fredag 16 mars 2012

هل ان وجود الكون دليل على وجود الله؟


حسن الولهازي

هل أن وجود الكون دليل على وجود الله؟

يقوم الدين بعدّة وظائف، فهناك وظيفة نفسية تتمثّل في حماية الإنسان في حياته وطمأنته على مصيره بعد الموت، ووظيفة أخلاقية تتمثّل في دعوة الإنسان لإحترام غيره، ووظيفة معرفية تفسّر الظواهر الطبيعية والقضايا الماورائية.
ولكن الوظيفة النفعية للدين شيء والمشروعية المنطقية للدين شيء آخر. فإن كانت للدين وظائف إيجابية، فلا يعني ذلك بالضرورة أن الأسس التي ينبني عليها سليمة. فحتّى الوهم يمكن أن يخدم الإنسان. فإذا سلّمنا أن الأساس الرئيسي الذي ينبني عليه الدين هو وجود الله، فهل يمكن أن نسلّم بوجود الله؟ ثمّ إن كان إثبات وجود الله ينطلق من وجود الكون، فهل أن وجود الكون هو حجّة على وجود الله؟ فهل نحن عندما نتأمّل الكون نكتشف وجود لله أم نختلق وجوده؟ فهل أن الله موجود لأنّه موجود بالفعل أم هو موجود لأنّنا لا نستطيع أن نحيا بدون إله؟
عندما نقول إن وجود الله مُدْرَك من وجود الموجودات فإنّنا نقرّ ضمنيا:
أ‌- أن إدراكنا للموجودات يسبق إدراكنا لله.
ب‌- إن إدراكنا للموجودات مباشر ويتمّ بالحواس، فالموجود المادي يلزم فكري على الإعتراف بوجوده، بينما الله، ولأنّه مُدرَك من وجود الموجودات، لا يُدرك بالحواس وليس له وجود مادّي، أي أن الله لا يكشف عن نفسه مباشرة وإنّما وجوده يُستنتج بعد تفكير.
ت‌- عندما يفكّر الإنسان كيف وُجد الكون، ينتهي به التفكير إلى الإعتقاد في ضرورة وجود إله.

في حدود هذا المستوى ليس هناك مشكل. الخلط يقع في مرحلة ثانية.
ماذا يحصل عندما ينتهي التفكير بالإنسان إلى أن الله موجود؟
الحاصل هو أن الإنسان ينسحب ويربط بين الله والكون ربطا واقعيا وهذا هو الخطأ. فهو قد تناسى أنّه الوسيط الفكري الرّابط بين الله والكون. فهذا الرّبط الأخير ليس واقعيا ولا شهد به حواسّنا وإنّما هو ربط في الذّهن فحسب. قد يكون هناك إله فعلا ولكن لسنا متأكدين من أنّه موجود فعلا طالما أنّه ليس موجودا ماديا. فنحن هنا نشرّع بالفكر لوجود فعلي ومع ذلك ليس لنا حجّة واقعية على أنّه موجود فعلي.

على المتديّن أن يعترف أنّه ليس لنا سبيل لمعرفة هل خلقنا نحن الله أم إكتشفنا وجوده لأن وجوده يظلّ ينحدر من تأمّلنا في الكون. لمزيد الدقّة وجب يجب أن نقول إن وجود الله لا يُستنتج من وجود الموجودات وإنّما من وعينا بوجود الموجودات. (الوعي بالوجود استدلال منطقي، والاستدلال المنطقي مشروح لاحقا)

لو يمنح المتديّن هذه الفكرة القيمة التي تستحقّها، لقفز قفزة نوعية في وعيه بما يفعل. على المتديّن أن يجيب: كيف يحوّل علاقته التأملية بالكون (المستوى النظري) إلى علاقة إيجاد (المستوى الواقعي). إنّ المتديّن يمرّ ببساطة من متأمّل للكون إلى موجِد لله وجودا فعليا رغم أنّه لم يشاهد الله ولم يفعل غير التأمّل. إنّ المتدّين ومن حيث لا يشعر يرى في تغيّر موقفه من الواقع، تغيّرا في الواقع فعلا. وكأنّ الكون كان بدون إله (قبل التأمّل) وأصبح له إله (بعد التأمّل)، والحال أنّ التغيّر في النظرة لا في الكون. فالمتديّن، عوض أن يقول:"أعتقد أن الله موجود"، يقول:"الله موجود" في حين أن هناك فرقا كبيرا بينهما.

خلاصة القول إن الإنسان بمجرّد أن يشرع في التفكير في وجود الله، حتّى ينفيه لأنّ منهجية البحث تقتضي أن يوضع هو في الصدارة (أي الإنسان) وبذلك يكتسب مشروعية نظرية أي يقف موقف المشرّع أو النافي لوجود الله. وهذا هو السبب الذي جعل البعض ينتهي للإيمان والبعض الآخر للإلحاد، لأنّ القضية فكرية بحتة.
ومع كلّ ما قلناه فقد يُعترض علينا بالقول: إن كلّ ما قلناه لا ينفي وجود الله، فلأن ّ الله روح وليس مادّة، نحن مضطرّون للتأمّل في الكون وإكتشاف وجود الله من خلاله فما باليد حيلة. هكذا تجرى الأمور فالله نكتشف وجوده ولا نختلق وجوده.
على هذا الإعتراض ردّي هو التالي: هذه الفرضية واردة ويمكن أن يكون الله موجودا بالفعل ولكن بالنسبة لشخص يتمسّك بالحقيقة لا يمكن أن يحوّل الفرضية إلى حقيقة. فنحن إلى حدّ الآن لم ننته إلى أن الله موجود وإنّما إلى أن الله يمكن أن يوجد. وعلى المتديّن أن يعترف أنّه يتمسّك بفرضية.

فهل يمكن أن نتجاوز الفرضية إلى الحقيقة؟
يستحيل ذلك، طالما أن الله روح أو فكرة. فالفكر لا بدّ أن نقوّمه في إعتقاداته وهذا التقويم لا بدّ أن يكون أن يكون من خارج الفكر وبالتحديد من الواقع المادي هذا هو المنهج الضروري للحسم في المسألة. أما إذا تقوقع الفكر على نفسه فإنّه لا ينشئ إلاّ الترّهات.

لا شكّ أن القارئ يريد أن يسألني الآن السّؤال التالي: هل تريد أن ينتصب الله أمامك، وتلمسه بيديك لتسلّم بوجوده؟ بدون حرج أقول نعم. ليس هناك من سبيل آخر. هذا هو السبيل الوحيد للإيمان الحقّ. بدون ذلك،كيف سنفرّق بين إكتشافنا لوجود الله وإختلاقنا لوجوده؟
هل يعقل أن يكون هذا الكون قد وُجد صدفة؟ أليس من الضروري أن يكون هناك خالق لهذا الكون؟ أليس كلّ معلول له علّة؟ هذه أسئلة مشروعة ولكن لا يجب أن نسهو على أنّنا نحن الذين نسأل ونجيب، يعني نحن الذين نتوجّه إلى الله ونبحث عنه وليس الله هو الذي يفرض علينا وجوده. المهم هو أن لا نتخدّر بهذه الأسئلة فنَنْسَى أنّنا نحن الذين نفكّر ونسأل ونجيب... إنّ مسألة وجود الله هي مسألة نظرية مهما كان الموقف منها، فحتّى لو إعتقد المتديّن أن الله موجود فيجب أن يعي أنّه إتّخذ موقفا من مسألة. فمهما كانت نتيجة بحثه، فلا يخرج ذلك عن كونها فكرة مترتّبة عن نشاط الفكر.فلا يعقل لكونه إنتهى إلى أن الله موجود، أن يصبح فكره مؤسسا لوجود ما يعتقد. لكن قد نسأل هل: هل عندما أعتقد أن القلم الذي أمسكه موجود، هل يعني ذلك أنّه ليس موجودا فعلا وإنّما هو مجرّد إعتقاد. قد نقول قياسا على التحليل المقدم أن القلم غير موجود طالما أنّه مبني على إعتقاد وكلّ إعتقاد يحتمل الخطأ. على هذا الإعتراض أقول أن الأمر يختلف. وجود الأشياء المادية سابق على فكري، بينما تجاه "الموجودات الروحانية" فكري سابق عليها. فوجودها يتأسّس على فكري. الفرق بين المتديّن والفيلسوف هو أن المتديّن يفرز وجودا من التفكير بينما الفيلسوف يظلّ واعيا أنّه يفكّر حتّى ولو إعتقد في وجود ما هو غير مادي.

والحالة هذه لسائل أن يسأل لماذا الفيلسوف هو الوحيد الذي لا يتخدّر بهذا السّؤال الذي هو: هل يعقل أن يكون الكون وُجد صدفة؟ السبب هو أن الفيلسوف يعي بحيل العقل أثناء التفكير. فالعقل لا يعتبر نفسه قد فهم قضيّة إلاّ عندما يربطها بسبب، وإذا عُرف السبب زال العجب كما يقال.ووجه إستغراب الإنسان من الكون هو أنّه يجد نفسه أمام ظاهرة نتيجة لا يرى لها سببا ظاهرا، ولكن في نفس الوقت لا يستطيع أن يقبل هذه الظاهرة (الكون) بدون سبب. من هنا كان الله ضرورة عقلية تمكّن الإنسان من الكون. إلى هذا المستوى يقف المتديّن ولا يواصل إستدلاله العقلي ليتساءل:ومن خلق الله؟ فهو أيضا سؤال مشروع شأنه شأن السؤال الأوّل. فعندما نقول إن الكون لا يعقل أن يوجد بدون سبب وأن الله هو خالقه وأن هذا الخالق هو الموجود الأوّل ولم يصدر عن شيء سبقه، فإنّنا بذلك نكون قد فرضنا على العقل قبول ما لا يقبله. المسألة تكمن في: هل من المشروع أن نسأل: من خلق الله؟
*إن أجبنا بالنفي قلنا ليس هناك موضوعية في هذه الإجابة لأنّنا كشفنا عن إعتقادنا في وجود الله ونحن لازلنا في مرحلة البحث، فعلى أي أساس نقول نقول لا؟ وقولنا إنّه واجد ولا يمكن أن أن يوجد عن غيره لا يقنع العقل بالمرّة ولو كان يقنعه موجود بدون سبب لأقنعه أن الكون بدون سبب. ففي منطق العقل يتساوى الكون والله من حيث ضرورة تأطّر كلّ منهما في علاقة سببية بحيث يكون كلّ واحد منهما سببا لما يلحقه ونتيجة لما سبقه.
*وإن أجبنا بالإيجاب وإعتبرنا أن كلّ سبب هو نتيجة لا بد لها من سبب كانت سلسلة الأسباب لامتناهية وهكذا يعجز العقل عن الإجابة النهائية.
يتبين لنا ممّا سبق أن الأمر الذي فرض وجود الله فرضا هو النظر للكون على أنّه نتيجة. ولهذا نحن لا نعرف الله وإنما نعرفه بالكون،ولهذا أيضا عندما يقول البعض إن الله موجود ونجهل كنهه، فذلك لأنّنا لسنا في حاجة لكنهه وإنّما في حاجة لوجوده حتّى يصبح وجود الكون مقبولا عقليا.
خلاصة القول وجود الكون دليل على وجود الكون ولا يدلّ بشكل ثابت ويقيني على وجود غيره. وهكذا يكون التيقّن في مسألة وجود الله أمرا مستحيلا. فلا المتديّن أفضل من الملحد ولا الملحد أفضل من المتديّن. فالإنسان تجاه السؤال مطروح أعلاه بين وضعيتيْن مأسويتيْن إما أن يسلّم بوجود الله عشوائيا أن يتصالح مع الجهل، إمّا أن يكون مؤمنا دغمائيا أو جاهلا لاأدريا، عليه أن يختار.
حسن الولهازي
...

أن لا تقدر عديد المجتمعات أن تحيا بدون تدين لا يعني ذلك أن الدين ضرورة منطقية. فهل الوثنية ضرورية؟ أو المجوسية أو البوذية ...و ما نقوله عن هذه الأديان نقوله عن اليهودية والمسيحية والإسلام. طبعا سيقول المسلمون كيف تساوي بين الإسلام والوثنية، وسيقول اليهود كيف تساوي بين اليهودية والمجوسية. ليعرف هذا المعترض أن كلّ مجتمع معتزّ بدينه، وأن قيمة الوثنية عند الوثنيين هي عينها قيمة الإسلام عند المسلمين. كلّها أشكال تديّن. و تعدّد أشكال الدين دليل على أنّه إنتاج بشري.
وقد يسأل سائل لماذا يتطوّر الدين في الشكل لكن يظلّ ظاهرة ثابتة في المجتمع على إمتداد التاريخ؟
ثبات الدين في المجتمع متأتّ من ثبات العجز الإنساني. وسيظلّ هناك دين طالما هناك عجز. فالدين هو الذي يوهم الإنسان بحلول تسهّل عليه قبول المصائب. فكيف يحصل ذلك؟
خلق الإنسان الإله (صاحب القدرة التي لا تضاهى) وأوجد أشكالا من الممارسات السحرية (بالمعنى الأنتروبولوجي) التي تمكّنه عندما يأتيها بالظفر برضا الإله. طبعا من كانت القدرة العليا إلى جانبه لا يخيب. لم يخطئ ماركس عندما قال " الدين أفيون الشعب".
هذه الأفكار التي ذكرتها لا تلزمني إلا أنا وحدي. لا أسعى من وراء ذكرها إلى التأثير على أيّن كان. كلّ فرد حرّ في أفكاره.

Inga kommentarer:

Skicka en kommentar