fredag 11 maj 2012

القرآن ينزل بناء على طلب الجمهور



القرآن ينزل بناء على طلب الجمهور
القرآن ينزل بعد طلب الجمهور:  , و هي ان الامر احتاج من الله ثلاث مرات ليرضى ام سلمة , و لو زادت زاد

1- روى الترمذي والبيهقي وأحمد عن أم سلمة أنها قالت : يغزو الرجال ولا يغزو النساء وإنما لنا نصف الميراث فأنزل الله "ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجل نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن"

2- ثم قالت أم سلمة للنبي ®يا نبي الله ما لي أسمع الرجال يذكرون في القرآن والنساء لا يذكرون فأنزل الله عز وجل (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات) كما روى الترمذي والنسائي وأحمد

3- قالت أم سلمة رضي الله عنها أنها : يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله عز و جل { فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض } كما روى الحاكم والترمذي

قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم فأنزل الله تعالى هذه الآية‏.‏ اسباب النزول ، سورة النحل ‏{‏قُلِ اِدعوا اللهَ أَو اِدعوا الرَحمَنَ‏}‏ الآية، 110، على الرغم من ان التوراة لايذكر هذا الاسم على انه اسم اله اهل التوراة، وعلى الرغم من ان اسم الرحمن في الاصل هو اسم اله اهل اليمن، وينحدر عن اسم وثني قديم هو (رحم آن) اي  ربة الخصب.  قوله تعالى ‏{‏قُلِ اِدعوا اللهَ أَو اِدعوا الرَحمَنَ‏}‏ الآية، 110‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ تهجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة بمكة فجعل يقول في سجوده‏:‏ يا رحمن يا رحيم فقال المشركون‏:‏ كان محمد يدعو إلهاً واحداً فهو الآن يدعو إلهين اثنين الله والرحمن ما نعرف الرحمن إلا رحمن وقال ميمون بن مهران‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب في أول ما يوحى إليه‏:‏ باسمك اللهم حتى نزلت هذه الآية ‏{‏إِنَّهُ مِن سُلَيمانَ وَإِنَّهُ بِسمِ اللهِ الرَحمَنِ الرَحيمِ‏} فكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال مشركو العرب‏:‏ هذا الرحيم نعرفه فما الرحمن فأنزل الله تعالى هذه الآية‏.‏ وقال الضحاك‏:‏ قال أهل التفسير‏:‏ قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم فأنزل الله تعالى هذه الآية‏.‏ اسباب النزول ، سورة النحل
للمزيد عن الرحمن اضغط هنا


غير ان تأثير عمر بن الخطاب على القرآن هو الاكثر شهرة، حيث يقول عمر : وافقت ربي في ثلاثة: فقلت فقلت لو اتخذنا من مقام ابراهيم مصلى فنزلت: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى، وآية الحجاب، قلت: يارسول الله لو أمرت نساءك ان يحتجبن، فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه ان طلقكن أن يبدله ازواجا خيرا منكن، فنزلت هذه الاية. رواه البخاري عن انس.
وفي حديث اخر، رواه مسلم عن ابن عمر: وافقت ربي في ثلاث: في مقام ابراهيم، وفي الحجاب وفي أسارى بدر.
قال النووي: وجاء في الحديث الذي ذكره مسلم بعد هذا موافقته في منع الصلاة على المنافقين، ونزول الاية بذلك، وجاءت موافقته في تحريم الخمر ، فهذه ستة، وليس في لفظه ماينفي زيادة الموافقة والله اعلم.
وقال ابن كثير وفي رواية لمسلم ذكر آسارى بدر، وهي قضية رابعة.
وروى مسلم عن ابن عمر قال: لما توفي عبد الله ابن ابي ابن سلول جاء ابنه عبد الله ابن عبد الله الى الرسول فسأله ان يعطيه قميصه ان يكفن فيه اباه، فأعطاه، ثم سأله ان يصلي عليه، فقام رسول الله ليصلي عليه فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله فقال: يارسول الله ، اتصلي عليه وقد نهاك الله ان تصلي عليه؟ فقال الرسول: انما خيرني الله فقال: استغفر لهم او لاتستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة ، وسأزيد على سبعين. قال أنه منافق، فصلى عليه الرسول وأنزل الله: ولاتصل على احد منهم مات ابدا ولاتقم على قبره.

( عن ابن عباس قال : إن الناس كانوا قبل أن ينزل الصوم ما نزل فيهم يأكلون ويشربون ويحل لهم شأن الناس فإذا نام أحدهم لم يطعم ولم يشرب ولم يأت أهله حتى يفطر من القابلة ؛ فبلغنا أن عمر بن الخطاب نام ووجب عليه الصوم ووقع على أهله ثم جاء إلى النبي - ص -فقال : أشكو إلى الله وإليك الذي صنعت ؟ قال : ما صنعت ؟ قال : إني سولت لي نفسي فوقعت على أهلي بعد ما نمت ؛ وأنا أريد الصوم ؛ فزعموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ما كنت خليقاً أن تفعل ؛ فنزل الكتاب ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم )؛
وفي رواية : قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه - فقال : يا رسول الله إني أردت من أهلي البارحة ما يريد الرجل من أهله ؛ فقالت : إنها قد نامت فظنتها . تعتل فواقعتها , فنزل في عمر ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ).
وفي رواية ثالثة : فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة قد سمر عنده فوجد امرأته قد نامت فأرادها فقالت :
إني قد نمت فقال : ما نمت ثم وقع بها )( عن ابن عباس قال : جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله : هلكت قال : ما الذي أهلكك قال : حولت رحلي البارحة فلم يرد عليه شيئاً فأوحى الله إلى رسوله هذه الآية ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) ؛ أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة )


كيف حدث ان الله يرسل القرآن حسب الطلب، وان الطلب لابد ان يمر عبر اذان محمد ليصل الى الله اولا ليعود بعد ذلك على لسان محمد آيات حسب الطلب.. الم يكن بالامكان ان يتوجه المرء مباشرة الى الله ليجد ان الاية نزلت على محمد في اليوم التالي؟
 او اليس يفترض ان القرآن صحف محفوظة منذ الابد وليس كتابات آنية في لحظات معينة وحسب الضرورة التكتيكية؟

تفسير ذلك نجده في قصة عبد الله بن ابي السرح، التي وردت الينا في كتاب " عيون الاث في المغازي والسير" والتي تذكر انه كان من اوائل من كتب الوحي من قريش، بينما كعب بن ابي اول من كتبه من الانصار. وفي احد الايام كان محمد يملي عليه الاية التالية:( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ"14" )..وهنا قال ابن ابي السرح متعجبآ،حسب كتب السيرة والتفسير، ومنها الطبري والقرطبي والبيضاوي ( تبارك الله احسن الخالقين )......

ويبدو ان هذه العبارة قد راقت لمحمد فأمره قائلآ (( اكتبها، هكذا نزلت ))..(( اكتبها، هكذا نزلت )) فكتبها ابن ابي السرح. على اثر ذلك دخل الشك الى قلب ابن ابي السرح وهو يرى المهزلة بأم عينيه..يقول عبارة على سبيل التعجب فيقول محمد اكتبها انها من الوحي ...

جاء في تفسير القرطبي والطبري والبيضاوي ان ابن ابي السرح قال ( إن كان محمد يوحى إليه فقد أوحي إليّ , وإن كان الله ينزله فقد أنزلت مثل ما أنزل الله )...ويقول النياسبوري في كتابه ( اسباب النزول ) انه قال ( لئن كان محمد صادقاً لقد أوحي إليّ كما أوحي إليه ولئن كان كاذباً لقد قلت كما قال ) ولكنه اراد ان يجرب إذا كان الامر كذلك حقا فأصبح يبدل مايذكره محمد، حسبما جاء في كتاب المغازي للواقدي وتفسير الطبري والكامل في التاريخ لابن الاثير، فإنه إذا مااملي عليه " عليم حكيم" قلبها وكتبها "حكيم عليم" ثم يقرأ ماكتب لمحمد فلايشعر بالتغيير. يورد الواقدي ماقاله ابن ابي السرح: (مايدري محمد مايقول، اني لاكتب له ماشئت، هذا الذي كتبت يوحى الي كما يوحى الى محمد) ، اما الطبري بيقول ان محمد كان يقول:" نعم سواء". وبعد ان كرر ابي السرح الامر عدة مرات واقتنع بأن الامر من عقل محمد فر عائدا الى مكة ومتخليا عن الاسلام.

söndag 6 maj 2012

مغالطات الله في الاستحالة المنطقية


دعونا نطرح السؤال التالي: هل يستطيع الانسان خلق كائن آخر؟
على هذا السؤال يمكن الاجابة اليوم بنعم، من الناحية النظرية. ألإمكانية النظرية موجودة آجلا ام عاجلا، خصوصا وان الخلق لايعني من اللاشئ ، فحتى الله خلق من الشئ. أن يتمكن المخلوق من الخلق لاتوجد فيها استحالة منطقية اليوم، على العكس مما كان عليه الاعتقاد قبل عصور. يمكن القول ان الانسان تعلم الخلق من الطبيعة، على إعتبار ان الخلق آلية طبيعية يمكن إقتباسها وتعلمها واستنساخها في المختبر، فالخلق صيرورة طبيعية وليست خارج عن الطبيعة.

حسب رؤية السلف الصالح الذي كان يعتبر الخلق حكرا على الخالق الالوهي وحده، وان المخلوق ليس خالق. (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) الاعراف 54، كان من الطبيعي ان يتصور المسألة إستحالة منطقية، فالمخلوق مخلوق والخالق خالق. يقول: ( والذين يدعون من دون الله لايخلقون شيئا وهم يخلقون) النحل، 20

ولكن عندما يتعلق الامر بالله فالقضية تختلف، ذلك ينعكس في السؤال التالي: هل يمكن لله ان يخلق إلها آخر؟
هنا سيسارع الكهنوت الاسلامي الى الاعتراض على ان السؤال مغالطة منطقية لكونه مستحيل استحالة منطقية، فمن شروط الله ان لايكون مخلوق، ولو خلق الله الها آخر سيكون مخلوق وليس خالق، وبالتالي ليس إلهاً آخر. الله لايجوز له ان يعجز، ولكن هنا الاستحالة منطقية.. مثل ان نقول هل يمكن ان تكون غائب وحاضر في نفس الوقت، وهو امر كنا سنوافقهم فيه لولا ان القرآن (او الله) يستخدم الاستحالة الموضوعية حجة علينا، فهل تكون حلال له وحرام علينا؟

كما لاحظنا لم يعد بالامكان وصف خلق الانسان لكائن اخر بالاستحالة المنطقية لانه، عندما يتعلق الامر بالانسان المادي، القضية ليست تجريدية صرفة تفرض شروطها فوقيا وانما الواقع الذي يحدد المضمون، في حين أنه على الدوام يمكن حماية الشخصية الالهية بتعبير الاستحالة المنطقية لان الشخصية الالهية إبداع فكري محفوظ الحقوق وشروط عمله وتصرفاته موضوعة فكريا ولايمكن ان تتغير من خارج الفكرة. من هنا تكون الفكرة على الدوام محمية لخدمة الهدف المسبق في أوانه، مهما فقد من مبرراته اليوم.

ولكن، إذا كنا نحن ندفع عن الله مطالب الاستحالة المنطقية، وهو القوي العظيم، فهل يحق لله ان يقدم مطالب مستحيلة منطقيا لتكون حجة علينا، ونحن الضعفاء؟ اليس الاولى ان يراعي الله هذه المسألة في طروحاته؟ ان يجوز لله طرح الاستحالة المنطقية علينا من باب اولى ان يبيح ذلك الاجازة لنا على طرح تحديات الاستحالة المنطقية على الله، وهو القادر.

دعونا نشير الى بعض الامثلة. التحدي الوحيد الذي رفعه القرآن هو ان نأتي بسورة من مثله. ولكن ماذا يعني ان نأتي بسورة من مثله؟ هل المقصود سورة بالمعنى ام بالبلاغة ام بالهدف ام بالشكل ام جميعهم مع بعض؟ نحن لدينا العديد من السور التي اختلف المفسرين على معناها وحللوها ليقطعوا معانيها تقطيعا لمجرد ان كلمة فيها قابلة للاستطراد، تماما مثل آية التحدي اعلاه. ان اي نص فكري حر لايمكن الاتيان بمثله على الاطلاق، لان ذلك إستحالة منطقية. Marcel Proust ( مارسيل بروست) كاتب فرنسي شهير كتب كتابا اسمه " بحثا عن الزمن الضائع" وعلى الرغم من انه انجز سبعة مجلدات منه الا انه لم يكمله. لااحد استطاع او يستطيع تتمة القصة، لان ذلك سيشوهها ولن يكون " مثلها".
ان نأتي بنص " مثله" يسمى استنساخ وإذا كان على شاكلته يسمى تقليد. بذلك لايمكن الاتيان بمثله، تماما كما اننا لانستطيع الاتيان "بمثل" اي نص ادبي اخر على الاطلاق. في الواقع حتى الله لايستطيع ان يأتي بمثل اي نص بشري. قد يأتي بأفضل منه ولكنه لن يأتي بمثله لانه مستحيل استحالة منطقية، فكيف يطلب منا مايعجز هو عنه؟

خطأ منطقي اخر يقدمه لنا القرآن حجة على الانسان هو ان الله يحيي العظام وهي رميم، ليعود الانسان (الفرد بذاته) فيقف امام ربه ليحاسب بجسمه و " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها" (النساء، 56). وهي اية يعتبرها البعض اعجازا. ولكن هل حقا يستطيع الله ان يعيد العظام وهي رميم، ان يعيد كل انسان بذاته، ان ان ذلك استحالة منطقية، وبالتالي مغالطة منطقية؟

ان جسم الانسان هو ذرات من مختلف الاشكال، جاءت الى البنية الانسانية من الطعام والشراب، اي انها ذرات كانت مكونات للكثير من النباتات والحيوانات الاخرى. وعندما يموت الانسان يأكل جسده الديدان والطيور والحيوانات والنباتات وفي النهاية تنتقل الذرات الى اجساد بشر اخرين. على مدى قرون انتقلت هذه الذرات من اجساد الى اخرى، وفي النهاية تصبح الذرة الواحدة جزء من اجساد بضعة الاف من الاشخاص فأي منهم سيعيده الله بجسده وكيف ستكون الاجساد هي نفسها ومكوناتها مكررة على الدوام؟ ان يتمكن الله من إعادة فلان رقم 1 بجسده يتعارض مع إمكانية ان يعيد فلان رقم 2 لان المكونات المستخدمة هي نفسها. لايمكن ان تكون المكونات ذاتها في مكانين مختلفين بنفس الوقت، ويزداد التعقيد اذا كانت ستكون في بضعة الاف مكان في نفس الوقت. وفي النتيجة سيعني ذلك ان الذرات نفسها ستكون في الجنة وفي النار في ذات الوقت، لانه من الممكن ان تكون الذرة كانت في جسم انسان مؤمن وفي مرة اخرى كانت في جسم انسان كافر، فكيف سيتمكن الله من حل هذه الاستحالة المنطقية؟

ولكنه إذا كان قادرا على حل مثل هذه الاستحالات المنطقية فلماذا لايستطيع حل بقية الاستحالات المنطقية؟ لماذا تكون المسألة انتقائية وليست منطقية؟
( أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً وانكم الينا لاترجعون) المؤمنون ، 115.

tisdag 1 maj 2012

مفاهيم محمد الكونية

مفاهيم محمد عن السموات والكواكب وإعتقاداته عن كيفية ظهور الانسان على الارض لايمكن ان تخرق السقف المعرفي لبيئته وعصره، وهذا الامر نراه بوضوح ليس في القرآن وحده وانما ايضا في التفاصيل التي يقدمها  الحديث  النبوي وحتى احاديث الصحابة في زمنه، إذ مجموعها تعكس المفاهيم التاريخية لعصر النبي، وعلى ضوئها تصبح نصوص القرآن في غاية الوضوح بدون الحاجة لطلب المساعدة من المفسرين والمؤلين البشر لمساعدة عجز البلاغ المبين عن التواصل. والمعروض ادناه مقتبس عن كتاب الطبري، تاريخ الملوك والرسل.

عن أبي ذر الغفاري، قال: كنتُ آخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحنُ نتماشى جميعاً نحو المغرب، وقد طفلت الشمس، فما زلنا ننظر إليها حتى غابت، قال: قلتُ: يا رسول الله، أين تغربُ? قال: تغرب في السماء، ثم ترفع من سماء إلى سماء حتى ترفع إلى السماء السابعة العليا، حتى تكون تحت العرش، فتخر ساجدة، فتسجد معها الملائكة الموكلون بها، ثم تقول: يارب، من أين تأمرني أن أطلع، أمن مغربي أم من مطلعي? قال: فذلك قوله عز وجل: "والشمس تجري لمستقرٍ لها" حيث تحبس تحت العرش، "ذلك تقديرُ العزيز العليم" قال: يعني بذلك صنع الرب العزيز في ملكه العليم بخلقه. قال: فيأتيها جبرئيل بحلة ضوء من نور العرش، على مقادير ساعات النهار، في طوله في الصيف، أو قصره في الشتاء، أو ما بين ذلك في الخريف والربيع. قال: فتلبس تلك الحلة كما يلبس أحدكم ثيابه، ثم تنطلق بها في جو السماء حتى تطلع من مطلعها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فكأنها قد حبست مقدار ثلاث ليال ثم لا تكسى ضوءاً، وتؤمر أن تطلع من مغربها، فذلك قوله عز وجل: "إذا الشمس كورت".

قال: والقمر كذلك في مطلعه ومجراه في أفق السماء ومغربه وارتفاعه إلى السماء السابعة العليا، ومحبسه تحت العرش وسجوده واستئذانه، ولكن جبرائيل عليه السلام يأتيه بالحلة من نور الكرسي. قال: فذلك قوله عز وجل: "جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً". قال أبو ذر: ثم عدلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا المغرب.(الطبري ص 22)حدثني محمد ابن أبي منصور، قال: حدثنا خلف بن واصل، قال: حدثنا أبو نعيم، عن مقاتل بن حيان، عن عكرمة قال: بينا ابن عباس ذات يوم جالس إذ جاءه رجل، فقال: يا بن عباس، سمعتُ العجب من كعب الحبر يذكر في الشمس والقمر. قال: وكان متكئاً فاحتفز ثم قال: وما ذاك? قال: زعم أنه يجاء بالشمس والقمر يوم القيامة كأنهما ثوران عقيران، فيقذفان في جهنم. قال عكرمة: فطارت من ابن عباس شقة ووقعت أخرى غضباً، ثم قال: كذب كعب! كذب كعب! كذب كعب! ثلاث مرات، بل هذه يهودية يريد إدخالها في الإسلام، الله أجل وأكرم من أن يعذب على طاعته، ألم تسمع لقول الله تبارك وتعالى: "وسخر لكم الشمس والقمر دائبين"، وإنما يعني دؤبهما في الطاعة، فكيف يعذب عبدين يثني عليهما، إنهما دائبان في طاعته! قاتل الله كعب الحبر وقبح حبريته! ما أجرأه على الله وأعظم فريته على هذين العبدين المطيعين لله! قال: ثم استرجع مراراً، وأخذ عويداً من الأرض، فجعل ينكته في الأرض، فظل كذلك ما شاء الله، ثم إنه رفع رأسه، ورمى بالعويد فقال: ألا أحدثكم بما سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول في الشمس والقمر وبدء خلقهما ومصير أمرهما? فقلنا: بلى رحمك الله! فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك، فقال: إن الله تبارك وتعالى لما أبرم خلقه إحكاماً فلم يبق من خلقه غير آدم خلق شمسين من نور عرشه، فأما ما كان في سابق علمه أنه يدعها شمساً، فإنه خلقها مثل الدنيا ما بين مشارقها ومغاربها، وأما ما كان في سابق علمه أنه يطمسها ويحولها قمراً، فإنه دون الشمس في العظم، ولكن إنما يرى صغرهما من شدة ارتفاع السماء وبعدها من الأرض.
قال: فلو ترك الله الشمسين كما كان خلقهما في بدء الأمر لم يكن يعرف الليل من النهار، ولا النهار من الليل، وكان لا يدري الأجير إلى متى يعمل، ومتى يأخذ أجره. ولا يدري الصائم إلى متى يصوم، ولا تدري المرأة كيف تعتد، ولا يدري المسلمون متى وقت الحج، ولا يدري الديان متى تحل ديونهم، ولا يدري الناس متى ينصرفون لمعايشهم، ومتى يسكنون لراحة أجسادهم.
وكان الرب عز وجل. أنظر لعباده وأرحم بهم، فأرسل جبرئيل عليه السلام فأمر جناحه على وجه القمر -وهو يومئذ شمس - ثلاث مرات، فطمس عنه الضوء، وبقي فيه النور، فذلك قوله عز وجل: "وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا أية النهار مبصرة". قال: فالسواد الذي ترونه في القمر شبه الخطوط فيه فهو أثرُ المحو. ثم خلق الله للشمس عجلة من ضوء نور العرش لها ثلثمائة وستون عروة، ووكل بالشمس وعجلتها ثلثمائة وستين ملكاً من الملائكة من أهل السماء الدنيا، قد تعلق كل ملك منهم بعروة من تلك العرا، ووكل بالقمر وعجلته ثلثمائة وستين ملكاً من الملائكة من أهل السماء، قد تعلق بكل عروة من تلك العرا ملك منهم.
ثم قال: وخلق الله لهما مشارق ومغارب في قطري الأرض وكنفى السماء ثمانين ومائة عين في المغرب، طينة سوداء، فذلك قوله عز وجل: "وجدها تغربُ في عين حمئةٍ" إنما يعني حمأة سوداء من طين، وثمانين ومائة عين في المشرق مثل ذلك طينة سوداء تفور غلياً كغلي القدر إذا ما اشتد غليها. قال: فكل يوم وكل ليلة لها مطلعٌ جديد، ومغرب جديد ما بين أولها مطلعاً، وآخرها مغرباً أطول ما يكون النهار في الصيف إلى آخرها مطلعاً، وأولها مغرباً أقصر ما يكون النهار في الشتاء، فذلك قوله تعالى: "رب المشرقين ورب المغربين" يعني آخرها هاهنا وآخرها ثم، وترك ما بين ذلك من المشارق والمغارب، ثم جمعهما فقال: "برب المشارق والمغارب"، فذكر عدة تلك العيون كلها.قال: وخلق الله بحراً، فجرى دون السماء مقدار ثلاث فراسخ، وهو موج مكفوف قائم في الهواء بأمر الله عز وجل لا يقطر منه قطرة، والبحار كلها ساكنة، وذلك البحر جارٍ في سرعة السهم ثم انطلاقه في الهواء مستوياً، كأنه حبل ممدود ما بين المشرق والمغرب، فتجري الشمس والقمر والخنس في لجة غمر ذلك البحر، فذلك قوله تعالى: "كل في فلك يسبحون"، والفلك دوران العجلة في لجة غمر ذلك البحر. والذي نفس محمد بيده، لو بدت الشمس من ذلك البحر لأحرقت كل شيء في الأرض، حتى الصخور والحجارة، ولو بدا القمر في ذلك لافتتن أهلُ الأرض حتى يعبدوه من دون الله، إلا من شاء الله أن يعصم من أوليائه.
قال ابن عباس: فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: يأبى أنت وأمي يا رسول الله! ذكرت مجرى الخنس مع الشمس والقمر، وقد أقسم الله بالخنس في القرآن إلى ما كان من ذكرك، فما الخنس? قال: يا علي، هن خمسة كواكب، البرجيس، وزحل وعطارد، وبهرام، والزهرة، فهذه الكواكب الخمسة الطالعات الجاريات، مثل الشمس والقمر، العاديات معهما، فأما سائر الكواكب فمعلقات من السماء كتعليق القناديل من المساجد، وهي تحوم مع السماء دوراناً بالتسبيح والتقديس والصلاة لله، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: فإن أحببتم أن تستبينوا ذلك، فانظروا إلى دوران الفلك مرة هاهنا ومرة هاهنا، فذلك دوران السماء، ودوران الكواكب معها كلها سوى هذه الخمسة، ودورانها اليوم كما ترون، وتلك صلاتها، ودورانها إلى يوم القيامة في سرعة دوران الرحا من أهوال يوم القيامة وزلازله، فذلك قوله عز وجل: "يوم تمور السماء موراً، وتسيرُ الجبالُ سيراً، فويل يومئذٍ للمكذبين".
قال: فإذا طلعت الشمس فإنها تطلع من بعض تلك العيون على عجلتها ومعها ثلثمائة وستون ملكاً ناشري أجنحتهم، يجرونها في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله على قدر ساعات الليل وساعات النهار ليلاً كان أو نهاراً، فإذا أحب الله أن يبتلي الشمس والقمر فيرى العباد آية من الآيات فيستعتبهم رجوعاً عن معصيته وإقبالاً على طاعته، خرت الشمس من العجلة فتقع في غمر ذلك البحر وهو الفلك، فإذا أحب الله أن يعظم الآية ويشدد تخويف العباد وقعت الشمس كلها فلا يبقى منها على العجلة شيء، فذلك حين يظلم النهار وتبدو النجوم، وهو المنهى من كسوفها. فإذا أراد أن يجعل أية دون آية وقع منها النصف أو الثلث أو الثلثان في الماء ويبقى سائر ذلك على العجلة، فهو كسوف دون كسوف، وبلاء للشمس أو للقمر، وتخويف للعباد، واستعتاب من الرب عز وجل، فأي ذلك كان صارت الملائكة الموكلون بعجلتها فرقتين: فرقة منها يقبلون على الشمس فيجرونها نحو العجلة، والفرقة الأخرى يقبلون على العجلة فيجرونها نحو الشمس، وهم في ذلك يقرونها في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله على قدر ساعات النهار أو ساعات الليل، ليلاً كان أو نهاراً، في الصيف كان ذلك أو في الشتاء، أو ما بين ذلك في الخريف والربيع، لكيلا يزيد في طولهما شيء، ولكن قد ألهمهم الله علم ذلك، وجعل لهم تلك القوة، والذي ترون من خروج الشمس أو القمر بعد الكسوف قليلاً قليلاً من غمر ذلك البحر الذي يعلوهما، فإذا أخرجوها كلها اجتمعت الملائكة كلهم، فاحتملوها حتى يضعوها على العجلة، فيحمدون الله على ما قواهم لذلك، ويتعلقون بعرا العجلة، ويجرونها في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله حتى يبلغوا بها المغرب، فإذا بلغوا بها المغرب أدخلوها تلك العين، فتسقط من أفق السماء في العين. (ص 24) م قال النبي صلى الله عليه وسلم، وعجب من خلق الله: وللعجب من القدرة فيما لم نر أعجب من ذلك، وذلك قول جبرئيل عليه السلام لسارة "أتعجبين من أمر الله" وذلك أن الله عز وجل خلق مدينتين: إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب، أهل المدينة التي بالمشرق من بقايا عاد من نسل مؤمنيهم، وأهل التي بالمغرب من بقايا ثمود من نسل الذين آمنوا بصالح، اسم التي بالمشرق بالسريانية مرقيسيا وبالعربية جابلق واسم التي بالمغرب بالسريانية برجيسيا وبالعربية جابرس ولكل مدينة منهما عشرة آلاف باب، ما بين كل بابين فرسخ، ينوب كل يوم على كل باب من أبواب هاتين المدينتين عشرة آلاف رجل من الحراسة، عليهم السلاح، لا تنوبهم الحراسة بعد ذلك إلى يوم ينفخ في الصور، فوالذي نفس محمد بيده، لولا كثرة هؤلاء القوم وضجيج أصواتهم لسمع الناس من جميع أهل الدنيا هدة وقعة الشمس حين تطلع وحين تغرب، ومن ورائهم ثلاثة أمم: منسك، وتافيل، وتاريس، ومن دونهم يأجوج ومأجوج.
وإن جبرئيل عليه السلام أنطلق بي إليهم ليلة أسرى بي من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فدعوتُ يأجوج ومأجوج إلىعبادة الله عز وجل فأبوا أن يجيبوني، ثم انطلق بي إلى أهل المدينتين، فدعوتهم إلى دين الله عز وجل وإلى عبادته فأجابوا وأنابوا، فهم في الدين إخواننا، من أحسن منهم فهو مع محسنكم، ومن أساء منهم فأولئك مع المسيئين منكم. ثم انطلق بي إلى الأمم الثلاث، فدعوتهم إلى دين الله وإلى عبادته فأنكروا ما دعوتهم إليه، فكفروا بالله عز وجل وكذبوا رسله، فهم مع يأجوج ومأجوج وسائر من عصى الله في النار، فإذا ما غربت الشمس رفع بها من سماء إلى سماء في سرعة طيران الملائكة، حتى يبلغ بها إلى السماء السابعة العليا، حتى تكون تحت العرش فتخر ساجدة، وتسجد معها الملائكة الموكلون بها، فيحدرُ بها من سماء إلى سماء، فإذا وصلت إلى هذه السماء فذلك حين ينفجر الفجر، فإذا انحدرت من بعض تلك العيون، فذاك حين يضئ الصبح، فإذا وصلت إلى هذا الوجه من السماء فذاك حين يضيء النهار.
قال: وجعل الله عند المشرق حجاباً من الظلمة على البحر السابع، مقدار عدة الليالي منذ يوم خلق الله الدنيا إلى يوم تصرم، فإذا كان عند الغروب أقبل ملك قد وكل بالليل فيقبض قبضة من ظلمة ذلك الحجاب، ثم يستقبلُ المغرب، فلا يزال يرسل من الظلمة من خلل أصابعه قليلاً قليلاً وهو يراعي الشفق فإذا غاب الشفق أرسل الظلمة كلها ثم ينشر جناحيه، فيبلغان قطري الأرض وكنفي السماء، ويجاوزان ما شاء الله عز وجل خارجاً في الهواء، فيسوق ظلمة الليل بجناحيه بالتسبيخ والتقديس والصلاة الله حتى يبلغ المغرب، فإذا بلغ المغرب انفجر الصبح من المشرق، فضم جناحيه، ثم يضم الظلمة بعضها إلى بعض بكفيه، ثم يقبض عليها بكف واحدة نحو قبضته إذا تناولها من الحجاب بالمشرق، فيضعها عند المغرب على البحر السابع من هناك ظلمة الليل. فإذا ما نقل ذلك الحجاب من المشرق إلى المغرب نفخ في الصور، وانقضت الدنيا، فضوء النهار من قبل المشرق، وظلمة الليل من قبل ذلك الحجاب، فلا تزال الشمس والقمر كذلك من مطالعهما إلى مغاربهما إلى ارتفاعهما، إلى السماء السابعة العليا، إلى محبسهما تحت العرش، حتى يأتي الوقت الذي ضرب الله لتوبة العباد، فتكثر المعاصي في الأرض ويذهب المعروف، فلا يأمر به أحد، ويفشو المنكر فلا ينهى عنه أحد.

فإذا كان ذ لك حبست الشمس مقدار ليلة تحت العرش، فكلما سجدت وأستأذنت: من أين تطلع? لم يحر إليها جواب، حتى يوافيها القمر ويسجد معها، ويستأذن: من أين يطلع? فلا يحار إليه جواب، حتى يحبسهما قدار ثلاث ليال للشمس وليلتين للقمر، فلا يعرف طول تلك الليلة إلا المتهجدون في الأرض، وهم حينئذ عصابة قليلة في كل بلدة من بلاد المسلمين، في هوان من الناس وذلة من أنفسهم، فينام أحدهم تلك الليلة قدر ما كان ينام قبلها من الليالي، ثم يقوم فيتوضأ ويدخل مصلاه فيصلي ورده، كما كان يصلي قبل ذلك، ثم يخرج فلا يرى الصبح، فينكر ذلك ويظن فيه الظنون من الشر ثم يقول: فلعلي خففت قراءتي، أو قصرت صلاتي، أو قمت قبل حيني! قال: ثم يعود أيضاً فيصلي ورده كمثل ورده، الليلة الثانية، ثم يخرج فلا يرى الصبح، فيزيده ذلك إنكاراً، ويخالطه الخوف، ويظن في ذلك الظنون من الشر ثم يقول: فلعلي خففت قراءتي، أو قصرت صلاتي، أو قمت من أول الليل! ثم يعود أيضاً الثالثة وهو وجل مشفق لما يتوقع من هول تلك الليلة، فيصلي أيضاً مثل ورده، الليلة الثالثة، ثم يخرج فإذا هو بالليل مكانه والنجوم قد استدارت وصارت إلى مكانها من أول الليل. فيشفق عند ذلك شفقة الخائف العارف بما كان يتوقع من هول تلك الليلة فيستلحمه الخوف، ويستخفه البكاء، ثم ينادي بعضهم بعضاً، وقبل ذلك كانوا يتعارفون ويتواصلون، فيجتمع المتهجدون من أهل كل بلدة إلى مسجد من مساجدها، ويجأرون إلى الله عز وجل بالبكاء والصراخ بقية تلك الليلة، والغافلون في غفلتهم،حتى إذا ما تم لهما مقدارُ ثلاث ليال للشمس وللقمر ليلتين، أتاهما جبرئيل فيقول: إن الرب عز جل يأمركما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منها، وأنه لا ضوء لكما عندنا ولا نور. قال: فيبكيان عند ذلك بكاء يسمعه أهل سبع سموات من دونهما وأهل سرادقات العرش وحملة العرش من فوقهما، فيبكون لبكائهما مع ما يخالطهم من خوف الموت، وخوف يوم القيامة.
ال: فبينا الناس ينتظرون طلوعهما من المشرق إذا هما قد طلعا خلف أقفيهم من المغرب أسودين مكورين كالغرارتين، ولا ضوء للشمس ولا نور للقمر، مثلهما في كسوفهما قبل ذلك، فيتصايح أهلُ الدنيا وتذهل الأمهات عن أولادها، والأحبة عن ثمرة قلوبها، فتشتغل كل نفس بما أتاها. قال: فأما الصالحون والأبرار فإنه ينفعهم بكاؤهم يومئذ، ويكتب ذلك لهم عبادة. وأما الفاسقون والفجار فإنه لا ينفعهم بكاؤهم يومئذ، ويكتب ذلك عليهم خسارة. قال: فيرتفعان مثل البعيرين القرينين، ينازع كل واحد منهما صاحبه استباقاً، حتى إذا بلغا سرة السماء - وهو منصفها - أتاهما جبرئيل فأخذ بقرونهما ثم ردهما إلى المغرب، فلا يغربهما في مغاربهما من تلك العيون، ولكن يغربهما في باب التوبة.
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنا وأهلي فداؤك يا رسول الله! فما باب التوبة? قال: يا عمر، خلق الله عز وجل باباً للتوبة خلف المغرب، مصراعين من ذهب، مكللاً بالدر والجوهر، ما بني المصراع إلى المصراع الآخر مسيرة أربعين عاماً للراكب المسرع، فذلك الباب مفتوح منذ خلق الله خلقه إلى صبيحة تلك الليلة عند طلوع الشمس والقمر من مغاربهما، ولم يتب عبد من عباد الله توبة نصوحاً من لدن آدم إلى صبيحة تلك الليلة إلا ولجت تلك التوبة في ذلك الباب، ثم ترفع إلى الله عز وجل.
قال معاذ بن جبل: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! وما التوبة النصوح? قال: إن يندم المذنب على الذنب الذي أصابه فيعتذر إلى الله ثم لا يعود إليه، كما لا يعود اللبن إلى الضرع. قال: فيرد جبرئيل بالمصراعين فيلأم بينهما ويصيرهما كأنه لم يكن فيما بينهما صدع قط، فإذا أغلق باب التوبة لم يقبل بعد ذلك توبة، ولم ينفع بعد ذلك حسنة يعملها في الإسلام إلا من كان قبل ذلك محسناً، فإنه يجري لهم وعليهم بعد ذلك ما كان يجري قبل ذلك، قال فذلك قوله عز وجل: "يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفعُ نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبلُ أو كسبت في إيمانها خيراً".(ص26)فقال أبي بن كعب: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! فكيف بالشمس والقمر بعد ذلك! وكيف بالناس والدنيا! فقال: يا أبي، إن الشمس والقمر بعد ذلك يكسيان النور والضوء، ويطلعان على الناس ويغربان كما كانا قبل ذلك، وأما الناس فإنهم نظروا إلى ما نظروا إليه من فظاعة الآية، فيلحون على الدنيا حتى يجروا فيها الأنهار، ويغرسوا فيها الشجر، ويبنوا فيها البنيان. وأما الدنيا فإنه لو أنتج رجل مهراً لم يركبه من لدن طلوع الشمس من مغربها إلى يوم ينفخ في الصور.
فقال حذيفة بن اليمان: أنا وأهلي فداؤك يا رسول الله! فكيف هم عند النفخ في الصور! فقال: يا حذيفة، والذي نفس محمد بيده، لتقومن الساعة ولينفخن في الصور والرجل قد لط حوضه فلا يسقى منه، ولتقومن الساعة والثوب بين الرجلين فلا يطويانه، ولا يتبايعانه. ولتقومن الساعة والرجل قد رفع لقمته إلى فيه فلا يطعمها، ولتقومن الساعة الرجل قد انصرف بلبن لقحته من تحتها فلا يشربه، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: "وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون".
فإذا نفخ في الصور، وقامت الساعة، وميز الله بين أهل الجنة وأهل النار ولما يدخلوهما بعد، إذ يدعو الله عز وجل بالشمس والقمر، فيجاء بهما أسودين مكورين قد وقعا في زلزال وبلبال، ترعد فرائصهما من هول ذلك اليوم ومخافة الرحمن، حتى إذا كانا حيال العرش خرا لله ساجدين، فيقولان: إلهنا قد علمت طاعتنا ودؤبنا في عبادتك، وسرعتنا للمضي في أمرك أيام الدنيا، فلا تعذبنا بعبادة المشركين إيانا، فإنا لم ندع إلى عبادتنا، ولم نذهل عن عبادتك! قال: فيقول الرب تبارك وتعالى: صدقتما، وإني قضيت على نفسي أن أبدئ وأعيد، وإني معيدكما فيما بدأتكما منه، فارجعا إلى ما خلقتما منه، قالا: إلهنا، ومم خلقتنا? قال: خلقتكما من نور عرشي، فارجعا إليه. قال: فيلتمع من كل واحد منهما برقة تكاد تخطف الأبصار نوراً، فتخلط بنور العرش فذلك قوله عز وجل: "يبديء ويعيد".
قال عكرمة: فقمت مع النفر الذين حدثوا به، حتى أتينا كعباً فأخبرناه بما كان من وجد ابن عباس من حديثه، وبما حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام كعب معنا حتى أتينا ابن عباس، فقال: قد بلغني ما كان من وجدك من حديثي، وأستغفر الله وأتوب إليه، وإني إنما حدثت عن كتاب دارسٍ قد تداولته الأيدي، ولا أدري ما كان فيه من تبديل اليهود، وإنك حدثت عن كتاب جديد حديث العهد بالرحمن عز وجل وعن سيد الأنبياء وخير النبيين، فأنا أحب أن تحدثني الحديث فأحفظه عنك، فإذا حدثت به كان مكان حديثي الأول.
قال عكرمة: فأعاد عليه ابن عباس الحديث، وأنا أستقريه في قلبي باباً باباً، فما زاد شيئاً ولا نقص، ولا قدم شيئاً ولا أخر، فزادني ذلك في ابن عباس رغبة، وللحديث حفظاً.
ومما روى عن السلف في ذلك ما حدثناه ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي الطفيل، قال: قال ابن الكواء لعلي عليه السلام: يا أمير المؤمنين، ما هذه اللطخة التي في القمر? فقال: ويحك! أما تقرأ القرآن "فمحونا آية الليل"! فهذه محوه.
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا طلق، عن زائدة عن عاصم، عن عليّ بن ربيعة، قال: سأل ابن الكواء علياً عليه السلام فقال: ما هذا السواد في القمر? فقال علي: "فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرةً"، هو المحو.
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبيد بن عمير، قال: كنت عند علي عليه السلام، فسأله ابن الكواء عن السواد الذي في القمر فقال: ذاك آية الليل محيت.
حدثنا ابن أبي الشوارب، قال:حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا عمران بن حدير، عن رفيع، أبي كثيرة، قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: سلوا عما شئتم، فقال ابن الكواء فقال: ما السواد الذي في القمر، فقال: قاتلك الله! هلا سألت عن أمر دينك وآخرتك! ثم قال ذاك محو الليل.
حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان المصري، قال: حدثنا ابن عفير، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن حيّيّ بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رجلاً قال لعليّ رضي الله عنه: ما السوادُ الذي في القمر? قال: إن الله يقول: "وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة".(ص27)