torsdag 14 februari 2019


آيات التحدي في القرآن
هل الآيات القرآنية شكّلت تحديا لفقهاء العربية في حينها , وما هو الجديد في ذلك وأين يكمن الإعجاز في القرآن , ولماذا لم تتم المحافظة على قرآن مسيلمة , وسجاح التميمية وغيرهما من الذين ادعوا أنهم يستطيعون أن يكتبوا قرآنا يشبه قرآن محمد 0
(00في الآيات القرآنية الواردة في التحدي ما يدعو إلى الانتباه .
 ذلك أن آيات التحدي هي في سورة الطور : ( فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ) (1) 0 وفي سورة يونس : ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ) (2) 0وفي سورة هود : ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ) (3) 0 وفي سورة الإسراء /908/ : ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ) (4) 0
إن هذه السور التي فيها آيات التحدي كلها من السور المكية , وترتيب القرآن مشوش لم ترتب آياته بحسب النزول , فلا نستطيع أن نعرف من ترتيب الآي أي آية من آيات التحدي نزلت أولاً 0
ولكنا إذ علمنا أن محمداً كان في جميع الأمور يتدرج إلى ما ير تدرجاً بحسب ما تدعو إليه الحاجة ويقتضيه الحال , كما أشرنا إليه فيما تقدم عند الكلام على أساس الدعوة , كان من الجائز أن نقول بأنه في التحدي أيضاً جرى على هذه الطريقة 0 وعندئذ ٍ نستطيع أن نقول بن آية الطور هي أول آية نزلت في التحدي , لأنها أبسط قول يقال في التحدي أول وهلة
0 ولا شك أن " الحديث " الوارد في قوله : ( فليأتوا بحديث مثله " يشمل الكثير والقليل حتى إنه يصدق على آية واحدة من القرآن , والإتيان بمثله في آية واحدة أو آيتين لا يجوز أن تتم به المعارضة , بل لا يجوز أن يعد معارضة أصلاً , لأن ذلك سهل متيسر لكل أحد , خصوصاً والآيات القرآنية فيها ما هو عبارة عن كلمة واحدة نحو : ( مداهمتان) (1) فإنها آية قرآنية وإن كانت كلمة واحدة
0
على أن الآتيان بمثله في آية أو آيتين هو مما وقع في أيام نزول القرآن، من المسلمين ومن الكفار على السواء 0 ففي الإتقان قال: وأخرج مسلم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن يهودياً لقي عمر بن الخطاب فقال له : إن جبريل الذي يذكره صاحبكم عدو بنا , فقال عمر : ( من كان عدواً لله وملائكته وميكال فإن الله عدو للكافرين ) (2) , قال : فنزلت هذه الآية بعد ذلك كما قالها عمر (3) /909/ قال : وأخرج سنيد في تفسيره عن سعيد بن جبير أن سعد بن معاذ لما سمع ما قيل في أمر عائشة ( أي في الإفك) قال: ( سبحانك هذا بهتان عظيم ) (4) , فنزلت كذلك 0
قال: وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: لما أبطأ على النساء الخبر في احد , خرجن يستخبرن , فإذا رجلان مقبلان على بعير, فقالت امرأة : ما فعل رسول الله ؟ قال: حي , قالت : فلا أبالي يتخذ الله من عباده شهداء ( تعني قتلى أحد ) , فنزل القرآن على ما قالت : ( ويتخذ منكم شهداء ) (5) 0
وفي الإتقان أيضاً : قال ابن سعد في الطبقات : أخبرنا الواقدي : حدثني إبراهيم بن محمد شرحبيل العبدري , عن أبيه قال: حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد فقطعت يده اليمنى , فأخذ اللواء بيده اليسرى وهو يقول : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) (6) , فقطعت يده اليسرى , فحنى على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول وما محمد إلا رسول إلخ 00 ثم قتل فسقط اللواء 0 قال: وما كانت هذه الآية نازلة يومئذ ثم نزلت بعد ذلك (7)
 0
فهؤلاء مسلمون من أصحاب رسول الله قد أتى كل منهم بحديث لم يكن قرآناً , ثم نزل به فصار قرآناً
0 وقد وقع مثل ذلك لبعض الكفار أيضاً , فقد ذكروا عن النضر بن الحارث أنه كان إذا جلس رسول الله مجلساً يحدث فيه قومه ويحذرهم ما أصاب من قبلهم من نقمة الله يخلفه في مجلسه , ويقول لقريش : هلموا فإني والله يا معشر قريش أحسن حديثاً منه, ثم يحدثهم عن ملوك فارس 0 قال صاحب السيرة الحلبية : ولما تلا ( أي النبي ) عليهم نبأ الأولين , قال النضر بن الحارث : قد سمعنا , لو نشأ لقلنا مثل هذا / 910/ ( إن هذا إلا أساطير الأولين ) (1)
0 وهذا الكلام حكاه بعد ذلك القرآن فصار آية قرآنية , قال صاحب السيرة الحلبية : وعند ذلك نزل الله تكذيباً له ( أي للنضر ) : ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ) (2) 0 ففي هذه الآية لم يتحدهم أو بسورة أو بعشر سور بل بمثل القرآن كله
0
ومن هذا القبيل ما قاله عبد الله بن أبي سرح فكان سبباً لارتداده على الأصح , وذلك أن عبد الله هذا اسلم وكان يكتب الوحي لرسول الله , فاتفق يوماً أن كان رسول الله يملي عليه آية نزلت , فأملى عليه : ( لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ) (3) فكتبها , ثم أملى : ( ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ) (4) فكتبها , ثم أملى : ( ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم إنشأناه , خلقاً آخر ) (5) , فلما كتب ذلك عبد الله تعجب من تفصيل خلق الإنسان , فقال: ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) (6) , فقال له رسول الله , اكتب ذلك , هكذا نزلت , فوقع من ذلك في نفس عبد الله ريب , فقال : إن كان محمد يوحى إليه فأنا يوحى إليّ , فارتد عن الإسلام ولحق بمكة وصار يقول لقريش : إني كنت أصرف محمد كيف شئت , كان يملي علي عزيز حكيم , فأقول : أو عليم حكيم , فيقول : نعم كل صواب , وكل ما أقوله يقول ك اكتب هكذا نزلت (7)
0
فمن هذا يظهر أن الإتيان بآية أو آيتين مثل القرآن أمر سهل قد يتفق لكل أحد أن يأتي به , فتحديهم بأن يأتوا بحديث مثله غير صحيح ولا مأمون فيه سوء العاقبة 0 فلذا عدل عنه / 911/ محمد متدرجاً في التحدي إلى ما هو أعلى من ذلك , فجاء بالآية الثانية: ( قل فأتوا بسورة من مثله ) (8)
0
ولم يقف عند هذا الحد حتى جعلها عشر سور , ثم ارتقى إلى ما يقتضيه التحدي الصحيح الذي يتعذر أو يستحيل عادة أن يجيبه إليه أحد , وهو تحديهم بأن يأتوا بمثل القرآن من دون قيد بحديث أو سورة كما قال في الآية الأخرى : ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن ) (9) الخ 00 الآية 0 وهذا هو التحدي الذي ترجع فيه المعارضة خائبة خاسرة بلا شك ولا ريب 0 ولذا نراه يتكلم بجراءة واطمئنان واثقاً بعجزهم عمّا يريد منهم , حتى أنه لم يتحد الإنس وحدهم بل جعل الجن لهم معاونين تهويلاً عليهم وتأكيداً لعجزهم 0) يتبع
0
(1) سورة الطور, الآية : 34 – (2) سورة يونس , الآية : 38 – (3) سورة هود , الآية 13 – (4) سورة الإسراء , الآية : 88 – 01) سورة الرحمن , الآية : 64 – (2) سورة البقرة , الآية : 98 – (3) الإتقان , 1/ 35 – (4) سورة النور ,الآية : 12 ؛ الإتقان , 1/ 35 – (5) سورة آل عمران , الآية : 140 – (6) سورة آل عمران , الآية : 144 – (7) الإتقان , 1/35 – سورة الأنعام , الآية : 35 ؛ سورة الأنفال , الاية : 31 ؛ سورة المؤمنون , الآية 83 ؛ سورة النحل , الآية : 27 – (2) سورة الإسراء الآية : 88 ( 3) سورة المؤمنون , الآية : 12 (4) سورة المؤمنون , الآية : 13 – (5) سورة المؤمنون , الآية : 14 – (6) سورة المؤمنون , الآية : 14 – (7) السيرة الحلبية , 3/ 90 – (8) سورة يونس ’ الآية : 38 – (9) سورة الإسراء , الآية : 88 –
* من كتاب الشخصية المحمدية للكاتب معروف الرصافي 

Inga kommentarer:

Skicka en kommentar