fredag 26 augusti 2011

العشوائية والنظام

هذا الموضوع لزميل عزيز كان يكتب مواضيعه بإسم بروتين وهو موضوع غني ويستحق القراءة...

في الحياة اليومية، يسئ الكثيرون إستخدام مصطلحات مثل "الصدفة، العشوائية، النظام"، بدون التدقيق في ما يقصدونه بالضبط من تلك العبارات أو المفاهيم، لذلك ليس من الغريب إنتشار . سوء الفهم الجاد لمفاهيم "العشوائية والنظام" يحتاج الى الإلمام بمبادئ الاحتمالات والإحصاء.

بعض الاخطاء الشائعة نجدها في سوء فهم تعبير مثل "عن طريق الصدفة" فيتعامل البعض معها وكأنها تعني " بلا سبب"، ويشيع الخلط بين مفهومي العشوائية والسببية", فالعشوائية لا تتعارض مع جوهر السببية من حيث كونها تتابع للأسباب وليس لترجيح الحوادث.

وبشكل عام يطمح هذا المقال لتوضيح العلاقة المتتداخلة بين درجة العشوائية ودرجة التنظيم ودور كل منهم في بناء النظام، وكيف تعبر قوانين الاحصاء عن هذه العلاقة .


العشوائية يقصد بها درجة تباين الأحداث في مستوى الاحتمالية (وساوضح هذا فما سيأتي) وتدل كذلك على درجة الارتباط بين حدثين مستقلين ,يجب أن نميز دائما بأن العشوائية لها درجات متباينة تبدأ من العشوائية التامة حيث يكون التوزيع الاحتمالي (50% إلى 50%) لتصل إلى شبه ثبوت أو ما نطلق عليه انتظام حيث يقترب احتمالية بعض القيم من الصفر ويقترب احتمالية البعض الأخر من الواحد.
من خلال التقسيم السابق ذكره للعشوائية (عالم فوق ذري وعالم تحت ذري او جسيمي ) فسأبدأ بعشوائية المستوى الأول:, وهي للعالم الفوق الذري. نحن دائما نشعر بأن هذا النوع من العشوائية ليست لها تلك القيمة الأصيلة (مثلما هي الحال في المستوى الثاني) واننا نستطيع الإحاطة بالظروف الأولية التي ترجح احتمال على أخر والتي ستمكننا في النهائية للوصل إلى التحديدية المطلقة ( determinism  ), فعندما أرمي زهر النرد  وأقول بأنني قد حصلت على رقم عشوائي وليكن 3, على فرض أنني استطعت الإحاطة بجميع الظروف المؤثرة على حركة النرد في الهواء والتحكم بكل القوى التي تحدد الوجه الذي سوف يسقط عليه فبالتأكد لن تصبح النتيجة عشوائية فالعشوائية هنا ترجع لعدم معرفتنا بظروف المؤثرة على حركة النرد.
لكن الموضوع ليس بهذه البساطة فالإحاطة الكلية بجميع المعلومات مستحيل عملياً ونظريا, الاستحالة النظرية تكمن في عدم القدرة على معرفة جميع المعلومات, وتجد لها شرح وافي في هذا الموضوع  "محدودية السببية"
 . والسبب الأساسي لتلك الاستحالة وهو العدد اللانهائي للمعلومات الممكنة وعدم وجود نظام محكم الإقفال في هذا الكون اللامتناهي .
المستوى الثاني وهو العالم دون الذري او الكوانتي,الطبيعة العشوائية هنا وكما قررها علماء الفيزياء تختلف تماماً عن العشوائية في العالم فوق الذري لأننا لأن نستطيع التحسين من درجة المعرفة بالنسبة لتنبؤ الحدث مهما بذلنا من العناء وهذا ليس لعيب فينا ولكن لطبيعة تلك الجسيمات اللاتحديدية وفق لمبدأ اللاتحديد لهايزنبرج.

الصدفة مصطلح شائع الاستعمال وهو ما يقصد به في الإحصاء درجة الاحتمالية لوقوع حدث ما (على سبيل المثال كنت امشي في الشارع فتصادفت بفلان من الناس ).

ولننظر للمثال التالي :
لدينا فريقين لكرة القدم يلعبان مباراة فما هو احتمال اصطدام أثنين من اللاعبين من كلا الفريقين ؟
هنا لدينا احتمال كبير لذلك وعلينا أن ننتبه إلى أن احتمال اصطدام لاعبين من كلا الفريقين يختلف عن احتمال اصطدام لاعبين من نفس الفريق؟
لو تصورنا أن هؤلاء اللاعبين الاثنان والعشرون خارج ملعب كرة القدم يتجولون في المدينة فما هو احتمال اصطدام أثنين من اللاعبين؟ طبعا الاحتمال هنا يبدو اضعف بكثير
 حسنا فلنفترض أن هؤلاء اللاعبين الاثنان والعشرين يستطيعون العيش مليون سنة وهم يتجولون في نفس المدينة, هنا سيصبح احتمالية اصطدامهم مرة ربما تفوق احتمالية اصطدامهم أثناء مباراة كرة القدم !

حسنا فلنفترض أن هؤلاء اللاعبين الاثنان والعشرون يتجولون في نفس المدينة لمدة يوم واحد فقط لكن هنالك مليون مدينة وفي كل منها يتجول كذلك اثنان وعشرون لأعب, فما هو احتمال أن يصطدم لأعبين في احد هذه المليون مدينة ببعضهم خلال تلك الساعة؟؟

هنا الاحتمالية تبدو كبيرة جدا وحتى لو كانوا يتجولون لمدة ساعة واحدة فقط !!!

هذه الأمثلة تهدف إلى توضيح العوامل التي تحدد مستوى الاحتمالية للحدوث تفاعل او التصادف ومن الممكن أن نعبر عنها بتفاعل كيميائي في تجربة ما فما يحدد احتمالية الحدوث هو 1- الزمن المعطي لبدا التفاعل 2- مساحة فضاء التفاعل 3- عدد الوحدات الداخلة في التفاعل 4 عدد مرات تكرر التجربة

كلما أزداد الزمن ازدادت الاحتمالية وكلما ازدادت عدد الوحدات ازدادت الاحتمالية وكلما ازدادت عدد مرات إجراء التجربة ازدادت الاحتمالية وكلما ازدادت مساحة الفضاء قلت الإحتماليه (من الممكن ان نحسب بهذه الطريقة على سبيل المثال احتمال تصادم جزيئان من الغاز داخل خزان كبير )

في نظرية التطور على سبيل المثال حتى نحسب احتمال تكون جزيئ بروتيني من خلال التقاء مجموعة من الأحماض الأمينية
فاننا يجب أن نحسب عدد الأحماض ألأمينيه ودرجة تركيزها في كل بحر ومحيطات الأرض ونحسب الزمن المتاح لهذه الأحماض لبدء التفاعل ومن ثم نحسب مساحة البحار والمحيطات التي تمثل فضاء التفاعل ومن ثم يجب أن لأ ننسى حساب على كم كوكب غير الأرض تكررت هذه العملية (عدد تكرار التجربة)!!!

هنالك طبعا بالإضافة إلى ما سبق مجموعة ضخمة من التفاصيل التي يجب أن تؤخذ في الحسبان على سبيل المثال هل تتوزع الأحماض الأمينية بطريقة متجانسة أم أن هنالك مناطق شديدة التركيز ومناطق منخفضة التركيز, لأن الاختلاف في درجة توزيع وحدات التفاعل يفرض علينا أعادة تقسيم المساحة الكلية إلى مجموعة مساحات جزئية ونحسب الاحتمالية في كل مساحة بشكل منفصل وكذلك هل عدد الوحدات ثابت في الفترة الزمنية السابقة لبدء التفاعل (التقاء مجموعة أحماض امينية لتكوين بروتين) أم أن عدد الوحدات متغير, لأن ذلك يفرض علينا إعادة تقسيم المدة الزمنية إلى عدة مجموعات وعلينا أن نحدد كم عدد الوحدات التي نريد معرفة احتمالية التقاؤها لأن احتمال التقاء وحدتين يختلف كثيرا عن احتمال التقاء ثلاث وحدات وعلينا أن نعرف كذلك هل هذه الجزيئات الداخلة في التفاعل متجانسة اما انها مختلفة وما هو عدد الجزيئات من كل نوع وعلينا كذلك أن نعرف تفاصيل عن طبيعة حركة هذه الوحدات داخل الفضاء وعن طبيعة محفز التفاعل.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن ما يردده الخلقيين الكلاسيكيين دائما من تلك الحسابات الإحصائية هي مجرد مجموعة أرقام يتناقلونها في ما بينهم بدون ان يكلف أحد نفسه بشرح المعطيات أو الكيفية التي تمت بها تلك الحسابات وهنا أتحدى أي شخص أن يشرح لي الكيفية التي تمت بها تلك الأرقام, لأن من يستطيع فعلاً القيام بحساب الاحتمالات بشكل صحيح يجب أن يلم بكل المعطيات في الزمن الماضي من تركيز للمواد العضوية والظروف المناخية وغيرها وذلك ليس في أرضنا وحدها فقط كما أشرت سابقا ولكن وضع الأرض إلى جانب كل الكواكب المحتملة لتكون الحياة انهم يعتمدون فقط على كون العالم الفلاني قد قام بذلك!!! . 
حساب احتمالات بهذا التعقيد "من وجهة نظري" هو مضيعة للوقت ونوع من العبث وسأوضح لك عزيزي القارئ وجاهة نظري هذه.

بهذه الطريقة يمكننا أن نتساءل ما هو احتمال الانفجار الأول فإذا فرضنا على سبيل المثال أن احتمال انفجار النوية الأولى للكون هو 1 أس 20 فيجب علينا كذلك ان نعرف الزمن السابق للانفجار ومع وجود عدد أخر كبير من النويات التي لم تنفجر بعد فأن حساب الاحتمال يختلف بشكل جذري  لأننا علينا أن نجمع ( 1 أس 20 ) لكل تلك النويات لنجد احتمال انفجار أحدها فقط !!, على نفس المنوال لو فرضنا احتمال  لظهور الحياة على الأرض ب ( 1 أس 30 ) على سبيل المثال فأننا علينا أن نعرف عدد الكواكب المشابه للأرض والمحتمل فيها ظهور الحياة لنقوم بعد ذلك بجمع كل تلك ( 1 أس 30) لكل تلك الكواكب لنجد احتمالية ظهور الحياة في أحدها فلو كان عدد تلك الكواكب مثلا (1 أس 30 ) فأننا هنا أمام احتمال أكيد بالرغم من أننا لا نحتاج لتلك الدرجة من اليقين!!.

ولمزيد من التوضيح لمن لا يريد الاقتناع سأقدم المثال التالي:
تصور غرفة بها ثلاثة أشخاص يلعبون لعبة الدومنو والتي تحتاج لقدر من الذكاء مع قليل من الحظ اثنان من هؤلاء اللاعبين عباقرة وواحد منهم متخلف عقليا.
من المتوقع طبعا أن يُهزم المتخلف عقلياً, حسنا تصور غرفة أخرى إلى جوار هذه الغرفة فيها كذلك ثلاثة أشخاص بنفس المواصفات يلعبون الدومنو .
هل تتوقع أن أي من المتخلفين عقليا في أحد هاتين الغرفتين سوف يحظى بفرصة للفوز ؟؟
إذا كان عدد الغرف التي تحتوي على اللاعبين ثلاثة وبنفس المواصفات يصل مثلا (1 أس 30) فهل لا زلت تستبعد فوز متخلف عقلي  في أي من هذه الغرفة لمرة واحدة ؟؟!! كم تريد من الغرف ليحظى إي من هؤلاء المتخلفين بفرصة للفوز؟ القضية هنا أننا لا نعرف الحجم الكلي للعينة التي نتعامل معها في هذا الكون اللامتناهي. بدون معرفة الحجم الكلي للعينة فلا يمكن ايجاد حساب احتمالي بشكل نهائي (وربما لهذا السبب تتحقق تلك الحوادث التي نعتقد بأن احتماليتها شبة مستحيلة كسقوط شهاب من السماء على رأس رجل محدد يرتدي ملابس حمراء ويأكل البسكويت ويلبس نظارة مكسورة ولا تسقط على رجل أخر)


Inga kommentarer:

Skicka en kommentar