فيهم الرسول r : ( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )[1] ، أولئك هم ( أبر الأمة قلوباً ، وأعمقها علوماً ، وأقلها تكلفاً ، وأقومها هدياً ، وأحسنها حالاً )[2]


وهم النجوم لكل عبدٍ سائرٍ     يبغي الإله وجنة الحيوانِ

وسواهم والله قطّاع الطـ     ـريق أئمةٌ تدعو إلى النيرانِ


فَمن كان مفاخراً فليفاخِرْ بهم ، ومن كان مكاثراً فليكاثرْ بهم ، فدينهم هو الدين ، وعلمهم هو العلم . مكّن الله لهم في الأرض ففتحوا الدنيا وحكموا العالم في مدةٍ لا يبلغ فيها الرضيع أن يفطم .

قال الذهبي رحمه الله تعالى : ( واستولى المسلمون في ثلاثة أعوام على كرسي مملكة كسرى وعلى كرسي مملكة قيصر ، وعلى أمَّي بلادهما ، وغنم المسلمون غنائم لم يسمع بمثلها قط من الذهب والحرير والرقيق فسبحان الله العظيم الفتاح )[3] اهـ .

وقبل انتهاء جيل الصحابة رضوان الله عليهم كانوا قد فتحوا من الأندلس غرباً إلى الصين شرقاً ، وذلك قضل الله يؤتيه من يشاء .

ثم إن المسلمين لم يزلْ أمرهم في إدبار بعد القرون المفضلة وقوتهم في ضعف ، حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه اليوم من البعد عن الدين والتعلق بأذيال الكافرين .

لذلك فاعلم أن الدين ما انتهجه السلف ، والعلم ما طلبوه ، وما سوى ذلك فلا خير فيه .
---------------------------------------

1. رواه الشيخان عن عران بن حصين y .

2. رواه سعيد بن منصور عن ابن مسعود t .

3. تاريخ الإسلام صـ 159 .


وفي هذه الأزمنة التي أتت بكل عجيب ظهر قوم بهرتهم زخارف بني الأصفر وبلبلت أفكارهم وفهومهم ، فشعروا لبعدهم عن الحق بنقص إزاء ما يرونه ، فهبوا إلى التاريخ يقلبون أوراقه لعلهم يجدون فيه ملجأً أو مغاراتٍ أو مدَّخلاً يسترون فيه هذا النقص ، فطووا ذكر القرون المفضلة لأنهم يعلمون أنه ليس فيها لشفرتهم محزّا ، ولا لبغيتهم طائلاً ، وأمعنوا النظر في دويلات البدع والضلالة فأخرجوا منها زبالات التاريخ وحثالات المسلمين ممن تفلسف وتزندق وألحد في دين الله ، فلمَّعوا وجوههم الكاحلة ، ونفضوا عنها الدَرَن والنتن ، وهيهات هيهات ( هل يصلح العطّار ما أصلح الدهرُ ؟ ) ، فبارزوا بهم الكفار ، فكانوا بحقٍ كعبدٍ صرغه أَمَةٌ ، وكالمستجير من الرمضاء بالنار :

طلبت بك التكثيرَ فازددتُ تلةً     وقد يخسر الإنسانُ في طلبِ الربحِ

فهرفوا بما لم يعرفوا ، فما كلامهم إلا خطل ، وما حديثهم إلا هَذَر ، وقديماً قيل : ( مَنْ أكثرَ أهجَرَ ) .

فالإسلام لم ينضب معينه من أفذاذ الرجال ، ولا من الأئمة الأعلام حتى يكون بحاجةٍ إلى كلّ موقوذة ومترديةٍ ونطيحةٍ ينازل بهم المسلمون والكافرين ، ولكن النكتة في ذلك أن هؤلاء القوم إنما أرادوا مبارزة بني الأصفر بعلومٍ من جنس علومهم ، وهذه العلوم لم يبرع فيها من المسلمين إلا الملاحدة ، وغفلوا أو تغافلوا عن قوله تعالى : {كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا} (20) سورة الإسراء ، وهذا من عطائه سبحانه ، والدنيا يعطيها الله لمن يحب ويكره ، ولكن الدين لا يعطيه الله إلا لمن يحب ، وإلا فهذه العلوم لا تدل على حق ولا تمنع من باطل بدليل أنك لو جمعت ما عند ملاحدة اليونان والمسلمين من هذه العلوم ثم قارنتها بما عند الكافرين اليوم لما بلغت عشر معشارها .

والنقص إنما يشعر به من ابتعد عن جادة الدين ، وإلا فمن سلكَ الجَدَد أَمِنَ العثار .

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ( المجموع 11 / 4 ) :

وإذا كان خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد ، فكل من كان إلى ذلك أقرب وهو به أشبه ، كان إلى الكمال أقرب ، وهو به أحق ، ومن كان عن ذلك أبعد وشبهه أضعف ، كان عن الكمال أبعد وبالباطل أحق ، والكامل هو من كان لله أطوع وعلى ما يصيبه أصبر فكلما كان اتْبع لما يأمر الله ورسوله وأعظم موافقة لله فيما يحبه ويرضاه وصبر على ما قدره وقضاه كان أكمل وأفضل ، وكل من نقص عن هذين كان فيه من النقص بحسب ذلك . اهـ .

ولو أمعنوا في دراسة التاريخ لاتضح لهم جلياً إن المسلمين لم يضعفوا ويتسلط عليهم الكفار والتتار والباطنية وغيرهم إلا بعد انتشار مثل هذه العلوم والعلماء بين المسلمين .

قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( 2 / 602 ) :
( كما هي عادته سبحانه وسنته في عباده إذا أعرضوا عن الوحي ، وتعوضوا عنه بكلام البشر ، فالمغرب لما ظهرت فيهم الفلسفة والمنطق واشتغلوا بها استولت النصارى على أكثر بلادهم وأصاروهم رعية لهم ، وكذلك لما ظهر ذلك ببلاد المشرق ، سلط الله عليهم التتار فأبادوا أكثر البلاد الشرقية واستولوا عليها ، وكذلك في أواخر المائة الثالثة وأول الرابعة لما اشتغل أهل العراق بالفلسفة وعلوم أهل الإلحاد سلط الله عليهم القرامطة الباطنية ، فكسروا عسكر الخليفة عدة مرات واستولوا على الحاج واستعرضوهم قتلاً وأسراً )


فصل
فالعلم هو العلم الشرعي وهو الذي دل عليه القرآن والسنة وكلام السلف لا علوم الفلاسفة والملاحدة ، وفي الحديث العلم ثلاثة وما سوى ذلك فضل : آية محكمة ، وسنة متبعة ، وفريضة عادلة ) وقال الأوزاعي رحمه الله تعالى : ( العلم ما جاء به أصحاب النبي r فما كان غير ذلك فليس بعلم ) وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ( 10 / 664 ) : ( لكن جماع الخير أن يستعين بالله سبحانه في تلقي العلم الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه هو الذي يستحق أن يسمى علماً ، وما سواه إما أن يكون علما فلا يكون نافعاً ، وإما أن لا يكون علماً وإن سمي به ، ولئن كان علماً نافعاً فلا بد أن يكون في ميراث محمد r ما يغني عنه مما هو مثله وخير منه ) اهـ وقال ابن رجب رحمه الله تعالى : ( فالعلم النافع من هذه العلوم كلها ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها ، والتقيد بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث .. في ذلك غاية لمن عقل ، وشغل لمن بالعلم النافع اشتغل ) اهـ .
وقال الشافعي رحمه الله تعالى :
كل العلوم سوى القرآن مشغلة     إلا الحديث وإلا الفقه في الدين
العلم ما كان فيه قال : حدثنا     وما سوى ذاك وسواس الشياطين
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى :
العلم قال الله قال رسوله     قال الصحابة هم أولو العرفان

وكلام أهل العلم في هذا كثير جداً ، وفيما نقلت كفاية إن شاء الله تعالى .
فالحاصل :
إن الحضارة الإسلامية لا تقاس بعمران الدنيا ولا بعلومها ، فإن المسلمين لما اشتغلوا ببناء القصور الفارهات ، وبتعلّم الفلسفة والمنطق والطبيعيات ، وركنوا إلى الدنيا واستهانوا بالعلوم الشرعيات ، رماهم الله بالدواهي والمصيبات ، فالفهمَ الفهمَ ، فإن الإسلام لم يأتِ لعمارة الدنيا إلا بالطاعات . والله أعلم وهو الموفق للصالحات .
----------------------

1. انظر ذلك بالتفصيل في ( جامع بيان العلم وفضله ) لابن عبد البر 2 / 29 -50 .
2. ( فضل علم السلف على علم الخلف ) صـ 59 .
3. السابق صـ 63
---------------



الفصل الثاني : العلوم الدنيوية التي قيل : إن المسلمين برعوا فيها
تمهيد :
لم تنتشرْ هذه العلوم والتي تسمى بـ ( علوم الأوائل ) عند المسلمين وتظهر بصورة كبيرة إلا في وقت المأمون الذي أمر بترجمة كتب اليونان في الفلسفة والحكمة وغيرها ، فأدخل بفعله هذا على المسلمين شراً لا يزال أثره إلى اليوم ، لذلك قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : ( إن الله لن يغفل عن المأمون ما أدخله على المسلمين بترجمة تلك الكتب ) وقال ( 2 / 84 ) : ثم طلبت كتبهم ( أي الفلاسفة ) في دولة المأمون من بلاد الروم ، فعُرِّبت ودرَّسها الناس ، وظهر سبب ذلك من البدع ما ظهر . اهـ ونصوص العلماء في ذم فعل المأمون هذا كثيرة ، ولكن الذي يزيد الأمر ضغثٌ على إبّارة أن أولئك القوم يجعلون عصر المأمون هذا من أعظم العصور الإسلامية علماً وفتحاً على المسلمين (إن لم يكن أعظمها على الإطلاق) بسبب هذه الترجمة .
ولك أن تقارن إن أردت الحق في ذلك بما فعله الخليفة الراشد عمر بن الخطاب t ، فإنه لما فتحت فارس وجد المسلمون فيها كتباً كثيرة فاستشاروا عمر فيها ، فأمرهم بإحراقها وقال قولته العظيمة : ( إن يكن ما فيها هدى فقد هدانا الله بأهدى منه ، وإن يكن ضلالاً فقد كفاناه الله ) فأحرقت كلها أو طرحت في الماء .
فريقان منهم سالكٌ بطنَ نحلةٍ     وآخر منهم سالكٌ نجدَ كبكبِ
وكأني بأولئك القوم يحاولون أن يكّذبوا أو على الأقل : يخفوا هذه الرواية وهذا الخبر حتى لا يسمع به الغرب والكفار خير مؤيد للإسلام بأنه دين الجهل ، وأنه غدو للعلم والعلماء ، ولكن :
ما ضرَّ تغلب وائل أهجوتها     أم بلت حيث تناطح البحرانِ

فالإسلام هو الإسلام لا يغيره تأويل جاهل ، ولا تكلّف أحمق ، وحكم الإسلام في هذه العلوم واضح جلي ذكره العلماء ، وسوف أنقل فيما يأتي بعض هذه العلوم وبعض ما قيل فيها ، والله المستعان .


علم الفلسفة :
وهو منبع الضلالة ، ومنجم الباطل ، قد عشّش به الشيطان وضرب فيه قباب ، حرّمه جميع المحققين من العلماء ، ومَنْ تعلمه وأدمن النظر فيه لم يسلم من الإلحاد ، ودين أهل هذا العلم هو الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، أبطلوا النقول ، وخالفوا المعقول ، وأضلوا الأمم .
قال ابن الصلاح رحمه الله تعالى ( الفتاوى صـ70 ) : ( الفلسفة رأس السفه والانحلال ، ومادة الحيرة والضلال ، ومثار الزيغ والزندقة ، ومن تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المؤيدة بالحجج الظاهرة ، والبراهين الباهرة ، ومن تلبّس به علماً وتعليماً قارنه الخذلان والحرقان ، واستحوذ عليه الشيطان ، وأي فنٍ أخزى منْ فنٍ يعمي صاحبه -أظلم قلبه –عن نبوة نبينا r .. وليس الاشتغال بتعليمه وتعلمه مما أباحه الشارع ، ولا استباحه أحد من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين ، والسلف الصالحين ، وسائر من يقتدى به من أعلام الأئمة وسادتها ، وأركان الأمة وقادتها ، قد برّأ الله الجميع من معرّة ذلك وأوناسه ، وطهرهم من أوضاره ) اهـ
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى ( إغاثة اللهفان 2 / 595 ) : ( فالزندقة والإلحاد عند هؤلاء جزء من مسمى الفلسفة أو شرط .. فلا مبدأ عندهم ولا معاد ولا صانع ولا نبوة ولا كتب نزلت من السماء تكلم الله بها ، ولا ملائكة تنزلت بالوحي من الله سبحانه ، فدين اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل خير وأهون من دين هؤلاء ) اهـ .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ( 5 / 140 ) : ( والفلاسفة هم الذين أفسدوا أهل الملل قبلنا مللهم وتواريخهم ) وقال ( 9 / 176 ) : ( كان هؤلاء المتفلسفة إنما راجوا على أبعد الناس عن العقل والدين كالقرامطة والباطنية الذين ركّبوا مذهبهم من فلسفة اليونان ودين المجوس وأظهروا الرفض ) وإنما ينفقون في دولة جاهلية بعيدة عن الإيمان إما كفاراً أو منافقين ، كما نفق مَنْ نفق منهم على المنافقين الملاحدة ) اهـ .
وقال ابن القيم رحمه الله في نونيته :
والفيلسوف وذا الرسول لديهم     متفاوتان وما هما عدلان(يعني:متساويتان)
أما الرسول ففيلسوف عوامهم     والفيلسوف نبي ذي البرهان
والحق عندهم ففيما قاله     اتباع صاحب منطق اليونان
ومضى على هذي المقالة أمة     خلف ابن سينا فاغتروا بلبان
منهم نصير الكفر في أصحابه     الناصرين لملة الشيطان
إخوان إبليس اللعين وجنده     لا مرحباً لعساكر الشيطان
----------------------------
1 الفلسفة القديمة تحتوي على سبعة علوم هي على ترتيبهم : المنطق ثم الارتماطيقي ( علم العدد ) ثم الهندسة ثم الهيئة ( علم الفلك والنجوم ) ثم الموسيقى ثم الطبيعيات ثم الإلهيات ، ولكل واحدٍ فروع ، وانظر لتفصيل وشرح هذه العلوم ( مقدمة ابن خلدون ) صـ 478 وما بعدها .


علم الكيمياء :
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ( 29 / 398 وما بعدها ) :
( وحقيقة الكيمياء إنما هي تشبيه المخلوق ، وهو باطل في العقل ، والله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، فهو سبحانه لم يخلق شيئاً يقدر العباد أن يصنعوا مثل ما خلق .. وأهل الكيمياء من أعظم الناس غشاً ولهذا لا يظهرون للناس إذا عاملوهم إن هذا من الكيمياء ... فجماهير من يطلب الكيمياء لا يصل إلى المصنوع الذي هو مغشوش باطل طبعاً ، محرم شرعاً بل هم يطلبون الباطل الحرام ... ولم يكن في أهل الكيمياء أحد من الأنبياء ولا من علماء الدين ولا من مشايخ المسلمين ، ولا من الصحابة ولا من التابعيين لهم بإحسان وأقدم من يحكى عنه شيء في الكيمياء ( خالد بن يزيد بن معاوية ) وليس هو ممن يقتدي به المسلمون في دينهم ولا يرجعون إلى رأيه .. وأما ( جابر ابن حيان ) صاحب المصنفات المشهورة عن الكيماوية فمجهول لا يعرف ، وليس له ذكر بين أهل العلم ولا بين أهل الدين ) اهـ ثم قال ( 29 / 378 ) : والكيمياء أشد تحريماً من الربا . وقال : إن الكيمياء لم يعملها رجل له في الأمة لسان صدقٍ ، ولا عالم متبع ، ولا شيخ يقتدى به ولا ملك عادل ، ولا وزير ناصح ، وإنما يفعلها شيخ ضال مضل ) ثم قال : ( وأيضاً فإن فضلاء أهل الكيمياء يضمون إليها الذي يسمى (السيمياء) وهو السحر ... فإنك تجد ( السيمياء ) التي هي من السحر كثيراً ما تقترن بالكيمياء ، ومعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن السحر أعظم المحرمات ، فإذا كانت تقترن به كثيراً ، ولا تقترن بأهل العلم والإيمان بل هي من أعمال أهل الكفر والفسوق والعصيان ) اهـ
وقد قال الذهبي رحمه الله تعالى في ( مسائل طلب العلم وأقسامه صـ 214 ) : فصل : ومن العلوم المحرمة : علم السحر والكيمياء والسيمياء والشعبذة والتنجيم ، والرمل وبعضها كفر صراح ) اهـ
وقد نعت ابن خلدون في ( مقدمته صـ 496 وما بعدها ) الكيميائيين بأنهم يشتغلون بالسحر والطلسمات ، وأنكر هذا العلم وأبطله .
وفيما نقلت كفاية إن شاء الله تعالى في بيان حقيقة هذا العلم وحكمه .

علم الفلك :
علم الفلك قسمان :
الأول : هو معرفة منازل القمر والنجوم والمطالع وغيرها مما يعين في معرفة القبلة والاهتداء في البر والبحر ونحوها ، وهو ما يسمى بـ ( علم التسيير ) .
الثاني : هو الاستدلال بالحوادث الفلكية على الحوادث الأرضية وادعاء معرفة الغيب ، وهو ما يعرف بـ ( التنجيم ) ويسمى ( علم التأثير ) .
--------------------------------------------

1 الكيمياء في السابق يختلف عن كيمياء اليوم – بعض الشيء – لأنها في السابق كانت تُعنى بتحويل النحاس ونحوه إلى الذهب والفضة ، وكانت قرينة للسحر والسيمياء ، أما اليوم فلا يزال تحويل المواد من مادة إلى أخرى باقية فيه ، ولكنها اتسعت لتشمل الصيدلة وعلومها الدوائية والتركيبات والمحاليل وغيرها .
2 نسب البعض إلى ( خالد بن يزيد ) صناعة الكيمياء وعلمها وهو باطل رواية ودراية : فأما الرواية :
فإن الذهبي رحمه الله تعالى ذكر أن هذا الخبر لا يصح (سير أعلام النبلاء 4/383) وكذلك ذكر ذلك ابن الأثير (الأعلام 2 / 300) وكذلك نسبها شيخ الإسلام إليه بصيغة التضعيف (يحكى) وكذلك نسبها ابن كثير كذلك فقال ( وينسب إليه شيء من علم الكيمياء) (البداية والنهاية 9 /80)
فأما الدراية :
فأولاً : تقدم عصره في وقت الصحابة والتابعين ، وقبل الترجمة .
وثانياً : أن أبا زرعة وابن حبان والذهبي وابن كثير أثنوا على صلاحه ودينه ووثقوه ( السير 4/382 – البداية 9/80 – التهذيب 3/111 ) ولو كان كيميائياً ما استحق هذا الثناء .
وثالثاً : تفنيد ابن خلدون لهذا الكلام عقلاً في مقدمته صـ 505 والله أعلم .
--------------------------------------------


فالقسم الأول تنازع العلماء في جوازه ، فمنهم من حرمه سداً للذريعة ومنهم من كره تعلمه ، ومنهم من أجازه – وهم الجمهور – فإذا كان هذا الأمر في ( علم التسيير ) فما بالك بالتنجيم ، فإن العلماء جميعاً على حرمته وإبطاله شرعاً وعقلاً ، وفي الحديث ( من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد ) .
قال ابن رجب رحمه الله تعالى ( فضل علم السلف صـ 35 ) :
( فعلم تأثير النجوم محرم ، والعمل بمقتضاه كالتقرب إلى النجوم وتقريب القرابين لها كفر ، وأما علم التسيير فإذا تعلم منه ما يحتاج إليه للاهتداء ومعرفته القبلة والطريق كان جائزاً عند الجمهور ، وما زاد عليه فلا حاجة إليه وهو يشغل عما هو أهم منه وربما أدى التدقيق فيه إلى إساءة الظن بمحاريب المسلمين ، في أمصارهم كما وقع ذلك كثيراً من أهل هذا العلم قديماً وحديثاً وذلك يفضي إلى اعتقاد خطأ الصحابة والتابعين في صلاتهم في كثير من الأمصار ، وهو باطل ، وقد أنكر الإمام أحمد الاستدلال بالجدي وقال : إنما ورد ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) اهـ .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ( 35 / 181 ) : ( إن النجوم نوعان ، حساب وأحكام ، فأما الحساب فهو معرفة أقدار الأفلاك والكواكب ، وصفاته ومقادير حركاتها وما يتبع ذلك ، فهذا في الأصل علم صحيح لا ريب فيه كمعرفة الأرض وصنعتها ونحو ذلك ، لكن جمهور التدقيق فيه ، كثير التعب قليل الفائدة ، كالعالم مثلاً بمقادير الدقائق والثواني والثوالث في حركات السبعة المتحيرة ... أما الأحكام فهي من جنس السحر ... ) اهـ
فإذا وعيت ما مضى ، فاعلم أن جميع علماء الفَلَكِ المسلمين الذين يفاخر بهم المُحَدثون –فيما أعلم – إنما هم منجمون كهان كالخوارزمي وابن البناء والطوسي وآل شاكر والمجريطي وغيرهم – عافانا الله وإياكم مما ابتلاهم به – .


فن العمارة :
أما العمارة فليست من الإسلام في شيء ، فقد روى البخاري وغيره عن خباب t مرفوعاً : ( إن المسلم ليؤجر في كل شيء ينفعه إلا في شيء يجعله في هذا التراب )
قال ابن حجر رحمه الله تعالى ( فتح الباري 11/95 ) :
( وقد ورد في ذم البناء صريحاً ما أخرج ابن أبي الدنيا من رواية عمارة بن عامر " إذا رفع الرجل بناءً فوق سبعة أذرع نودي : يا فاسق إلى أين ؟ " وفي سنده ضعف مع كونه موقوفاً ، وفي ذم البناء مطلقاً حديث خباب يرفعه قال : ( يؤجر الرجل في نفقته كلها إلا التراب ) أو قال (البناء) أخرجه الترمذي وصححه وأخرج له شاهداً عن أنس بلفظ ( إلا البناء فلا خير فيه ) وللطبراني من حديث جابر يرفعه قال : ( إذا أراد الله بعبدٍ شراً
-----------------------------

1 انظر ( فتح المجيد ) 316 وما بعدها – الزواجر 2/109 .


الفصل الثالث : العلماء المسلمين الذين قيل : إنهم برعوا في تلك العلوم

تمهيد :
سوف أذكر في هذا الفصل قائمة بأشهر العلماء الذين يهيج المعاصرون بمدحهم ، والثناء على خلائقهم ، وذكر فضائلهم ، وأذكر ما قاله أئمة الإسلام فيهم وفي عقائدهم ، وقد تركت منهم أكثر مما ذكرت لأن القصد التنبيه لا الحصر ، وقد رتبتهم على حسب الوفاة . والله المستعان .


· ابن المقفع : عبد الله بن المقفع ت : 145 هـ : كان مجوسياً فأسلم ، وعرّب كثيراً من كتب الفلاسفة وكان يتهم بالزندقة لذلك قال المهدي رحمه الله تعالى : ( ما وجدت كتاب زندقة إلا وأصله ابن المقفع )

· جابر ابن حيان : ت : 200 هـ :
أولاً : إن وجود جابر هذا مشكوك فيه ، لذلك ذكر (الزركلي) في ( الأعلام ) في الحاشية على ترجمته : ( إن حياته كانت غامضة ، وأنكر بعض الكتاب وجوده ) وذكر أن ابن النديم أثبت وجوده ورد على منكريه ، وابن النديم هذا ليس بثقة كما سيأتي إن شاء الله ، ومما يؤيد عدم وجوده ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله : ( وأما جابر بن حيان صاحب المصنفات المشهورة عند الكيماوية فمجهول لا يعرف وليس له ذكر بين أهل العلم والدين ) اهـ .
ثانياً : ولو أثبتنا وجوده ، فإنما نثبت ساحراً من كبار السحرة في هذه الملة ، اشتغل بالكيمياء والسيمياء والسحر والطلسمات ، وهو أول من نقل كتب السحر والطلسمات كما ذكره ابن خلدون
----------------------------------
1 انظر ( سير أعلام النبلاء ) 6 / 208 – ( البداية والنهاية ) 10 /96 - ( لسان الميزان ) 3 / 449 .
-------------------------

· الخوارزمي : محمد بن موسى الخوارزمي ت : 232 هـ :
وهو المشهور باختراع ( الجبر والمقابلة ) وكان سبب ذلك كما قاله هو المساعدة في حل مسائل الإرث ، وقد ردّ عليه شيخ الإسلام ذلك العلم بأنه وإن كان صحيحاً إلا أن العلوم الشرعية مستغنية عنه وعن غيره .
والمقصود هنا : إن الخوارزمي هذا كان من كبار المنجّمين في عصر المأمون والمعتصم الواثق ، وكان بالإضافة إلى ذلك من كبار مَنْ ترجم كتب اليونان وغيرهم إلى العربية .

· الجاحظ : عمرو بن بحر : ت : 255 هـ :
من أئمة المعتزلة ، تنسب إليه فرقة الجاحظية ، كان شنيع المنظر ، سيء المخبر ، رديء الاعتقاد ، تنسب إليه البدع والضلالات ، وربما جاز به بعضهم إلى الانحلال ، حتى قيل : ( يا ويح من كفّره الجاحط ) ، حكى الخطيب بسنده أنه كان لا يصلي ، ورمي بالزندقة ، وقال بعض المعلماء عنه : كان كذاباً على اله وعلى رسوله وعلى الناس.

· ابن شاكر : محمد بن موسى بن شاكر : ت : 259 هـ :
فيلسوف ، موسيقى ، منجّم ، من الذين ترحموا كتب اليونان ، وأبوه موسى بن شاكر ، وأخواه أحمد والحسن منجمون فلاسفة أيضاً .

· الكندي : يعقوب بن اسحاق : ت : 260 هـ :
فيلسوف ، من أوائل الفلاسفة الإسلاميين ، منجّم ضال ، متهم في دينه كإخوانه الفلاسفة ، بلغ من ضلاله أنه حاول معارضة القرآن بكلامه .

· عباس بن فرناس : ت : 274 هـ :
فيلسوف ، موسيقي ، مغنٍ ، منجّم ، نسب إليه السحر والكيمياء ، وكثر عليه الطعن في دينه ، واتهم في عقيدته ، وكان بالإضافة إلى ذلك شاعراً بذيئاً في شعره مولعاً بالغناء والموسيقى .
---------------------------
2 الأعلام 2 / 103 .
3 مجموع الفتاوى 29 / 374 .
4 المصدر السابق ، وانظر ( مقدمة ابن خلدون ) صـ 496 – 497 .
5 انظر ( مجموع الفتاوى ) 9 / 214 – 215 .
1 انظر ( تاريخ ابن جرير ) 11 / 24 – ( البداية والنهاية ) 10 / 308 – ( عيون الإنباء في طبقات الأطباء ) صـ 483 حاشية 1 .
2 انظر ( البداية والنهاية ) 11 / 19 ، ( لسان الميزان ) 4 / 409 .
3 انظر ( الأعلام ) 7 / 117 ، ( عيون الإنباء ) 283 .
4 انظر ( لسان الميزان ) 6 / 373 ، ( مقدمة ابن خلدون ) 331 ، ( مجموع الفتاوى ) 9 / 186 . --------------------------

· ثابت بن قرة : ت : 288 هـ : صابئ ، كافر ، فيلسوف ، ملحد ، منجّم ، وهو وابنه إبراهيم بن ثابت وحفيده ثابت بن سنان ماتوا على ضلالهم ، قال الذهبي رحمه الله تعالى : ( ولهم عقب صابئة ، فابن قرة هو أصل الصابئة المتجددة بالعراق فتنبه الأمر ) .


· اليعقوبي : أحمد بن اسحاق 292 هـ : رافضي ، معتزلي ، تفوح رائحة الرفض والاعتزال من تاريخه المشهور ، ولذلك طبعته الرافضة بـ ( النجف ) .

· الرازي : محمد بن زكريا الطبيب : ت : 313 هـ : من كبار الزنادقة الملاحدة ، يقول بالقدماء الخمسة الموافق لمذهب الحرانيين الصابئة وهي ( الرب والنفس والمادة والدهر والفضاء ) وهو يفوق كفر الفلاسفة القائلين بقدم الأفلاك ، وصنّف في مذهبه هذا ونصره ، وزندقته مشهورة نعوذ بالله من ذلك .
· البثّاني : محمد بن جابر الحراني الصابئ : ت : 317 هـ :
كان صابئاً ، قال الذهبي : ( فكأنه أسلم ) ، فيلسوفاً ، منجّماً .

· الفارابي : محمد بن محمد بن طرخان : 339 هـ : من أكبر الفلاسفة ، وأشدهم إلحاداً وإعراضاً ، كان يفضّل الفيلسوف على النبي ، ويقول بقدم العالم ، ويكذّب الأنبياء ، وله في ذلك مقالات في انكار البعث والسمعيات ، وكان ابن سينا على إلحاده خير منه ، نسأل الله السلامة والعافية .

· المسعودي : علي بن الحسين : ت : 346 هـ : كان معتزلياً ، شيعياً ، قال شيخ الإسلام عن كتابه ( مروج الذهب ) وفي تاريخ المسعودي من الأكاذيب ما لا يحصيه إلا الله تعالى ، فكيف يوثق في كتاب قد عرف بكثرة الكذب ؟ اهـ .
-------------------
5 انظر ( المغرب في حلي المغرب ) 1 / 333 – ( المقتبس من أنباء أهل الأندلس ) 279 وما بعدها – ( نفح الطيب ) 4 / 348 – (الأعلام ) 3 / 264 ، ومما يدل على رداءة عقله أيضاً محاولته تقليد الطيور في طيرانها ؟!!
6 انظر : ( المنتظم ) 6 / 29 ، ( سير أعلام النبلاء ) 13 / 485 ، ( البداية والنهاية ) 11 / 85 .
1 من دراسة قمت بها لتاريخه المشهور ( تاريخ اليعقوبي ) .
2 انظر في بيان مذهبه ونقضه : ( مجموع الفتاوى ) 6 / 304 – 309 مع ( منهاج السنة ) 1 / 209 وما بعدها . وانظر أيضاً : ( المجموع ) 4 / 114 ، و ( المنهاج ) 1 / 353 ، 2 / 279 ، و ( درء التعارض ) 9 / 346 .
3 انظر ( سير أعلام النبلاء ) 14 / 518 .
4 انظر على سبيل المثال ( الفتاوى ) 2 / 86 ، 4 / 99 ، 11 / 57 ، 572 ، وغيرها ، وانظر ( درء التعارض ) في كثير من المواضع ، وانظر أيضاً (إغاثة اللهفان ) 2 / 601 وما بعدها ، و ( البداية والنهاية ) 11 / 224 – و ( المنقذ من الضلال ) صـ 98 ، وكثير من المواضع في نونية ابن القيم ، وغيرها من كتب أهل العلم .

· المجريطي : مسلمة بن أحمد : ت : 398 هـ :
فيلسوف ، كبير السحرة في الأندلس ، بارع في السيمياء والكيمياء ، وسائر علوم الفلاسفة ، نقل كتب السحر والطلاسم إلى العربية ، وألف فيها ( رتبة الحكيم ) و ( غاية الحكيم ) وهي في تعليم السحر والعياذ بالله {وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ } (102) سورة البقرة نسأل الله السلامة .

· مسكويه : محمد بن أحمد : ت : 421 هـ : كان مجوسياً ، فأسلم ، وتفلسف ، وصحب ابن العميد الضال ، وخدم بني بويه الرافضة، واشتغل بالكيمياء فافتتن بها .

· ابن سينا : الحسين بن عبد الله : ت : 428 هـ : إمام الملاحدة ، فلسفي النحلة ، ضال مضل ، من القرامطة الباطنية ، كان هو وأبوه من دعاة الإسماعيلية ، كافر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم بالآخر .
مساوئ لو قسمن على الفواني    لما أمهرن إلا بالطلاق
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
أو ذلك المخدوع حامل راية الـ     إلحاد ذاك خليفة الشيطان
أعني ( ابن سينا ) ذلك المحلول من    أديان أهل الأرض ذا الكفرانِ

· ابن الهيثم : محمد بن الحسن بن الهيثم : ت : 430 هـ :
من الملاحدة الخارجين عن دين الإسلام ، من أقران ابن سينا علماً وسفاً وإلحاداً وضلالاً ، كان في دولة العبيديين الزنادقة ، كان كأمثاله من الفلاسفة يقول بقدم العالم وغيره من الكفريات .

· ابن النديم : محمد بن اسحاق 438 هـ :
رافضي ، معتزلي ، غير موثوق به ، قال ابن حجر : ومصنفه ( فهرست العلماء ) ينادي على مَنْ صنفه بالاعتزال والزيع نسأل الله السلامة . اهـ
-------------------------

5 انظر : ( منهاج السنة ) 4 / 84 ، ( سير أعلام النبلاء ) 15 / 569 – ( لسان الميزان ) 4 / 258 .
6 انظر ( مقدمة ابن خلدون ) 496 ، 504 ، 513 .
1 انظر ( تاريخ الفلاسفة المسلمين ) 304 وما بعدها .
2 انظر ( سير أعلام النبلاء ) 1 / 531 – 539 ، ( إغاثة اللهفان ) 2 / 595 وما بعدها – ( البداية والنهاية ) 12 / 42 -43 ، (فتاوى ابن الصلاح) 69 ، نونية ابن القيم 14 ، 30 ، 43 ، 49 ، 160 ، 186 وغيرها ، و( مجموع الفتاوى ) 2 / 85 ، 9 / 133 ، 228 ، 17 / 571 ، 32 / 223 ، 35 / 133 ، وأكثر ( درء التعارض ) رد عليه وعلى الفلاسفة وكذلك ( المنهاج ) وانظر ( المنقذ من الضلال ) صـ 98 ، وغيرها من الكتب .
3 انظر ( فتاوى شيخ الإسلام ) 35 / 135 ، وانظر ( درء التعارض ) 2 / 281 ، وانظر ما كتبه من الحاديات في مذكراته وهو في آخر عمره نسأل الله الثبات في ( تاريخ الفلاسفة ) صـ 270 .
4 انظر ( لسان الميزان ) 5 / 83 .



· المعرّي : أبو العلاء أحمد بن عبد الله : ت : 449 هـ :
المشهور بالزندقة على طريقة البراهمة الفلاسفة ، وفي أشعاره ما يدل على زندقته وانحلاله من الدين ، ذكر ابن الجوزي أنه رأى له كتاباً سماه ( الفصول والغايات في معارضة الصور والآيات ) على حروف المعجم ، وقبائحه كثيرة .
قال القحطاني رحمه الله تعالى :
تعسَ العميُّ أبو العلاء فإنه    قد كان مجموعاً له العَمَيانِ

· ابن باجه : أبو بكر بن الصائغ ( محمد بن يحيى ): ت : 533 هـ :
فيلسوف كأقرانه ، له إلحاديات ، يعتبر من أقران الفارابي وابن سينا في الأندلس من تلاميذه ابن رشد وبسبب عقيدته حاربه المسلمون هو وتلميذه ابن رشد .

· الأدريسي : محمد بن محمد : ت : 560 هـ
كان خادماً لملك النصارى في ( صقليه ) بعد أن أخرجوا المسلمين منها ، وكفى لؤماً وضلالاً ، وفي الحديث ( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ) .

· ابن طفيل : محمد بن عبد الملك : 581 هـ
من ملاحدة الفلاسفة والصوفية ، له الرسالة المشهورة ( حي ابن يقظان ) ، يقول بقدم العالم وغير ذلك من أقوال الملاحدة .

· ابن رشد الحفيد : محمد بن أحمد بن محمد : ت : 595 هـ :
فيلسوف ، ضال ، ملحد ، يقول بأن الأنبياء يخيلون للناس خلاف الواقع ، ويقول بقدم العالم وينكر البعث ، وحاول التوفيق بين الشريعة وفلسفة أرسطو في كتابيه ( فصل المقال ) و ( مناهج الملة ) ، وهو في موافقته لأرسطو وتعظيمه له ولشيعته أعظم من موافقة ابن سينا وتعظيمه له ، وقد انتصر للفلاسفة الملاحدة في ( تهافت التهافت ) ، ويعتبر من باطنية الفلاسفة ، والحادياته مشهورة ، نسأل الله السلامة .

· ابن جبير : محمد بن أحمد : ت : 614 هـ : صاحب الرحلة المعروفة بـ ( رحلة ابن جبير ) ، ويظر من رحلته تلك تقديسه للقبور والمشاهد الشركية ، وتعظيمه للصخور والأحجار ، واعتقاده بالبدع والخرافات وغيرها كثير .
------------------------------------
1 انظر : ( المنتظم ) 8 / 148 ، ( البداية والنهاية ) 12 / 72 – 76 وقد نقل كثيراً من أشعاره الإلحادية ، ( لسان الميزان ) 1/218 – نونية القحطاني 49 .
1 انظر : ( عيون الأنباء ) 515 وما بعدها – تاريخ الفلاسفة 79 وما بعدها .
2 انظر : ( درء التعارض ) 1 / 11 ، 6 / 56 .
3 تبيه : ابن رشد الحفيد غير الجد ، فالجد : محمد بن أحمد بن رشد ت : 520 هـ ، قاضي الجماعة بقرطبة من أعيان المالكية ، له ( المقدمات ) و ( البيان والتحصيل ) ، أثنى عليه الذهبي وغيره ( السير ) 19 / 501 .
4 انظر ( درء التعارض ) 1 / 11 – 127 – 152 ، 6/210 ، 237 ، 242 ، 8 / 181 ، 234 وغيرها ، و ( منهاج السنة ) 1 / 356 وغيرها ، وفي عدة مواضع من الفتاوى ، و ( سير أعلام النبلاء ) 21 / 307 ، و ( تاريخ الفلاسفة ) 120 وما بعدها .
5 تلخيص لدراسة أعددتها عن رحلته المشهورة بـ ( اعتبار الناسك في ذكر الآثار الكريمة والمناسك ) وهو على علاته أفضل من (ابن بطوطة) في كثير من الأمور ، منها أن تعظيم المشاهد والقبور لم يستغرق رحلته كان بطوطة ، ومها عفته عن سماع الأغاني والملاهي وحضور مجالسها ورؤية النساء والأكل بأواني الذهب وعدم استجدائه للسلاطين بخلاف ( ابن بطوطة ) في ذلك كله .



 الطوسي : نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن : ت : 672 هـ :
نصير الكفر والشرك والإلحاد ، فيلسوف ، ملحد ، ضال مضل ، كان وزيراً لهولاكو وهو الذي أشار عليه بقتل الخليفة والمسلمين واستبقاء الفلاسفة والملحدين ، حاول أن يجعل كتاب ( الإشارات ) لابن سينا بدلاً من القرآن ، وفتح مدارس للتنجيم والفلسفة ، وإلحاده عظيم نسأل الله العافية .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
وكذا أتى الطوسي بالحرب الصر     يح بصارم منه وسل لسانِ
عَمَرَ المدارس للفلاسفة الألى     كفروا بدين الله والقرآنِ
وأتى إلى أوقات أهل الدين     ينقلها إليهم فعل ذي أضغانِ
وأراد تحويل ( الإشارات ) التي     هي لابن سينا موضع الفرقانِ
وأراد تمويل الشريعة بالنواميس     التي كانت لدى اليونان
لكنه علم – اللعين – بأن هذا     ليس في المقدور والإمكانِ
إلا إذا قتل الخليفة والقضاة     وسائر الفقهاء في البلدانِ

 ابن البناء : أحمد بن محمد : ت : 721 هـ : شيخ المغرب في الفلسفة ، والتنجيم ، والسحر ، والسيمياء .

· ابن بطوطة : محمد بن عبد الله : ت : 779 هـ :
الصوفي ، القبوري ، الخرافي ، الكذّاب ، كان جل اهتماماته في رحلته المشهورة زيارة القبور والمبيت في الأضرحة ، وذكر الخرافات التي يسمونها ( كرامات ) وزيارة مشاهد الشرك والوثنية ، ودعائه أصحاب القبور وحضور السماعات ومجالس اللهو ، وذكر الأحاديث الموضوعة في فضائل بعض البقاع ، وتقديسه للأشخاص ، والافتراء على العلماء الأعلام ، وغير ذلك .
----------------------------------------
1 انظر : ( إغاثة اللهفان ) 2/ 601 وما بعدها – ( درء التعارض ) 5 / 67 – 6 / 78 – 10 / 44 وما بعدها 590 ، ( الفتاوى ) 2 / 92 ،93 وما بعدها ، ( البداية والنهاية ) 13 / 267 وغيرها .
2 انظر : ( مقدمة ابن خلدون ) صـ 115 وما بعدها .
3 تلخيص لدراسة أعددتها عن رحلته ، وسبب نعتي له بأنه ( كذّاب ) لأنه كذب كذباً فاضحاً على شيخ الإسلام رحمه الله تعالى وهو أنه رآه ينزل من المنبر ويقول إن نزول الله إلى السماء الدنيا كنزولي هذا ، وهو يذكر أنه قد دخل دمشق في رمضان من سنة 726 هـ وشيخ الإسلام في ذلك الوقت مسجون في القلعة منذ شعبان ، وهذا دليل على افترائه عليه .


الفصل الرابع : الشبهات التي قد ترد حول هذا الموضوع وردها
قد ترد بعض الشبهات حول هذا الموضوع ، وربما يكون من أهم هذه الشبهات ما يأتي :
الشبهة الأولى : أن هؤلاء العلماء وإن كانوا ملاحدة إنا برعوا في علومهم لأن بيئتهم بيئة إسلامية علمية صحيحة هيّأت لهم المناخ المناسب للتفوق العلمي ، فلنا علومهم وعليهم إلحادهم .
الشبهة الثانية : إننا إذا ذكرنا براعة هؤلاء العلماء إنما نؤكد للعالم اليوم إن الإسلام هو دين العلم والحضارة وإذا تركنا ذكرهم من أجل عقائدهم نقص جانب كبير ومهم من الحضارة الإٍسلامية .
الشبهة الثالثة : إن الكفار اليوم على حق لوجود هذه اليوم بأيديهم ولتفوقهم فيها .
الشبهة الرابعة : إن الكفار إنما انتصروا على الإسلام لوجود هذا التفوق العلمي لديهم .
الشبهة الخامسة : إن المسلمين انهزموا وذلوا لجهلهم بهذه العلوم و ( تخلفهم ) عن ركب الحضارة العلمية .

فصل
جواب الشبهة الأولى :
فأما الشبهة الأولى فجوابها من وجوه :
فالوجه الأول :
إن هذه العلوم أصلاً – بصرف النظر عن علمائها – لا تمت إلى الإسلام بصلة – كما سبق بيانه – فتسقط هذه الشبهة جملة وتفصيلاً .
والوجه الثاني :
إننا لو سلمنا بـ ( إسلامية ) هذه العلوم ، فإننا لا نسلم وجود البيئة الإسلامية الصحيحية التي هيّأت ( المناخ المناسب ) بل إن الواقع يشهد بخلاف ما ذكر ، فإنه كما أن الحشرات لا تكثر إلا في مواضع الرمل والقمامات ، فإن هؤلاء العلماء لا يكثرون إلا في دويلات البدع والضلالات ، وإليك بعض الأمثلة التي تؤيد ما ذكرت :
فالخوارزمي وآل شاكر ظهروا في دولة المأمون المعتزلي ، وابن سينا وابن الهيثم ظهرا في دولة العبيديين الزنادقة ، والفارابي ظهر في دولة الحمدانيين الرافضية ، ومسكويه في دولة البوبهيين الرافضية ، وابن رشد في أول دولة الموحدين الأشعرية المهديّة ، وهكذا .
والوجه الثالث :
لو سلمنا بأن البيئة إسلامية صحيحة ، وعلمية سليمة ، فكيف يبرع العالم في أتفه الأمور وأخسها ، وينحرف في أعظم الأمور وأهمها على الإطلاق وهو أمر دينه ؟!
والوجه الرابع :
إن كون البيئة إسلامية علمية صحيحة لا يسوّغ المفاخرة بهؤلاء الملاحدة ، وإن ساغ ذلك عند أحد فليسع عنده أيضاً المفاخرة بيهود ذلك اوقت ونصاراه ومجوسه الذين في الدولة الإسلامية والذين برعوا في نفس العلوم وهم كثير لأنهم في نفس البيئة الإسلامية العلمية الصحيحة !! وعندها يختلط الخاثر بالزُّباد ، والرغوة بالصريح ، ولا يكون للدين معنى ، ولا للإسلام قيمة .

فصل
جواب الشبهة الثانية :
وأما الشبهة الثانية فجوابها من وجوه أيضاً :
فالوجه الأول :
إن دعوة الكفار إلى الإسلام لا تكون بتكلّف المحالات ، وتزييف الحقائق ، فننسب إلى الإسلام ما هو منه براء لنرغب الكفار فيه ، وإلا فلا فرق بين من يفعل ذلك وبين من يضع الأحاديث في الزهد والرقائق ليرغب الناس في الصالحات ، ويقول : أنا أكذب للرسول ولا أكذب عليه .
وإنما تكون دعوتهم كما كانت دعوة الرسول r لكفار زمانه ببيان التوحيد وذم الشرك ونحوه مما ورد عنه وثبت ، فإن دخل الكفار بهذه الدعوة إلى الإسلام فلله الحمد ، وإ لم يدخلوا فيه وأصروا على باطلهم ورموا الإسلام وشتموه ، فلا ضرر عليه من كلامهم بل هم :
كناطح صخرة يوماً ليوهنها ----------------------- فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
وعلى المسلم أن يتمثل في ذلك بقول الشاعر :
وما كل كلب نابحٍ يستفزني ------------------------ ولا كلما طنّ الذباب أراعُ
والوجه الثاني :
أن يعلم – أصحاب هذه الشبهة – أن المسلمين إنما فتحوا الدنيا وملكوها بعدل عمر وفقه معاذ وحديث أبي هريرة وزهد أبي ذر وشجاعة خالد ، ولم يفتحوها بإشارات ابن سينا ولا بحادي الرازي ولا ببصريات ابن الهيثم ولا بموسيقى الفارابي :
هيهات بين اللؤم بون والكرمْ --------------- أبعد مما بين بصري والحرمْ
بل ما بدأت عزة المسلمين تذهب إلا بعد انتشار هؤلاء وأمثالهم كما سبق بيانه .
والوجه الثالث :
أن هذه الشبهة منقوضة طرداً وعكساً :
أما طرداً : فإن أصحاب هذه العلوم من ملاحدة المسلمين إنما استفادوها من اليونانيين ، فإن كان في ملاحدة المسلمين ( المعلم الثاني ) الفارابي ، ففيهم ( المعلم الأول ) أرسطو ، وإن كان في ملاحدة المسلمين ( الأب الثاني ) للطب ، ابن سينا ، ففيهم ( الأب الأول ) أبقراط ، وإن كان في ملاحدة المسلمين ( بطليموس الثاني ) ابن الهيثم ، ففيهم ( بطليموس الأول ) ، وهكذا ، وكان الفضل للمتقدم . ثم إن قلتم : إن المسلمين طوروا هذه العلوم ، فإن ما طوره الكفار اليوم ووصلوا إليه من الصناعات المذهلة التي طيّروا بها الحديد ، وكلموا الجماد ، وبنو الشاهقات ، وأخرجوا عجائب المخترعات ، ليفوق أضعاف أضعاف أضعاف ما طوره أولئك ، فإن قلتم : بأن هذه العلوم إنما تدور مع الحق حيثما دار ، فقد صحّحتم عقائد الكافرين أولاً وأخيراً ، وإن قلتم : إنها لا تدل على حقٍّ فهي هنا وهنا ، قلنا : وهذا ما نبغي فلم الفخار بعلمٍ لا يدل على حقٍ ، وبعلماء ابتعدوا عن الحق ؟!
وأما عكساً : فإننا لا نجد في وقت قوة المسلمين وعزتهم في القرون المفضلة لهؤلاء الملاحدة ذكر ، ولا لعلومهم مجال ، وإنما انتشرت حين بدأت تزول الحضارة الإسلامية ، أو قل : إنها عندما انتشرت بدأت تزول الحضارة الإسلامية ، فإن انتشار هذه العلوم وزوال النعمة متلازمان . والله أعلم .

فصل
جواب الشبهات الثالثة والرابعة والخامسة :
وأما الشبهات الثلاث الأخيرة ، فأذكر فيما يلي أصولاً ثلاثة في الجواب عليها :
أما الأصل الأول فهو : ( إن الدنيا جنة الكافر وسجن المؤمن )
فالكافر غايته الدنيا وهي منتهى أربه فهو يعمل فيها عمل مقيم أبداً ، أما المؤمن فهو كعابر سبيل لا بد من ارتحاله اليوم أو غداً ، كالذي في السجن ينتظر الفرج .
لهذا السبب كان السلف مع إقبال الدنيا عليهم كان أقصى مرادهم من الدنيا هو العمل الصالح والتزود بالعلم النافع ، وأما الدنيا فليست أهلاً لعمرانها فوق الحاجة .
----------------------------
1هذا نص حديث رواه مسلم والترمذي وغيرهما ، وانظر في شرحه " شرح مسلم للنووي 18 / 93 " و " بدائع الفوائد 3 / 177 " ، وله عدة تفاسير منها إن المسلم قيده إيمانه عن المحظورات والكافر مطلق التصرف ، ومنها إن هذا باعتبار العواقب ، فالمسلم ولو كان أنعم الناس في الدنيا فإنه بالإضافة إلى ما له في الجنة كأنه في سجن ، والكافر ولو كان أشد الناس بؤساً في الدنيا فذلك بالنسبة إلى النار جنة .
-----------------


وأما الكفار فإنهم سعوا منذ القدم في تحصيل الدنيا وعمرانها لأنها جنتهم ومقصودهم فبرعوا في ذلك ، وهذه آثارهم شاهدة على ما أقول مع قدم الزمن ، كآثار الفراعنة في مصر ، وآثار البابليين ، وديار حجر وثمود وغيرها ، وكما نرى اليوم من زخارفهم وعلومهم . وقد قال تعالى في محكم كتابه : {وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ}{وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ}{وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} (33-35) سورة الزخرف قال الشنقيطي رحمه الله تعالى ( أضواء البيان 7 / 248 ) : ( أي لولا كراهتنا لكون جميع الناس أمة واحدة ، متفقة على الكفر ، لأعطينا زخارف الدنيا كلها للكفار ولكننا لعلمنا بشدة ميل القلوب إلى زهرة الحياة الدنيا ، وجهاً لها ، لو أعطينا ذلك كله للكفار لحملق الرغبة في الدنيا جميع الناس على أن يكونوا كفاراً ) اهـ فانظر رحمك الله إلى حال الكفار اليوم ، فإنهم مع ما هم فيه من زهرة الحياة الدنيا ما أعطاهم الله زخارف الأرض كلها ، وانظر إلى فتنة كثير من الملمين بهم ، فكيف لو أعطاهم زهرة الدنيا كلها ؟! وقال تعالى أيضاً : {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } (7) سورة الروم فقد روى ابن جرير وغيره عن ابن عباس في تفسيرها قال : ( يعرفون عمران الدنيا وهم في أمر الآخرة جهال ) . وعن الحسن : ( ليبلغ من حذق أحدهم بأمر دنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره فيخبرك بوزنه ، وما يحسن يصلي ) فاعلم أن هذه الزخارف لو كانت تزن عند الله جناح بعوضة ما حَرَمَ منها سيد خلقه أجميعن r وأعطاها لأعدائه ، فإنه لما صعد إليه عمر t تلك المشربة فرآه على صعيد قد أثّر في جنبه ابتدرت عيناه بالبكاء ، وقال : ( يا رسول الله ، كسرى وقيصر فيما هما فيه ، وأنت صفوة الله من خلقه ، وكان الرسول r متكئاً فجلس وقال : ( أفي شكٍ أنت يا ابن الخطاب ؟ ثم قال : ( أؤلئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا ) وفي رواية ( أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ) .
وأما الأصل الثاني فهو : ( إن الكفار كانوا منذ القدم – ولا زالوا – أكثر من المسلمين عدداً وعُدداً وعمراناً ) .
وهذا ظاهر جداً بالتتبع والاستقراء ، حتى بعد نتشار الإسلام ومن شك في ذلك فليقرأ التاريخ ، وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى وغيره إن الكفار كانوا في قتالهم مع المسلمين أكثر عدداً وعدة دائماً ، والذي يقرأ ويدرس أمهات معارك المسلمين يعلم جيداً أن الفرق بين القوتين يكون دائماً كبيراً وفي صالح الكفار ، لذلك كان عمر رضي الله عنه يوصي جيوشه فيقول : ( إنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله ، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة ، لأن عددنا ليس كعددهم ، ولا عدتنا كعدتهم ، فإذا استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة ، وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا ) .
أنّى ؟ وأعداهم بلا حسبان والله ما فتحوا البلاد بكثرة
فمما يدل على أن قوة الكافرين كانت دائماً أكبر من قوة المسلمين ( مادياً ) أمور كثيرة منها :
-لو درست معركتي ( القادسية ) و ( اليرموك ) والتي بها قضى الصحابة رضوان الله عليهم على قوتي فارس والروم لتبين لك أن أعداد الكفار وعتادهم أضعاف أضعاف أعداد المسلمين وعتادهم ، كذلك الأمر فيما بعدها من المعارك كنهاوند ، وكالفتوح التي أتت بعد الصحابة ، وكالمعارك المتأخرة مثل ( حطين ) و ( الزلاقة ) وغيرها ، هذا فيما يتعلق بالقوة العسكرية .
-------------
1 ذكر الشنقيطي رحمه الله تعالى على آية الروم هذه كلاماً قيماً جداً لولا طوله لنقلته بنصه انظر : أضواء البيان 6 / 477 .
-----------------
- أما الناحية العمرانية فنكتفي بمثالين :
أما الأول : فإن هارون الرشيد حاول هدم ( أيوان كسرى ) فلم يستطع والهدم أيسر – ولا مقارنة – من البناء .
والثاني : أن المأمون بعده أيضاً حاول هدم الأهرامات فلم يستطع كذلك ، وما ذلك إلا لقوة هذين الصرحين وقدرة من بناهما .
- وكذلك فإن الصحابة قد استفادوا من الفرس من الناحية التنظيمية الدواوين وكالكتابة ونحوها ، فإن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا أميين في الجملة ولم يكن ذلك نقصاً في حقهم بل كان إلى الكمال أقرب ، كما أن كمال النبي r في أميته .
فالحاصل :
إن قوة الكافرين اليوم وتمكنهم من هذه العلوم ليست غريبة عنهم ، بل إن تمكنهم فيها منذ القدم وإن حصل تطور عن ذلك ولكن المؤكد أنهم برعوا فيها منذ القدم ، وقد قدمت بعض الشواهد على ذلك ، وقد يرد سؤال عند هذا وهو : إذا كان الكفار أقوى من المسلمين منذ القدم عدداً وعتاداً وعمراناً ، فكيف كانت الدولة بالأمس للمسلمين واليوم للكافرين ؟ فجواب هذا يكون بذكر الأصل الثالث وهو :
( إن قوة المسلمين بإيمانهم لا بدنياهم )
وهذا ظاهر ولو ذهبت أستقصي الآيات والأحاديث والآثار التي تثبت هذا الأصل لطال المقام ، لذلك تجد أن الإيمان إذا ثبت وتأصّل في النفوس فإن الله سبحانه ينصر عباده كما فعل في معارك الرسول r وإمداده لهم بالملائكة في بدرٍ وحنين ، لذلك كان عمر t يقول ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله ) ولما كان الصحابة رضوان الله عليهم النموذج الأمثل في تطبيق الإسلام كانوا – كما قال عنهم بعض التابعين – : ( لا يثبت لهم العدو فواق ناقة عند اللقاء ) .
أعمال لا بكتائب الشجعانِ هذا وإن قتال حزب الله بالـ
أنّى ؟ وأعداهم بلا حسبانِ والله ما فتحوا البلاد بكثرة
فعزة المسلمين وقوتهم بإيمانهم ، فإنهم ينصرون به ، وما السلاح إلا وسيلة فقط ، لذلك فإن الله سبحانه وتعالى قال : {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ } (60) سورة الأنفال فإنه سبحانه أمر بإعداد المستطاع فقط ، ولم يأمر المسلمين بأن يعدو من السلاح مثل ما أعده الكافرون أو أكثر من ذلك ، فلو لم يستطع المسلمون إلا على الحجارة فأعدوها مع إيمانهم الصادق لنصرهم الله ، ولعل هذا الأمر يتضح بإمداد الله سبحانه للمسلمين بالملائكة في بدر وحنين ، وكما مشى سعد بن أبي وقاص t وجنده على الماء وكذلك العلاء بن الحضرمي ، ولعل هذا الأمر يتضح بصورة أكثر في مساعدة الحجر والشجر للمسلين في قتالهم مع اليهود قبل قيام الساعة كما ورد في الحديث الصحيح .
----------------------
1 ولذلك عقد ابن خلدون في مقدمته فصلاً ( ص 358 ) بأن المباني والمصانع في الملة الإسلامية قليلة بالنسبة إلأى قدرتها وإلى من كان قبلها من الدول وذكر هذين المثالين في مقدمته .
-----------------

لذلك فاعلم أن ذل المسلمين اليوم ليس لجهلهم بهذه العلوم ، فإنهم كانوا في القرون المفضلة – وقت الحضارة – أجهل بها ، ولكن هذه الزلة ضربها الله عليهم لما أعرضوا عن دينه ، أن تسليط الكافرين اليوم على المسلمين إنما هو فتنة لهم وعقوبة ، والله أعلم .
وبعد :
فإن السبيل للرجوع إلى حضارة الإسلام الأولى إنما تكون بإتباع السلف في العناية بالأعمال الصالحة والعلوم الشرعية والقيام بالجهاد والزهد في الدنيا .
وقد أخطأ كلَّ الخطأ من رأى أن السبيل إنما يكون بأخذ صناعات الكافرين وتعلمها وتعليمها ونشرها بين المسلمين ، لأنه لا بد من معرفة الداء قبل أن يوصف الدواء ، وداء المسلمين اليوم هو البعد عن دين الله وعن منهج السلف ، فلو أنهم التزموا دين الله على منهج السلف لكان هذا الدواء بإذن الله تعالى ، وكما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى :
( لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها )

والله أعلم

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن


الفهرس
المقدمة 3
الفصل الأول : الحضارة الإسلامية والعلم الشرعي 4
الفصل الثاني : العلوم الدنيوية التي قيل : إن المسلمين برعوا فيها 7
تمهيد : 7
علم الفلسفة : 8
علم الكيمياء : 9
علم الفلك : 10
فن العمارة : 11
الفصل الثالث : العلماء المسلمين الذين قيل : إنهم برعوا في تلك العلوم 12
تمهيد : 12
· ابن المقفع 12
· جابر ابن حيان 12
· الخوارزمي 12
· الجاحظ 13
· ابن شاكر 13
· الكندي 13
· عباس بن فرناس 13
· ثابت بن قرة 13
· اليعقوبي 14
· الرازي 14
· البثّاني 14
· الفارابي 14
· المسعودي 14
· المجريطي 15
· مسكويه 15
· ابن سينا 15
· ابن الهيثم 15
· ابن النديم 15
· المعرّي 16
· ابن باجه 16
· الأدريسي 16
· ابن طفيل 16
· ابن رشد الحفيد 16
· ابن جبير 16
· الطوسي 17
· ابن البناء 17
· ابن بطوطة 17
الفصل الرابع : الشبهات التي قد ترد حول هذا الموضوع وردها 19
جواب الشبهة الأولى : 19
جواب الشبهة الثانية : 20
جواب الشبهات الثالثة والرابعة والخامسة : 21
الفهرس 25

( وجاء في كتاب الذيل على طبقات الحنابلة، للكاتب ابن رجب، الجزء الاول ص 211 ان الفقهاء والعلماء كانوا يتهمون من يشتغل بالفلسفة بالزندقة. وفي بعض الاحيان كان يضرب ويحبس ( راجع دراسة للإستاذة اسراء مصطفى عبد القادر النجار: احوال بغداد الثقافية خلال القرنين الخامس والسادس، عن جامعة الزهراء للبنات، مسقط) )  (الفقرة المعنية جرى اضافتها من قبلي الى حاشية اولى في نهاية الموضوع)

القاضي اين المرخم المتوفي 555 هجري 1160 ميلادي قبض عليه وجرى تفتيش مكتبته فعُثر فيها على كتاب " الشفاء" لابن سينا و " رسائل اخوان الصفا" وغيرها فأمر الخليفة بإحراقها. (ابن الجوزي، المنتظم، الجزء الاول، ص 194) 


حاشية اولى مضافة الى الكتاب
(1) علم الفلسفة:
لقد لعبت بغداد دوراً عمليّاً كبيراً في شتى الميادين العلمية الأخرى، فما له علاقة بالفلسفة فإن بغداد قد اشتهرت بظهور عدد من العلماء الذين أخذوا يناقشون في أمور كلامية مختلفة، ولكن قد تعثرت مسيرة علم الفلسفة وذلك بسبب مواقف بعض الفقهاء والعلماء الذين كانوا يتَّهمون من يشتغل بهذا العلم بالزندقة(ابن رجب، الذيل على طبقات الحنابلة، مصدر سابق، ج 1، ص. 211.). وفي بعض الأحيان كان يحبس ويضرب من يعمل بالفلسفة.
من أبرزهم:
1 - القاضي ابن المرخم المتوفى (555 ﻫ/ 1160 م) فقد قبض عليه، وفتشت مكتبته فوجد فيها كتاب "الشفاء" لابن سينا و"رسائل إخوان الصفا" وغيرها من الكتب الفلسفية، فأمر الخليفة بإحراقها( ابن الجوزي، المنتظم، مصدر سابق، ج 1، ص. 194.).